ومثل حنين لم يتركني يونس يوما واحداً دون توجيه رغم انشغاله ،نفذت تعليماته ووجدت نفسي انخرط شيئاً فشيئا في حياه اكثر جديه ، كان يراني فتبتسم عيناه في صدق أحسه ، يحاول دوما ان يخبئ مشاعر لا تقوي عيناه علي تحمل كتمانها فتظهر واضحه في تعاملاته ، تخيلت الأمر كذالك ودعوت الله الا يبوح بها ابدا ، لا اريد ان اجرحه أو اخيره وقد أصبح الصديق الأمثل الذي عرف كيف بخرجني من محنتي ، لا اريد ذنبا من نوع اخر في حياتي ، لكنني اعترف أنه كان وحده قادرا علي ازاحه الستار قليلا حتي اري ضوء الحياه من جديد ، و استعيد نفسي التي كادت تذهب بلا رجعه .
ذات يوم كان موعد محاضره الكمنجه الساعه الثامنه مساء مع يونس ، كنت في الكليه منذ الصباح ، فقط خرجت مع حنين بعد انتهاء المحاضرات لتناول وجبه الغداء ، ودعتني بعدها وذهبت هي لانشغالها ، لم اجد ما أفعله في الساعه السابعه والنصف الا انتظار يونس ، كان عدد الطلبه الموجودين في هذا المساء قليلا جدا علي غير العاده ، بينما اصعد الي الطابق الثالث سمعت صوت أحد الزملاء أثناء هبوطهم منه يناديني :_ فريده .. الطابق الثالث أصبح خاليا تماما الان .
لم افهم ما يقصده بالظبط فأجبته ..
_ وماذا في الأمر ؟ .. سوف انتظر يونس .
نظر نظره لم افهمها ثم همهم بكلمات لزميل اخر لم اسمعها ثم قال ..
_ كما تحبين .. لكن لا تنسي غلق الاضائة كلها لأن العم سيد لن يصعد لإغلاقها ابدا .
تفهمت ما قال ؛ لأن حنين أخبرتني أن العم سيد هو أحد أهم أفراد الأمن واكبرهم سنا ، أجبته بصوت عال :
_ سوف افعل ..
أكملت صعودي ، انوار الطابق الثالث كلها مضائه ضوء الطرقة الطويله التي تمتلئ بعده غرف صغيره متجاورة جهه اليسار ، كلها معده لمحاضرات العزف فقط ، ومجهزة بجميع الآلات الموسيقية وخاصه الثقيله منها التي لا يصعب علي الطالب حملها ، مثل البيانو ، وال تشيلو ، دخلت الغرفه الثالثه وكان بعدها اربع غرف اخري مثلها تماما ، ثم غرفه أخيره تستخدم كمخزون للآلات القديمه الهالكة ، ثم المرحاض آخرهم في جهه اليمين ، يتوسط المرحاض والغرف في المواجهة صندوق الكهرباء الخاص بالطابق الثالث .
دخلت الغرفة الثالثه ووضعت الكمنجه جانبا ، فقد وجدت البيانو وهو الأحب الي نفسي جاهزا امامي مع مقعدين من الخشب ، مقعد للعازف واخر للمعلم ، المخرج الي البلكونه مغلق ومثبت بمسامير ، نافذه الغرفه الصغيره فوق البيانو بمساحه لا تكفي لأن أنظر منها ، كان مستوي النافذه يفوق طولي ، فقط يسمح للعازف بلنظر الي السماء ، وكان هذا ما أحببته عندما تدربت سابقا في الصباح منفرده ، صوت البيانو والطيور المحلقه خارج النافذه الصغيره ، أن اعزف الموسيقي واري السماء يخبراني بأسرار نفسي التي لا اعرفها ، كم اعشقهما ، الغرفه صغيره لكنها كافيه لاحتواء الآلات والعازفين معا ، ربما لاحتواء ارواحنا التائهة ، ارضيتها من خشب الباركية العتيقه الذي يضفي اصاله للمكان ، في السقف علقت مروحه للتهوية تعمل بزر بجانب زر الكهرباء ، وضعت حقيبتي علي الارض وجلست في مواجهه النافذه ، فأصبح باب الغرفه خلفي مباشره ، كذلك كانت هناك نافذه زجاجيه صغيره مربعه متحركه في مجري مخصص لها تتيح لمن بداخل الغرفه أو بخارجها التواصل اذي ما احتاج الأمر ، نظرت إلي ساعه يدي ، فوجدتها توقفت تماما ، لحسن حظي كانت ساعه الحائط في الغرفه بجانب النافذه تعمل .
الساعه السابعه واربعون دقيقة ، خلست خمس دقائق اخري في هدوء ثم في ملل حيث بدأت كل الأصوات بالاسفل تهدأ أيضا ، والظلام يطل عبر النافذه في غموض ، تركت باب الغرفه مفتوحا وقررت أن أفتح النوته الخاصه بي ، وابدا العزف لحين معاد وصول يونس ، كنت اتدرب علي مقطوعه خاصه بحفل التخرج ، بدأت بالفعل اعزف وكانت عيني معلقه تماما علي الساعه التي كانت تشير عقاربها علي الساعه السابعه وخمس واربعون دقيقة ، فجأة سمعت صوت اغلاق نور الطرقة قويا من لوحه المفاتيح .
اوقفت العزف بغتة والتفت خلفي ، فوجدت النور قد أغلق بالفعل ، اتراهم يظنون أن الطابق الثالث خال تماما كما نبهني زميلاي ؟ لكن كيف ذالك وموعد المحاضره الاخيره لم يحن بعد ! كيف قام أحد أفراد الأمن باطفاء الاضاءه دون أن يراني جالسه أو أن يسمع عزفي !
خرجت لإعلان لم أغلق النور انني انتظر محاضره العزف ، لكنني لم اجد احد ، نظرت يمينا ويسارا ..كانت الغرف كلها مغلقه ! الدرج الي اليمين خال والهدوء يسيطر علي المكان !
علي ضوء كشاف هاتفي المحمول المحمول ذهبت الي الكهرباء الرئيسيه في اخر الطرقة ، فوجدت بالفعل الزر وقد حركه أحدهم لاسفل ، عدلت من وضعه لاعلي ، فصدر منه نفس الصوت الاول عند إغلاقه واضيئ نور الطرقه !
ذهبت الي الغرفه لكن ظللت افكر كيف لم يرني من أغلق الاضاءه ولم اشعر به ؟!
المسافه طويله بين لوحه الكهرباء والدرج ! هل من الطبيعي أن يمر بي دون أن يسمع صوت عزفي ؟!
لن اقضي الوقت في التفكير الان ، ربما حدث ذلك من تلقاء نفسه جراء استخدام مفرط في الكهرباء..تحدث احيانا بالمنزل ، كانت الساعه السابعه والخمسون دقيقة ، فما بال الوقت لا يمضي !
بدأت مره اخري بالعزف ، وما أن وصلت الي نفس الجزء الذي وصلت إليه سابقا حتي سمعت نفس صوت مفتاح الكهرباء .. كان صوته اعلي من صوت العزف ، توقفت والتفت إلي الوراء ، فوجدت الظلام قد حل بالطرقة من جديد ! لم اكن خائفه لكن ما يحدث أثار فضولي ، خرجت علي مهل أنظر يمينا ويسارا من جديد ، لا يوجد احد ! غرف العزف خاليه والمرحاض مغلق ومظلم .
ذهبت للمره الثانيه الي لوحه الكهرباء ، فوجدت المفتاح لاسفل مره اخري ، تعجبت ، لابد أن يكون هناك تفسيرا ، أعدته الي الاعلي كالمره السابقه ، ثم ذهبت الي الدرج ، وناديا علي أفراد الأمن وفلم يجبني أحد ، رجعت مره اخري ونظرت الي الغرفه لا إراديا وكانت خاويه ، أكملت سيري الي أن وصلت الي الدرج فما يبدو أن الطوابق خاليه وليس الطابق الثالث فقط .
عدت الي الغرفه وكانت الساعه السابعه وخمس وخمسون دقيقه ، شرعت في تكمله المقطوعه حيث توقفت ، بدأت بالعزف ولم تمر دقيقه واحده الا وقد انقطعت الاضاءه كلها للمره الثالثه ، توقفت وتجمدت للحظات في مكاني ، ثم أسرعت في هذا الظلام الدامس والهدوء المخيف ، فاحضرت هاتفي المحمول من جديد، اضأت نوره وحركته بالغرفه علي شكل نصف دائره الي أن وصلت الي الباب ، حينها سمعت صوت خطوات قريبه بالطرقة ، ظننته يونس قد وصل أو أحد أفراد الامنى، لابد أن النور العمومي قد انقطع عن الكليه بأسرها ، اخذت حقيبتي وخرجت من الغرفه علي ضوء هاتفي ، سمعت صوت الخطوات مره اخري ، فناديت بصوت مرتعش .._ يونس ..انت هنا ؟
لكن لم يجبني أحد ؛ لانه بالفعل لم يكن هناك أحد ! الغريب في الأمر أن صوت الخطوات لم ينقطع ، عندما وصلت الي الدرج وهممت بالهبوط سمعت صوت زر الكهرباء قويا ، فأضاء الغرفه والطرقه معا ! توقفت ونظرت الي يساري في تعجب .. كانت الطرقة خاليه تماما الا من طيف ابيض يحلق في الهواء ! أسرعت فسمعت صوت الخطوات يقترب أكثر تجاهي وتختفي الطيف .. بدأت أهبط الدرج سريعا كأنني اهرب من شئ لا أراه ! الي ان اصطدمت بجسد ما ، أغلقت عيني وصرخت عاليا ثم سمعت صوت يونس :
_فريده .. اهدئى انا يونس .. ماذا حدث ؟
***
أنت تقرأ
النوم الاسود
Horror{ ليلة ظهور شبح غرفة الموسيقى } تصعد فريدة إلي الدور الثالث بمبنى كلية التربية الموسيقية، وتحديدًا أمام باب غرفة الموسيقى المهجورة، حيث تبدأ في تذكر كل شيء، لكن ما تتذكره أو تراه أو تحلم به لا يخصها. إنما هو مجرد مفتاح لكشف كل ما حدث وكل ما قد يحدث...