(22)

7 2 0
                                    


انقضى اليوم في المراجعات النظرية وسط نظرات الطالبات والطلبة المريبة، ومباركة بعضهم بالطبع كانوا يتنصتون علينا في الكافيتيريا، حتى إن العم سيد نفسه أتى وبارك لي في مجتمع صغير ككليتنا لا يوجد أسرار أو حريات شخصية، الجميع يعلم كل شيء عن بعضه، أحيانًا أشك أنهم يعلمون ما يدور في بيتي ! اتفقت مع يونس على التدريب في الطابق الثالث! ترى ما الذي يدور بخاطرك يا يونس ؟ صليت المغرب وجلست في إحدى البرجولات أنتظر يونس حتى يُكمل صلاته، فعزفت الكامنجا قليلا من الوقت، ولما انتهيت أردت أن أشرب قليلا من القهوة لأتحمل يوما طويلا، عند الكافيتيريا وجدته هناك فوقفت وراءه دون أن يراني أو يشعر بي، أحضر كوبان من
القهوة والتفت وراءه وقال في ثبات :

- هيا بنا إلى الطابق الثالث.. أحضرت القهوة التي تريدينها.
اتسعت عيناي مندهشة فقلت:

- كيف عرفت أنني خلفك وأريد قهوة ؟

قال وهو ينظر إلي بطرف عينه :

- لا يحتاج الأمر كثيرًا من العناء .. شممت رائحتك، وأعلم جيدًا أنك لن تركزي بدون قهوتك.
أحسست بخدر جميل يسري في عقلي وقلبي معا، ما زال ينظر إلي في حب لم أختبره معه من قبل، وكأن علاقتنا انتقلت إلى مستوى آخر يحمل الكثير بداخله، رأى يونس كل ما جال بخاطري في عيني فابتسمت عيناه وأشار إلى لأتبعه قائلا :

- لنبدأ العزف ..

مشيت وراءه في نشوة وسكينة لندخل بهو المبنى السيدة ذات العيون الكحيلة الواسعة في اللوحة الزيتية لم تخفني، كذلك كل التماثيل المتناثرة، ثم تذكرت الطابق الثالث وأن النهار قد تجاوزنا بعد أذان المغرب، أكان لزاما علينا أن نعزف ليلا؟ قال يونس وكأنه يُملي علي تعليماته ...

- الطابق الثالث خال تماما الآن، كنت أنوي أن تكون حنين ثالثتنا لكن الحمد لله أنها أقسمت ألا تصعد إليه مرة أخرى في الليل، أريد أن أحمي من معي إذا ما تطور الأمر، لا يجب أن يتملكك أي هاجس، لا تخافي، فقط اذكري الله كثيرا لن يمسك ضر أبدًا، أما أنا يا فريدة فربما لا تعلمين أنني قد أضحي بنفسي من أجلك إذا تطلب الأمر ذلك.
ما باله اليوم يقول ويفعل الأشياء قبل أن أقولها وأفعلها ! أردفت:

- أنت اليوم غريب.. تراني خلفك وتحضر القهوة التي كنتُ على وشك إحضارها والآن تسمع ما بعقلي وتعطيني إرشاداتك لتخطي ما يدور بعقلي ! ماذا بك ؟

توقف يونس على الدرج وكنا في الطابق الأول والتفت إلي وقال في حنان:

ـ يحدث هذا عندما يكون الرابط الروحي بين المحبين شديدا، نشعر ببعض كما أشعر بك اليوم.

أردفت في صدق:

ـ يونس.. أنا أحبك.

ابتسم ونظر لي نظرة لن أنساها ما حييت وقال:
- أحببتك أنا أولا وتمنيت كل هذا .. دعوت الله كثيرا فأنعم علي بما تمنيت، لنتذكر كل هذا جيدًا في خلافنا وأوقاتنا الصعبة ... سيهون الكثير علينا.
فجأة قبل أن أرد عليه سمعنا صوت ارتطام كبير ربما لآلة ما، يأتي من الأعلى ! نظرنا إلى الأعلى ثم إلى بعضنا، فقال يونس :
ـ ربما تسألين نفسك لماذا أضعك في موقف قد يكون خطرًا كهذا؟ أقول لك إنني في الأيام الفائتة كنت أعزف كل النوت الموسيقية ليلا في الطابق الثالث، ولم يحدث إلا بعض الأشياء البسيطة، أصوات غريبة هنا وهناك، أعتقد أن الأمر متعلق بعزفك أنت !

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن