كان يوم التخرج وكأنه يوم زفافي، نهضت أستبشر باليوم وأبتسم له، الرداء الأبيض الكبير معلق على الدولاب من الخارج، أردت أن أراه أمامي، كان الرداء وحده يبعث على الفرح، لن أسمح لقلقي على يونس من قابيل أو استيائي لصدمة حنين في كريم أن تعكر صفو اليوم، أخذت حنين غصباً إلى الكوافير ... فقد كان قلبها منكسرا ولا تريد ذلك، أما أمي فأخذت تستعد في المنزل بطريقتها، بينما اتفق إخوتي أن يحضروا حفل التخرج في الموعد المسائي بالطبع ثم تجتمع بعده حيث تحتفل عائلتنا وعائلة يونس بخطبتنا في أحد الفنادق الشهيرة، اليوم مشرق ومبهج أو هكذا أراه.
أرسل يونس سيارة ليموزين بسائقها لتنقلنا إلى الحفل. كنت أنا وأمي وحنين ووالدها ووالدتها، فهو بالطبع سيكون برفقة والديه، شكرته أمي عبر الهاتف على ذوقه، أكد علي يونس مرات عدة ألا أنسى النوتة الموسيقية، لكني أحضرت الظرف بكل ما يحويه، نزلنا لنستقل السيارة الفخمة وقابلت عندها حنين في رداء أحمر رقيق غاية في الروعة، بدونا كأميرات العصر الذهبي نحب مظهرهما كثيرا، نظرت إلى حنين وقالت ونحن في الطريق..- لا أعرف كيف أشكرك يا فريدة، لم أكن لأتزين من الأساس، كنت في مزاج عكير لا يسمح لي بفعل أي شيء. أتعلمين أن الزينة قد تغير المزاج ؟ أدركت هذا اليوم وتعلمت أنني كلما مررت بضائقة سوف أتزين جيدا فيقع أثر الجمال في نفسي فأتحسن.
ضحكنا سويا وقلت لها:
- الأهم أن تسامحي نفسك على ما ارتكبتيه من أخطاء أعطي لنفسك فرصة أخرى.. أنت تستحقين الأفضل دائما.
أردفت وهي تمد يدها بصندوق صغير أزرق قطيفة:
- كل عام وأنت صديقتي يا فريدة.. أصبحت أغلى ما أملك.
أردفت وأنا أخذها في سعادة...
- وأنت بكل خير يا حبيبتي. أخذت الهدية منها واحتضنا بعضنا سريعا، فتحتها فكانت سلسلة فضية معلقا بها كلمة «حياة»، نظرت إلى الكلمة اللامعة فطافت روحي في معناها ونسيت ما أنا فيه وشردت فيها وبت أفكر « ما العبرة التي يقدمها لنا الموت على طبق رائق شفاف ؟ أن نتمسك بالصحبة الطيبة في حياتنا الأولى ليتصل المدد في حياتنا الأخرى».
لاحظت حنين شرودي فسألت :
- هل أعجبتك الهدية إلى هذا الحد؟
أجبتها وقد ابتسمت في صفاء:
- أكثر من هذا الحد..فأخذتها من يدي وقالت وهي تضعها حول رقبتي ..
- إذن فلترتديها مع هذا الثوب الذي يشع حياة ...
عندها وصلنا إلى الكلية حدثني قلبي أن اليوم غير عادي امسكت بالظرف الذي يحتوي النوتة الموسيقية والصور وغادرت السيارة في ردائي الأبيض المبهج الذي جعلني أشعر كالملكة، سرت وقد بدأت أصدق ما شعرت به، شعور بالدفء أحبته، وسألت نفسي.. أينبغي أن ترتدي الفتاة رداء باهظ الثمن لتشعر أنها ملكة ؟ أم أن الأمر كله ينبع من الداخل ولا علاقة له
بها ترتديه ؟
عبرنا المدخل خلف أمي ووالدي حنين، ووقفنا وسط الفناء، ونظرنا حولنا .. ها هو مبنى الكلية قد أخفى سره وتزين أيضا بإضاءة ملونة وكثير من البالونات والزينة والورود، رائحة الورود الطبيعية ملأت المكان، صوت موسيقى منقطعة يأتي من الداخل، الطالبات في ملابس جميلة وأنيقة باختلاف ألوانها وأشكالها، كلهن في كامل زينتهن، الطلاب أيضا ارتدوا حللا أنيقة؛ حتى إننا لم نعرفهم في بادئ الأمر كما لم يعرفونا هم أيضًا؟ كان الأمر مضحكا لكلينا، طلاب الدفعة كلها في أبهى صورة لهم منذ أن درسنا بالكلية، لا بد أن بعض الطلبة متوترون بعض الشيء فأرادوا أن يعزفوا قليلا، كان العم سيد يقف في مكانه يرتدي زيه الرسمي، يبتسم لمن يحيه وكأنه خارج المكان والزمان، يغلب على ملامحه حزن كبير لا يخفيه، استقبل الآباء بعض الطلبة المكلفين بإيصالهم إلى أماكن مقاعدهم في قاعة المسرح فأشارت لي أمي وقالت:
أنت تقرأ
النوم الاسود
Horror{ ليلة ظهور شبح غرفة الموسيقى } تصعد فريدة إلي الدور الثالث بمبنى كلية التربية الموسيقية، وتحديدًا أمام باب غرفة الموسيقى المهجورة، حيث تبدأ في تذكر كل شيء، لكن ما تتذكره أو تراه أو تحلم به لا يخصها. إنما هو مجرد مفتاح لكشف كل ما حدث وكل ما قد يحدث...