بين تلك القطرات اللامتناهية وخلف ذلك الظل الدامس الذي يعبر الطرقات ويتخطاها وصولاً لآلاف الأميال من العتمة والفراغ .. فراغ من أي حياة .
أصوات الخلود اللامتناهية التي تمحي السكوت الدائم ، أو ما يسمى بِــ”الصمـت“يكتسح هذا الأخير أرضها ، يمحي أيَّ أَثرٍ للأنفاس من حولها ، أينَ الآخرون؟! أينَ الجميع ! إنهم خالدون في نوم طويل ، نوم ما بعده بتعب ولا شقاء ، وهي وحدها هنا تبحر في طرقات تغذيها دماء شعبها ، تعوم على متن سفينة من أجساد أخوتها وأوصال أهلها ..
وهناك ترافق ذلك المحتل نسمات الهواء المتجمد الذي تخافه الكائنات فما من كائن يستطيع تحمل قرصه المتواصل وألمه الذي سرعان ما يتخطف الجسد ويكسوه ثم يدمره ..
لازالت هنا حيث تنتمي ، ولازالت الأنام تقبع في قعر دارها ، يختبئ كل الوجود بعيداً ، هرباً من ذلك المحتل ، وقد شطبوا أرضها المقدسة من لائحة أرضهم ، محوا إسم وطنها من ذاكرتهم الهشة البالية ..
وبين تلك الطرقات الفسيحة حول البنايات المظلمة العالية حيث يكمن ما هو مُنتَظر ترافق تلك الخطوات الصغيرة الخفيفة خيبة ودموع جياشة نابعة من قلب ينتظر حنيناً ما ..حنيناً مفقوداً منذ زمن تبحث عنه ولا تلقاه ... فأين يختبئ؟ ولماذا غاب؟؟
أسئلة تتوالى في ذهنها عن السبب وما من أثر .. البرد يأكلها .. ويجتاح أنفاسها .. تطيل البحث ولا تعلم سبب إختفاء الجميع.. ولا سبب الظلمة والوحدة ..لكن رغم ذلك تجدها تواصل إسناد نفسها بنفسها وتواصل السير .. لم تشعر بتلك الظلمة والوحدة بسبب ذلك الحنين الذي يشغل كل تفكيرها وهمومها ..
يخفي ألمها بسبب عمقه وألمه الذي لم يفارقها .. ألمهُ أكبرُ من أي ألم .. إنه .. ”الحنين ..“
وماذا عن جروحها؟ لاتزال تصبح أعمق حتى بات من المستحيل أن تصل إلى قاعها ، جراح لا تنتهي صَنعَت ندوباً ستبقى محفورة لِأبد الدهر في صدر التاريخ
حنين يكتسح أوصالها المتجمدة ، لشعور دافئ يغمرها أو ربما ليد حانية تتمسك بيديها الصغيرتين ..
يعتصر الجوع قلبها المتجمد الصغير ، ومامن مأكل في أرضها ، سوى حفنات التراب من بقايا سكناها ، وحولها سكان مدينتها المتنعمون برائحة المسك الفواحةِ مِن أوصالهم ..وقد تحجرت الدموع في حنايا روحها ، حتى باتت تتقلب في غمد الأرض بلا شعور ، لتطلق بعد كل ذلك دمعةً سوداء تزين أرض الوطن ، تصف حال تلك الأرض الخالدة وتبقى صاحبة الدموع السوداء تسقي أرضها الجديدة بدموعٍ صنعها الزمن ..
أنت تقرأ
خواطر إنسانة
Literatura Faktuهنا مقبرة لمشاعري المدفونة ، كلمات لأشخاص وأشياء لم و لن يقرئوها .. هنا حيث اللامكان واللازمان يلتقيان لتنسج حروفي كلمات تتراقص على مدى الزمن تحمل معها أحاسيس صعبة التعبير وأقوال صعبة البوح .. بقلمي : ميرا