أَحاديثُ نَجمَةٍ عَابِرة༄

1 1 0
                                    

لازلتُ لا أعلم لما غيرتنا الحياة، لم نكن سوى جليسين نتسامر سالف الأسرار، أسرارٌ تخصُّ شخصك وشخصي، وذلك السكون الذي كانَ يرافقنا، أتُراهُ وَشى بنا للقدر؟ أم أنَّ كل تلك أحلام؟ أم أنها نكتة الحياة تجري مقلبها بي، ترفعني عالياً وتحلق بي بعيداً عند نجوم السماء، حتى خِلتُ أَنني اكتسَبتُ نجمة، كُتِب عليها إسمي، وكُتب لي أن أحملها، وحين زعمتُ أنني سأسميها ملكي سقطتُ، وأيُّ سقطةٍ هذه، سقطتُ وسَقَطَتُ كُلُّ الأَحلام.



في ملجئي الصغير أخفَيتُ نغمة، اعتدتُ أَن أَسمَعها كُلَّ مَساء، حتى باتت لي، وبتُّ ألتمسُ وجودي في هواها، ثم ما إن أغمضتُ عيني، حتى انكسرت في الهواء.
مُكَبَّلةٌ أنا وسأبقى مُكبَّلة حتى آخر نفسٍ لي في هذا المركب. مأسورةٌ أَنا..
أَوَتُراكَ تسألُ ما أَسَرَني؟
أسرني أملي للحظةٍ تتغير فيها طباع الحياة.
أينبغي أن أَعُدَّ نفسي محظوظة لأني استطعتُ امتلاكَ نجمة؟ حتى وإن كان حُلماً كُتِبَ له الزوال.. كانَ سَيَمُرُّ ليلقي التحية في المنام ثم يغادر، ليرافق النسيان كما بقيّةِ الأحلام.
إنَّهُما توأمان، أيامه والخذلان، أم مُجرَّدُ وَغدان، قررا أن يلعبا على أوتار عودٍ مهترئٍ بامتهان، في قعر الليل، تقطنُ أحاديثنا المتأسِّرة، هُناك حيثُ اللامَكان، وهنا بجانبك حيثُ يستقرُّ الأَمان، ويسكنُ القلبُ والوجدان، ولكن بعد كل شيء نحنُ تغيرنا، لم أعد تلك الصغيرة التي اعتَدتُ أن تُعطيها مفاتيح قِلاعِك، وَتُحَمِّلَها قاموس حياتك، لكن اعلم إنك لازلت نفس الشخص الذي في قلبها، لازالت تعرفُ من منحها روح الحياة، ومن رافقها ليزيل عن كتفيها الشتات، وزرعَ في طريقها زهوراً بعد كل خطوة وخطوة، ليخفي أثر دربها الموحل، الذي نسجته لها الحياة، لكني ضِعتُ بَعدَكَ يا ضيائي، ضعتُ حالما نُزِعَت مِن أَفئِدَتِنا الروابط، وأبصرتُ ذلك الدرب الموحش المُلَطَّخَ بِالعَقَبات، وَأمَّا مِن بَعدِكَ يا مأواي فما كُتِبَ لِي الثَبات، وضاعَت من كانت رَفيقةُ سَحَرِكَ لِتَتلقَّفَها ذئابُ الليل وتُدفَن في سُبات.
أكره ذلك السكون، كنتُ أراقبهُ بحذر لأني أعلم بأنه يحسدنا، أم أنه يحسدني، كلامُك أصبح باهتاً في ذاكرتي، وصورة كل الأسرار التي حولنا، وكنوزك الصغيرة وأنا وأنت مقابلي بعضنا البعض، يمكن لهذه الصورة أَن تَسكُنَ فكري إلى آبد الآبدين، مهما كانت المخاطر حولنا، ومهما كانت يداي فارغة من أي سلاح أو نجاح، فسأحمي بجلدي وعظمي، كُلَّ ما فاتَ وَكُلُّ ما دار بيننا مِن آهاتٍ وَسَرابٍ وَشِتات.

ما كلُّ ما يسطع بقوةٍ يمكننا امتلاكه، وفي الواقِعِ قَد وَقَعتُ فِي أَعماقِ نَجمةٍ بَعيدة، تمتد يدي إليها ولا أبلغُ إلا ضِياءَها، لِما يا تُرى سَعيتُ لامتلاكِ وَهجِها؟..
أَرَدتُكَ كَشَمعَةٍ تُنيرُ لي مَسيري، فَأَضرَمتَ النيرانَ فيَّ وَأَهلَكتَني، ماكانَ عَلينا الإسهاب، ماكانَ علينا التَأَمُل، ماكان علينا عَدُّ النُجُومِ قَبلَ النَومِ بحثاً عن نجمةٍ نَتَملَّكُها، باتَ الإستغناءُ عَنها أَمراً مَحتوماً، حَتى وَإن خَلَت مِنَ الرُوحِ أَحلامي.

كانَ يَجدُرُ بي مَعرِفَةُ ذلك مُنذُ البداية، أَنَّ النجمةَ التي تسطع بقوةٍ في السماء، ليست إلا شمساً أفنت دهورها في إنارةِ درُوب أحدهم، لكنك جعلتني أَخوضُ في كُلِّ هذا بلا إِدراك، وَبِلا أَن أَجِدَ مُرشِداً لِطَرِيقي سِواك، إِنتَزَعتَ الحِيلَة مِن يَدي وَتَلاشَت طُفولتي الناعمة، وبِتُّ أَخوضُ فِي السُكونِ لِوَحدي بِلا حَراك، جَزَعَت حَصى الأَرضِ عَن سُكوني، وَالفَضاء.. باتَ يائِساً وَهو يُبَحلِقُ في مُحياي بِعُبُوس، غَادَرَت مِنهُ النُجوم، وَاختَفى مِنهُ الضِياء، بَاتَ بارِداً كَبُرودِ الشِتاء، وَتَكَبَّدَت ذَرّاتُ الغُبارِ عَناء احتضانِ أَوصالي بِبضعِ حِضنٍ دافئٍ رُغمَ الجَلِيدِ الذي يَحُفُّ الأَرجاء، وَهُناك لازِلتُ أنا.. فِي سُكونٍ تام، أَتأمَّلُ عَتمَةَ السَماء.. في انتظارِ نَجمي اللامِعِ أَن يَعود، وَمَا لِعَودَتِهِ أَثَر.

خواطر إنسانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن