تحدٍ عُنوِنَ بالشَقاء -قصة-

2 1 0
                                    

لجين هي فتاة تبلغُ من العمر ثلاثة عشر عاماً، عُرفَت أنها من مُجدّات المدرسة، حيثُ لم يمر يومٌ إلا وقد أنجزت جميع واجباتها المدرسية وزيادة عنها، كَما أنها تتمتع بجمالٍ فائق وثراءٌ فرضَ هيمنتها من بين الباقيات، ومع ذلك فقد كانت تتعامل بِلطفٍ تامٍ مع بقية الطالبات، وفي أحد الأيّامِ انتقلت طالبة جديدة اسمها فَرَح إلى صفها، ومنذ اليومِ الأول لَها استطاعت أن تأسرَ قلوبَ جَميعِ الطالبات بشخصيتها العفوية المحبة، إذ لَم تُفارق إبتسامتها محياها، وباتت في نهاية اليوم محور أهتمام الجميع مما جَعَلهم يترتبون على شَكلِ حَلَقةٍ أمامها، ولم يَتَبقى في الخلفِ سوى لجين التي باتت وحيدة في عِدادِ المنبوذين.


أَخَذَت لُجَين تنظر لفَرَح بازدراء، وباتت تراقب تحركاتها باحثة فيها عمّا يجذب الإنتباه، والنتيجة الوحيدة التي كانت تتوصل لها "هي ليست بجمالي ولا بذكائي، ولا حَتى بثرائي.. مالذي يجعلها محبوبة بهذا القدرِ يا تُرى؟"
لم تستطع لُجَين إكتشاف السر، غير أنها حَمَلَت حِقداً كبيراً لها، حَتى أَخَذَت تتعرضُ لها بالكلام الجارحِ والنقدِ كُلّما سمَحَت لَها الفُرصة، عَلَّها بذلك تشفي غليل روحها، إلا إنها لم تزدد إلا بطراً وتَكَبراً، وكانت فَرَح تُقابلُ قَساوتها بإبتسامة عَريضة نفس التي ترسمها لباقي صديقاتها، وهكذا إنتهى بلجين المطاف بأن تنفر منها صديقاتها وزميلات صفها اللواتي كن يجتمعن حولها كلَّ يوم، ليصاحبن فَرَح التي كانت اسماً على مسمى كما يردد البعض.
إستَمَرَّ الوَضعُ عَلى هذه الحالِ حتى قَدَمَت الإمتحانات، دَخَلت لُجين إلى المَدرَسة، وقَد كانت هادئة بعضَ الشيء، كَيفَ لا وهي تَفتَقِدُ صَخَب فَرَح وَحَكاويها، أَدرَكَ الجميع أنها غائبة اليوم، وأَخَذَ القَلَقُ يَرتابُ بَعضَهُن، خاصّة وأنها لم تتغيب يَوماً عن الدوام، وهي تُكَرِّرُ أن المدرسة أَحَبُّ الأماكنِ إليها، فَكَيف تتغيبُ عَن إمتحانٍ مَصيري؟
تَمَّ إجراءُ الإمتحان من دونها، وخَرَج الجميع، ثم ما أن لَبَثوا حَتى وَصَلَهُم خبرُ أن فَرَح وعائلتها تعرضوا لحريق، إذ تَأَجَّجَتِ النيران في المنزل بسبب حادثٍ غَيرِ مَقصود، وقَد خَرَجَتِ الأُسرةُ بِأَمان، وَأمّا عَن فَرَح فَهي لاتزال ترقد في المشفى بعدما التهمت النيرانُ نِصفَ وَجهِها وأجزاءٌ مِن جَسَدِها.



فُجِعَتِ الطالباتُ إثر ذلك الحادث وأجهشت البعض بالبكاء، فمامن ناكرٍ لمدى فضاعَةِ ماجَرى لفتاتهم التي يعُدّونَها مَنبَعاً لِلبَراءة.
عادت لُجَين إلى المنزل وَهي تكادُ تَطيرُ فَرَحاً بَعدَ ذلك الخَبَر، كيف لا وستتخلص أخيراً مِن هَمٍّ سَكَن خاطِرَها اسمهُ "فَرَح".
مَرَّت أَيامٌ ولايَزالُ التَوترُ يجتاحُ أرجاء صَفها، حتى أتى اليوم الذي يُعلِنُ بِعودةِ فَرَح إلى المَدرَسةِ بَعدَ غياب، عادَت ليُراقِبَ الجميع وَجهُها الطُفوليُّ المَرِحَ وَقَد تَشَوَّهَ بِالكامِل، لَم تستطع إحداهن أَن تَنظُرَ بِوَجهِها مُباشَرةً، وكانت لجين هي أولُ من وقفت مقابلها لتنظر في وجهها، ليست نَظرة حُزنٍ بل نظرة استصغار، لتلقي كلماتها المنتصرة "أوه يا أمي ماهذا وجهكِ يخيفني جداً من سَتَرغَبُ بالحديثِ مَعَكِ بَعدَ الآن!"
نطقتها لتشيح وجهها بعيداً بينما تنظر لها بأطراف عينيها منتظرةً مُحياها ليسكُبَ دُموعه، غير أن فرح قد قابلتها بإبتسامةٍ عريضة، كنفسها التي قابلتها بها في كُلِّ مَرّة، فُجِعَت لُجين من نظراتها، وَمَلامحها من بين ابتسامتها لَم تَتَغَيَّر، لازالت نفسها في كل مرة ترمقها بها، هي لم تتغير ولم تنكسر رُغمَ انقلابِ ملامحها لِتُصبِحَ كُتلةَ بَشاعة.. فانهارت لُجَين لِتَسقُطَ مِن جُدرانِ فَرَحها الذي بَنَتهُ مِن سَراب، وَأَيقَنَت أَنّها هي الوحيدة التي كانت تزدادُ بَشاعَةً حيناً بَعدَ حين، وَأَمّا فَرَح فَلَم تزدها الأيامُ إلا جَمالاً بِأَعيُنِ الجميع..

خواطر إنسانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن