"ظلام دامس يلفني، لا أرى سوى وجوه خائفة حولي. نساء وأطفال، كلهم أسرى مثلما أنا. أين أنا؟ كيف وصلت إلى هنا؟ كل ما أتذكره هو صراخ أمي، وهجومهم الغادر على قريتنا. أمي... قتلوها! هم من قتلوا أمي الشجاعة التي كانت تدافع عنا. غضب يتملكني، غضب كفيل بأن يحرق كل شيء في طريقي. لن أسامحهم أبدًا، لن أسامحهم على ما فعلوه بنا."
ظلت تاليا تحاول جاهدة تذكر تفاصيل الأيام القليلة الماضية، ولكن كل ما تستطيع تذكره هو الفوضى والصراخ والألم.
كانت مقيدة بالسلاسل في زنزانة ضيقة ومظلمة، جدرانها مصنوعة من الجليد السميك الذي يضفي على المكان شعوراً بالبرد القارس.
لم تكن تعرف كم من الوقت قد مضى منذ أن سُجنت هنا، ولكنها شعرت وكأنها تقضي قروناً في هذا الظلام الدامس.
في كل يوم، يدخل الجنود إلى الزنزانة، وجوههم تشع شرًا وهم يحملون معهم أدوات تعذيب جديدة. يضربونها بالسياط، ويحرقونها بالنار، ويغرقونها بالماء المثلج. كانت تاليا تصرخ وتصرخ، ولكن صراخها كان يضيع في جدران الزنزانة السميكة. كانت تشعر باليأس والألم، ولكنها كانت مصممة على البقاء على قيد الحياة من أجل الانتقام لأمها ولشعبها.
مرّت أربعة أشهر طويلة، وكانت الأيام تتكرر بنفس الروتين المؤلم. مات الكثير من أسرى العشيرة بسبب التعذيب والجوع والمرض. كانت تاليا تشاهد زملائها وهم يموتون واحداً تلو الآخر، وشعرت بالذنب الشديد لأنها لم تستطع فعل شيء لإنقاذهم.
في أحد الأيام، سمعت صوتاً مألوفاً يردد اسمها. كانت عيناها تبرقان فرحاً عندما رأت والدها يقف عند باب الزنزانة. كان قد تمكن من تحريرهم جميعاً، وأخيرا، كانوا أحراراً.
خرجت تاليا من الزنزانة، ولكنها كانت تبدو وكأنها روح هائمة. كانت نحيفة وشاحبة، وعيناها تحملان حزنًا عميقًا. لم تستطع أن تبتسم، ولم تستطع أن تتحدث. كانت تلوم نفسها على كل ما حدث.
أخذ هاريس ابنته إلى قرية جديدة، قرية بعيدة عن متناول أيدي أعدائهم. حاول أن يمنحها حياة جديدة، حياة مليئة بالأمل والتفاؤل. ولكن تاليا لم تستطع أن تنسى ما رأته وما عانته. كانت تعيش في عالم من الظلام، وعجزت عن الخروج منه.
في أحد الأيام، أخبرها والدها بأن أخوها الصغير، أيان، قد اختفى. كانت الصدمة كبيرة جداً على تاليا. كيف يمكن أن يختفي طفل صغير في قرية صغيرة؟ شعرت بالذنب مرة أخرى، فلو كانت قوية بما فيه الكفاية، لربما كانت قادرة على حماية أخيها الصغير.
اكتشفت تاليا لاحقاً أن اختفاء أيان كان متعمداً. فقد تم نقله إلى مكان آمن لحمايته من أعداء العشيرة. كانت هذه هي العادة المتبعة في عشيرة ظلال الثلج، فإذا كان الوريث في خطر، يتم نقله إلى مكان سري لحمايته.
على الرغم من كل الصدمات والألم الذي عانت منه تاليا، إلا أنها قررت أن تبدأ حياة جديدة. قررت أن تكون أقوى، وأن تحمي عشيرتها من أي خطر يهددها. بدأت تتدرب بجد لتتقن قواها السحرية، وعادت إلى كونها أميرة عشيرة ظلال الثلج الشجاعة.
ولكنها لم تنس أبداً ما حدث، ولم تنس أبداً من قتلوا أمها وأصدقائها. كانت تحمل في قلبها نار الانتقام، نار ستشتعل يوماً ما لتأخذ ثأر كل الضحايا.
"هذا ما حدث قبل 14 عاماً يا بني"، قالت تاليا بصوت خافت، وهي تنظر إلى نيران المخيم التي ترقص في الظلام. كانت تجلس بجانب ابنها أيسون، الذي كان يستمع إليها باهتمام بالغ. "لم أكن أتخيل يومًا أننا سنمر بكل هذا الألم والمعاناة."
أيسون، الذي كان في السادسة من عمره، كان يشعر بغضب شديد عندما سمع قصة ماضي والدته. أدرك أنه لم يكن يعرف شيئاً، ولكن الصور التي رسمتها والدته لخاله إيان كانت واضحة في ذهنه: شاب جميل بشعر أسود لامع، وعين واحدة كريستالية والأخرى أرجوانية.
"لماذا تخبريني بكل هذا يا أمي؟" سأل أيسون، وهو يحاول كبح جماح دموعه.
أجابت تاليا بحزم: "لأنك بحاجة لمعرفة الحقيقة، يا بني. أنت قوي وشجاع، وأنت تمتلك نفس القوى السحرية التي يمتلكها والدك. عليك أن تجد أخي، وأن تتعلم منه كل شيء."
أومأ أيسون برأسه، وعزم على تنفيذ مهمته. بدأ يتدرب بجدية مع والدته، يتعلم كيفية التحكم في قواه السحرية، وكيفية القتال. كان يتمنى لو أنه كان أكبر سنًا، أقوى، حتى يتمكن من مواجهة أي خطر قد يواجهه.
مرت السنوات، وأصبح أيسون شابًا قويًا ورشيقًا. كان يتقن استخدام سحر الثلج والظلال، وكان يمتلك مهارات قتالية عالية. وعندما بلغ العاشرة، قرر أنه مستعد للبدء في البحث عن إيان.
حزم حقيبته البسيطة التي تحتوي على بعض المؤن وسيفه التدريبي، وودع أمه. نظر إليها بعيون مليئة بالعزم، وقال: "سأجد إيان يا أمي، وأعيده إليك."
أومأت تاليا برأسها، ومسحت دمعة من عينها. "كن حذرًا يا بني، العالم الخارجي مليء بالمخاطر."
انطلق أيسون من قرية بروك، متجهًا شرقًا نحو غابة ويلز. الغابة كانت مكانًا مظلمًا وخطيرًا، مليئة بالوحوش والظلال. ولكن أيسون لم يخشَ، فكان قد تدرب على مواجهة مثل هذه المخاطر.
أنت تقرأ
سيد السيف فاقد للذاكرة
Mystery / Thrillerيستيقظ فتى فاقد لذكرياته في إمبراطورية لا يعرفها، ويحاول التأقلم مع حياته الجديدة، ليصبح مرتزقة مشهور بقوته الهائلة، يتعرض لمواقف كثيرة وخطرة، لذلك يحاول معرفة الأسباب تلك المواقف، ولكنه يكتشف سرًا لم يكن يجدر به أكتشافه، فماذا سيحدث له؟