سقطت مملكة طوبى

167 22 7
                                    

                  

                       سقطت مملكة طوبى

وسط شؤبوب وابل الأمطار، وجلجلة الرعد المفزعة، وسهوك الأرياح التي كادت أن تقتلع الأشجار من أصلها. تعالت أصوات بكاء قاطنين طوبى ليستمع لها الأصم من شدتها، وترق لها الأحجار من حدتها. شيخ قد هرم ينشج بالبكاء على موت حفيدًا له من رصاصة طائشة، وامرأة ارتفع صوت نحيبها إثر مصرع زوجها على يد جندي ظالم. طفل قد اشتد صوت عويله لموت والدته بأمر من قائد طاغي، وشاب كظيم يُمسك جذع شجرة هاون، ويضرب به ما استطاع من جندٍ قد أسرفوا في سلب الناس أرواحهم. 

لم يكن ذاك الشاب الوحيد من التهبت نيران الحمية في نفسه على أرضه، وأرض أجداده، ومن قُتل من أهله. لينتفض الكثير من شباب طوبى رغبة منهم أن يقتصوا لمن قُتل منهم. فيأخذ ذاك عصاً ليضرب بها خلف أعناق العدو، فيسقط من ضُرب صريعًا، ويسقط من ضرب قتيلًا من جنديًا آخر. كل من قاوم لاقى الشهادة، وجُل من لم يُقاوم استطاع أن يبقى على قيد الحياة الذليلة.

وفي تلك اللحظات المريرة في غابة الجنوب، يزحف أسفل أرضها طفل في عقده الأول ونيف، يجهش ببكائه، ويجاهد في خنق دموعه في عينه، إلا أنها تأبى فتنبجس بالدموع كالسيل، كما تأبى رئتيه أن تأخذ أنفاسها بيسر، بل توقفت عن أخذها فزعًا إثر أن سمع ذاك الطفل صوت رَجُل أجش قادم من الأعلى:
-فتشوا عنه في كل مكان، أُريده حيًا، أو ميتًا، لا عذر لكم.

-سيدي لقد مشطنا شمال الغابة بالكامل، ولم نجد أثر للأمير نِبراس.

يحتقن وجه القائد جساس، ويرفع سلاحه نحو الجندي، ليطلق النار في منتصف جبينه، ويصرخ بحنق:
-إن سمعت أحد آخر يُطلق عليه لقب الأمير سوف أقتلع لسانه، ويتلوه رأسه!

ثم استطرد مخاطبًا بقية الجنود:
-إلى أين سيذهب يا تُرى؟…لقد كان القصر مكتنف بمئات الجنود، عدا جهة الغابة؛ لذا نِبراس هُنا لا محالة، وإن لم تجدوه سأنزل عليكم أقصى العقوبات…هل فهمتم؟!

صرخ من حوله بالإيجاب، فأتبع جساس يشتطيط غضبًا:
-إذن لماذا لا زلتم جواري؟!

لم يُكمل حديثه إلا وقد هرولوا للبحث عن نِبراس، الذي كان يستمع لهم، وقد امتقع وجهه فزعًا، تمامًا كبقية سكان طوبى، الذي لم يتوقف صراخهم الدامي. رصاصة هُنا تُردي شيخًا أعزل، ورصاصة هُناك تقتل شابًا أميل.

مرت أسوأ ليلة في تاريخ طوبى، ليلة قتل فيها المئات، وتشرد منها الآلاف، تيتم فيها الأطفال، وأُرملت النساء. ليلة استأصلت حقوقهم من جذورها.

مملكة الجورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن