كذلك الأطفال

47 16 28
                                    

آدم

استيقظت على منبهي المعتاد، وهي طرقات مطرقة. أنا أقطن أعلى متجر للنجارة، وكم تؤذني تلك الطرقات المنتظمة في كل صباح، وعند الساعة السادسة والنصف تمامًا تبدأ طرقة ثم ثانية صمت، ثم طرقة. لا يوجد أكثر هدوءًا من هذا الحي إلا إن طرقات كُليب -نعم اسم النجار كُليب إنه اسم يليق به- هي الشيء الوحيد الذي يُعكر هدوء الحي في الصباح الباكر. صحيح أني لا أبقى في المنزل في الصباح حتى الظهيرة، وهذا وقت عملي المعتاد، ووقت ذروة عمل كُليب فهو نادرًا ما يعمل بعد الظهيرة، وكذلك من النادر وجود أصوات الأطفال في الحي إلا أنه لا يوجد صوت أكثر إزعاجًا من تلك المطرقة...

استويت على السرير جالسًا، وأنا ألوي بظهري يمينًا، ويسارًا بغية الحصول على بعض الطقطقة...
انتصبت إثرها واقفًا لفتح نافذة الغرفة حتى أحصل على بعض الهواء النقي، فلا بديل لهواء الصباح المنعش، إلا أني دفعت ضريبة ذلك الهواء النقي بارتفاع صوت الطرق.
لقد طلبت مؤخرًا من وسام أن يبحث لي عن منزل غير هذا، ولكنه رفض رفضًا قاطعًا دون وضع أي حجة، وأنا أكره المساومة مع مُلاك البيوت خاصةً؛ فلا يوجد أقذر منهم عند مساومتهم...

في الحقيقة ليسوا هم فقط، بل أبغض المساومة عمومًا؛ لذا أنا لا أبتاع أي شيء من المتاجر التي تسمح بذلك، فأنا لا أُتقن موهبة المساومة، وحتى إن بذلت جهدي، وأنقصت السعر إلى النصف، ستبقى فكرة أنه تم الاحتيال عليّ لابثة في رأسي؛ لذا أُفضل الشراء مِن المتاجر التي لا تسمح بالتساوم فأنا أقنع نفسي بقولي: " وحتى إن قاموا بالاحتيال عليّ فلا أملك أي خيار آخر لا يمكنني المساومة، وهذا حال الجميع مثلي، قد ابتاعوا دون مساومة، وإن حدث أي احتيال فلستُ الضحية الوحيدة من ذاك الاحتيال"

ولهذا السبب لم أذهب للبحث عن منزل آخر، وفي الحقيقة تُعجبني فكرة أني أملك منبه منتظم.

رحضت وجهي أمام المرآة، وأنا اُطالب مسامات وجهي بالسماح للبُصيلات الشعر بإخراج أطفالها. أملك شعر رأس طويل، ولكنّي لم أحظى بلحية بعد، لا أملك سوى شارب طويل أقوم بتنظيمه دائمًا...

في الحقيقة هُناك بعض الشعر في خدي، وذقني، الجميع يهزء بي عند قولي بأنّي لا أملك لحية، إلا أني لا أعدها لحية مطلقًا. يغزي الشعر وجهي بلحية منتظمة كما يُطلق عليها الكثير، ويقولوا بأنهم يتمنون الحصول على لحية طباقها، شعر قصير منظم لا يتطلب التهذيب ولا التقصير كل يوم، إلا أني أتمنى أن تكبر تلك الشُعيرات حتى يمكنني أن أُطلق عليها اسم لحية.

توجهت إلى خزانتي لأردتي بنطال قماشي أسود، وقميص أبيض خالي من أي نقوش، ويعلوه سترة سوداء، وأخذت معطف أسود طويل كان مُعلق جوار باب الخروج لأنتعل الحذاء، و ارتدي المعطف وأنا أهبط درج خشبية قديمة، وإثر نهايتها يوجد دهليز مظلم فارغ من أي أبواب، أو أمتعة، عدا باب الخروج الذي خرجت منه، لأجد أدهم ابن كُليب يقف جوار حصان، ويمسح على رأسه، وحينما نظر لي ابتسم، وقال بصوته الذي ليس بصوت ناعم، ولا بصوت خشن، كيف أشرح ذلك؟...نعم يملك أنعم صوت بالنسبة للرجال، ولكنه يعد صوت أجش بالنسبة للنساء. لا أعلم إن كان وصفي مبين أم لا، ولكن هذا غير مهم:
-صباح الخير!

مملكة الجورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن