وسام
عند الظهيرة كنا نتناول الطعام في مقهى بيسان، والذي كان قد أُغلق لغرض الاستفادة منه كمخزن، وقد وافق رائد على ذلك. وضعت أوراقًا أمام أريام، وقلت:
-لقد غيرنا طريقة تعاملنا مع الأسلحة.أريام: وكيف أصبحت؟
-ستصل العربات في البداية إلى المستودع الخاص بكم، ليتم تفريغ حمولتها من الأقمشة، أو القمح، وما إلى ذلك، وتستبدل بسلعة تتناسب مع المكان الذي سيسخدم كمخزن فمثلًا: هذا المقهى أحد الأماكن التي سيستخدم كمخزن؛ لذا ستُفرغ العربات من القمح، وتستبدل بأخياش القهوة، فإن صُدف، وتم تفتيش العربة من قِبل أي جندي، لن تحدث مشكلة فالمصدر شركة نقل وتصدير، والسلعة قهوة، والموقع المقصود مقهى، وهكذا مع كل موقع.
أريام: وهذه الأوراق؟
-بها اسماء المواقع التي يجب على كل عربة أن توصل حمولتها له.
أخذت أريام نظرة سريعة عليها فأردفت:
-متى يُفرغ المستودع من عامليه؟أريام: نحو الثامنة مساءً.
أركان: في الغالب ستصل العربات قبل ذلك.
-نعم؛ لذا يجب عليكِ إفراغه قبل ذلك.
أريام: سأفعل.
أردفت مخاطبًا بيسان:
-هل أفرغتِ المخزن كما طلبت؟بيسان: نعم.
-هذا جيد.
أخرجت أريام ورقة من حقيبتها، وتلفظت:
-من سيقود العربات في الغد؟أعدت السؤال إلى أركان فتلفظ:
-نائل.وضعت أريام القلم على الورقة لتكتب، وتقول:
-نائل، ومن؟أركان: مِعضاد
-هل هو فارغ؟
أركان: نعم، لقد أنجز كل ما وكل به.
أريام: ومن؟
أركان: فرهود.
أريام: و؟
أركان: طواف، ونابه.
انتصبت أريام قائلة:
-يجب عليّ إعطاء والدي الاسماء حتى يقوم بتسجيلها، هل بقي شيء؟-لا، سأعرج إلى منزلك قبل السابعة مساءً.
كذلك انتصب أركان قائلًا:
-أنا أيضًا سأذهب.خرج كِليهما لأجد نفسي منفردًا مع بيسان، والتي ظلت صامتة تفرقع أصابعها إلى أن تفوهت أخيرًا مُتسائلة:
-هل ستحمل السلاح أيضًا؟-بالطبع.
بيسان: لماذا قد تفعل ذلك؟
-هل حقًا هذا سؤال يُطرح؟
بيسان: أعني يمكنك التخطيط فقط.
-هذا عمل الملك نِبراس.
بيسان: إذن يُمكنك إلقاء الأوامر، دون أن تُقاتل.
-بل في الصفوف الأولى.
ترقرت أعين بيسان بالدموع فجأة، لتقول إثر أن طأطأت رأسها، وأخذت شهيقًا كالطفل الذي يتهيأ للبكاء:
-لماذا؟-ما بكِ؟!
بيسان: لماذا قد تُلقي بنفسك إلى التهلكة؟! في حين أنك تستطيع تجنب ذلك.
-ومن قال بأنّي أستطيع تجنب ذلك؟ الملك نِبراس أيضًا سيحمل السلاح مع أن ذلك ليس مطلوبًا منه، وأنا لن أتوانى عن القتال معه جنبًا إلى جنب.
-ولكنك تملك ذريعة فأنت مصاب.
-وإصابتي هذه هي محركي للقتال.
-ولكنيّ أخشى فقدانك.
اختلج قلبي إثر قولها، وددت لو أنّني أستطيع طمأنتها، ولكن ذلك لن يكون إلا كذبًا، فتلفظت بما هو بديهي:
-قد أعود سليمًا.رفعت بيسان رأسها منفعلة، لأرى وجهها الذي كان شعرها المنسدل عليه يحيل بيني وبينه، ولكنّني الآن رأيت وجهها، وجهها الذي قد اصطبغ بالحمرة المفرطة، وأشفارها المبتلة من دموعها التي قد غزت وجهها بالكامل، وشفاهها المزمومة التي قالت بها مؤنبة:
-قد؟! لماذا تقول مثل هذا الكلام؟-ولكن لا أبتغي الكذب عليكِ.
بيسان: لا يهم إن كذبت الأهم أن لا تقل هذه الحقيقة المُرة! ألا يجب عليك طمأنتي؟!
ثم أردفت وهي تنشج بالبكاء:
ألا تهتم لي حقًا؟!لم أحتمل رؤية تلك الدموع على محياها، فقلت دون وعي:
-وهل لي أحد غيرك لأهتم بأمره؟ صدقيني يا بيسان قد لا تكون لديّ مشكلة على أن أموت حتى تحيى هذه المملكة، ولا أخشى ذلك، ولكنّي أخشى إن حدث هذا أن أخسرك، حقًا أشد ما يُخيفني من الموت هو فقدانك، فقدان رؤية هذا الوجه الفاتن. ولكن إن كنتِ تُكنين لي المودة…صاحت بيسان ناشجة:
-بل أنا مغرمة بك.-إذن هل أترك القتال عن أرضي، وأدع نِبراس، والرجال من حولي يُقاتلون دوني؟ هل حقًا تُفضلين أن يكون محبوبك خوارًا جبانًا؟
بيسان: بتاتًا، ولكن…
-من المؤسف بأنه لا وجود للكن، لقد وقعت الواقعة بالفعل، ولن أخور عنها.
بيسان: عد سالمًا إذن.
-قد لا أستطيع، كما قال لي نِبراس من قبل: إنها حرب، وأحد أركانها بأن المنية قد توافيك في أي لحظة، ولكنّي أعدك بأنّي سأبذل قصارى جهدي في العودة سليمًا.
لم تعقب بيسان وظلت تنشج بالبكاء طيلة الوقت، ولم أستطع تركها وحدها في المقهى، فبقيت معها إلى أن جن الليل بظلمته كعادة مملكة طوبى؛ كون سماءها تكتسي السحب بشكل شبه دائم. وعندما حان الوقت لأعرج إلى أريام قدمت بيسان معي فلا يصح تركها وحيدة في المقهى.
ظللت طيلة الطريق أُفكر بما حدث، لم أكن أتوقع يومًا بأن أسأل بيسان مثل ذاك السؤال الجريء، وكذلك إجابتها السريعة التي هزت كياني. "بيسان مغرمة بي" ما أشد روعة هذا الكلام أشعر برفرفة قلبي من البهجة!
أنت تقرأ
مملكة الجور
Fantasyلا أحد سيقبل أن يفقد إحدى حواسه وإن كان المقابل مبالغ طائلة، ولكن ماذا إن كانت حواسك ليست ملكك؟ بل ملك المملكة، ويجب عليك دفع ضرائبك كل عاقبة الشهر حتى لا تفقد إحداها؟ تدور أحداث الرواية في مملكة طوبى وهي إحدى ثمان ممالك مكتنفة بجدار قاري ضخم، ويتوس...