..[2]..

55.3K 4.2K 1.5K
                                    

{كُنتَ الطريق الخاطئ، مع ذلك لم أستطع أن أسلك غيره}
{حتى و إن كنت حُلماً فسأبحث عن خيال ظلك} 
{حيث الفنّان يعجزُ عن رسم تلك الروح}
{فما وجدت ما أهدِيه لنفسي سواك أنت}

_____ 

الفصل الثاني بعنوان[شبيهة


عند مرحلة البدء في الغوص بداخل ما بين يديّ؛ طرقات الباب منعتني أن أفعل مما جعلني أخبأها لا إرادياً بين كتبي عند نداء والدتي باسمي. سمحت لها بالدخول و سألتها عما تريده دون مقدرتي على النظر لعينيها مباشرة.

أجابتني برغبتها في التحدث معي كونه مضى وقت طويل على ذلك، فقد كنت أحاول تجنب أي حديث لوحدي معها حتى لا أكشف نفسي أو تكتشف ما بي، فما أخبّئه لا أريد أن يعرفه أحد، و لو بمقدوري دفنه معي فسأفعل.

"لديّ الكثير لأفعله لكن إن كان هنالك شيءٌ ضروري لتتحدثي عنه فكلي آذانٌ صاغية" رددت بنفسٍ خاثر و نصف جسدي العلوي استدار نحوها أثناء بقائي جالسة على المقعد، و بالطبع علمت الإجابة المطوية و اعتذرت قبل الخروج من الغرفة.

للحظة، حاولت لوم نفسي. ليس بسبب ما فعلته، بل لأني لم أشعر بقليل من تأنيب الضمير لما قمت به اتجاهها. تمنيت لو بإمكاني البكاء على حالي، لكن الدموع قد أعلنت رحليها، و على ما يبدو...أنها لن تعود.

رنّ هاتفي الموضوع على طاولة الدراسة، و ظهر أنها صديقتي سارة. و لا أعلم لما تريد الحديث بالرغم أنّ آخر مرة رأتني فيها قبل ساعات قليلة. و لكون الرأي لا مراء فيه بالنسبة لي فَـلم أُجب على مكالمتها.

أخرجت المفكرة لأعود لقرائتها و لا أستطيع الجزم إن كان هذا فضولا ً أم لأنه لا يوجد شيءٌ آخر أفعله حتى لا أختلط مع عائلتي. تثائبت عدة مرات لكن لم أرغب بالنوم حتى أنهي على الأقل قراءة يومها الأول في العمل.

[فرق شفتيه الرقيقتين كي يجيبني بصوتٍ دافئٍ و هادل "أهلاً كيندال...أُدعى إلياس. سُعدت بِرؤيتك". رده القصير و اللطيف لم أتوقعه. فَـقبْل مجيئي إليه، شيءُ واحد مؤكد، و هو أنه لا يجب أن تكون إجابته هكذا بما أنّ ملفه فارغٌ تماماً.

"لا أنكر أنك تملكُ اسماً جميلاً، و ابتسامةً رائعة أيضاً" صارحته دون أن أُبعد عينيّ عن مقلتيه، لِيأتي إطارئه لحناً جشياً دون أن أعرف ما خطبه ليحدثني بهذه الطريقة "بالطبع، كون رؤيتي لكِ من أجبرتني على الابتسام".

هل من الممكن أنه يريد مضايقتي منذ البداية حتى أرحل؟ أم أنه يرغب بتغيير مسار الحديث بعيداً عنه؟

"أتعلم...أنتَ أول شخص يخبرني بذلك. شكرًا لك" حاولت التحدث بشكل طبيعي فالفضول بدأ بإظهار قشوره بداخلي. قد أكون سعيدةٌ أننّا خُضنا حديثاً وديّاً، لكن لا أعلم إن كان عليّ أن أتفائل أم أكون على استعداد لما هو مختبئ خلف مراوغته.

عدت شارعةً في التحدث عن الأمر الذي أتيت من أجله، و بالطبع بطريقةٍ أكثر لطفاً مما أفعله عادة، متسائلةً بفضول "أيمكنني معرفة نوع الكتاب الذي تقرأه؟".

ففي العادة تلك الأسئلة البسيطة هي من تقودنا لاحقاً إلى محادثات تكشف شيئاً من الشخصية التي تنبع بداخلنا، و على الأقل قد أعرف كيفية التعامل معه، و لم هو وُجِدَ منذ البداية هنا في المصحّة.

"إنها رواية (الجحيم). و قد أصبحت مؤخراً من أفضل الروايات التي قرأتها حيثُ أنّي أستطيع تسميع الكتاب كاملاً لكِ. لكن أتعلمين لمَ استلطفتكِ جداً؟" لم أهتم كثيراً لحبه الغريب للروايات كما أبدى لي، و لا لكونه يحفظ هذه الرواية عن ظهر قلب، بل لجملته الأخيرة التي جعلتني أعقد حاجبيّ.

"إحدى شخصيات الرواية ساعدت البطل دوماً في إنقاذ حياته بفعل تصرفاتها الذكية، و هي شابّة لطيفة جداً. تدعى سيينا بروكس. بالإضافة إلى أنها طبيبة غامضة مثلك". التفاجئ كان واضحاً على معالم وجهي. ليس لإجابته أن البطلة طبيبة مثلي و تملك ذات الاسم الأخير لكن لكونها شخص يلفُّه الغموض مثلي، مما جعلت الشكوك تثور بداخلي عن كونه فهم شخصيتي بأقل من خمس دقائق!

و منذ الآن سأتوقع أن يُثارَ فضولي في كلِّ مرة أتحدثُ فيها معه.

" اذاً أنت أخذت انطباعاً بكوني أشبه سيينا، صحيح؟" رغبتُ بإخباره بِتساؤلاتي العديدة لكن عليّ التأنّي، فلا أريده أن يَنْفُرَ منّي.

"لِـنَقُل تقريباً. و لمعلوماتك فشخصية سيينا من الشخصيات المفضلة لديّ" أجابَ مع ابتسامة صغيرة نَمَتْ على شفتيه، نظرهُ كان مركّزاً على الكتاب الذي في حُجْرِه. حاولت جاهدةً إخفاء الابتسامة الكبيرة الوشيكة على طرق ثغري و بالكاد فعلتها.

"إنّ مجرد كون العقل البشري لا يستطيع تخيل حدوث شيء...لا يعني أن ذلك لن يحدث" تحدث فجأة لِتتقابل عينا إلياس الذي وجههما نحوي مع عينيّ. زفر ضحكة خفيفة ثم فسرّ قائلاً " إنّه اقتباس من الرواية".

أومأتُ برأسي إيجاباً بينما سحبت هاتفي الذي اهتز بجيب معطفي، ليظهر أن الطبيب ألين يرغب بعودتي لمكتبه و إنهاء الجلسة، مُتسائلةً عن السبب كون جلستنا كانت قصيرة جداً!

اعتذرتُ من إلياس ثم نهضت من المقعد قائلة "لقد استمتعت بهذه المحادثة الصغيرة، و سأُحاول قراءة رواية الجحيم هذه و نتناقش بها في المرة القادمة. ما رأيك؟".

هزّ رأسه دون أن تفارق شفتيه الابتسامة لأبادله بواحدة صغيرة. قمت بتوديعه قبل أن أهمّ على الاستدارة ثم متوقفة عن المضي كي أنظر له مجدداً عندما ألقى بجملة أخرى لم أفهم مغزاها "لا تقطع أبدا وعداً لا تستطيع الوفاء به".

رفع كتفيه و مد ذراعيه أمامه إشارةً على عدم الحيلة قبل أن يعيد ذات الإجابة "إنّه اقتباس آخر من الرواية". ابتسامةٌ متصنعة كسحت وجهي كوني لم أفهم ما الذي يريد الوصول إليه أو حتى ما هو الرد المناسب في هذه الحالة.

توجهت نحو البوابة لأجد صديقتي ماريا تقف هناك منتظرة وصولي، و التي كان بادياً عليها أنها لم تُفلح في جلستها الأولى].

توقفتُ عن قراءة المفكرة ليس لرغبتي بذلك بل لكون النعاس لأول مرة يداهمني هكذا. فهل هذا... يعني أي شيء؟ 


 الفصل 1170 كلمة

وَ كَأنَّها مَنسِيَّة - يوميات طبيبة نفسيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن