~ وداع..~

87.2K 4.2K 1.6K
                                    


اليوم السابع!....لقد حل بغيوم سوداء تكتنف عالمها هي فقط... لاشمس..لاهواء...لامهرب...دقت طبول الحرب لتزفها نحو منصة اعدامها!!....ارتكز المنزل على هدوء تام...ليس فرح ليصفقو ويرقصو...وليس عزاء ليصرخو!...
لم تنم طوال الليل الذي مضى..ولم تأخذ المهدئات.. فحالياً تريد ان تعيش واقعها..لاتريد الهرب منه.. تريد ان تعيش اخر لحضاتها في هذا المنزل وسط ذكريات اخيها...حقائبها موضبة في احدى زوايا الغرفة تحوي كل اشيائها لينقلوها غداً نحو منزل زوجها..عدا غرض واحد كان بيدها.. قميص رجالي يعود لهزيم.. كانت تعصره بقوة بين يديها وتضغطه فوق انفها لتشم عبقه اكثر...بدأت رأئحته تتلاشى منه يوماً بعد يوم وهذا يرعبها..وكأن طيفه الذي تتمسك به بقوة ينسحب قصراً من بين يديها.. صرخات صامتة ترافقها دموع حارقة فوق ثنايا قميصه الابيض...ابيض مع بقع من الدماء...انه القميص الذي قُتل فيه!!..يحمل رائحة دمائه وذكريات موته.. بدأت حنجرتها تطالبها بصراخ يخنقها ويمنعها من التنفس..اصبح جسدها يشتهي الانتفاض واجواء المنزل الساكنة لاتساعد على هذا فركبت سيارتها وانطلقت نحو متنفسها ومكان شكواها المعتاد!!...
جلست امام قبره واطراف خيوط الشمس بدأت تنساب بهدوء من بين سواد السماء تحارب اصرار الظلام في التمسك اكثر...عكست اشعتها الذهبية التماع عينيها بدموع اذبلت تلك الزرقة المشرقة...بشرتها البيضاء شاحبة وعيونها متوجة بالهالات السوداء وجسدها نحيل... من يراها يحسبها احد الموتى خرج ليرى عزيز له....في الحقيقة هي ميتة منذ ثلاث سنوات.. ولكن جثتها لم تنزل الى القبر بعد لتجاور عزيزها هزيم!!..
احتضنت ركبتيها امام صدرها وارتكزت بجبينها فوق قمتهما..صرخت تلك الصرخة التي تكتمها فأرتجف جسدها وكأنها افزعته من سبات عميق... صرخت وصرخت..وتلى صرخاتها دموع مجنونة ترفض النزول بتعقل واحدة تلو اﻻخرى!..ولكن لا الدموع اخمدت نيرانها ولا الصرخات ساعدتها بهدم جبال الالم التي ترسخت بداخلها!..مهما فعلت..ومهما بكت وصرخت..فواقعها لن يتغير مهما حاولت!!..

لحظات بكائها استمرت طويلاً الى ان اجبرها ضوء الشمس على رفع رأسها الذي تدفنه في الظلام المخلوق بين ركبتيها وصدرها..كانت بالكاد تفتح عينيها المتورمتين لتحدق في اسمه المحفور فوق شاهد القبر وكأنه محفور في قلبها..جبراً أخرجت صوتها المبحوح وهي تقول بضعف من بين شهقاتها:

ـ اليوم سأرحل...سيأخذوني عنك ياهزيم....سيبعدوني!..... ماذا لو لم يسمح لي ذاك الغريب بزيارة قبرك؟!... ماذا لو منعني من البكاء عليك؟..او ذكر اسمك؟!.. او شم قميصك؟..ماذا لو شعر بالملل من كثرة حدادي عليك؟..

انحنت فوق قبره اكثر تعصر ترابه بين يديها وتقول:

ـ ماذا لو اذاني ياهزيم؟!..انا خائفة...مرعوبة.. وعائلتي ترميني نحو الجحيم ليخلصو انفسهم منه!...

توسدت بجانب القبر واغمضت عينيها لتستشعر ذلك الامان للمرة الاخيرة..لتتخيله يهمس لها للمرة الاخيرة بتلك العبارات المضحكة التي يشجعها بها دائما... اخر همسات..اخر ذكريات...اخر صرخات...واخر غفوة تحملها نحو احلام بيضاء تحوي هزيم ومزاحه!.....

قربان (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن