[ ولاتيأس من رحمة الله ]

1.5K 149 29
                                    

إلهي أنا ذلك العبد المذنب الذي أذنب وأذنب و أذنب ، حتى أصبحت جهنم من نيرانها سوداء تُحرق وتؤلم من كثرة اللهب ، أنا ذلك العبد المذنب الذي يركضُ و يركض و يركض خلف كل من هب ودب  حتى وقع في حفرة قبر لا باب فيه ولا مهرب ،

أنا ذلك العبد المذنب
أنا من قلت كلا لن أعود ابداً وٲذنب
ثم عدت أنهق كالحمار بل اقبح من الذنب !

أنا ذلك العبد المذنب



( ١٢ )

كــانت الســاعة قد قاربت الخامسة مساءاً وقد إقتـرب موعد صـلاة المغـرب وعلي ما يزال للآن ينتظر مقابلة والده في السجن ، فهو يأتي كلما سمحت له الفرصة لزيارته وهذا ما يخجل والده منه اكثر فأكثر، رغم ما فعل من أخطاء في حقه في الماضي إلا أنه ما يزال يعطف عليه ويحترمه ولا يتصرف معه إلا بأدب كامل ومحبة فائقة .

فُتح الباب أخيرا ً ليظهر والد علي وهو مكبل الايدي بشعره الابيض ولحيته الطويلة ووجهه المرهق،قام علي بكل إحترام وقبل يده كما يفعل دائماً قائلا:

علي بابتسامة : السلام عليكم

جهاد ينزل رأسه: لِمَ جئت الى هنا ؟ ألم اطلب منك أن لا تأتِ مرة أخرى

علي : رد السلام واجب يا أبي

جهاد بدموع : وعنايتي بكم كانت واجب عليَّ، وظلمي لكم لَم يكن واجباً بل كان محرما، ومحبتي كانت واجبة فلمِا لَم أعطها حَقها ولِمَ لم أحبكم بالطريقة الصحيحة ؟ لقد ظلمتكم وظلمت نفسي لقد فعلت الحرام وتركت الواجب !

علي : ولكنك نادم والندم علامة التوبة

جهاد : وبماذا ستفيدني التوبة الآن ؟هل سترجع والدتك للحياة ؟ أم هل ستعدل درجاتك في الجامعة ؟ أم هل ستعيد البصر لِرُقيه ؟ هل تعتقد أن لي توبة حقا ً بعد كل ما فعلت !

علي يمسك يدي والده ويجلسه على المقعد وهو يقول: إسمعني يا أبتي إن الانسان غير معصوم من الزلل وما حدث قد حدث ،لم يكن ما حدث إلا قدر قد قدره الله لنا حتى قبل أن نولد ، أنت لم تقصد أن تموت والدتي بسبب نقص العلاج وسرقت لِتُنقذها بعد شعورك بالتقصير، أردت أن تساعد عائلتك قبل فوات الأوان ولكنك يا أبتي سلكت طريقل خاطئأ وبفعلتك تلك تسببت بضياع امي ولم أستطع أن أكمل دراستي بشكل جيد ،أيضاً لم نحصل على المبلغ الذي كان من المفترض أن نحصل عليه من مشفى المكفوفين لأجل عملية رقية ولكن أخبرني يا أبي هل نستطيع أن نغير ما فات؟ كلا! إذ أن ما رحل لن يعود ، فلا والدتي ستعود للحياة ولا المشفى سيغير رأيه ولا الجامعة ستعيد تحديد قسم تعييني ، أبي إن الله قد أعادك إليه أخيرا ً، لقد أراك كم كنت مخطئاً وكيف ظلمتنا وظلمت نفسك ولم تجني من تلك السرقة سوى الألم والندم، وها أنت الآن قد اعترفت بخطئك وجاء الدور حتى تعلم بإن الله يتوب على من يشاء ومتى ما يشاء وكيفما يشاء فقط بشرط أن تعود اليه فهو يحب عبده المذنب وينتظر منه العودة ليفتح له أبواب رحمته باب وراء باب ، وللأسف الإنسان لا يقدر هذه النعم ! فالبعض لا يدخل من تلك الأبواب وإنما يتكاسل بالوصول إليها أو يشك برحمة الله عز وجل ويقنط ! فإياك يا أبي أن تكون من هؤلاء ولا تنقط من رحمته فاليأس من رحمة الله شرك كبير

جهاد بدموع غزيرة: أوهل لي من توبة ؟

علي: بلى وحق حبيبي الحجة لك توبة ! أوليس الله من قال (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ* ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة القرة الآية 51 .

اي أنه عفى عن قوم موسى الذين نقضوا عهدهم مع الله! أولا يعفو عنك؟ وأيضا ً أوليس هو الذي قال (ادعوني استجب لكم) غافر آية 60، ثم قال (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) البقرة الاية 117 ، أولا تريد أن تكون من اؤلائك الذين قال الله عنهم (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران آية 16 ، أوليس هذا قول الله يا أبي فمالك قد يأست من رحمة الرؤوف الرحيم الودود الحليم هو يستطيع يا والدي ان يمحو لك ما فات من سيئاتك ! فقط أدعوه أن يغفر لك ما فعلت وعُد له ، فهو الله الذي لا يرد قلباً مكسوراً جاءه طالباً رضاه إلا وغفر له ، هو الحنون على المذنبين امثالنا.

قالهــا علي بعيون دامعة لينخرط والده ببكاء مرير وهو يحتضن من سخر منه يوماً على قضاء الليالي بالعبادة بدل الدراسة رغم أنه كان يعلم إنه الأول في دراسته ، وها هو الآن الوحيد الذي يقف بجنبه وينقذه مما في قلبه من هم وغم ،
رغم أنه ولده وهو والده ، لكن الحب الإلهي لا يقاس بالأعمار بل إنما بالقلوب ومدى قربها لله .

" الله اكبــر الله اكبــر "

هـذا كان صـوت هاتف علي وهو يصدح بالآذان مما جعله يودع والده ويرحل مسرعاً عائداً الى منزله فهو لا يريد التأخر على موعد اللقاء بحبيبه.

رسائلك غيرت حياتي (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن