Chapter-8

1.9K 48 3
                                    


الأربعاء (5/28):(9:08am):
#سليم :
الْيَوْمَ تلقيت اتصالاً من مدرسة إيلين يقولون ان نتائج الامتحانات ظهرت منذ مدة طويلة وكانت هي الطالبة الوحيدة التي لم تحصل بعد على درجاتها ، لبيت دعوتهم وذهبت ليستقبلني مدير المدرسة حيث كانت مفتوحة بسبب خضوع الصفوف النهائية لأمتحاناتهم التي سوف تؤهلهم لمرحلة الكلية ، أخذ يسأل عنها بأهتمام قائلاً انها كانت احدى الطالبات المتميزات في المدرسة فسبق وان شاركت في معارض مدرسية وتمكنت مدرستهم من الفوز بفضلها فهي رسامة بارعة وصاحبة أفكار غريبة فضلاً عن كونها من المتميزين خاصة في مجال الحاسوب ولكونه يقوم بتدريس هذه المادة فقد كانت هي الطالبة المفضلة لديه ،اثنى على إيلين كثيراً لأشعر بالفخر تجاهها لم أتوقع انها مميزة هكذا ، اخفضت نظري الى حضني حيث استقر كارت درجاتها حيث نجحت بمعدل تسعين والآن أمامها سنة واحدة فقط للتخرج كما أعطاني كيساً به كتب جديدة قائلاً بحماس :
-هذه الكتب من اجلها قل لها ان تركز على دراستها لتكون من المتميزين مجدداً وأخبرها ان الاستاذ هارون يخبرك ان تحصلي على معدل لا يقل عن التسعين وانا نفسي سأجد لها كلية محترمة لتدرس فيها .
زفرت أنفاسي بضيق ووضعت الكتب على مكتبه ليظهر الاستنكار على وجهه وزالت ابتسامته لأجيبه واشعر بغصة غزت عنقي وبدموعي قد غطت عني الرؤية :
-إيلين ستترك الدراسة لن تستطيع الإكمال .
عقد حاجبيه وخلع عنه نظارته قائلاً بتعجب واستنكار شديدين :
-لماذا ؟ انها فتاة ذكية وارى لها مستقبل مشرق .
قاطعته وانا أشيح بعيناي للجانب :
-لكنها لن تكمل لقد تدمر ذلك المستقبل المشرق قبل مجيئه !
ثم ابتسمت بقهر ليتحدث وقد استنكر حديثي كثيراً ولَم يتقبله :
-مالذي حدث لها ؟
شرحت له وضعها بأختصار لتتمرد علي دموعي وتخرج للعلن فغطيت عيناي ومسحت تلك الدموع وأخذت أتلفت في الأنحاء أواري حزني لم أكن يوماً هشاً هكذا ولَم يسبق لدموعي ان خرجت دون أذني بل لم يحدث وبكيت قبلاً حتى عندما كنت طفلاً ! حدقت اليه بعد مدة قصيرة لأجد الصدمة تعتلي ملامحه ليقول وهو يعود بظهره متكئاً للخلف :
-لا حول ولا قوة الا بالله .
مسح على جبهته ليسأل وهو يشابك يديه فوق الطاولة :
-والآن ما هو الحل هل ستبقى في السجن ؟ ما دامت الفتاة بريئة لما تم ايداعها في السجن هذا ظلم !
-لا اعتراض على حكم القاضي نحن نحاول العمل على اخراجها والله المستعان .
أجبته واشعر بأنفاسي تطبق على صدري فتخنقني فها أنا اعترف بضعفي وقلة حيلتي فالفتاة التي احبها والتي كبرت وشبت معي بعيدة عني خلف القضبان وانا هنا اكتفي بالنواح كالنساء ! لم استطع استحمال البقاء اكثر كنت بحاجة لرؤيتها وقد عزمت على الذهاب لزيارتها نهضت ونهض هو وصافحنا بَعضُنَا ليقول :
- احرص على اخباري بمجريات القضية وإذا احتجتم الى اَي شيء اخبروني رجاءاً .
أومأت له ليقوم بأخراج ورقة صغيرة دون عليها رقم هاتفه وناولني إياها تصافحنا مجدداً ورافقني حتى خرجت من المدرسة بأكملها ولَم يكف عن وصيتي على إيلين وايصال سلامه لها ، بعدها مررت على محل للزهور لأشتري زهور حمراء كما تحبها هي غلفها لي صاحب المحل بشكل جميل واستقللت سيارة اجرة لأطلب منه ان يقلني الى سجن النساء شعرت بالانانية وانا ارحل لوحدي فغيرت العنوان وقررت الرجوع لمنزلي وفِي اثناء الطريق وصلتني رسالة من المحامي يطلب فيها رؤيتي فطلبت منه ان ينتظرني قرب السجن وصلت للمنزل وطلبت من السائق ان يقوم بأنتظاري فتحت لي والدتي الباب فدلفت مسرعاً ناحية غرفتها وطرقت الباب ليصلني صوت عمتي ليلى وهي تأذن لي بالدخول
جلست بجانبها على السرير مقبلاً يدها قائلاً بأبتسامة واسعة محاولاً منحها بعض الإيجابية :
-اريدكِ ان تنهضي الان وتلبسي اجمل ما عندكِ وتجهزين نفسكِ فلدي لكِ مفاجأة جميلة .
نظرت لي بتعجب رافعة حاجبيها لأقبل يدها مجدداً واخرج قبل ان اسمع منها اَي رد ودلفت لغرفتي ونزعت ملابسي جميعها لأفتح الخزانة وابحث عن قميص معين لونه عسلي مع مربعات خضراء داكنة اشترته لي عمتي في عيد ميلادي وقالت ان إيلين اختارته لي لذلك فأنا جداً اعتز بهذا القميص ولا البسه الا عندما كنّا نزورهم كي تراني وانا أرتديه وأكثر ما أسعدني وقتها انها قالت لي مع ابتسامة جميلة :
-"انه يليق بك ".
ارتديته مع بنطال اسود وسرحت شعري للخلف ووضعت من عطري المفضل ثم حملت الباقة وأخذت أحدق الى انعكاسي في المرآة لقد بدوت وسيماً جداً خرجت مع اعرض ابتسامة على وجهي لتستقبلني والدتي وهي تمسك بيدها مكناستها حيث اتكئت على عصاتها تحدق لي بحاجب مرفوع وتضع يدها على خصرها قائلة :
-خير ان شاء الله الى أين بكل هذه الحلاوة ؟
أجبتها ولا زالت ابتسامتي البلهاء تشق وجهي :
-نحن ذاهبون لزيارة إيلين .
وصلني صوت عمتي المتفاجئة :
-حقاً !
حدقت اليها لتخبو ابتسامتي لقد أردت مفاجأتها ولكنها قد علمت بالأمر اومأت لها مجيباً إياها :
-حقاً يا عمتي .
بعد لحظات نظرت الى يدي لأتذكر كارت درجاتها فعدتُ الى غرفتي لأقوم بأخذه وخرجت حيث كانت والدتي تحادث عمتي توصيها ان توصل سلامها لأيلين وان لا تبكي أمامها كي لا تقلق قاطعتهما و أنا امد الكارت وسطهما قائلاً مخاطباً عمتي :
-لقد نجحت بمعدل تسعين .
وضعت يدها على فمها وتطايرت دموعها من جفنيها لتشاركها والدتي البكاء حيث قالت بعد لحظات :
-لن أتحمل اكثر سآتي معكما انتظراني لن أتأخر حسناً .
اومأت لها بينما توجهت عمتي للجلوس على الأريكة فقمت بأحتضان كتفيها ضاغطاً عليهما بخفة مواسياً إياها :
-لا تبكي يا عمتي عَلَيْكِ ان تكوني فخورة بها .
إجابتني من بين شهقاتها :
-ومن قال لَكَ لستُ فخورة بها ولكن قلبي يحترق على فلذة كبدي فلقد تدمر مستقبلها .
أخذت تضرب فخذها بقهر لأجلس أمامها محتضناً إياها وقد عادت دموعي للظهور من جديد فلا احد منا يستطيع نكران هذه الحقيقة المرة قاطع هذا الجو الحزين ظهور والدتي وهي تعدل شالها على رأسها قائلة بحزم :
-صغيرتي ستخرج من السجن وستعود لأكمال حياتها بطبيعية وسوف تكمل تعليمها وتحصل على شهادة أيضاً حالها كحال غيرها من البشر .
ثم حركت يديها بعصبية مشيرة ناحيتنا وهي تقول :
-هيا اتركا عنكما هذه الدراما ولنذهب قبل حلول الظهيرة .
نهضنا مستجيبان لها حيث ركبت أنا قرب السائق وصعدت الاثنتان للخلف لنشق طريقنا ناحية السجن .
******************
#ايلين :
منذ الصباح الباكر وانا اشعر بالسعادة والتفاؤل فلقد حلمت لأول مرة بحلم جميل ولَم ارى بشير أو الدماء ولَم يضع احدهم رصاصة في رأسي بل رأيت والدتي قادمة تزورني وبيدها درجاتي للامتحانات النهائية التي خضتها وطبعاً هذه السعادة لم تدم فاليوم ومنذ السادسة صباحاً ايقظتنا الشمطاء لنقوم بغسل السجن وتغيير الإفرشة وغيرها من الأمور حيث كنتُ اشعر اننا خدم نعمل لديها مع ذلك التزمنا بالصمت وقمنا بتنفيذ الأوامر وبعد تناول الافطار انهمكنا في العمل الذي تخلله الكثير من النكات والرقص والغناء والضحك الغير منقطع حتى هيلين المعقدة بدت اكثر انفتاحاً الْيَوْمَ وهي تشاركنا الضحك وأكثر ما اثار استغرابي انه بعد الانتهاء من ملحمة التنظيف التاريخية وبعد فترة الاستحمام الصباحية وخروجنا للساحة المخصصة لنا فلقد جلست معنا كورت وهيلين وتطورت العلاقة بيننا ! كذلك صباح فلقد تعرفت على نسوة من زنازين اخرى بعمرها تقريباً وكونت معهن علاقة صداقة وانا حالياً جالسة على العشب بقربي صهباء البدينة هي وصديقتها الصهباء الاخرى كانتا تبدوان كالتؤام فحتى ملامحهما متشابهة الى حد ما وكانتا تتحدثان عن الجن والأشباح والخوارق وعن الفضاء والعديد من الأمور الاخرى التي تثير فضولي أنا أيضاً ولكنني أردت الاستمرار في الكتابة داخل هذه المذكرة التي جلبتها من المكتبة حيث يوفرون قسماً خاصاً لدفاتر مخصصة للكتابة وبالطبع بعضها كان مصحوب بقفل وهو النوعية التي اشتريتها أنا كان لونه بنفسجي فاتح تتخلله ورود مطبوعة عليه زهرية اللون ، لم أتمكن من تدوين الْيَوْمَ والتاريخ لأنني لم أعد اكترث لهما ، على الرغم من ذلك اشعر انني امضيت هنا قرابة السنة واشعر بنفسي قد نضجت مئة سنة ! فالمجتمع هنا يشبه الجامعة كثيراً ولكن بلا دراسة مع ذلك توجد هنا مباني مخصصة لكل شيء حتى لمن يود ان يدرس ! وقد وجدت لي مكاناً في نادي الرسم اضافة الى نادي التطريز والخياطة ومن المفترض ان ابدأ اول دروسي فيهما الْيَوْمَ ولكن موعد افتتاحهما قد تأخر .
لا املك شيء لأكتبه الْيَوْمَ فلقد اشتريت المذكرة هذا الصباح ولكن أودّ فقط ان اذكر نفسي انني بخير هنا رغم كل شيء .
****
ختمت الحديث بنقطة وأغلقت الدفتر لتجد نيفين وهي تقترب منها فأبتسمت الاثنتان لبعضهما وجلستا بجوار بعض حيث احتضنت نيفين ايلين ونامت على كتفها لتقول بشبح ابتسامة :
-لم يكن لي أصدقاء من قبل .
إجابتها الاخرى وهي تنام على رأسها :
-أنا أيضاً ، لقد اعتدت ان أكون مكروهة .
بعد ذلك ابتدأت الكثير من الأحاديث عن الذكريات والدراسة وما الى ذلك حتى قاطع هذه الأجواء قدوم شرطية اتجهت نحو ايلين مباشرة تطلب منها القدوم ليهوي قلبها ذعراً .
مشت خلفها لتدخلا للداخل اما نيفين فلقد لحقت بها بعد ان نادت على صباح الا انه لم يُسمح لهما بالخروج الى غرفة الزيارات حيث توجهت ايلين هناك .
******
#ايلين :
توجهت وانا كلي سعادة فأخيراً ستسنح لي الفرصة لكي ارى والدتي ، دخلت الى غرفة الزيارات الاخرى التي تكون صغيرة الحجم مخصصة لقدوم فرد واحد لرؤية عائلته مع ذلك نبهت علي الشرطية ان اخبر عائلتي بالمجيء يوم الثلاثاء فقط وهو المخصص للزيارات ، اومأت لها ودلفت للداخل فلم اشعر بنفسي الا وانا اختنق حيث كنتُ غارقة وسط حضن يكاد يحطم عظامي وبالطبع كان ذلك الحضن اول حضن احصل عليه من الطرف الاخر اَي من " رجل " لا اصدق ان سليم يكاد يحطمني عناقاً هل فقد صوابه ! خلال لحظات اهتز جسده وأخذ يبكي بصوت عالي فشعرتُ بالإحراج من هذا الموقف فأمي وأمه والمحامي يحدقون إلينا ! بصراحة لم اشتق له حتى فعلاقتي به ليست قوية فأنا احترمه وأقدره ولكن هذا لا يعني ان يعانقني هكذا !ابتعد عني واستوى واقفاً يحدق الى وجهي وانا بدوري حدقت اليه لقد زاد طولاً بحيث كنتُ أصل لصدره فقط ! كانت دموعه تغرق وجهه جفنيه وأنفه استحالا للاحمرار ثم قدم لي باقة ورد احمر له رائحة عطرة والذي كان من نوعي المفضل ، اخذتها منه على خجل ليبتسم لي ثم قال :
-مبروك !
كان يبتسم كالإبله وانا اعقد حاجباي بعدم فهم ليقول بعدها بسعادة :
-أنتِ تستحقين ذلك وأكثر .
شعرت بدمي يغلي فصحت به غاضبة :
-مالذي تهذي به أنتَ.
حدق الي بصدمة وقد التزم الصمت فشعرت بالغضب اكثر حينها تقدمت والدتي ووقفت بجانبه وقالت :
-انه يبارك لكِ على نجاحكِ يا صغيرتي لقد نجحت بمعدل عالي وجعلتني فخورة بكِ أنا وخالتكِ فهيمة .
أخذ هو يومأ بالإيجاب كالأحمق ويبتلع ريقه ثم عادت له تلك الابتسامة التي بدت كتكشيرة سفاح وهو يقول :
-اجل اجل هذا هو ما قالته .
منذ متى وهو يتصرف هكذا حتى ! لوهلة شككت ان خالتي فهيمة لديها تؤام كلاهما سليم ولكن هذه النسخة الغريبة الأطوار والأخرى الله اعلم أين ذهبت ! اخفضت نظري بحيرة وأخذت أقول لنفسي منذ متى وانا أصلاً منتبهة له أنا حتى لا اتذكر شكله جيداً !
حدقت له من جديد كان شاب طويل عريض الكتفين حليق الذقن عينيه عسليتين مشوبتين بالقليل من الأخضر الداكن وشعره بندقي اللون بشرته خمرية وكان قوامه نحيف ، ثم حدقت الى قميصه حيث اتذكر انني رأيته سابقاً احتضنت أمي وتجاهلته كلياً فلم أرد ان يظن بي شيء خاطئ وانا انظر اليه هكذا . أخذتني أمي بعناق طويل حيث لم أرد الانفصال عنها أبداً شعرت بأهتزاز صدرها لأعلم انها بدأت البكاء أخذت اربت عليها محاولة تهدأتها حتى وصلنا صوت الخالة فهيمة وهي تقول :
-كفاكِ يا أمرأة انه دوري الان لأسلم على ابنتي .
ابتعدت أمي عني لتعانقني الخالة فهيمة بقوة وهي الاخرى بدأت البكاء وبعدها جلسنا معاً على المصاطب الموضوعة امام بعضها حيث رحبت بالمحامي وأمسكت بكارت درجاتي وانا سعيدة ثم أخذت احكي لهم عن كل تفصيل صغير عايشته هنا منذ دخولي السجن وحرصت على التحدث الى المحامي بخصوص الفتاتان حيث اجاب بأبتسامة :
-سآتي لزيارة كل منهما على حدا وسأتكفل بقضيتهما .
شكرته وبارك لي بنجاحي وبالطبع لان سليم كان جالس قربه فكنت أتجنب التحديق اليه فهذا الشاب كان يحدق لي بأبتسامة حزينة ولَم يبعد نظره عني حتى انني شعرت بعدم الراحة في وجوده وشُل جسدي بأكمله كأنني مكبلة بالقيود حتى تحدث المحامي بجدية :
-علينا التكفل بقضيتكِ الان يا ايلين .
حدقت اليه  مصغية بتركيز الى ما ينوي قوله حيث اكمل حديثه مشابكاً يديه أسفل ذقنه :
-لقد التقيت بمحامية بشير " هازال " قالت ان زوجته من وكلتها وأنها لا تزال على ذمة زوجها ، وانا أيضاً لم أتأخر بالنقاش معها فهي تقول ان الحق معهم وجل ما تركز عليه هو حادثة الأموال وتريد ان تستخدم والدكِ كحجة مقنعة اكثر بتبرئة موكلها .
قال سليم وهو يحدق ببصره نحوه بتساؤل :
-وما الحل الان ؟
كنتُ أدير حدقتاي بين الاثنان ولَم أشارك بالحديث حيث اشعر ان الامر لا يعنيني ! فهنا السجن لا يفرق عن الخارج وبالتالي لا اكترث ان خرجت أم لم افعل .
تنهد المحامي ثم قال :
-تحدثت مع زوجته وطلبت منها التنازل الا انها لم تفعل بدت كدمية بيد تلك المحامية انها تنصاع لها فقط وبالتالي لا اعلم ماذا افعل ولكن سأتجهز جيداً للمرافعة مدة التحقيق التي سمح بها القاضي هي شهر فقط قبل جلسة المحاكمة التالية .
حلت لحظات من الصمت علينا جميعاً حتى عاودنا الحديث مجدداً أنا ووالدتي التي لم تكف عن البكاء حالها كحال الخالة فهيمة ثم أعدت لها الكارت الخاص بي الى ان جاءت الشرطية وقالت ان وقت الزيارة قد انتهى ودعتني أمي بعناق بعدها فعلت الخالة فهيمة الامر ذاته المحامي ربت على رأسي ثم وقف سليم امامي وكانت تبدو عليه الحيرة لسبب لم اعلمه فتحدثت اليه بعد تنهيدة طويلة اطلقتها من صدري :
-إذن اعتني بنفسك .
أومأ لي ولكنه اخفض ناظريه للأسفل بحزن و التمعت الدموع فوق جفنيه فأصطحبتني الشرطية وانا احمل باقة الورد برفقتي حتى صادفت صديقتاي ودخلنا الى الزنزانة الخاصة بِنَا حيث جلسنا على سريري واخبرتهما عن عائلتي وبعد ان انتهيت رأيت نيفين تعض شفتيها وصباح تطالعني بأبتسامة غريبة !
-ماذا ؟
لم احصل على جواب بل حدقتا لبعضهما وهما تبتسمان ثم عاودتا النظر الي لتقول نيفين :
-ان الشاب يحبكِ يا غبية .
لويت شفتي ساخرة وانا اطالعها تبدو كعالم اكتشف كوكب جديد ! فأجبتها :
-اعلم ذلك .
ثم اخفضت نظري ناحية الورد وانا العب ببتلاته ليصلني صوت نيفين قائلة بأستنكار :
-ما هذا البرود يا فتاة !
نظرت نحوها قائلة :
-لستُ هاوية علاقات يا نيفين .
تدخلت صباح قائلة :
-ماذا لو كان يريد الزواج منكِ ؟
تنهدت بخفة لأجيبها وانا العب ببتلات الورد :
-سأرفضه أنا أصلاً لا زلت صغيرة على الزواج ولا أخطط للارتباط .
وضعت خدها على كفها قائلة :
-تقولين هذا الان ولكن قد تغيرين رأيكِ مستقبلاً .
قالت نيفين بجدية :
-غبية جربي الشاب هذه الفرصة تأتي مرة في العمر ، من أين تجدين شخص يحب في هذا الزمن ؟
-اَي حب هذا حباً بالله !
أجبتها بأنزعاج
حيث أدارت وجهها بغضب وهي تزفر بضيق دخلت كورت وهي تحاوط حبيبتها بذراعها ووقفتا أمامنا مباشرة لتقول كورت ساخرة :
-يا له من عاشق ولهان من اعطاكِ هذه الورود .
ابتسمت لها مشيحة بوجهي اشعر ان الدنيا اتفقت كلها ضدي واهتمت بحب سليم ! إجابتها نيفين :
-بالضبط انه عاشق تقليدي وفِي لا نجد منه هذه الأيام ولكن ..
ثم لكزت رأسي بسبابتها قائلة بغضب مصطنع :
-لكن هذا الحجر لا يفهم .
-لقد آلمتني .
أخذت أدعك المنطقة مخففة من ألمي فأصبعها غرسته برأسي كالمسمار فلوت كورت شفتها ساخرة وهي تقول :
-هل رفضتِ المسكين ؟
وها هي تنهيدة اخرى تغادر صدري لاقول بضيق :
-لقد أعطاني إياها فقط بدون ان يقول شيء اظنها هدية على نجاحي .
هذه المرة قالت هيلين :
-الأزهار جميلة جداً .
أعطيتها الباقة لتشمها فظهرت ابتسامة جميلة على ثغرها لتبان غمازتيها فقلت لها :
-يمكنكِ اخذها اذا اردتِ .
قالت نيفين وهي تطالعني بأستنكار :
-حبيبكِ اعطاكِ إياها لتحتفظي بها لا تهديها للناس !
ثم ضربت كفيها ببعض قائلة وهي تلف وجهها للناحية الاخرى :
-هالله هالله .
أجبتها بسخرية :
-أولاً هو ليس حبيبي ثانياً ما دامت لي إذن لدي الحق بمنحها للسجينات اهم شي زرع الابتسامة على وجوه الجميلات .
أطلقت هيلين ضحكات عالية بينما اكتفت كورت بالابتسام فقط شاركتها صباح بينما اصرت نيفين على العبوس قامت هيلين بعدها بتوزيع الورد علينا فأصلاً عدده كان قليلاً يبدو كأنه لا يحمل المال الكافي لشراء باقة ورد حتى ! بعدها بدأت السجينات بالدخول تدريجياً حتى امتلئت الزنزانة على آخرها بعضهن عاودن الخروج والبعض الاخر اجتمعن بمجموعات لتبادل الأحاديث كما فعلنا نحن حيث جلسنا خمستنا على السرير وأخذنا نتبادل الأحاديث عن ذكرياتنا وحياتنا وكيف كانت قبل حدوث هذه المصائب التي من محاسنها انها جمعتنا .
**********************
حل الليل سريعاً على اسطنبول ومعه ظهرت نجوم السماء برفقة القمر وأنارت الارض بمختلف بقاعها بأضواء مدينتها الساطعة من البواخر التي تسير في البحر والجسر المضاء الى البيوت التي أخذت تتلألأ بأضويتها فبدت كسرب من النجوم ، كانت ليلى قد هدأ قلبها على ابنتها خاصة بعدما حدثتها عن الفتيات اللاتي برفقتها وحمدت الله كثيراً على هذه النعمة حيث استجاب دعائها ولَم تبقى ابنتها وحيدة كانت جالسة في غرفة صديقتها الوفية التي دخلت عليها وهي تحمل صينية احتوت فنجاني قهوة وجلست قربها على السرير وقدمت لها فنجانها لتشرب وكانت هذه المرة الاولى منذ ثلاثة ايّام تبتسم فيها ليلى وقد ركنت حزنها جانباً بعكس سليم الذي انزوى في غرفته وكانت دموعه هي رفيقته فلقد شعر بالإحراج لما حصل له الْيَوْمَ ، لقد اتفق مع نفسه على تمالكها وانه لن يفقد صوابه حالما يرى القلب محبوبته لكنه ركض اليها بلهفة واحتواها بين ضلوعه عسى ان تخترق قلبه فيحبسها بين أضلاعه ولَم يجرحه سوى نظرات الاستغراب المطلة من حدقتيها ربما كان هذا من حقها فالعلاقة بينهما اقتصرت عَلى السلام فقط فهو يعلم جيداً كم تتجنب ايلين الذكور وتمقتهم بشدة الا انه رفع سقف آماله عالياً وخاطب عقله قائلاً :" ولكنني لستُ اَي احد قد تتجنب ايلين رجال الكون بأجمعه ولكن أنا وحدي من لا تمانع قربه " الا انه صُدم بالعكس تماماً الْيَوْمَ خاصة بعدما تحاشت النظر اليه فأخذ قلبه يعاتبه "لماذا جرحت كرامتي لهذه الدرجة وهززت كبريائي أمامها ؟" تلك النظرات من عينيها ، برودها وتجاهلها ، هذا فقط لم يجرحه بل لأنه بات يعلم انها على علم بمشاعره اتجاهها ولكنها ترفضه وترفض حبه ، كان جواب بشكل غير مباشر منها فهي حتى لم تبدي فرحتها بالورود التي جلبها من اجلها وتجاهلته عمداً لكي يعرف مكانته عندها وهي "لا شيء " مثل الصفر الذي يُضرب بقيمة عددية فيبقى صفراً !
تجرع جرعات كبيرة من قنينة الخمر التي حملتها يديه وأخذ يحدق الى نقطة وهمية في الخزانة أمامه لكنه مع ذلك ابتسم من بين دموعه قائلاً بثقة :
-ستحبني يوماً ما أنا متأكد من ذلك .
ووضع بعين الاعتبار انها لا زالت صغيرة وأمامهما عمراً ودهوراً ليقضياها معاً فبالتأكيد ستحبه وستحب حبه لها .
وبذكر محبوبة سليم فهي كانت جالسة تصفق بفرح فالنساء أخذن يرقصن ويغنين وطبعاً تحولت الزنزانة الى مرقص جلست بجوارها كورت تشاركها التصفيق بقربها الشقراء التي رافقتهم في السيارة في المرة الاولى واسمها "ايليف " اما صباح ونيفين وهيلين فكانتا ترقصان بشكل جميل وسط النساء حتى التؤام الأصهب كن يرقصن ولكن بعيداً قليلاً عن الجمع العجوز الشمطاء اكتفت بالجلوس على احد الاسرة بقربها مجموعة من النساء اللاتي يغنين وهي تصفق وسطهن ومساعدتها تشارك في ساحة الرقص ، بدت اجواء جداً سعيدة على قلبها ووجدت نفسها وسط علاقات صداقة مع وجود تفاوت عمري وطبقي كثير الا ان تلك الفوارق اختفت جميعها على الرغم من مرور فترة قصيرة جداً منذ دخولها السجن ولأول مرة تفكر ايلين ان السجن أفضل من الخارج فهنا لا يوجد نفاق وان وُجد فهو في العلن كما ان النساء هنا جميعهن ودودات وان تشاجرت إحداهن مع الاخرى فيتم الصلح بعد يوم أو يومين .
اما المحامي فلقد كان ساهراً في مكتبه يفكر بموكلته الصغيرة التي لم تتعب نفسها في عناء معرفة تفاصيل قضيتها بل اوصته على التكفل بقضايا صديقتيها ، لوهلة اعتقدها ساذجة ولكن بعد تفكير عميق ادرك ان هذه السذاجة هي عن طيب خاطر وقلب نظيف ، ارتشف من قهوته القليل وهو يفكر بصمت مجدداً من الظلم ان تحظى طفلة كهذه بأب ظالم هو السبب بكل ما حصل لها ، أعاد تركيزه على الأوراق المبعثرة أمامه وهو يتنهد كل فينة واُخرى كيف سيخرجها يا ترى ، تلك المحامية كالثعبان ومن الصعوبة التغلب عليها حالة بشير للان غير واضحة فبالنهاية هو أيضاً طرف في هذه القضية واستيقاظه سيحل الكثير من الأمور العالقة .

يتبع ......

  
                                                                      "القاعدة الثامنة "
                         "مهما وُجدت في ظروف سيئة انظر لها بعين الإيجابية حينها فقط ستهون عليك مشقتها"

براءة مُدانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن