كانت زرقاوتيها تطالعان خارج النافذة بشرود ووجهها شديد الشحوب وشفتيها متشققتين وقد زال لونهما الزهري واحتلت جيوب سوداء أسفل عينيها لتجعلها كأمرأة مسنة ، شعرها الاشقر مرفوع بكعكة مبعثرة تتناثر خصيلاتها حول رقبتها وبعض الخصل استقرت حول وجهها ، كان الصمت يطبق عليها وكأن صوتها قد فُقد وغدت خرساء بالكامل ، حتى مرت دقائق قليلة لتبتلع ريقها ثم تطلق العنان لصوتها المبحوح والذي فقد تلك الرنة الجميلة التي لطالما أسعدت من حولها قائلة ولا زال نظرها مثبت خارج النافذة :
-اريد الذهاب لأزمير .
حدق والدها الذي كان يقود السيارة اليها من خلال المرآة وقد ظهر العجب في عينيه اما اختها فلقد حدقتُ نحوها بشفتين مزمومتين انزعاجاً وهي تدري ما هو مبتغاها لذا سايرتها كما هي العادة دائماً حين تطلب نرجس ويكاد والدها على الرفض لتقنعه عايدة ويغير رأيه فتحدثت بمرحها المعتاد متجنبة اثارة شكه :
-انا أيضاً كنتُ سأفاتحكَ بهذا الموضوع يا والدي لما لا تسافر نرجس معي قد تتغير نفسيتها وتصبح أفضل فبعض التجديد مريح للنفس .
زفر انفاسه بقلة حيلة قائلاً :
-كما تشاءان يا ابنتي ولكن انتبهي لها جيداً وفِي حال حدوث اَي طارئ اتصلوا بي سآتيكم على الفور .
-سلمتَ يا والدي ولكن لا تقلق هذه الصغيرة أمانة عندنا كما ان نعمان موجود لذا لا تقلق عليها اتفقنا .
أومأ برأسه لتضرب كتف اختها مازحة :
-نيالك يا نرجس انظري الى ابينا الذي يخاف عَلَيْكِ اكثر مني بدأتُ اشعر بالغيرة !
ضحك بخفة ليرد عليها وهو يثبت نظره على الطريق :
-أنتما كلاكما فلذتا كبدي واخاف عليكما أنتما الاثنتان فمن لي سواكما ؟
ارتسمت ابتسامة حنونة على شفاه عايدة لتحدق الى والدها قائلة :
-حفظك الله لنا يا والدي .
ابتسم مجيباً :
-وحفظكما لي يا نور عيني .
أدارت وجهها الباسم نحو اختها التي كانت في عالم ثاني تماماً ولا زالت ملتصقة بباب السيارة تحدق خارج النافذة والقهر ينعكس على تفاصيل زرقاوتيها ، حتى مرت مدة قصيرة وصلوا بها الى المنزل ليترجل الأب وابنته الكبرى التي اتجهت نحو الصغرى تتأبط ذراعها ثم تبعت الاثنتان والدهما الى داخل حديقة المنزل حيث استقبلهما نعمان زوج عايدة ليدلف الجميع للداخل ، وسرعان ما انطلقت نرجس نحو غرفتها وبدأت في تحضير حقيبتها لتدلف اختها مغلقة الباب خلفها لتقف مكتفة اليدين تطالع الاخرى بتنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيها ثم جلست على السرير بينما الاخرى تنقل ملابسها بحركة سريعة لتتحدث بحنق مخاطبة إياها وهي تضع قدماً فوق الاخرى :
-أنتِ تعلمين اننا لن نسافر الليلة يا نرجس فأنا مشتاقة لوالداي وارغب بقضاء بعض الوقت معهما ثم سنسافر بعد خمسة ايّام .
تحدثت الاخرى وهي مشغولة بما تفعله :
-وما علاقتي انا أنتِ ابقي مع عائلتكِ وانا سأسافر .
بانت الدهشة على ملامح الاخرى التي نهضت غاضبة تمسكها من كتفيها تهزها بخفة :
-هل فقدتِ عقلكِ يا ابنتي ؟ بماذا تهذين أنتِ ؟ من سيسمح لكِ أصلاً بالسفر لوحدكِ وانتِ بهذه الحالة ؟
ردت بحنق تنفض يدي الاخرى عنها بغضب :
-انا سأسافر وهذا قرار نهائي لن يعترض عليه احد .
ردت الاخرى بنفاذ صبر :
-مجرد ان تطأ قدميكِ العتبة التي خارج حدود غرفتكِ سأكسرهما لكِ اهذا واضح ؟
هددتها بسبابتها بأعين متسعة غضباً لترد الاخرى بصوت منخفض تشدد على كل حرف بتحدي :
-بل سأخرج من هنا ورغماً عن انفكِ وأنف الجميع ولن يمنعني احد !
ثم سرعان ما تجعد وجهها لتتساقط دموعها لتتحدث بصوت عالي بقهر وهي تضرب يديها بقوة على صدرها:
-تخيلي لو ان نعمان طلقكِ بلا مبرر أو سبب ثم تكتشفين انه متزوج بأخرى لا تعلمين منذ متى أو حتى من هي ماذا ستكون ردة فعلكِ ؟ ألن تحترقي ؟ ألن تتألم روحكِ ؟ الا تسود الدنيا في عينيكِ ؟ لأن اكثر إنسان أحببتيه على وجه الكرة الارضيّة لم يبادلكِ بذرة من هذا الحب ! ولكن من أنتِ لتشعري ؟ فأنتِ تلك الأميرة التي وقعت بقصة عشق خيالية مع اميرها الذي بادلها الحب بكل جوارحه ولازال يفعل بعد مرور سبع سنوات على زواجهما ! من أنى لكِ ان تشعري بي ؟
أنهت كلامها بصراخ لتطالعها الاخرى بوجوم وهي تكتف يديها لتتحدث بصوت عالي وقد برزت عروق رقبتها :
-لما وافقتِ عليه من البداية إذن ؟ اذا كنتِ قد جريتي خلفه لأربع سنوات ولَم ينظر لكِ حتى لما وافقتِ عليه وانتِ قد رأيتِ الرفض مرتسم على كل قسمة من قسمات وجهه في يوم خطبتكِ ! لقد كان يرفضكِ بكل ما فيه ولكنكِ اصبحتي عمياء ووافقتي كالثور هكذا !
ردت الاخرى بصوت غاضب اكثر :
-حبيبي الذي جاهدت سنوات لجذب انتباهه تقدم لخطبتي وارفضه ! ذاك الذي كنتُ انتظر إشارة منه فقط جاء الى هنا بقدميه يطلبني !
-لم يأتي حباً فيكِ يا نرجس !
قالتها بغضب اكبر لترد الاخرى من بين شهقاتها :
-كان سيحبني بعد الزواج ما ان يرى ...
-كفاكِ خداعاً لنفسكِ يا نرجس لن يحبكِ لو مرت عليه الف سنة معكِ تحت سقف واحد وانتِ تعلمين ذلك جيداً جداً سليم جارنا منذ كنّا اطفالاً وانا بنفسي ربيته الى جواركِ وهو لا يراكِ اكثر من أخت هل فهمتي !
ثم زفرت مكملة :
-الخطأ منكِ ومن ابي الذي وافق هكذا ، أنتِ بلا كرامة يا نرجس تركضين كل عمركِ وراء شخص لا يريدكِ وتتوقعين بعد الزواج سيرتبط قلبه بقلبكِ ! هذه الترهات موجودة فقط في كتب الحب التي كنتِ تقرأينها في ايّام مراهقتكِ ولو لم يحدث هذا الزواج لكان الشاب الان برفقة زوجته بين عائلته !
-لماذا لا يحبني ؟ هل ينقصني شيء لكي لا يفعل ؟
كان صوت صراخها بالفعل قد ملئ المنزل لذا ردت الاخرى بهدوء والحدة تنعكس في صوتها :
-لأن الحب لا يأتي غصباً يا نرجس ما دام قلبه مشغول إذن سيبقى هكذا الى ان يموت يوماً ما .
أخذت الاخرى تتنفس بغضب لترتمي على السرير بقوة تبكي بقهر وصوت بكاءها يصدح في الإرجاء لتجلس اختها عند قدميها وهي تكور وجهها المحمر الغارق في دموعه بين كفيها تخاطبها بحنان :
-هذه الحقيقة يا اختي ولا يمكن لأحد نكرانها العمر طويل امامكِ يا نرجس ستتعرفين على شباب كُثر وستجدين من يحبكِ بكل كيانه ولن ينظر الى سواكِ ثقي بي أنتِ لا ينقصكِ شيء يا اختي بل فقط أنتِ اخترتي الانسان الخاطئ .
هدأ بكاءها لتمسح اختها دموعها مكملة :
-هيا الان لنتناول العشاء ثم نامي أنتِ لتحظي بنوم عميق وغداً ان شاء الله نحن سنكون في ازمير اتفقنا ؟
هزأت رأسها إيجاباً لتعانق شقيقتها بعمق تستنشق عبيرها ودموعها تتساقط بخفة حتى ابتعدت الاخرى ناهضة تشد كفها لتنهض هي بدورها لتتجه الاثنتان نحو الخارج حيث كانت العائلة تستمع بوجوم وجميع أفرادها المتمثلين بالام والأب والزوج جميعهم جالسين في غرفة الجلوس بينما اتجهت الفتاتان نحو الحمام لتغسل نرجس وجهها وأختها واقفة قربها تمسك لها المنشفة وبعد ان انتهت ناولتها إياها لتجفف وجهها ثم خرجتا نحو صالة الجلوس لتتحدث عايدة بمرحها المعتاد :
-هيا ألن نتعشى نكاد نموت جوعاً ؟
-حاضر يا ابنتي سأسكب الطعام لكم الان .
ذهبت الوالدة بأتجاه المطبخ تتبعها عايدة بينما جلست نرجس بهدوء بقرب والدها الذي كان يتناقش مع نعمان حول أمور عمله والآخر كان يجيبه بثرثرته المعتادة .
حتى خرج صوت عايدة تناديهم لينطلق الجميع نحو المائدة فجلس الأب يترأسها بقربه زوجته أمامها عايدة وبجانبها نرجس ونعمان يجلس أمامها ، خاضت أفراد العائلة بأحاديث عديدة استمعت لها نرجس بصمت وأغلبها كانت عن ذكريات الطفولة لتسرح بنظرها نحو الجانب الأيسر تتذكر مقتطفات عن طفولتها برفقة سليم الذي كان يماثلها عمراً ، لتبان ابتسامة خفيفة على شفتيها ثم انسابت بها الذكريات حتى وصلت الى المرحلة الجامعية الاولى دخلا الكلية معاً بعد خوضهما المرحلة الإعدادية وبرفقتهم أبناء منطقتهم لكون المدارس قريبة ولكن الجامعة كانت ابعد وهما وحدهما من اتجها نحو الهندسة لكون سليم رسّام بارع وذو خيال واسع فيما يتعلق ببناء المنزل وهي لم تدخل في هذا المجال حباً بالتصميم بل فقط لأنها ارادت مشاركته حلمه !
كانت تعتمد عليه في كل كبيرة وصغيرة لكونها وجدت الدراسة صعبة ولكنه كان يضع الحواجز بينهما حيث لا يعينها الا في الدراسة فقط وبينما كان والدها يقلها فهو اختار المواصلات لتنقله الى المنزل ثم يركبها صباحاً للذهاب الى دوامه وهكذا ، ثم انسابت مشاهد عديدة لهما في تلك الفترة لتظهر ذكرى بعيدة وهي تستشعر ظهور أولى ملامح الغيرة في قلبها !
كان ذلك في يوم صيفي وقد أنهوا امتحانات نصف السنة وفِي الْيَوْمَ الأخير منه بينما كان سليم يراجع الاجوبة مع زملاء له اخرين سقطت من جيبه ورقة لم ينتبه لها ، فأنحنت هي تلتقطها لتفتحها بفضول لتجد رسمة للطفلة ذات الحادية عشرة سنة " ايلين " كان سليم قد رسمها ببراعته الفنية فأقتربت منه تنغز كتفه لتحصل على انتباهه ليحدق اليها يرفع حاجبه يسألها بنظرات عينيه عما تبغيه لتمد له الورقة قائلة :
-ما هذه ؟
سحبها من يدها ثم أعاد تطبيقها ووضعها في جيبه ولَم يجبها وبعد خروجهما من الجامعة اخبرها ان ايلين طلبت منه ان يرسمها لأنها معجبة بموهبته كثيراً ويومها زارا الخالة ليلى التي رحبت بحرارة بهما برفقة ابنتها التي كانت تعتبر سليم صديق مقرب لها لينحني لها يخرج الورقة من جيبه يناولها لها لتفتحها بلهفة الأطفال وهي تبتسم بأتساع له ليفتح يديه قائلاً :
-ألن تهديني قبلة ؟
الا انها عضت شفتيها بخجل واختبئت خلف والدتها فلطالما كانت طفلة خجولة وسبب تعلق سليم بها وقتها لم يكن سوى بدافع عشقه للأطفال .
بالرغم من ان ايلين تصغر كلاهما بعشر سنوات الا انها شعرت ببعض الغيرة وقتها وحال انتهاء الزيارة طلبت ان يرسمها الا انه نسي طلبها ومرت عليها تلك الأيام التي انتظرتها بلهفة وصارت أسبوعين حتى بداية الدوام ولَم تحصل منه على مطلبها بل اكتشفت انه أصلاً كان في انقرة في بيت جده هو وصاحبه علي يمرحان بالحقول وهي أصلاً لم تعرف هذا الا بالصدفة !
زفرت نفساً عميقاً لتتذكر ذكرى اخرى ، كانا كلاهما في السنة الرابعة وحينها في احد الأيام سمعت علي وسليم يتناقشان برسالة وصلتهما من الخالة فهيمة تخبرهما أنها تحضر مفاجئة لعيد ميلاد ايلين الذي كان في بداية العام حسبما ما تذكر وقد ذهب الاثنان بالفعل وشاركت معهما هي في شراء هدايا بسيطة لكونها فتاة وتعلم مالذي سيفيد ايلين اضافة الى كيكة الميلاد ليتجه الثلاثة اخيراً نحو وجهتهم .
استقبلتهم الخالة ليلى والخالة فهيمة اما ايلين فكانت غير موجودة ولا تذكر أين كانت بالتحديد لأن تركيزها كان منصباً على سليم وحده الذي شرع بسرقة بعض الحلوى وتناولها برفقة صاحبه اللص حتى ظهرت ايلين فجأة وصرخ الاثنان بحماقة مجفلان إياها :
-كل عام وانتِ بخير .
كانت تحدق إليهما فقط لتتقدم نرجس معانقة إياها تهنئها هي الاخرى وبعد استيعابها للمفاجئة تم وضع الكيكة فوقها الشموع برقم أربعة عشر لتطفئها ثم بعد تقطيع الكيكة ناولها كل منهم هديته اما سليم فلقد اخرج صورة مؤطرة بشكل جميل والتي كانت عبارة عن رسمة لها جعلتها تفرح كثيراً .
نرجس كانت زرقاوتيها تحدق الى الثنائي بغصة تحوط عنقها فحتى الأعمى يلاحظ اهتمام سليم بأيلين والذي يزداد كلما كبرت سنة ! وكأنها بدأت تستولي على اهتمامه وكلاهما يتشاركان موهبة الرسم والأفكار الغريبة ، لم تزح عيناها عنهما وتراه يشاورها لتبتسم له بخجل مشيحة بوجهها عنه ، لوهلة شعرت بشيء يتحطم داخلها وكأنه قطعة زجاج هشة قد تحطمت لألف قطعة ، فسليم يتجاهلها ويعطي كل اهتمامه لطفلة قد بدأت بمرحلة المراهقة مبكراً !
تنهدت مخرجة نفسها من هذه الذكريات على صوت والدتها لتلتفت لها لترى القلق يملئ نظراتها لتتحدث والدتها وهي تمسد على كفها :
-ما خطبكِ يا صغيرتي لما لم تتناولي عشائكِ ؟
حدقتُ الى طبقها الذي اكلت القليل جداً منه لتلتفت الى أمها التي تحدثت مجدداً :
-هل أعد لكِ شيئاً اخر ؟
اومأت نفياً لتبتلع ريقها قائلة بشبح ابتسامة :
-انا بخير لا تقلقي فقط شبعت .
-لكنكِ لم تأكلي شيئاً !
ارجعت الكرسي مكانه بعد نهوضها قائلة :
-الحمد لله .
ثم اتجهت بصمت نحو غرفتها مغلقة الباب خلفها لترتمي على سريرها نائمة على الجانب بوضعية الجنين تحدق الى الحائط بشرود .
*********
عند الرابعة فجراً شعرت بيد تهز كتفها لتستيقظ وجفناها يرتطمان ببعض بطء لتتساقط تلك الدموع التي تغطي زرقاوتيها لتنهض ماسحة بكفيها على وجهها لتتحدث اختها مخاطبة إياها :
-هيا انهضي وجهزي نفسكِ سنخرج عند الخامسة .
ثم خرجت لتنهض الاخرى متجهة ناحية حقيبتها لتخرج بعض الملابس لترتديها حيث وضعتها على السرير لتتجه نحو الحمام ملقية تحية الصباح على أفراد عائلتها وخرجت بعد بضعة دقائق غسلت بها وجهها جيداً جداً وجسدها ينتفض بخفة ثم انطلقت ناحية غرفتها لتغير ثيابها ثم جلست بعد انتهائها على حافة الفراش تسحب نفسها بعمق ثم تخرجه بهدوء واستمرت على هذا المنوال حتى زال كل توترها لتضغط على أصابع يديها قائلة وهي تخاطب نفسها :
-استعدي جيداً جداً يا نرجس فموعد المواجهة قريب جداً .
ثم نظرت الى انعكاسها في مرآة الخزانة ليُفتح الباب ويبان وجه عايدة وهي تقول :
-هيا سنذهب .
حملت حقيبتها وخرجت مغلقة الباب خلفها لتجد والدتها تقف أمامها فتعانقت الاثنتان لتهمس الام في إذن طفلتها :
-استمتعي على قدر ما تستطيعين يا صغيرتي ولا تدعي للحزن مجالاً ليزور عينيك الجميلتين مجدداً .
لترد بهمس وهي تشعر بتلك النغزات التي ملئت قلبها اشتياقاً لعائلتها :
-سأفعل يا امي لا تقلقي .
ثم فصلتا العناق لتتجه نحو والدها الذي كان الحزن يملئ عينيه بشكل عميق لترتمي على صدره معانقة خصره فشدد من ذراعيه الضخمتين حولها مقبلاً رأسها ثم فصلا العناق ليحدق الى عينيها بأبتسامته الحنونة الأبوية قائلاً :
-لا تعودي الى هنا الا وانتِ تشعين مرحاً كما كنتِ .
اومأت بصمت ولَم تعلق ثم غادرت اخيراً برفقة اختها وزوجها .
ركبوا السيارة وصولاً الى المطار لركوب الطيارة ليحطوا بعد ساعة في مطار ازمير .
وهناك استقبلتهم عائلة زوج اختها لينطلق الجميع نحو منزلهم حيث مكثت هناك في غرفة لوحدها في هذا المنزل الكبير المتمثل في ثلاثة طوابق ذو تصميم فخم استوعب عدد عائلة زوجها الكبيرة المتمثّلة في والديه وإخوته الأربعة وزوجاتهم اضافة الى أختين عازبتين والأحفاد .
حل الصباح وأشرقت الشمس لتنزل نرجس بخطوات هادئة نحو الأسفل برفقة احدى حفيدات المنزل ذات السابعة عشر ربيعاً لتتجهان نحو غرفة الطعام التي احتوت مائدة طويلة ضمت جميع أفراد العائلة لتتوجه سريعاً نحو المقعد الفارغ بجوار اختها لتجلس عليه ، لم تعتد يوماً على الجلوس برفقة أشخاص لا تعرفهم وخاصة انهم بهذا العدد وجميعهم يوجهون أسئلة مختلفة نحوها عنها وعن زوجها أو بالأحرى طليقها وبينما كان لسانها يُشل عن الرد فأختها تولت مهمة الحديث نيابة عنها لتتحول الأحاديث اخيراً حول بعض الاعمال والتحدث عن الأقرباء وبعض الزيارات التي لم تهتم بمعرفتها ، وكم كان هذا الوقت عصيباً وثقيلاً عليها وهي تشعر بنظرات الجميع المسلطة عليها حتى انتهى وقت الفطور اخيراً لتنهض برفقة اختها بعد تفرق الجمع حيث انطلق كلاً الى عمله .
******
ركبت الاثنتان سيارة سوداء ليوصلهما السائق الخاص بالعائلة نحو عائشة صديقة عايدة التي اتصلت تبلغها عن قدومها حتى وصلت الاثنتان الى حي راقي لتتوقف السيارة امام منزل لا يقل رقياً عن التي تجاوره لتتحدث عايدة الى السائق من خلال النافذة تطلب منه الرحيل تبلغه بأتصالها حال احتياجهما له .
ليدير محرك السيارة راحلاً ودلفت الاثنتان الى الداخل لتستقبلهما عائشة الواقفة عند الباب .
جلسن في غرفة الجلوس لتعد الخادمة القهوة وتقدمها لهن وشرعت عائشة بالثرثرة عن احوالها ثم انغمست بالسؤال عن حالهن ونرجس تغلي بصمت تنتظر ان تتواجه مع تلك التي سرقت زوجها ، وبعد انتهاء شرب القهوة تحمحمت عايدة قائلة :
-إذن عائشة بخصوص ذلك الموضوع .
ثم ابتلعت ريقها وسط نظرات الاستفهام التي تعلو وجه الاخرى لتشهق بعد استيعابها لتتحدث بسرعة وحماس كما هي عادتها :
-أتقصدين سليم وزوجته !
توسعت عينا نرجس بترقب واعتدلت بجلستها تستمع الى الاخرى التي أخذت تثرثر عنه :
-لقد جاء فجأة الى هنا قبل بضعة ايّام وبيته يبعد عن بيتي بخمسة بيوت لذا حينما كنتُ عائدة من السوق لمحته وهو يطرق باب منزل برفقة فتاة حامل ظننت انه اخر يشبهه ولكن حينما شككتُ بالأمر ذهبت لزيارتهما برفقة الجيران .
ثم أخذت نفساً عميقاً وهي تضع شعرها متوسط الطول على كتفها لتكمل وهي تحرك يديها انسجاماً مع ما تسرده :
-هو لم يتعرف علي وقدمته زوجته على انه مراد وقالا إنهما كانا يسكنان بجوار بعض وتزوجا عن حب ولكن لا اخفيكما ان الفتاة صارت صديقتي المقربة بالرغم من كونها هادئة ولا تتحدث كثيراً كما انها ترمق الجميع بدونية ولكنها طيبة ومرحة ومعطاءة لقد اهدتني خمسة فساتين لحد الان كما انها تضع قطتها دائماً عندي وكثيراً ما نتحدث على الواتساب لا زالت بشهرها السادس لذا هي ممتلئة وتأكل كثيراً .
ختمت كلامها بقهقهة ولَم تلحظ الوجوم على ملامح الاثنتين لتتحدث عايدة سائلة إياها :
-طيب منذ متى وهما متزوجان ؟
-قالت منذ سنة تقريباً وكانا يعيشان في اسطنبول ثم جاءا لأزمير .
اومأت بصمت لتسأل عايدة بفضولها المعتاد :
-ولكن لما تهتمان بسليم كثيراً حسب علمي كان مجرد جار لكما !
ولأنها ليست مقربة كثيراً من عايدة بل هما فقط كانتا معاً في فترة الإعدادية ثم ألتقتا صدفة في السوق لتصر عائشة على أخذ رقم الاخرى لتثرثر معها على الواتساب دائماً حتى وصل بها الحديث عن ايلين أو شاهزادة بالأحرى في احدى ثرثراتهما المعتادة لترسل صورها الى عايدة ثم صور زوجها وكل ما تعلمه انه جارهم ولا تعلم انه زوج أخت عايدة التي تكتمت عن الامر تماماً ، قطع هذا الصمت صوت نرجس التي تشوشت رؤيتها بالدموع :
-هل يمكنك إعطائي عنوانها بالضبط اَي منزل هو منزلهما ؟
ردت الاخرى :
-انه سادس بيت ذو حديقة مليئة بالجوري على عكس بقية البيوت ستعرفينه لأنه مختلف قليلاً فهذان الاثنان يعتنيان بالمنزل كثيراً فيبدو فعلاً كمنزل الأحلام .
قالتها بحالمية لتكمل :
-اعني بحياتي كلها لم ارى حباً كحبهما !
أخذت نرجس تهز رأسها بقهر ثم نهضت بلا مقدمات تتجه للخارج وسط نظرات التعجب على وجه عائشة ونظرات الحزن في عيني عايدة .
*********
#ايلين :
أيقظني زوجي الحبيب صباحاً تحديداً عند الثامنة وقد وجدته أعد لي الفطور ! وكم كانت مفاجئة رومانسية لم ارها الا في المسلسلات وكان مصراً على اطعامي بيده ليناولني دوائي وهو المسكن الذي يهدأ الم زندي المكسور لأنهض نحو الحمام واغتسل مستعيدة كل نشاطي ثم انتهيتُ لأدلف نحو غرفتنا أراه وقد غير ثيابه ثم اقترب مقبلاً شفتاي ليفصل القبلة محيطاً خصري بيديه يسألني بحنيته المعتادة :
-انا خارج الى السوق حبيبي هل توصينني على شيء ؟
عانقته بذراعي السليمة أحدق الى عينيه العميقتين لأشعر بنفسي ككل مرة غارقة بهما حتى النخاع لأرد عليه بشرود:
-لا اريد سوى سلامتك يا قطعة المارشميلو خاصتي .
ابتسم تلك الابتسامة الجميلة التي تجعل غمازته تبان لتحمر خدوده فلم أقاوم تقبيلهما حتى صدر صوته الرخيم بقهقهة خفيفة لأمسح على شعره وأنفه ملتصق بأنفي أحذره ككل مرة يخرج بها :
-عد بسرعة ولا تتأخر وإياك ان تسمح لأحداهن بمغازلتك اهرب على الفور اتفقنا ؟
قبلني مجدداً هامساً ضد شفتاي :
-كما تأمرين يا سلطانتي .
ثم ابتعد قليلاً ناظراً الي لأعود لتأمل عسليتيه وكأنني ارى حجري كهرمان ليتحدث :
-جهزي نفسكِ فعندما اعود سوف نخرج معاً للتنزه .
اومأت له ليفصل عناقنا لأوصله حتى الباب أودعه بقبلة اخرى ثم انطلقت من فوري نحو الغرفة لأتناول ورقة وقلم اكتب رسالة لأمي اخبرها بخروجنا فهي عادة ما تستيقظ عند العاشرة لذا توجهت نحو غرفتها المجاورة لغرفتنا لأدخل على مهل كاللصوص وانا أراها تعانق هايدي التي شبت وكبرت بالفعل وهما تغطان بنوم عميق فتركت الورقة قربها ثم قبلتها وغطيتها جيداً مغلقة الستائر كي لا تزعجها أشعة الشمس .
ثم توجهت نحو الغرفة وقضيتُ الوقت ابحث عن ثياب مناسبة الى ان استقر رأيي على فستان عاري الكتفين فتحته ضيقة على العنق وله ياقة بيضاء حوافها حمراء من الدانتيل ضيق من الأعلى وعريض من الأسفل يصل فوق ركبتاي مباشرة متخذاً شكل وردة الجوري المفضلة عندي تملئه طبعات ورود حمراء اللون ثم لبست الباروكة بعد وضع مكياج لا بأس به لأخفي تلك الاثار التي تزول ببطء لأختمه بوضع تلك ! مهلاً وقفت العن نفسي من المفترض أني حامل !
نزعت الفستان ثم اخرجت تي شيرت ابيض ثم لبست تلك البطن المزيفة لأغطيها به فقد كان طويل قليلاً ضيق مبرزاً حجم صدري الكبير ! منذ متى وانا املك هكذا صدر أصلاً ! في أحلامي كلها لم أتصور امتلاكي لجسد جميل كهذا فعقلي لا زال لا يستوعب وجوده وكل ما يتذكره هو ذاك الجسد الهزيل الشبيه بالمومياء ! ارتديت بعدها فستان أيضاً كان احمر لكونه لوني المفضل والأكثر تأثيراً على الرجال !
فهو يجعل النساء اكثر جاذبية بنظرهم وهذا ما أراه على سليم كلما رآني البس ثوب احمر ! كان الفستان شبيه بملابس المدرسة بتلك القصة العريضة على الصدر ذات الشكل المربع والحمالات العريضة ولكنه كان طويل ويحتوي على رسم "ميكي ماوس " بقماش لامع له فتحة من الخلف وفتحة الجانبين عريضة مع جيوب كبيرة !
بالطبع لم يكن من اختياري بل من اختيار والدتي التي اصرت على شراءه الى جانب العديد من الملابس الطفولية الاخرى ! عدلت الباروكة جيداً ثم لبست العدسات اللاصقة ووضعت احمر شفاه بلون ملابسي ثم حملت حقيبة ظهر بيضاء اللون صغيرة الحجم وضعت بها بعض المكياج اضافة الى مشط وهاتفي .
ثم ختمت الطلة بوضع عطري المفضل الذي يستخدمه زوجي لأخرج ويبدي حذائي الأحمر الرياضي وجانبيه اضافة للرباط خاصته باللون الأبيض ، حرصتُ على تجهيز ملابس لزوجي الحبيب قبل نزولي .
تفاجئت بالجرس يُقرع ! لأزفر بضيق من هذا الضيف الذي جاء بغير ميعاده لابد انها عائشة المجنونة تلك التي تلتصق بي أينما ذهبت سواء في الشارع أو على الانترنت ولأتخلص منها فأنا ارمي لها ما لا احتاجه من الثياب لتلتهي بها ! لا بد انها ارتدتها كلها امام اصدقائها لكونها انسانة تحب المظاهر ولكن من الجيد انها مهووسة قطط نقطة تجعلني استغلها في حالة خروجنا جميعاً ، نزلت الدرج وانا أفكر بكيف سأتخلص منها ربما اخذها لأشتري لها شيئاً تلتهي به للأسبوع القادم .
لبست حذائي وانا أتجاهل رنين الجرس لأنطلق نحو الباب افتحه ببرود ، ثم انا تجمدت لوقع تلك المفاجئة الغير سارة !
كاد لساني الغبي ان ينطق بأسمها ولكنني كبحته بصعوبة لأتحدث رافعة حاجبي واتصنع البرود سائلة إياها :
-من أنتِ ؟
كانت كشبح تائه بهذه الهيئة التي جعلت قلبي يضيق اكثر مما هو عليه فشعرتُ بالاختناق والتوتر يغزوني لتجيب ببرود هي الاخرى ظاهراً الاستهزاء على وجهها :
-انا زوجة زوجكِ .
رفعتُ حاجبي لاوية شفتي بسخرية لأجيب بكل تسرع :
-تقصدين طليقته !
بدت عليها الصدمة لأتقدم منها احاول كتف يداي متجاهلة يدي التي نسيتُ ان أضع عليها الجبيرة خاصتها كي لا أحركها ثم تقدمت منها اتحدث بعدائية وشعرتُ برغبة عارمة في إذلالها وجرحها وايذائها اكثر مما هي عليه :
-انا وسليم تزوجنا سراً منذ سنة ولا احد يعلم بالأمر وكان سيفاتح أهله ولكنه تزوجكِ مجبراً لذا هربنا وعشنا هنا وانتِ انتهى دوركِ في حياته نهائياً أصلاً -ثم اكملت بشماتة واضحة -لم يكن لديكِ اَي دور .
ثم أخذت ارمقها بحدة محاولة اخراج جزء من ذلك الغضب الذي يتملكني لأنني لو أخرجته كله فسأدعها تلحق العاهرة نيفين ، لأهددها بصوت عالي حاد لطالما اعتدتُ على تهديد الآخرين به :
-اياكِ والظهور بحياتنا مجدداً فنحن زوجان وسليم سيُصبِح أباً بالفعل لذا وفري جهدكِ يا عزيزتي واغربي عنا للأبد لأن وجودك كعدمه لا أهمية له .
شعرتُ بالتشفي لرؤية دموعها التي أخذت تتسابق هذا جزء فقط من كرهي ناحيتها الذي استمر منذ الصغر لحد الان وطبعاً السبب واحد من غيره زوجي الحبيب .
ولت على أعقابها ترتجف لأعلق الباب بقوة خلفها ثم خلعت حذائي بحركة عصبية نازعة حقيبتي اخرج هاتفي بحركة سريعة لأفتحه اطلب رقم زوجي العزيز ، ثم وضعتُ الهاتف على أذني استمع الى صوت الرنين ليرد بعد لحظات :
-اهلًا حبي مالذي حدث هل توصينني على شيء ؟
-عُد للمنزل الان سليم .
كانت نبرتي الحادة قد اسكتته ليرد بعد لحظات وانا اشعر بخوفه ليرد بأرتباك ظهر على صوته :
-هل حدث شيء ؟
-عٰد ولا تجادل حبيبي الموضوع مهم .
زفرتُ بخفة محاولة كبت غضبي عنه ليرد بعد لحظات :
-مسافة الطريق وآتي .
أغلقت الاتصال لأبحث عن رقم علي الذي يستمر بالنوم حتى الثالثة ظهراً ! فهو قد اجر شقة قريبة منا في حال احتجنا اليه ، أخذت استمع الى رنين الهاتف ولا من مجيب حتى اتصلت به سبع مرات وانا في أقصى حالات غضبي ليرد اخيراً في المرة الثامنة ! فوصلني صوته المتعب قائلاً :
-ما الامر يا فتاة هل حل يوم القيامة ما كل هذه الاتصالات !
-ستقيم قيامتك اذا لم تأتي للمنزل الان .
ثم اغلقت في وجهه لأجفل وانا اشعر بشيء يمر على ساقاي لأجد قطتي هايدي تحك جسدها بهما فحملتها أهديها قبلة الصباح ليصلني صوت والدتي الناعس :
-صباح الخير صغيرتي .
جلست بقربي لأقبل خدها تاركة اثر احمر عليه :
-صباحك خير يا امي .
ثم نظرت الى الامام اشابك يداي بتوتر لتسألني وقد ظهر القلق في صوتها :
-ما الامر يا صغيرتي هل حدث شيء ؟
أجبتها وانا اشعر بمشاعر مختلطة من الخوف والتوتر والغضب كلها تعتمل بداخلي جاعلة إياي على قاب قوسين أو أدنى من الانفجار :
-عندما يأتي سليم وعلي سنتحدث .
أخذت تربت على ظهري بصمت بينما أخذت استشعر بعض الالم يحيط بقلبي وبدموعي تقف على طرف جفوني وانا ادرك جيداً جداً ان ظهور هذه العنزة سيسبب لي مشاكل جمة !
لطالما كرهتها اتذكر ان هذا الكره بدأ في عيد ميلادي الحادي عشر ، لا اتذكر تفاصيل كثيرة بل كل ما أتذكره هو انها كانت ترغب بالحصول على ما احصل انا عليه من سليم ، كان يهتم بي لكوني طفلة فقط لذا هي كثيراً ما كانت تلتصق به في كل مرة يزورنا بها وهي تتصرف برعونة وكأنها طفلة تشاركني العمر ذاته اضافة الى تدخلها بكل شاردة وواردة ! انا بطبعي اكره الانسان الذي يتدخل فيما لا يعنيه لذا لم احبها لهذا السبب وبعد بلوغي الرابعة عشر وجدت نظرتها قد تغيرت ناحيتي بُت اشعر بها تراقبني أينما ارحل سلامها ثقيل اضافة الى ازدياد التصاقها بسليم الذي كنتُ ارى اهتمامه بي اخوي لا اكثر وهو فعلاً كذلك الا ان عقلها المريض صور لها أشياء اخرى اتذكر مرة أصبت بها بحساسية جلدية تجعل جلدي يحكني بشدة اضافة الى احمراره الشديد وتيبس بعض قطع الجلد لكوني املك حساسية في دمي لذا كان سليم يشتري لي المرهم الطبي بعد آخذي لطبيب وهو من يضعه لي ، وقتها كان الجو حار قليلاً مما جعل بشرتي تشتعل بنار ولأن أظافري كانت طويلة فلقد مزقت جلدي جاعلتة خطوط من الدم تملئ صدري ورقبتي ويداي وحتى قدماي ، وحينما رآني سليم آنذاك شرع بمداواتي حيث كنّا بغرفتي في منزلنا في حي سيفيل وكنا مغلقين الباب علينا وذلك لوجود ضيوف وهم ليسوا الا علي والخالة فهيمة وعمي يحيى اضافة الى عايدة التي بعكس اختها كنتُ احبها كثيراً وحتى اولادها كانو هادئين على امهم .
وفِي تلك الأثناء فتحت نرجس الباب لتطل علينا وقد ارتسمت على معالمها الدهشة وهي تطالعنا وكأننا في وضع غير لائق ! لتقترب منا بخطوات ثقيلة سليم تجاهلها مكملاً ما يفعله وانا خاطبتها بحدة وقتها أحذرها من فتح الباب قبل طرقه لا اتذكر مالذي حدث بعدها ولكن اتذكر القليل وهو مشاجرة سليم معها وهي تركت المنزل زعلانة !
بعدها استمرت تصرفاتها المزعجة بشكل اكبر من ناحيتنا انا وسليم وكانت الغيرة واضحة عليها مما جعلها محط سخرية لأفراد العائلة والاغلبية يؤنبونها على غيرتها مني حيث اتذكر حديث والدها الساخر في احدى المرات بعد ما لاحظ الحرب الصامتة التي اعلنتها علي حيث قال لها :
-هل تغارين من طفلة تصغركِ بعشرة سنوات ! انها بمثابة أخت لكِ يا ابنتي .
افقتُ من سجن الذكريات وقد تملكتني رغبة عارمة للتخلص منها ، وكأن يداي تريدان محوها من الوجود كلياً بحيث كأنها لم تُخلْق يوماً ، رفعتُ رأسي حينما فُتح الباب وأطل سليم خلفه علي ذو الوجه الناعس وهو يرتدي ملابس منزلية أغلق الباب خلفه بينما جلس زوجي قربي يتفحصني بقلق لأنهض امام أنظار الاثنان ثم زفرتُ بأنزعاج لأنادي علي الذي اختفى بلمح البصر داخل المطبخ فعاد وبيده تفاحة فتحدث بينما هو يأكل :
-ماذا لم تعطيني فرصة لأفطر .
ثم جلس وهو يأكلها بقضمات كبيرة وحينما تأكدت ان عقولهم معي وهم يصغون بأهتمام تحدثت بعد أخذ نفس عميق :
-نرجس كانت هنا قبل لحظات !
غص علي في طعامه وأخذ يسعل بقوة ضارباً على صدره بينما شحب وجه سليم كمن زُف اليه خبر موت احدهم اما والدتي فأخذت تنظر بصمت زامة شفتيها لتقول :
-وان أتت لا أهمية لوجودها أو عدمها المهم ان حياتنا استقرت الان .
عقدتُ حاجباي اتحدث بغضب لا اقدر على كبحه :
-بل هي مصيبة كبيرة يا امي هذه اللعنة لن تتركنا حتى تعرف كل التفاصيل وهذا الفضول سيجعلها تكتشف كل اكاذيبنا وبالتالي تطرق الشرطة بابنا ونذهب في داهية .
تحدث سليم بينما لا زال علي يجاهد للبقاء على قيد الحياة :
-ولكن كيف عرفت عنوان منزلنا أو أين نحن حتى ؟
ثم وضع يديه على رأسه المحني لأنطلق نحو المطبخ اجلب بعض الماء لعلي ثم عدتُ اليه ليتناوله من يدي شارباً الكأس بأكمله ليتحدث بأنفاس متقطعة :
-علينا معرفة من أين عرفت بالعنوان لاحقاً اما الان فلا اضمن ان تصل لكما الشرطة اذا كانت نرجس قد وصلت الى هنا لذا ينبغي عليكما ترك المكان .
أجبت بعصبية :
-لن أبرح مكاني ولن تصل الشرطة الي ، انت ستخرج الان وتبحث عنها وتتبعها لتعلم كيف علمت ثم حاول أن تفعل اَي شيء يبعدها عن هنا حتى لو كان قتلها قبل ان أقتلها انا وألحقها بعمر ديمير في الجحيم السابع .
كان صوت صراخي يملئ المكان ليتحدث سليم :
-انا سأتحدث معها وسأحرص على الا تظهر في حياتي مجدداً .
-كلا ، هذا سيجعلها تلتصق بك اكثر علينا إيجاد حل اخر .
رِن هاتفي مقاطعاً حديثنا ليلتقطه سليم قائلاً وهو يناولني إياه :
-انها عائشة .
أخذته وأغلقته فمزاجي لا يتحمل عائشة وغيرها الان فعاودت الاتصال مجدداً وقطعته والغريب انها باتت تُلِّح بشكل غريب لتقول والدتي :
-ردي يا ابنتي لربما حدث لها شيء .
أجبتها بحدة وانا أغلقه مجدداً :
-لتحترق بجهنم ما دخلي لأحل مشاكلي أولاً .
أرسلت لي رسالة :
-"شاهزادة اجيبي ارجوكِ الامر جداً ضروري "
مع ايموجي بوجه قلق فسلمت امري لله وجلست بجوار علي وفتحت الهاتف لاتصل بها فاتحة مكبر الصوت ليصلني صوتها القلق على غير العادة :
-اعتذر على الاتصال في الصباح ولكن لي صديقة اختفت فجأة وانا وأختها نبحث عنها وهي قبل لحظات خرجت لا نعلم أين !
-تمام اكملي .
-الفتاة تكون أخت صديقتي لقد أخذت عنوان منزلكِ وخرجت قبل لحظات لذا هل زاركِ احدهم !
سرعان ما ملئت الدهشة وجوهنا لأرد بسرعة :
-تعالي أنتِ وأختها فوراً .
-حاضر سأفعل .
اغلقت الاتصال والوجوم يعلو وجه زوجي الحبيب بينما انا فأشعر بأنزعاج عميق مختلط بغضب سيفجر لي داخلي كالبركان ، بعد لحظات رُن الجرس لأفتح الباب على عجل فدلفت عائشة تعانقني ثم فصلت العناق لتمسح دموعها وهي تتحدث بصوتها الباكي :
-اعتذر على ازعاجكِ .
-لا بأس عزيزتي .
ثم حدقت نحو سليم الذي وقف يحدق الى عايدة التي شُلَّت وهي تشاهد امي أمامها ثم نظرت لي لأشعر بقلبي يهوى ذعراً !
مالذي سيحصل لي بعد اسوء من ذلك الا ان قلبي كان سعيد نوعاً ما برؤيتها فهو يخبرني انها ستساعدنا حالما تسمع القصة من كلينا وستعمل على ابعاد تلك العنزة وركلها بعيداً عن حياتنا !يتبع ...........
"القاعدة العشرون "
" وكما يقال حبل الكذب قصير فلا تتعب نفسك بربط الحبال لأنها يوماً ستنتهي "
![](https://img.wattpad.com/cover/178498481-288-k596316.jpg)
أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mistério / Suspenseخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي