#ايلين :
مر كل شيء بلمح البصر وعقلي الان يحاول استيعابه بروية ! شعرت بنزوح ذلك الثقل من صدري الذي شبت النار داخله قهراً وغيضاً وحزناً ، هل من مشاعر اخرى اسوء لتأتي وتعتمل بداخلي ؟
كنتُ حقاً احتاج مساعدة احدهم ، شخص يبين لي انني شخص له كيان ووجود لا كائن غير مرئي خفي عن الأعين دائماً ، كنتُ قد اقفلت علي باب الحمام لأبكي مع نفسي ربما اودعها وارثي رحيلها الذي بات قريباً لا تفصلني عنه سوى ايام او ربما ساعات ! لا احد يعلم !
اعلم جيداً جداً ما اقترفته يداي لكن عقلي يعرض لي تلك المقتطفات مشوهة وبذلك اشعر ان شخص اخر هو من فعلها ! ولكن ها انا اتلقى عاقبة ما فعلته ، ارواحهم تتمسك بي مقتادة اياي للجنون ولربما انا فعلاً جُننت منذ امد طويل ! لا اعلم حتى مالذي ابغيه من هذه الدنيا فالخائنون قد كثروا وكل من وثقت به لحد هذه اللحظة طعنني في ظهري ! كان جسدي يرتجف ولا قدرة لي للسيطرة عليه ، ذاكرتي لا زالت تعرض ذلك الشريط البالي ببطء جاعلة دموعي تزداد انهماراً ، ترغب عيناي بشدة بلقاء الاحبة ، اريد ان ارى امي وان احضنها انعم بحنانها للمرة الاخيرة على الاقل وسليم خليلي وزوجي وحبيبي الذي لم الحق ان اعيش معه سوى لبضعة ايام كانت من اجمل ايام حياتي ، لكن ماذا عنهما هل هما لا زالا يحبانني حقاً ؟ الا تخجل والدتي مني ! لكونها انجبت ابنة كسرت لها ظهرها بدلالها وكأنها ابنة سلطان ! ثم صارت عاق وقتلت ابيها وهربت موقعة العائلة معها في مصيبتها !
كل ما رغبت به هو الامان هل هو طلب صعب لهذه الدرجة ؟ الا يكفي ان شخصان فقط هما من قلبا حياتي واحالاها جحيماً ! لو انني لم افسخ خطبتي ذلك اليوم لكنتُ الان بعيدة عن متناول ابي واعيش بهدوء مع زوجي ووالدتي لو انني فقط لم اصبح ساذجة ولم اتدخل فيما لا يعنيني لكانت نيفين الان في السجن حالها كحال غيرها ولكنت انا احيا حياة طبيعية حالي من حال غيري !
ولكن مهما تمنيت وتمنيت تبقى حقيقة كوني خريجة سجون تجلب السمعة السيئة كالمغناطيس هي امر لا مفر منه وكأنني ولدت لأحمل ذنب كوني ابنة لرجل سكير لا فائدة فعلية له بالحياة وبسبب ديونه المتراكمة لا استبعد اختطافي وجعلي احدى بنات الليل اقتات على ما تلقيه علي البارات من اموال وان كانت فتاتاً !
اذن في جميع الحالات انا مذنبة ، في جميع نهايات السُبل التي كنتُ سأسلكها سأبقى لا شيء ودائماً في الحضيض !
رفعت حدقتاي لأراه واقف عند رأسي وكالعادة هو يخلف قطع اللحم تلك خلفه ومطرقته لا زالت في يده اتسائل دوماً ان كان يراني ! فكيف لقطعة اللحم المهروس هذا ان يرى وهو بلا عينان !
خاطبته بسخرية وانا اتكئ بظهري ضد الحائط الذي تسللت برودته الى جسدي جاعلة القشعريرة تسري فيه كلسعات الكهرباء :
-هل تريد الانتقام لهذه الدرجة ؟ الم تشبع من الضرب حقاً ؟ سنوات وانت تضرب وتضرب جاعلاً كلتانا ككيسا ملاكمة عندك أكل هذا لا يكفيك ! لما لا تقتلني بمطرقتك اللعينة وتنهي الامر فقط فلقد سئمت هذا الامر برمته .
ما ان انهيتُ صراخي العالي حتى علت طرقات على الباب ثم ظهر صوت ادهم القلق قائلاً :
-ايلين افتحي الباب ارجوكِ اياكِ وارتكاب اي حماقة ، افتحي الباب هيا .
ثم عاد يخبطه بقوة وانا جالسة في مكاني اخوض حرب النظرات مع هذا الجسد الذي يأبى الانزياح ! شعرت بجبهتي تؤلمني لقوة انعقاد حاجباي ! وبعد لحظات كُسر الباب ليطل من خلفه من كنت احسبه بطلي المغوار دالفاً بوجه متعرق وعيناه تبحثان عني حتى توقفتا علي ليرتمي علي ممسداً على رأسي يتفحصني بنظراته وكأنه اصابني ضرر وهذا الامر لم يزدني الا نفوراً وحزناً لأهمس له واشعر بالنار المستعرة في قلبي تزيدني حرقة والماً :
-كفاكَ تمثيلاً يا ادهم .
عادت دموعي للتساقط وكم كرهت عدم السيطرة عليها كما كنت افعل سابقاً وانا ابدو بمظهر مثير للشفقة لأضربه على صدره بقوة اصرخ فيه لعله يبتعد :
-كفاكَ تمثيلاً يا ادهم كفاكَ لقد سئمت من ادعاء الجميع اهتمامهم بي لقد مللت الاكاذيب ومللت من البشر فقط دعوني وشأني .
شعرت بقبضته تتسلل بخفة وراء ظهري ليقبض على خصلات شعري بقوة مجبراً اياي على النظر لعسليتيه المحمرتين غضباً كعيني مارد ليصرخ بي وهو غاضب حيث علا صوته في الارجاء ليتردد صداه بالقوة ذاتها :
-هل تظنين ان كل هذا ادعاء وتمثيل ! مالذي سيجبرني على الاهتمام بقاتلة ارتكبت جريمتين من الدرجة الثانية وفوق ذلك لم تندم على فعلتها الشيطانية هذه !
سكتُ استمع اليه وقد توقفت دموعي في محاجرها اقاوم الغصة العالقة في عنقي وهو يتحدث هادراً بصوته الرجولي العالي الذي لا ارادياً اثار كل ذرة فزع بداخلي :
-كل ما افعله هو اهتمام لأنني فعلياً اهتم بكِ لأنني اؤمن انكِ كأنسان تستحقين فرصة ثانية لأننا كلنا كبشر نخطئ ونستحق فرصة لتصحيح ذلك الخطأ ، لستِ اول ولا اخر شخص يقتل لذا على الاقل كفي عن جنونكِ وانانيتكِ وافتحي عينيكِ جيداً لرؤية ما جميعنا نجاهد لفعله من اجلكِ يا غبية .
بعدها ساد الصمت ولم يقطعه سوى صوت لهاثه العالي وعينينا مركزة على بعض وكأننا نكتشف دواخل بعضنا ليهدأ نسبياً ثم يتحدث بصوته الرخيم الذي تفيض منه الحنية :
-كل ما حدث قد حدث يا ايلين لديكِ الان فرصة ذهبية لكي تتخلصي من سجن الاوهام ذاك وتعيشين كفتاة عادية حالكِ من حال غيركِ ، انتِ بغبائكِ هذا تضيعين نفسكِ وشبابكِ صدقيني لا احد يخدعكِ هنا بل نحن نفعل المستحيل لأثبات برائتكِ انا والطبيب باريش والمحامي احمد تلك الجلسات ما هي الا لأكتشاف دوافعكِ للقتل ولأثبات حقيقة انكِ كنتِ مظلومة من جميع الاطراف وبذلك سنحرص جميعنا على الا يصابكِ اي مكروه ولكي تسنح لكِ الفرصة لتلقي علاج نفسي متكامل يُرجع ايلين القديمة ذات الروح النقية والنفس الطيبة والاهم لا نيفين ولا والدكِ عمر سيكون لهما وجود في حياتكِ لذا رجاء كفي عن ما تفعلينه فهو يؤذيكِ ويؤذينا ايضاً .
ثم خفف قبضته عن شعري وانفاسه بدأت تهدأ ليكمل :
-اعلمي شيء واحد فقط وتذكريه دائماً ، انا من سابع المستحيلات ان اتخلى عنكِ تحت اي ظرف كان وانا حقاً اهتم بكِ لأنكِ تعنين لي شيئاً وآمني دائماً ان اهتمامي هذا حقيقي وانا لا امنحه لأياً كان .
ابتلعتُ ريقي ولا زلتُ غارقة في بحر عينيه وقد شعرت بسكينة لم اشعر بمثلها في حياتي كلها من المستحيل ان تكذب هاتان العينان علي ! هذا ما صدقته في هذه اللحظة وللمرة الاولى في حياتي كلها اشعر ان لدي سند حقيقي شخص اتكئ عليه كالجدار فلا يقع شخص يحميني كما لو كان سور او حصن منيع ، لا اعلم كيف يجب علي ترجمة مشاعري لذا كل ما فعلته هو انني اقتربت منه طابعة قبلة على وجنته ولا ارادياً اعدت نظري الى عسليتيه اللتان بان فيهما الرضى وابتسم لي بخفة ما ان وقع ناظراي على شفتيه اللتان برزت من خلالهما انيابه الناعمة المصفوفة مع اسنانه اللؤلؤية حتى ابتسمت له بأتساع انا الاخرى ولأول مرة اشعر بالحرارة تحرق وجنتاي وانا اتأمل جمال هذه الابتسامة ، خاصة انني من عاشقي الغمازات لذا تلك الحفرة المرتسمة على خده الملتحي اوقعت لي قلبي عشقاً ! لسبب ما حمرة خديه وبراءة ملامحه الممتزجة بالنرجسية ذكرتني بسليم ! قطعة المارشميلو خاصتي لتخفت ابتسامتي فوراً وقبل ان يهم بالنهوض امسكت بكفه اترجاه بصوت منخفض :
-اريد رؤية عائلتي .
ثبتُ عيني في عينيه ليزفر انفاسه بهدوء حيث لفحت وجهي وكانت دافئة مشبعة برائحة الهيل والنعناع مخلوطة مع عطره الفواح ! ليتحدث بصوته الذي صار هادئاً عاكساً التعب الذي الم به :
-الليلة سنعود الى اسطنبول وسأدبر لكِ لقاءاً قبل ان يتم عرضكِ على المحكمة .
اومأت بهدوء لينهض ماداً كفه لي لأمسك به وانهض بمساعدته ليشدني من يدي جاراً اياي خلفه نحو غرفتي .
بعدها جلست بكل هدوء على السرير لتأتي الممرضة بصينية الطعام التي وضعتها بهدوء على الطاولة ليجلس ادهم على ذلك الكرسي الابيض بقربي كالمعتاد واضعاً الصينية على السرير امامي لآكل منها ببطء مراقبة اياه وهو يعمل على ذلك الملف من جديد وقد كان يزفر كل تارة معبراً عن ضيقه وهو يتفحص بعض الامور ويجري بعض الاتصالات وانا صامتة وسط كل هذا احاول فهم مالذي يفعله بالضبط حتى انقضى النهار بساعاته البطيئة ليحين موعد السفر حيث غيرت ملابسي وانطلقت برفقته لنركب سيارة سوداء مضللة برفقة رجلين يجلس كلاهما في الامام حيث احدهما كان يقود السيارة وتبعتنا سيارة اخرى اضافة الى سيارة الشرطة ، وكان شعور الحنين يتقد بداخلي وانا اتخيل تلك اللحظات الذي سأرتمي فيها بين احضان عائلتي .
*******
أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mystère / Thrillerخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي