Chapter-21

764 24 7
                                    

#ايلين :
كان الصمت هو السائد على جلستنا بعد مغادرة عائشة بصعوبة بعد طردها بطريقة لائقة ففضولها يفوق فضول القطط بشكل مستفز وكانت تحاول معرفة سبب الجو الثقيل الذي حل علينا جميعاً وقد تملكتها الريبة من ما حدث قبل دقائق معدودة وعيناها الضيقتين كانتا تجولان على ملامحنا بتفحص مزعج مدركة ان هناك شيء خفي وعميق جداً ولَم تراعي انه قد يكون امر عائلي أو شديد الخصوصية ! تحدثت عايدة والحنق بادي عليها وهي تتنهد في الوقت ذاته :
-إذن ألن يفسر احدكم مالذي يحصل هنا ؟
كنتُ انا اجاورها الجلوس مشابكة اناملي ببعض التوتر والخوف يملئني وعقلي يضع لي تصورات كثيرة عن عودتي للسجن لأمكث به بضعة ايّام كئيبة قبل اعدامي أو حتى أُعدم مباشرة بلا اَي مقدمات لكوني قاتلة ! كنتُ ابتلع ريقي كل ثانية اتجرع المرارة بداخلي ، قلبي يرتجف برهبة وذاتي تسئل :
-"مالذي فعلته كي أعيش هذه الحياة يا الله ؟ لماذا تجعلني أعاني ما أعاني هكذا تضربني المشاكل كالمطارق بلا هوادة وبلا اَي شفقة ؟ ما الغرض مما أعيشه الان ؟ اذا لم يُكتب لي ان أكون ذو فائدة و ذو وجود مهم؟ إذن مالفائدة من وجودي ؟ ما هو سبب خلقكَ لي ؟ لما لا ترحمني بلفحة من رحماتكَ ؟ فقط نسمة مغفرة ترتب لي حياتي تعيد لي كياني المبعثر تجعلني اعقل موقعي في هذه الحياة حتى تحين ساعتي واخرج من هذه الدنيا بلا رجعة ."
زفرتُ بقهرت واوشكتُ على البكاء متناسية وجود من حولي حتى انساب ذلك الصوت الذي صار هو ادماني ، السبب الذي ينبض قلبي من اجله ، تلك النبرة العذبة التي تسكرني كالخمر وترميني في عالم وردي فوق السحاب لا يطئه غيري لأشد انتباهي الى كل كلمة تنطقها شفتيه :
-انا أحب ايلين يا عايدة واعتقد الجميع يعلم بذلك بمن فيهم شقيقتكِ ، لقد أعلنا خطبتنا وصارت ظروف فرقت بيننا ولكننا عدنا لبعض في النهاية واستطعنا الهروب من كل ما كان يحيط بِنَا والاهم اننا اخيراً استقرينا بعد عناء طويل ايلين قد وجدت سعادتها وراحتها وانا فعلت المثل .
كنتُ أحدق اليه والعدسات قد أشعلت عيناي بنار مستعرة وأخذت الدموع تتساقط من عيناي وانا أراه يواجهها بكل عزم عاقداً حاجبيه مشبكاً يديه على قدميه فأخذت ابتسم بخفة قبل ان أوجه نظري نحو المستمعة التي قاطعته ببرود :
-وما ذنب اختي من كل هذا ؟
أجابها هو بذات الهدوء :
-لا ذنب لها امي هي من أعطتها املاً بأختيارها لي كزوجة والدي قال انه سيخطبها لي سواء قدمت معه أم لم افعل فوجودي من عدمه لا فرق له .
بلل شفتيه ليكمل وقد تغطت عسليتيه بطبقة شفافة من الدموع :
-أنتِ تعرفين ان والدي متسلط لو لا والدتي لحركني بيديه كما لو كنتُ دمية وبالطبع لطالما كنتُ الابن الطائش في نظر الجميع ووالدي هو الذي يكون على حق دائماً !
ثم تنهد بعمق ليكمل :
-هو من البداية لم يقبل بزواجي من ايلين -نغزني قلبي بقوة وانا اشعر بالزمن قد تجمد بالفعل ! ماذا كان كل ذلك الحب والأبوة والمشاعر الجياشة إذن كلها محض كذب وهراء ؟ وكأنه احس بتلك الأسئلة التي تغزو عقلي ليجيب ونظره قد ثُبت علي هذه المرة - انا لم أرد ان اخبر زوجتي لكي لا تحزن ولكن ابي كان يرى ان ايلين هي من المفترض ان تكون مجرد أخت وكان يخطط لتزويجي على مزاجه ومنذ دخولي للكلية وهو قد وضع نرجس نصب عينيه قائلاً انها مناسبة لكونها صديقة طفولتي وزميلتي أيضاً في الجامعة ولأول مرة تقف والدتي ضدي وتوافقه في الرأي !
أخذ يطرف بعينيه مانعاً تلك الدموع من الهطول وقد احمرت أرنبة انفه لتزداد تلك النغزات في قلبي وانا استمع لتلك الحقيقة لأول مرة :
-كانا يعتقدان ان حبي الذي بدأ ينمو بشكل غريب لفتاة تصغرني بعشرة سنوات هو نوع من انواع الانحراف لذا حياتي كانت عبارة عن عراك في عراك وشجار يجر شجار اخر بعد اعترافي لحبي لأيلين ونيتي في خطبتها في الحقيقة بعد شهرين استجابت لي امي فقط لأنها رأتني أُقَبِلْ ايلين في المطبخ صدفة بعد اعترافي لها وقتها وقد وافقت على الخطوبة بعد ان هزأتني كطفل في السابعة من عمره !
أخذت أحدق نحوه بجمود وانا اعود بذاكرتي لتلك اللحظات التي قضيناها معاً كانت الخالة فهيمة امي الاخرى ولكن الان اشعر انها غريبة وكأنه يتحدث عن امرأة اخرى لا تمت لتلك الخالة الحنونة بصلة ! الهذه الدرجة المظاهر خداعة !
اكمل بأنكسار شديد ظهر في صوته وهو يخفض نظره للأرض وقد حوت عسليتيه حزن عميق لم أشهده في عينيه يوماً ! :
-أصلاً تلك الخطوبة لم تكن حقيقة ! كانت فقط تلبية لطلبي كما لو كنتُ طفلاً يسكتونني بلعبة مؤقتة ووالداي بالفعل قد قاما بتقوية الأواصر مع عائلتكم للأتفاق على خطوبتنا انا ونرجس وحالما كشفت ما يسعون اليه أعلنت خطوبتي بأيلين جاعلاً إياها رسمية !
أخذ نفساً عميقاً ثم اخرجه بهدوء وأكمل ولا زال نظره يعانق الارض :
-لكن خطتي بائت بالفشل وكل شيء تدمر بعد ان ارضختهم للأمر الواقع بعد ان جاءتنا الخالة ليلى وهي تفسخ الخطوبة بنفسها ! كان هذا ما كسرني ولَم يكن الخطأ منها بل مني انا انا الاحمق الذي يقع دائماً في الأخطاء والعثرات واهرب كالجبان بعدها !
رفع عينيه اخيراً ليثبتها على عايدة قائلاً :
-بعدها تزوجت اختك ولَم أقربها الى ان قمتُ بتطليقها لأن نرجس تستحق حياة أفضل مع شخص اخر وانا تمكنت من التواصل مع ايلين وهربنا معاً بمساعدة من علي وقد تزوجنا وعشنا بهويات جديدة .
أطلقت هي نفساً عميقاً ليكمل هو :
-لأختكِ معزة في قلبي فبعد كل شيء  هي قد عاشت معي عمراً كاملاً بالفعل ولَم أرد في حياتي كلها مسها بأي نوع من انواع الاذى هي التي جنت على نفسها في هذا الحب وانا بكل الأحوال لا أجرؤ ولو لمجرد تفكير ان اعتبرها يوماً شيء اخر بل ستظل دائماً اختي .
أخذ ينظر لها بترجي انبثق من عينيه وصوته الرخيم بينما انا أراقب بصمت استمع لأصوات عقلي وهو يرى الامر بمنظور اخر وكأنني احاول معرفة مالذي كانا والديه يفكران فيه تحديداً عدى ان انني لم ارى ولو مبرر لأفعالهما هذه والتي اغلبها ديكتاتورية ! لطالما كان اعتقادي ان سليم يحظى بحياة هانئة برفقة والدين محبين وفِي وقت من الأوقات اعتقدت فعلاً انه سيتزوج نرجس ولَم أفطن على مشاعره تجاهي الا بعد ان نبهتني امي ! جالت عيناي في الإرجاء واشعر بتفاقم الالم داخلي وانا أعيد بذهني كل ما قاله قبل قليل وعقلي يعرض لي تصورات عن كلامه لتندفع الدموع مجدداً خارج جفوني بغزارة فبدونا متشابهين الى حد ما ! كلانا لم يكن سعيداً في حياته فبينما انا عانيتُ من تسلط والدي عانى هو من والديه كلاهما ولَم يجد أحداً يسنده على عكسي انا كانت والدتي خير حصن ألوذ به متى ما أشاء وكيفما أشاء ، تنهدت مراراً حتى شعرتُ بنفسي اكاد اختنق من التنفس وكأن رئتاي قد تعبتا من ما تفعلان حتى قررتا أخذ استراحة !
وهل هذا ممكن ! لم أعد أعي شيئاً ربما قد يقرر جسدي ان يأخذ اجازة طويلة الامد حتى يعيد تنظيم نفسه ولكن السؤال الوحيد الذي انبثق امامي الان من كومة الأسئلة التي تحتل رأسي :
-هو ما سبب كل هذا الحب ؟ لما اختارني ولَم يخترها هي ؟ مالذي فعلته حتى احصده بكل ما فيه ؟
حلت لحظات اخرى من الصمت لتقطعها عايدة قائلة كمن استسلم للامر الواقع :
-عيشا بهناء إذن وأتمنى لكما حياة كريمة ولا تقلقا لن أعطي عنوانكما لأحد ولن اخبر اَي احد عنكما أيضاً - ثم نهضت لتكمل -اختي ستنسى وستمضي قدماً وسأحرص بنفسي على ذلك .
ثم التفتت ناحيتي بأبتسامتها الدافئة تلك لتمسك ذراعاي قائلة :
-من كان سيتصور ان ايلين ستكبر وستصبح امرأة فاتنة الجمال لهذه الدرجة !
ابتسمت بحرج اخفض رأسي لتضمني اليها في عناق حميم بادلتها إياه لأتحدث بعد صمت طويل :
-تعالي لزيارتنا متى ما شئتي .
فصلت العناق لتعود خضراوتيها لتفحصي مجدداً قائلة :
-يليق بكِ شكل الحامل كثيراً يا فتاة ولكن لما أنتِ مستعجلة صدقيني ستقولين يا ليتني لم أتورط وأنجب طفلاً انهم حقاً متعبون عيشي عمركِ قبل ان تتورطي .
ضحكت بخفة على ما قالته وسادت بعض الأجواء المرحة لتلتفت الى سليم لتعانقه ثم فصلت العناق تطالعه كذلك لتتحدث بنبرة طغى عليها حنان الأمومة :
-كيف كبرت بهذه السرعة يا فتى لقد كنتُ طفلاً احممه برفقة علي قبل ايّام فقط !
احمر وجهه كما هي العادة لتقرص وجنتيه مكملة :
-هذا المشاكس سيُصبِح أباً حتى انني لا أستطيع تخيل ذلك !
قهقه بخفة وقد تفاقم خجله ليفتح علي ذراعيه قائلاً :
-ألن احصل على عناق من مربيتي الجميلة ؟
عانقته ليبادلها ثم فصلا العناق وتلك الابتسامة الجميلة ترتسم على وجهها حقاً كانت اعظم أم واخت لنا جميعاً فأنا لطالما رأيت تعاملها مع الاثنين على مر سنين حياتي وعلى الرغم من كبرهما الا إنهما كانا كطفلين شقيين برفقتها تحدثت معه وهي تمسد عضلات ذراعه الضخمة :
-لقد كبرتما بسرعة كان طولكَ لا يتعدى ركبتي والآن بالكاد أصل لكتفك !
كان الفخر يتخلل نبرة صوتها وكذلك نظرات عينيها ليقول هو :
-كلنا كبرنا ولَم يعد احد صغيراً حتى أنتِ .
ضربته على كتفه معاتبة لتقول بتأنيب :
-عيب ان تقول لأمرأة انها كبيرة فهذا اكثر ما يجرح مشاعرنا .
التقط يدها بحركة درامية مقبلاً ظهر كفها قائلاً بنبرة صوت غليظة كفارس نبيل :
-مهما كبرتي ستبقين آنسة جميلة يافعة مزهرة كزهرة ربيعية بهية المنظر .
كانت تطالعه برأس مائل قليلاً نحو الجهة اليسرى لتتنهد قائلة ولا زالت ابتسامتها تعتلي شفتيها :
-لا زلت معسول اللسان أيها المشاكس !
انطلقت بعدها نحو والدتي تعانقها بعمق وبعد فصل العناق تحدثت والدتي تخاطبها بأعين دامعة :
-زورينا دائماً يا حبيبتي ولا تقطعي عنا .
اومأت قائلة :
-سأزوركم كلما سنحت لي الفرصة يا خالتي .
ثم بعد توديعها لنا جميعاً عرضنا عليها المساعدة للبحث عن اختها الا انها رفضت ذلك وخرجت وجلسنا بعدها بجلسة صامتة اخرى ليقطع علي هذا الصمت قائلاً :
-طيب بما ان المشكلة قد حُلت لما لا نذهب جميعاً نحو مطعم ما لتناول الافطار فأنا اكاد اموت جوعاً هنا !
ثم أخذ يتلفت يدور بمقلتيه في وجوهنا لينطلق نحو الأعلى قائلاً :
-سأغير ملابسي .
لم ينطق احدنا بشيء ثم فجأة هب سليم واقفاً فجأة ليرتقي السلم ركضاً لأسمع شجاره مع علي في الأعلى ! والسبب لأن سليم يرفض مشاركة ثيابه مع رفيق عمره ! ثم نزل الاثنان سليم يجر علي الذي يفوقه وزناً ليطرده خارج المنزل حتى وقعا معاً !
وفِي حياتي كلها لم انفجر ضحكاً هكذا حتى شعرت بأحشائي تتقطع خاصة حينما كلما حاول سليم النهوض يشده علي مانعاً إياه حتى جلس فوقه والآخر أسفله وجهه محمر وهو يرفس بيديه ورجليه دليلاً على اختناقه فعلي بمؤخرته الكبيرة كان جالساً فوق صدره !
بدا منظرهما سخيف جداً وبدل من مساعدة زوجي الذي يشارف على الموت فأنا أتلوى على الارض ضحكاً اضرب بيداي وقدماي على الارض بشكل جنوني وامي الاخرى ارتمت على الأريكة ضاحكة حتى كادت تنفجر وبعد لحظات فقط نهض علي من فوقه ليلتقط الاخر انفاسه بصعوبة واضعاً كلتا يديه على صدره ليتحدث الاخر بمكر :
-لكي لا تبخل علي بشيء مرة اخرى أيها البخيل .
ثم التفت نحوي قائلاً وهو يضع يديه في جيوبه :
-كم تعيس حظك يا زوجة اخي فهذا الاحمق بخيل جداً في الْيَوْمَ الواحد يصرف ليرة واحدة فقط ثم يجلس يعض أصابعه ندماً لعشرة ايّام على ذلك !
لم استطع إجابته وانا اكابد لجعلي اسكت حتى نهض سليم بهيئته الرثة تلك قائلاً بعصبية :
-لقد كدت تقتلني أيها الاحمق !
ثم جلس على ركبتيه ناظراً الي بغضب ليتحدث من بين لهاثه :
-هل ترين هذا مضحكاً ؟ زوجكِ يتعرض للموت هنا وانتِ تضحكين !
اكثر ما اثار ضحكي الذي سيطرت عليه بصعوبة هو جديته البالغة ووجهه المحمر وشعره المبعثر حقاً هذا الكائن شديد اللطافة ! نهض بعدها يطرق الارض بأقدامه غضباً متجهاً نحو الأعلى مغلقاً باب الغرفة بقوة خلفه اهتزت لها جدران المنزل بينما والدتي قد نهضت قائلة :
-سأعد لكم الفطور وسنتناول العشاء في الخارج .
ذهب علي برفقتها وانا جلست آزم شفتاي أقاوم الم أحشائي والتقط أنفاسي بروية إذن لا نزهة ! تنهدت تنهيدة طويلة لم يتنهدها احد في تاريخ التنهيدات لأنهض متجهة نحو الأعلى دالفة نحو غرفتنا حيث كان سليم يرتدي ملابسه ولَم يكترث بوجودي !
بينما أخذت أحدق بخجل الى صدره العاري لأشعر بحرارة غريبة وكأن الجو فجأة اصبح حاراً ! ربما علي تشغيل المروحة لتبريد الجو فهو بالفعل حار ، شغلتها وأخذت أحدق اليه ثم حولت نظري الى كل ارجاء الغرفة وانا أسئل نفسي لما الجو حار هكذا على الرغم من تشغيل المروحة !
كان قد انتهى لأنظر اليه لأرى ابتسامة غريبة تشق وجهه ليقترب مني زاماً شفتيه وهو يضع يديه في جيوب بنطاله :
-لما وجهك محمر هكذا ؟
-انا ؟
ثم اشرت لنفسي ليقول وهو يرمي ثقله على قدمه اليمنى مقتربة مني :
-وهل يوجد غيرك هنا ؟
ابتلعت ريقي بتوتر مجيبة :
-لا شيء هو هكذا .
رفع حاجباً ثم ابتسم بمكر قائلاً :
-هل خجلتي من رؤيتي عاري !
صمت ولَم اجب هل هذا واضح على وجهي ! اعني طبعاً كيف لا اخجل من رؤية إنسان شبه عاري ما هذا الغباء اكمل بعدها مقترباً اكثر :
-تخجلين من رؤيتي بلا قميص ولكن لا تخجلين من تقبيلي يا لغرابتكِ يا فتاة القمر خاصتي !
ثم أخذ ينظر نحوي بتلاعب لأرفع حاجبي مستغربة سائلة إياه :
-لما الا يقبل الازواج بعضهم ما المخجل بالأمر ؟
اطلق ضحكة خفيفة ليزداد استغرابي لابد ان ما حدث بالأسفل اثر على دماغه فدفعته مبعدة إياه عن طريقي لألتقط بعض الملابس المنزلية اضافة الى أشياء اخرى ثم كدت على الخروج حتى وقف امامي قائلاً :
-لما الخجل عزيزتي يمكنك تغيير ملابسك هنا اوليس الازواج يغيرون ملابسهم امام بعض ؟
ثم رقص حاجبيه بطريقة مستفزة لادفعه مجدداً متجاهلة إياه متجهة نحو الحمام .
خرجت بعدها لأتوجه من فوري نحو غرفتي أضع الحمالة لذراعي متجنبة تحريكها اكثر بعد استشعاري لبعض الالم فيها ، ثم نزلت لأجد الجميع على مائدة الفطور ولكن جاورت والدتي في الجلوس هذه المرة ولأن زوجي المنحرف يجلس امامي فهو لم يتوقف عن مراقصة حاجبيه بطريقة مستفزة لأتحدث بحدة بعد ان ضقت به ذرعاً :
-اتعلَّم لو كنتُ مكان علي لجلست فوقكَ حتى أتأكد من موتكَ !
ثم ثبت نظري عليه ببرود ليضحك علي بصوت عالي بينما فغر هو شفتيه بدهشة مصطنعة لتعاتبني امي قائلة :
-هل هناك زوجة تقول لزوجها مثل هذا الكلام ؟
التفت نحوها اتحدث بأنزعاج :
-ولكنه ينرفزني يا امي !
اصطنع الحزن في صوته قائلاً :
-وماذا حل بقطعة المارشميلو خاصتك ! هل تتخلين عني بهذه السهولة ؟
أجبته بلا اكتراث وانا اصنع لقمة كبيرة من البيض والزعتر وبعض البصل :
-اذا استفزيتني فأجل .
بينما تحدث علي بعد شرب شايه :
-لا تقلقي يا زوجة اخي سأسحقه هنا كما فعلت قبل قليل ولكن سأحرص على موته هذه المرة .
ثم راقص حاجبيه بتلاعب بينما رمقنا المعني بأنزعاج لتقول والدتي :
-ما دمت موجودة لن يمس احدكم صغيري سليم .
أجابها مبتسماً كمن انتصر للتو :
-ومن لي غيرك يا اجمل أم بالدنيا !
ابتسمت على مجاملته ليعود لترقيص حاجبيه لأحدجه بنظرات حانقة وانا أرتشف شايي ! سأريك يا قطعة المارشميلو خاصتي كيف تستفز ايلين يحيى أوزون وتنجو من ذلك !
**************
اما في احد المتنزهات فلقد جلست نرجس على كرسي خشبي تهتز بعنف اثر بكاءها الحاد وهي تتذكر ذلك الهجوم الضاري بكل تفاصيله لقد أُهينت كرامتها ثلاث مرات حتى الان ! حينما رفض زوجها لمسها وحينما هرب في احد الأيام بلا رجعة وكل ما وصلها منه هو ورقة طلاقها والآن قد سقطت اخر ذرات كرامتها وهي تتذكر تلك الابتسامة الشامتة وتلك الاعين الخضراء التي رمقتها بحقد فبدت كقطة شرسة ! وهي كل ما فعلته هو البكاء فقط ولا شيء اخر ! ومنذ متى قد فعلت شيء مختلف في حياتها أصلاً غير النواح والعويل وكانت تقف تشاهد بصمت انسلاله من بين يديها وها هو الان قد ملكته اخرى ! ولكنها فعلاً تملكه منذ وقت طويل ! وهنا كان عقلها يتسائل :
"كيف تعرفا على بعض ؟ ومتى وقع بحبها ولماذا ؟ هل أسرته بما تملك من جمال ؟ ولكنها تعلم ان سليم لا يهتم لهذه الشكليات ،إذن هل عشق شراستها وذلك العنفوان وتلك القوة التي تمتلكها ! "
أخفت وجهها بكفيها وشهقاتها تعلو اكثر وهي تندب كل لحظة ضعف مرت بها تتحسر على كل ما كتمته يوماً في قلبها وتندم لأنها لم تستمع الى تلك النصائح من صديقتها التي شجعتها مراراً على الاعتراف بمشاعرها قبل ان تضيع الفرصة من بين يديها !
ولكنها تعلم بأعماقها ان ترددها طوال هذه الأعوام لم يكن الا خوفاً ! خوفاً من ردة فعل سليم ومن كلامه ! فمهما كان إنسان خجول الا انه أيضاً يتمتع بشخصية قوية وصريحة لدرجة جارحة لذا آثرت البقاء معه كصديقة حتى يغير رأيه وتتغير مشاعره نحوها ويقرر قلبه ان ينبض من اجلها حتى يُتوج هذا الحب بزواج يدوم لمدى العمر !
تخيلت وتخيلت وطارت حتى بلغت عنان السماء في أحلامها الوردية حتى فاجئتها الحياة بصفعة إعادتها للواقع الى واقع كونها لم تتخطى سقف الحقيقة ولو بأنش واحد حتى وأنها كانت في الواقع تطير داخل قضبان قفص صنعته أوهامها حتى هلكت أجنحتها وسقطت سقطة مدوية وها هي تتألم من تلك السقطة !
وصلها صوت اختها اللاهث وهي تنده عليها حتى شعرت بها تجلس أمامها وهي تبعد يديها عن وجهها ثم عانقتها بعمق لتبعدها عنها بعد لحظات ثم قالت والهلع مرتسم على كل إنش من ملامحها :
-أتعلمين كم قلقت عليك يا نرجس لقد افجعتِ قلبي ظننت ان مكروه قد اصابكٍ .
أزداد بكاءها وهي تتحدث من بين شهقاتها :
-اخبريني انه حلم قولي انه لم يكن حقيقة ارجوكِ اختي أياً مما حصل ليس حقيقي كله وهم كله كذب سليم لم يطلقني ولَم يتزوج صحيح ؟
أخذت تصرخ بهستيريا :
-صحيح ارجوكِ قولي هل هذا صحيح ؟
-اهدئي عزيزتي خذي نفساً عميقاً واهدئي .
لكنها لم تهدأ وازدادت جنوناً وحاولت الاخرى على قدر ما تستطيع تهدئة صغيرتها التي جُنت لا محالة وهي تقاوم دموعها التي أخذت بالفعل تسيل على خذيها حتى نهضت تشدها من ذراعها وهي تحتضنها لتنطلق بها عائدة للمنزل .
*******************
اسطنبول (1:00 بعد منتصف الليل ):
كان الشرطي جالساً على حاسوبه يلعب بأحدى الألعاب الالكترونية بملل شديد حتى وصله إيميل مرفق بملف ففتحه على الفور ليجد انه من ازمير ومكتوب به :
" لقد رصدت كاميراتنا هذا الفيديو ونحن نعتقد انه قد يهمكم الاطلاع عليه "
فتح الملف ثم فتح الفيديو المرفق وشاهده حتى انتهى وفمه مفغور بدهشة ليصرخ بصوت عالي وهو يدير كرسيه للخلف :
-ضابط ادهم .. ضابط ادهم تعال بسرعة .
جاءه المعني يمشي بخطوات واسعة قائلاً :
-مالذي حدث ؟
-عليك مشاهدة هذا بنفسك .
عقد حاجبيه بعدم فهم ثم نهض الشرطي مفسحاً المجال له ليجلس فجلس مديراً كرسيه للحاسوب ليفتح الشرطي الفيديو بعد إعادته للبداية ليراقبه ادهم بكل تفحص حتى توسعت عينيه بدهشة !
كان سليم يتجول برفقة حسناء حامل وهي تتأبط ذراعه والوقت يشير للحادية عشر مساءً وأربعون دقيقة كانا في احد الشوارع التي كانت فارغة حينئذ وفجأة حاصرهم ثلاثة رجال ليمسك بها يضعها خلف ظهره وهو يرفع يديه استسلاماً الا انها تقدمت بشجاعة وهجمت على الرجل تكيل له اللكمات بقوة والتفت سليم للخلف يتبادل اللكمات مع الرجل الذي أشهر سكينه ! ليتراجع بخوف الا ان الحسناء انطلقت نحوه تلوي ذراعه آخذة السكين وخلال لحظات انخرطت بعراك شرس حتى طرحت الثلاثة ارضاً بينما كان هو يشاهدها وفمه مفغور بدهشة حاله من حال ادهم والشرطي !
ثم أمسكت الفتاة به كأنها تتأكد من سلامته لتمسك بيده وتركض جاعلة إياه يركض خلفها !
أعاد الفيديو مراراً وتكراراً وهو تارة يوقفه وتارة يبطئ سرعته على الأقل يعلم تماماً أين هما المشتبه بهما ! لكن هل هذه حقاً ايلين ! تلك الفتاة الهزيلة التي كادت تموت خوفاً حال رؤيته في مواجهة ثلاثة رجال وقد قضت عليهم بسهولة !
لا زال عقله ينكر الامر ولكنه كلما فكر بطريقة اخرى وجد الاستنتاج يصل الى كوّنها المشتبه بها الفارة من العدالة!
لأنه ببساطة لا يمكن لأمرأة حامل ان تتحرك بهذه السلاسة ثم كيف لأمرأة القتال بهذه القوة أصلاً وحتى لم تخف من تلك السكين أبداً ! من تكون يا ترى هل هي النسخة الحديثة من ايلين ! أم ان سليم قد لجأ الى اخرى غيرها !
بالنهاية تواصل مع الجهات المختصة وجمع فريقه للتواصل مع الجهات المرسلة للفيديو للحصول على معلومات مفصلة ثم استعدوا لتجهيز أنفسهم للسفر لأزمير في الْيَوْمَ التالي .

يتبع ........
      



                                                                    


                                                            "القاعدة الحادي والعشرون "
                          "مهما كثرت أو قلت عطايا الحياة فهي لا تقف لجانب احد بل هي مجرد مشاهد صامت "

براءة مُدانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن