Chapter-22

764 27 1
                                    

ازمير (9:05am):
غير لها الكمادات مجدداً ثم جلس يراقبها بهدوء وهي تبلل شفتيها الجافتين كل فينة واُخرى لتتحدث بصعوبة وهي تسحب انفاسها بعمق :
-لا داعي للقلق انها مجرد حمى وستزول خلال يومين فقط .
أومأ بهدوء مبتسماً لتحرك يدها السليمة تمدها نحوه لتستقر على وجنته لتداعب جانب خده برقة بأبتسامة واهنة قائلة :
-المهم ان قطعة المارشميلو خاصتي بخير ولَم يمسها اذى .
تنهد الضيق ثم تحدث ببعض التردد :
-كيف فعلتِ ذلك ؟
قهقهت بتعب ساخرة ولَم تمنحه اَي اجابة ثم اعادت يدها فوق بطنها واغمضت عينيها وسرعان ما أخذت تغط بنوم عميق وهو الاخر تمدد بقربها يطالعها بصمت وهو يتفاجئ بأكتشافها كل يوم وكأنها لم تكن تلك الايلين التي تربت معه طوال هذه السنوات بل واحدة اخرى تماماً لا زالت تخفي الكثير من الأمور الا انه ابعد هذا الشعور الغير المريح عن قلبه وأخذ يتذكر احداث ليلة البارحة  ، حيث خرج الأربعة لتناول العشاء خارجاً في مثل هذا الوقت وبعدها اتجهوا نحو مدينة الملاهي ليفترق عنهما علي وليلى بعد شعور الاخيرة بالتعب وبقي كلا من سليم وايلين وهما يتجولان في الطرقات حتى كاد الليل ينتصف ، تنهد ثم راح يتذكر ذلك الضعف الذي الم به كان خائفاً من ان يصيبها اذى لذا ببساطة قرر تسليم ما لديه من أموال كي ينجيا بحياتهما معاً الا ان زوجته الحبيبة هجمت بشراسة وهي تدافع عنه لا عنها وكأنها معتادة على المواجهة لا الهرب وبحكم كونها فتاة قاصر لم يخطر بباله ان تسدد لكمات قوية كما لو كانت ملاكم يتدرب منذ سنين ! وهو الرجل لم يستطع فعل ربع ما فعلته !
اوليس ردة الفعل الطبيعية لكل إنسان عند رؤيته لشخص يوجه سلاحه ناحيته ان يخاف وتسكن حركته خوفاً على حياته ! هذا ما حدث له اما هي فلقد لوت ذراع المهاجم غير مكترثة ان اصابتها تلك السكين ! ربما لأنها بالفعل تضع درعاً للحماية فالبطن التي تضعها يمكنها ان تساهم في حمايتها ولكن يبقى هذا مجرد عذر واهي !  تأمل ملامحها لوقت طويل بعد تغييره لكمادتها وهو يضع كفه على جبهتها يتأكد من انخفاض حرارتها التي بالفعل عادت لمعدلها الطبيعي ، بعدها وضع خده على كفه وهو يبعد بعض الخصيلات الملتصقة بوجهها قائلاً بهمس :
-مالذي جرى لكِ لتتغيري هكذا ؟ كيف اصبحتِ على ما أنتِ عليه ؟
وصله صوتها المتعب :
-بعد ان ادركت انني بلا سند حقيقي قررتُ ان اصبح سنداً لنفسي .
تفاجأ من كونها لا زالت مستيقظة ليبعد الكمادة مجففاً وجهها من العرق ليرى سوداوتيها تطالعانه ليهمس لها وكفه تسمح على وجنتيها برقة :
-الم تكوني نائمة ؟
تحدثت بعد ابتلاعها لريقها بصعوبة :
-لا أستطيع .
عادت لأبتلاع ريقها بينما عقد هو حاجبيه قائلاً وقد ارتسم القلق على ملامحه :
-هل تتألمين ؟
حدقتُ اليه لوهلة صامتة ثم تحدثت بنظرات منكسرة لم يعرف لها سبباً :
-اشعر ان هناك شيء سيّء جداً سيحصل ! قلبي يؤلمني يا سليم لم أعد أستطيع التنفس !
انحنى عليها مقبلاً جبهتها قائلاً وهو يمسد على وجنتيها مثبتاً عسليتيه في سوداوتيها محاولاً طمأنتها :
-لن يحصل شيء يا حبيبتي ستكونين على خير ما يرام .
عاد لتقبيل جبهتها ليسألها وهو يداعب شعرها :
-هل سكن الم ذراعكِ يا حبيبتي ؟
اومأت بخفة ليبتسم قائلاً :
-جيد إذن اغمضي عينيكِ وحاولي ان تنامي .
حاولت الامتثال لأمره الا انها كلما أغمضت عينيها كلما عادت لفتحهما أسرع حتى وصلهما صوت ليلى وهي تستنجد بهما من الأسفل اضافة الى صوت علي المرتفع وكأنه يتشاجر مع احدهم ففز سليم منطلقاً نحو الباب يفتحه بقوة لتنهض ايلين بصعوبة تمشي خلفه لينزل هو بحركة سريعة ووقفت هي على الدرجة الاولى تشاهد أفراد الشرطة المنتشرين داخل المنزل وسطهم ادهم الذي وقف يحدق اليها قائلاً بصوته الجهور :
-الى هنا وانتهى امركِ يا ايلين سلمي نفسكِ .
اندفع سليم يمسكه من ياقته يصرخ به غاضباً :
-لن ادعكَ تمس شعرة منها حتى ايلين لم تفعل شيئاً لتلقي القبض عليها !
وقف علي بجانبه ليتحدث فرد من الشرطة غاضباً :
-سيتم اعتقالكم بحكم تعطيلكم لسير القانون .
فأجابه سليم غاضباً :
-اَي قانون هذا الذي يعتقل الأبرياء بلا ادلة كما لو كانو مجرمين !
فصرخ به ادهم غاضباً :
-لما كنتما تهربان طوال هذه المدة إذن ؟ هل البريء يهرب حالما يلمح شرطياً بقربه !
-نحن هربنا لنتزوج ونعيش بسلام بعيداً عن الجميع ولَم نهرب خوفاً منك أيها الضابط .
ثم تحدث بصوت اعلى :
-هل يمكننا الان معرفة لما حضرة جنابك تطاردنا بلا مبرر أو سبب منذ ان ظهرت في حياتنا وانت تسبب المشاكل مرة تلو اختها وكأنه لم تكتب لنا الراحة بوجودك !
تقدم الاخر وقد صدح صوته الغاضب في أنحاء المنزل واصلاً للجيران الذين تجمهروا بالفعل امام الباب يستمعون لكل شاردة وواردة :
-لأن ايلين عمر ديمير مشتبه بها في حادثة مقتل والدها !
رد الاخر بغضب اكبر وقد احمر وجهه بالفعل وبرزت عروق رقبته :
-انها ايلين يحيى أوزون وليست متهمة بأي شيء يخص والدها ولا يحق لكم رمي ذنب القاتل الحقيقي عليها لكونها ابنته .
حينها وصل صوتها المتعب وهي تستند على الدرابزين قائلة :
-كفى .
كانت تقف وراء سليم الذي سرعان ما استدار لها وقد شحب وجهه قلقاً عليها لتتقدم ببطء واقفة امام ادهم الذي يتطاير الشرر من عينيه وهو يرى العرق ينساب بغزارة على جبينها ووجهها محمر بالكامل لتترجاه بصوت هادئ :
-دعنا نتفاهم أغلق الباب خلفك ودع عائلتي وشأنها سآتي معك كما تشاء .
رد سليم بغضب :
-ما هذا الهراء يا ايلين لن اسمح لكِ بتسليم نفسك بدل ان يقوم بهذه الالاعيب لما لا يغرب عنا باحثاً عن المجرم الحقيقي !
حدقتُ نحوه بأعين دامعة تلهث انفاسها وهي تتمايل في وقفتها :
-لقد قام بعمله على اكمل وجه وقبض عليه بالفعل !
صمت محدقاً نحوها بصدمة حاله حال علي لتكمل وهي تلتفت له بكامل جسدها :
-لا تثر المشاكل يا سليم اعتنيا انت وعلي بوالدتي وكل شيء سيمر على ما يرام سأعود لكم لا تقلقو .
حاولت الابتسام بصعوبة ليهز رأسه نفياً وعقله قد انسلخ عن الواقع ثم التفت حدقتيه نحو ادهم الذي امر الشرطي بطرد الناس خارجاً ليمتثل لأمره مغلقاً الباب خلفه ثم أعاد أنظاره نحو ايلين التي لا زال الترجي يعلو نظراتها ، وكم كان الجو خانقاً بالنسبة لسليم الذي صرخ فيها غير متقبِّل للامر :
-لما تكذبين لما تلقين بالتهمة على نفسك ما ذنبك من كل هذا يا ايلين ؟
كان ادهم بالفعل قد وضع الأصفاد في معصمها  متجاهلاً يدها المصابة وجرها خلفه وسط بكاء أمها ومقاتلتها للوصول اليها حالها حال سليم وعلي لتتوقف صارخة بغضب استنزف كل طاقتها :
-لن يلمس اَي منكم عائلتي وإذا لم تبتعدو فسأقتل هذا الضابط !
ثم بحركة سريعة سحبت المسدس الذي يزين خصره واضعة إياه على صدره ليحل الصمت على الجميع للحظات لتتحدث بهدوء مخاطبة إياه :
-آتي معك بشرط ان تدع عائلتي وشأنها فلا امي ولا أخي ولا زوجي لهم علاقة بما حصل انا وحدي المسؤولة عن ذنبي لذا رجاءاً دع رجالك يخرجون .
زفر بقوة لتحرق انفاسه الحارة وجهها وهو يطالع طولها الذي بالكاد يصل لصدره ! أخذ يميل برأسه مراقباً تصنعها للقوة وهو يشعر بأرتجافة جسدها ودموعها التي على وشك التهاوي من محجريها ليومأ بخفة قائلاً :
-لكِ ما تريدينه .
ابتسمت بخفة وهي تحاول إمساك السلاح بصعوبة ليأخذه من يدها قائلاً بصوته الجهور مخاطباً رجاله ولا زال نظره مثبت عليها :
-اخرجوا جميعكم من هنا سأتولى انا الامر .
احتاجو بضعة دقائق اخرى من الصمت ليمتثلوا لأمره واجمين فخرجوا من المنزل لتنطلق نحو سليم الذي رماها خلف ظهره صائحاً بأدهم :
-لن تأخذها الا على جثتي !
رمقه بحاجب مرفوع مستهزأً لتشده من ذراعه نحوها قائلة بهدوء تحاول طمأنته :
-لا تخف يا سليم لن يحدث شيء.
انسكبت دموعه بقهر لتمسحها له ثم ربتت على وجنته قائلة :
-لم أشأ ان اورطك بكل هذا يا سليم وانا أخبرتك من قبل بذلك لذا القرار يعود لَكَ اذا ما اردتَ تطليقي والعودة لممارسة لحياتك من جديد .
صرخ ناهراً إياها ودموعه تتسابق بالهطول كسيل عارم :
-هل فقدتِ صوابكِ هل تظنين انني سأتخلى عنكِ بهذه الصعوبة ! لن افعل الا على جثتي ولن اسمح لهذا الحثالة بأخذكِ .
مسحت له دموعه تحاول إقناعه بهدوء متجنبة نظرات الاخر الثاقبة بغضب قائلة :
-لا يمكنني الهرب طوال عمري يا سليم آجلاً أم عاجلاً كان سيتم امساكي ان يحدث الان خير من ان يحدث مستقبلاً اما ناظري اولادنا !
ظهر الانكسار جلياً في عينيه لتكمل بعد ان هدأت ثورته :
-عدني إِنَّكَ ستهتم بنفسك وبأمي وعلي سيكون الى جانبك أيضاً .
تنهدت لتكمل :
-تعال لزيارتي كل يوم وهكذا لن نشتاق لبعضنا اتفقنا .
كانت تخفي دموعها بصعوبة وهي تدرك مصيرها بالفعل لذا عانقته تكتم وجع عظيم الم بداخلها ثم فصلت العناق لتخاطب علي الذي انهمرت دموعه تتسابق على وجهه لتتقدم نحوه معانقة إياه :
-اهتم بخطيبتك الجميلة جيداً -ثم ابتعدت مكملة بأبتسامة حاولت جعلها ساخرة -واياكما وإقامة زفافكما من دوني سأرغمك على تطليقها حينئذ وسأجلس عليك حتى تختنق .
كان الحزن يملئه بالفعل لذا لم يعلق على حديثها ثم ارتمت في حضن والدتها التي لم تتوقف عن البكاء للحظة منذ دخول الشرطة لحد الان لتضما بعضهما بقوة لتبتعد عنها ايلين قائلة وهي تشفط ماء انفها تواري دموعها بالقوة :
-كُلي جيداً وكوني بخير وإذا لم يدللكِ هذان الاحمقان فسأبرحهما ضرباً .
ثم مسحت دموع والدتها لتكمل :
-لا تقلقي يا اميرتي لن يمس ابنكِ القوي هذا احد في السجن وسأعود لكِ بسلام اقعد على قلبكِ حتى تملي اتفقنا .
كانت تبكي غير مستمعة لما تقوله فلذة كبدها التي عادت لعناقها بقوة ليرتمي عليها الاثنان صانعين عناقاً جماعياً حتى هايدي شاركت فيه والتي لم تتوقف للحظة عن التمسح بقدميها حتى ابتعدت عن عناقهم قائلة بسخرية :
-هل تريدون موتي ما هذه الخنقة الجماعية !
ثم نهضت عن الاثنان قائلة :
-عليكما الاستحمام أيها الشابان !
لم يعلق كلاهما لتنحني نحو قطتها تعانقها وتقبلها لتبعدها بعدها واضعة إياها على الارض لكن الاخرى رفضت وباتت تقفز عليها مطالبة إياها بالبقاء وهي تموء بصوت عالي !
انحنت مجدداً مربتة على رأسها :
-لا يُسمح لي بأصطحابك معي انا أيضاً سأشتاق لكِ يا صغيرتي لكنني لن أتأخر اعدكِ .
هم نهضت اخيراً متجهة نحو ادهم تنظر اليه بهدوء لتهمس له :
-ارجوك أوصلهم بأمان لأسطنبول واحرص على سلامتهم جيداً .
لم يجب واقتادها برفقته وما ان فتح الباب حتى تدخل الشرطة مبعدين سليم وعلي اللذان كادا يهجمان عليه بضراوة ما ان كاد يصعدها للسيارة حتى رفضت وراحت تراقب عائلتها ليأخذهم فريقه الخاص نحو سيارة سوداء مظللة لتركب بعدها بهدوء .
*************
#ادهم :
لم أظن ان قلبي سيتقلب وجهاً هكذا في يوم من الأيام وكأنه محاصر وسط نيران مستعرة تحرقه حتى لا يبقى منه الا رماده ! كانت صامتة طوال الطريق وهي تجلس بوسطنا انا وزميلي الضابط الاخر أطل عليها بطرف عيناي وعقلي لا يزال يرفض كونها هي ! الا ان سوداوتيها الشبيهتين بقطعة من الليل لا زالتا كما هما تمتلكان تلك النظرات البريئة الممزوجة بالحزن ! لا زال هذا الحزن يرافقهما منذ المرة الاولى التي رأيتها فيها فتحدثت بلا وعي وانا أحدق اليها ملتفتاً نحوها :
-مالذي جرى لكِ لتتغيري هكذا ؟ كيف اصبحتِ على ما أنتِ عليه ؟
ابتسمت ساخرة لتجيب بصوتها الذي تكابد لخروجه :
-بعد ان ادركت انني بلا سند حقيقي قررتُ ان اصبح سنداً لنفسي .
تفاجئت لأجابتها هذه وأخذت أفكر فيها بعمق ! مالذي حل بكِ ؟ مالذي لا اعلمه عنكِ يا صغيرة ؟ هل من المعقول ان تقوم فتاة مثلها بمثل تلك الجريمة البشعة !
كانت تتعرق بغزارة ووجهها محمر بشدة وعينيها زائغتين ممتلئتين بطبقة من الدموع كلما اوشكت على السقوط كلما سيطرت عليها بصعوبة وشفتيها كل فينة واُخرى تتقوسان للأسفل ثم تعودان لوضعهما الطبيعي ، لم ازح عيناي عنها واشعر بقلبي وهو يتمزق من جديد بألم أشد عن الذي قبله !
انها مجرد طفلة ! طفلة مرت بظروف لا يعلمها الا الله وحتى في موقف كهذا تفكر بعائلتها وكأنهم الشيء الوحيد الذي يبقيها على قيد الحياة ! هل يوجد إنسان محب لهذه الدرجة وفِي عمرها أيضاً ! عجيب حقاً امركِ عجيب يا ايلين .
خلال لحظات في منتصف الطريق أخذ جسدها يرتجف حتى باتت تحاول التقيء لنوقف السيارة على جنب فنزلت وساعدتها على النزول لتدفع يدي وتتوجه نحو بقعة بعيدة لتستفرغ كل ما بجوفها !
كانت تعطيني ظهرها وكأنها لا ترغب بأن أراها فخرج الشرطي الذي يقود السيارة وبيده قارورة ماء ما ان انتهت حتى تناولتها منه اجلس قربها أساعدها على الاغتسال .
كانت تلهث بشدة وزاد تعرقها لأغسل وجهها متحسساً بكفي تلك النار المستعرة برأسها لأبعد عن يمناها الأصفاد واضعاً إياها بجيبي ثم حملتها وانا أوجه امري للشرطي :
-لننطلق نحو المستشفى .
ركبت بالخلف وانا أضع رأسها في حجري لتنام على الجانب بوضعية الجنين وهي تهذي ومع مرور كل دقيقة تزداد حرارتها حتى كادت على الاشتعال حقاً ! بينما جلس الضابط قرب الشرطي الذي قاد بسرعة لنصل خلال ربع ساعة الى اقرب مستشفى وحملتها مجدداً متوجهاً بها نحو الداخل ليستقبلنني الممرضات وهن يأتين بسرير المرضى لأمددها عليه ولا زالت تهذي لتضع كفها السليم على وجهي قائلة بدموع تنسكب بهدوء من طرفي عينيها وهي تقاوم فقدانها لوعيها :
-كُن بخير يا قطعة المارشميلو خاصتي واعتني بنفسك ...-ثم تنهدت مكملة بصعوبة وبدأ وعيها بالفعل يُسحب منها -كل جيداً ... و ... و اذا غازلتكَ .. احدا .. هُن .. اهرب .. اتف...ق..نا .
ثم سقطت يدها لأعيدها بجانب جسدها غير مستوعب لما قالته ! هل ظنتني زوجها ! تبعت الممرضات وهن يقتادينها نحو احدى الغرف ليخرجن ما عدى واحدة ثم جاء الطبيب ليدلف مغلقاً الباب خلفه وبعد ربع ساعة خرج لأتوجه نحوه سائلاً عن حالها ليقول بأبتسامة بشوشة :
-المريضة تعاني من حمى شديدة ولن تتعافى الا بعد يومين كأقل تقدير يجب عليها الخلود للراحة وشرب الكثير من الماء تجنباً للجفاف اضافة الى عدم تحريك منطقة الزند المكسورة لكي لا تسوء حالتها فهي لم تشفى بعد .
اومأت له لاسئله :
-هل يمكنني رؤيتها ؟
-بالطبع .
ثم اكمل :
-اهتم بها جيداً فجسدها بالفعل منهك مما هو فيه !
عقدت حاجباي بعدم فهم ليسترسل بالقول بعد ملاحظته لتساؤلي :
-جسدها قد تعرض لضرب مبرح لمدة طويلة لذا الصراحة يجب إخضاعها لعملية جراحية لأزالة الزائدة الدودية التي هي بالفعل على وشك الانفجار حسب ما لاحظته من الانتفاخ الغريب على جانب بطنها هذا من غير كتف مكسور لا زال في مرحلة الالتئام اضافة الى فترتها الشهرية التي تجعلها تتعب اكثر اضافة الى نقص دمائها لذا يجب الاهتمام بالمريضة جيداً جداً وعلى اقل تقدير يجب بقائها لخمسة أسابيع ما ان تتعافى جزئياً حتى نعود لعمل الفحوصات اللازمة لها من جديد .
اومأت له وانا اشعر بمشاعر غريبة تجتاحني لا اعلم لها تفسير ! وكأن هذه الفتاة عانت اكثر مما تستحقه بالفعل ولكن هل تستحق فعلاً كل هذا العذاب !
دلفت اليها وسط افكاري التي تجرفني الى داخل بحرها العميق مغلقاً الباب خلفي لأجد الممرضة لا زالت بالداخل والتي رحبت بي حال قدومي لأومأ لها كتحية ثم قامت بالتأكد من المغذي لتخرج تاركة إيانا وحدنا .
جلست على الكرسي أمامها من الناحية اليمنى أراقبها وانا محني الظهر اشابك يداي على قدماي واشعر بحرقة تجتاح صدري مجبرة دموعي على الهطول ! اعترف على الرغم من قسوتي الا انني املك قلب حساس جداً يبكيني حينما أصادف احدهم وهو يتعذب أو يتألم أو يتعرض للظلم لأنني على الرغم من سنوات عملي كضابط الا انني لم اجعل القسوة تسيطر علي بل زالت دموعي هي التي تفعل ذلك فبالنهاية كلنا بشر ولسنا معصومون عن الخطأ مهما بلغت فداحته ، كنتُ بشكل ما أشفق عليها واشعر بفضول كبير عنها وعن حياتها وانا متأكد ان اجابات معظم أسئلتي لديها ، ومن ناحية اخرى اشعر بأعجاب نحو تلك القوة التي تتخفى خلفها ! كيف لها ان تكتم دموعها هكذا وطوال هذه المدة وانا الرجل البالغ سبعة وثلاثون عاماً لا أسيطر على نفسي وسرعان ما أجهش بالبكاء !
أخذت اتمعن بآثار الضرب الواضحة على وجهها والتي قد خفت قليلاً بالفعل عدى ان هذا لم يخفي ولو جزء من جمالها ! مالذي اهذي به الان ! أخذت أهز رأسي اطرد ما يعتمل داخله من أفكار غريبة لم تخطر على بالي يوماً لأعود لتأملها من جديد ! وعيناي لا تقاومان التمعن بكل تفصيلة من تفاصيلها ! لو لا هذه الخدوش وهذا الشعر المقصوص بطريقة غير منظمة لكانت اجمل فتاة تقع عليها عينا كل رجل !
زفرتُ بضيق ثم خرجت من عندها لِآمر شرطييْن بحراستها عند الباب تحسباً لهروبها حال استيقاظها .
وقتها غادرت الى المخفر منزوياً في مكتبي اطالع ملفات القضايا المتراكمة بعقل مشدوه ! لم استطع التركيز أبداً وصورتها تحوم امام ناظري بأستمرار وكلما حاولت طردها عادت بشكل أقوى تفرض وجودها في عقلي ! وسرعان ما تسرب الغضب داخلي جاعلاً إياي ارمي كل ما على الكتب بغضب محطماً إياه الى اشلاء فأنا ايضاً سريع الغضب وغضبي أبداً غير محمود ، لم تهدأ نفسي وشعرت بقلبي يُعتصر وكأنه محاصر بأنامل من حديد لأخرج من المكان ضارباً الباب بقوة ادفع كل من في طريقي بعنف حتى خرجت من المخفر متجهاً نحو سيارتي وما ان ركبتها حتى انطلقت بها مسرعاً نحو الساحل المكان الوحيد الذي يهدأ بالي عنده ، وصلت بعد خمسة وأربعون دقيقة لأترجل ضارباً الباب بعنف أقف على الرمال أراقب امواج البحر التي تتلاطم ببعضها البعض وكأنها تتصارع فيما بينها ، كان الهواء بارداً وعليلاً الا انه لم يستطع تهدأتي وإراحة ما بداخلي بل جعل همي يزيد فوق رأسي بلا مبرر وانا أعيد احداث الْيَوْمَ برأسي ،
إبتداءً من سفري الْيَوْمَ صباحاً ووصولي برفقة فريق العمل متجهين فوراً نحو مخفر ازمير الذي سرعان ما حدد لنا الموقع الذي رصدته الكاميرات وهناك وبعد أخذ شهادة بعض الشهود من ضمنهم الثلاثة الذين ضُربوا على يدها ونحن نبحث عن مكان اختبائها حتى يأسنا كنتُ جالساً قرب احدى المنازل على الرصيف قبل ان تتقدم مني صبية شقراء برفقة فتاة اخرى مستفسرين عن سبب جلوسي امام المنزل الخاص بعائلتهم لأظهر شارتي لهما لأحقق معهما محاولاً الحصول على بعض المعلومات لاتفاجأ بردة الفعل الغير المتوقعة للشقراء التي انهارت حال رؤيتها لصور المشتبه بها وزوجها ليساعدها رجالي على الدخول للمنزل لتبلغني الفتاة التي كانت اختها بعنوان الاثنين بعدما صرحت برؤيتها لهما عدة مرات صدفة ! وعند التاسعة وخمس دقائق تمت المداهمة بنجاح وقبضنا على المشتبه بهم .
لا زالت تفاصيل وداعهم تتكرر في ذهني وكأنها شريط لفلم عائلي حيث جعلني الموقف بأكمله اظهر بمظهر الشرير وانا أقف أشاهدهم بصمت قطع سيل افكاري رنين هاتفي لأخرجه من جيبي مجيباً على الاتصال ليصلني صوت زميلي الضابط هشام قائلاً :
-تم وضع الشابان في سجن الأحداث وتم أخذ الوالدة للمشفى لأنها فقدت وعيها في منتصف الطريق وانا الان قربها حالما تستيقظ سآخذ أفادتها هنا ثم سأتصل بك مجدداً لأبلغكَ بالمستجدات .
-حسناً لكن سأتولى انا التحقيق معهما لا تسمح لمحقق غيري بالولوج لهما .
-كما تشاء سأرسل على الفور خبراً للمخفر .
-تمام .
اغلقت الاتصال معيداً الهاتف الى جيبي لأجلس بصمت لعدة دقائق لأنهض بتكاسل بعدها متوجهاً نحو سيارتي لأركبها مديراً المحرك لأنطلق عائداً نحو المخفر ليردني اتصال اخر تبعه رسالة لأخرج هاتفي فاتحاً الاتصال لأضغط على مكبر الصوت وانا ألقيه على الكرسي الذي يجاورني ليصلني صوت مديري في العمل قائلاً :
-كيف حالك يا ادهم هل حللت القضية التي في ازمير ؟
-لقد قبضت على المشتبه بهم والليلة سيتم ترحيلهم الى اسطنبول لكنني مضطر للبقاء المتهمة الرئيسيّة قابعة في المشفى وسأعود معها لأستلم التحقيق .
-عليك الاهتمام بقضيتك الرئيسيّة يا ادهم فالعصابة قد ضربت ضربتها ووجدنا دليلاً ضد " زاهر " عليك تولي هذه القضية فوراً سأوكل احد المحققين للتحقيق مع المشتبه بهم فعملك الى هنا وانتهى .
-أوكل لعادل هذا الامر يمكنه ان يحل محلي وأرجو ان لا تسمح لأي محقق بالدخول معي في هذه القضية .
-انها قضية سهلة يا ادهم لا داعي من ..
-ارجوك دع عادل يتولى الامر الى ان انتهي فأنا ايضاً لن ابخل عليه بالمساعدة .
تنهد الاخر بقلة حيلة قائلاً :
-لا فائدة من الجدال معك افعل ما تشاء .
أغلق الخط من جانبه لأتنهد بقلة حيلة وانا ارى معالم بناية المخفر تظهر امامي لأركن السيارة في مكان مناسب لأنزل متوجهاً نحو الداخل نحو السجن تحديداً وما ان وصلت حتى وصلني صوت سليم الغاضب قائلاً :
-لما يكره الجميع ايلين لهذه الدرجة لما يرى الكل حبنا وكأنه امر ممنوع وخاطئ وكأنه نوع من انواع الرذيلة !
وقفت امام الزنازين أحدق الى ظهره الواقف امام صاحبه الذي يطالعه بصمت ليكمل :
-انا على استعداد تام للتعفن داخل السجن ولا الخروج بفضل من يسمي نفسه والدي لذا توقف عن لومي هكذا لأنك لن تعرف يوماً مالذي مررت به يا علي .
صمت وأخذ يمسح وجهه بكفيه يدور في السجن حتى انتبه لوجودي لترتسم السخرية على وجهه والحدة على وجه رفيقه لأشير للشرطي بيدي وانا اتمتم مع نفسي :
-سيكون التحقيق صعباً فعلاً مع هذان الاثنان !
اقترب الشرطي منتظراً امري الذي وجهته له وانا أستدير نحوه بكامل جسدي :
-اجلب هذا الاشقر الى غرفة التحقيق .
ثم مشيت لأسبقهم وتكفل هو بجلب المعني لابد ان الليلة ستكون من أطول الليالي التي مرت علي سابقاً !

يتبع ........
     



                                                             " القاعدة الثاني والعشرون "
                              "التضحية اعظم من الحب لذا حينما تضحي بكل ما تملك تأكد ان الاخر يستحق "

براءة مُدانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن