ملاحظة ✋️✋️: قد يحتوي الفصل على مشاهد حادة ⭕️❌بعد مرور سنة ......
في احد الشقق الفخمة القابعة في احد ارقى احياء اسطنبول ...
#ايلين :
انتهيتُ من مهمة أخرى كما اقتضت عليه وظيفتي لأسارع للأختباء كالفأر الجبان في هذه الشقة التي بالرغم من وسعها الا ان جدرانها كثيراً ما تضيق على قلبي وكأنها شاهدة على ما احاول تخبئته بينها ، اليوم الجو ممطر جداً ولا اثر للشمس منذ اسبوع لا شيء سوى اكوام من الغيوم ، يصادف تاريخ اليوم ١/١٠ وبالفعل قد انتهت تلك السنة آخذة معها جميع ذكرياتي لتبدأ غيرها مع ذكريات جديدة اسوء منها ! اكتب في مذكرتي هذه لكي لا تطمس ذكراي يوماً ، ادون فيها كل تلك الحقائق لتبقى شاهداً صامتاً على تلك الافعال الدنيئة التي تُمارس في الخفاء .
في ذلك اليوم الذي استيقظت فيه ظناً مني انني الان في عالم آخر ودنيا اخرى ولكنني وجدت نفسي قابعة في مشفى ما بعد افتعالي لتلك المجزرة ! اي مجزرة ؟ حسناً تلك التي غيرت مجرى حياتي ناقلة اياي الى حياة جديدة .
في ذلك اليوم الذي كان حاله كحال غيره وما سبقه من الايام " السهر حتى طلوع شمس الصباح داخل تلك الغرفة المظلمة برفقة هلاوسي ، ثم تناول الدواء والافطار المعتاد ، الاغتسال والخروج للحديقة اضافة الى جلسات الصعق الكهربائي والمناوشات مع بعض المرضى سواء القدامى او الوافدين الجدد" ولكن في ذلك اليوم تحديداً لأول مرة منذ دخولي للمصحة يزورني احدهم ! ولم يكن سوى زوجي آنذاك سليم ، وكأنني بُشرت بالجنة ! وقتها بكيت وضحكت في الآن نفسه غبطة لرؤياه ، عانقته بحرارة ودفنت انفي في رقبته استنشق عطره الزكي بلهفة لأطبع قبلات متتالية على وجنتيه اللتان قد اصفرتا وحينها تفطنت لشحوب وجهه ولنمو لحيته بشكل فوضوي وعيناه ، تلكما العسليتين المختلطتين بشكل بديع مع بعض الخضار الداكن كانتا تائهتين تظهر الحيرة جلية في لمعتهما الاسرة مع مزيج من حزن وتردد لم اعلم له وقتها سبباً ، لم يبادلني لا عناقي ولا قبلاتي ، لم تظهر عليه اللهفة ، لم يفتقدني قلبه كما فعل قلبي ، بل كان حذراً في تعامله معي يراقبني وهو يسوق حديثه الذي كان رسمياً وبارداً ! نبرته جامدة حاول اخفاء ارتجافة صوته من خلالها عبثاً ، حديثه كان عنه وعن والدتي ولكنه مختصر جداً ! لقد لخص لي فترة ثلاثة اشهر بكلمتين فقط ! هل كانت ثلاثة ؟ لا اذكر ربما كانت خمسة ؟ هل كانت سنة لوحدها ؟ المهم ولضعف ذاكرتي سأتجنب هذا الامر ولكنني اتذكر تفاصيل ذلك اليوم الذي كان في بدايته كئيباً وفي نهايته مجزرة !
كانت اصابعه متشابكة فيما بينها خالية من خاتم زواجنا ! وقتها تصاعدت دموعي الى جفناي وهطلت بهدوء كما هي عادتها فلقد كنت افقد السيطرة عليها لتخرج للعلن ولا قدرة لي لكبحها ، بالنهاية اعلن انفصالنا بعد صمت دام خمسة دقائق على ما يبدوا كان يشحذ شجاعته فيها ثم سلمني بهدوء ورقة طلاقنا والتي امضى عليها المحامي بدلاً مني لكوني " غير عاقلة " " مجنونة بلا ادراك " " مريضة عقلياً " ثم انسحب بهدوء ومعه انسحبت آمالي واحلامي الوردية القابعة في آخر زاوية منيرة من عقلي والتي اظلمت تماماً وباتت زاوية معتمة تغطيها شباك الكوابيس البالية ! عدتُ برفقة ممرضتي متجهمة الوجه الى غرفتي من أجل جلسة " العلاج " كما يسمونها ولكنها بالنسبة لي كانت جلسة تحرش من قِبل شيطان رجيم ، دلف وقتها كعادته مبتسم الوجه وكأنه كان يتوق لرؤيتي مبتدأً السؤال عن حالي وكأنه لا يراه ! ليجلس على الكرسي وتتولى الممرضة اغلاق الباب لنبقى لوحدنا فقط ، لم يكن عقلي برفقته في الخمسة والعشرون الدقيقة الاولى هكذا اقدرها انا الان فعقلي كان غائب ولا اعلم كم بقي غائباً لربما بقيتُ شاردة لعقد من الزمان ! كان كل ما حولي مظلم وداكن ، انا وحدي بعد كل شيء ، بعد كل تلك المدة التي حاولت فيها تصبير نفسي واقناعها بأنني اخضع للعلاج ، مراراً حاولت تحسين سلوكي وادعاء استجابي لما يفعلونه ، احياناً انجح واحياناً افشل ، اقنع نفسي ان خارج اسوار المصحة هناك من ينتظرني ، لدي ام وزوج واصدقاء ولكن بين ليلة وضحاها غدوت غصناً مقطوعاً من شجرته ، حينها تسائلت هل امي تخلت عني كما فعل سليم ؟
وقتها سالت دموعي غير واعية او بالاحرى ناسية لوجود ذلك الشيطان الذي غير مرقده وجلس على السرير بقربي واضعاً يده على ركبتي يراقبني بصمت ، عندما التقت اعيننا تحدث الي كثيراً وواساني كثيراً ولم يزدني ذلك الا هماً فأغلب حديثه كان مبطن لم افهم فحواه ، كان يلمح لكوني سأعيش في منزل جديد وسأحصل على عائلة جديدة ولكن سيكون علي اطاعة الاوامر وهذا ما يطلبونه فقط ! من هم ؟ لا اعلم ولم أهتم بالسؤال ، تجاهلته وعدت لغيبوبتي ارهف السمع لعقلي الباطني الذي راح يسرد لي الكثير والكثير عن ذكرياتي وعن بختي الاسود وعن مستقبلي المبهم حتى جفل جسمي ولسعتني القشعريرة وانا اشعر بأنامله تضغط على فخذي اسفل ملابس المشفى ! وجهه يبعد عني بمسافة قصيرة قطعها محاولاً تقبيلي ! ثرت على هذا الحيوان بأنشداه ، اضربه بتشتت محاولة ابعاده ، في داخلي مشاعر مضطربة ، تذكرت ادهم ورحت انده عليه بصوت عالي عله ينقذني كما فعل سابقاً ، اعتلاني الوغد وقبل رقبتي بنهم وانا ابكي بضعف حتى سكنتُ فجأة احاول ان اعي مالذي يحصل ؟ ما هذا الضعف الذي انا به ، حينها راح عقلي يذكرني انني وحيدة بلا حامي يحميني ، لقد تخلى الجميع عني لأكون فريسة لحيوانات هذا العالم ! لا اعلم كيف استطعت ابعاده عني ولكن تأوهاته المقززة التي تصدح بتناغم قرب اذني حركت غريزتي لتظهر ايلين الاخرى ، ذلك الوحش الذي يصل به الامر على اكل لحم حي ! وقتها ركلته مبعدة اياه عني ثم هاجمته بضراوة بتلك الاظافر الطويلة ثم تحولت خربشاتي للكمات متتالية اسالت دمه لينده على الممرضين الضخام القامة ليتم صعقي كما هي العادة ، لم تنفع مقاومتي وكاد قلبي ان يفارق الحياة لشدة هلعه ، كنتُ ضعيفة جداً اعي ما حولي بصعوبة ، وتماسكت مرغمة لكي لا افقد الوعي ولكنه خرج بعد صدوح منادي عليه وكذلك فعل الممرضين الثلاثة الذين اختفوا بلمح البصر كما ظهروا اول مرة وانا غبت في غياهب الظلمات ولم استيقظ الا على ماء اغرق وجهي ! والذي رمته تلك الممرضة لأيقاظي لتناول العشاء مخبرة اياي ان الشيطان لديه امر مهم وما ان ينهيه حتى يعود مجدداً ! لم اتناول لقمة مما جلبته وطلبت بهدوء ان تقودني للحمام ففعلت ، وقتها انتظرتني هي امام الباب وانا دخلت لاقف امام المرآة لأرى علامات حمراء على رقبتي ! رحت اتحسسها بمهل لينتج عنها الم طفيف ولكن الالم الذي في قلبي كان عظيماً جداً انه يشبه الغصة العالقة الان في عنقي وانا اكتب ذكرى ذلك اليوم الشنيع .
" مسحت دموعها المتساقطة على وجنتيها بلطف لتشفط سائل انفها وتزفر نفساً هادئاً لتزاول الكتابة من جديد وخصيلاتها السوداء تتدلى برفق حول وجهها المحمر "
شعرت بالقرف الشديد منها وحاولت ازالتها عني بشتى الطرق فلم افلح ، فركتها مراراً بالماء والصابون ولكن اثرها ازداد وكأنه يفرض وجوده وسيطرته ، وبالنهاية انفجرت بالبكاء وسقطتُ ارضاً على ركبتاي وكانت تلك مرتي الاولى التي كنتُ بها بهذا الضعف ، واكثر ما آلمني هو وحدتي ، خلو محيطي من الامان الذي افتقدته كثيراً وقتها ، تمنيت وجود امي بقربي لكانت اغرقتني بحنانها ولكانت قد امتصت مني كل هذا التعب ، لو كان ادهم بجانبي لأحرق المكان بمن فيه ولهرب بي بعيداً عن هنا ! انحنيت على نفسي اضم جسدي المرتعش وانا اتخيل ان الجميع قد تخلى عني ! فمن ذا الذي سيهتم بقاتلة فاقدة لعقلها ولأهليتها لتكون مجرد انسان عادي ! لو ان القاضي حكمني بالاعدام لكان اهون من هذه الميتة التي اعيشها في كل يوم ! والان اكثر ما اخشاه قد يحدث ! افهم الان سبب تلك الصرخات التي تشق سكون الليل والتي تصمت عند الفجر ليختفي اصحابها في ظروف غامضة للابد ! لم تكن سوى استنجادات نسوة تعرضن للاغتصاب من قِبل ذلك الشيطان واتباعه ليتخلص منهن بعد ذلك كما لو يتخلص من سِلع قديمة والان حان وقتي لألحق بهن ! ولكن هل ارضى لنفسي هذه الميتة ؟ مهما كنتُ ضعيفة فعلي ان احمي نفسي علي فعل شيء حتى لو قُتلت او مُت او لُعنت بألف لعنة ولكن ابداً لن اسمح لحيوان نجس بلمس شعرة مني الا بعد ان يتوقف النبض في صدري وافارق هذا الجحيم ! نهضت امسح دموعي اتحرك ببطء بجسدي المرتعش هذا والذي كان خاملاً كسولاً بليداً وكأن عضلاتي لم تتحرك منذ امد طويل ، رحت ابحث على الارض وفي الزوايا وعند حافات المغسلات علني اجد شيئاً اي شيء استخدمه كسلاح زحفتُ حتى وصلتُ لعند سلة المهملات فمددت يدي ابحث في محتوياتها لأعثر على شيفرة ! تلك ذاتها التي وجدتها في الحديقة آنذاك وكانت مغطاة بدماء جافة ! اخفيتها في باطن كفي ونهضت ببطء احاول لملمة شتات نفسي لأخرج بخطوات وئيدة لأفتح الباب بهدوء وما ان التفتت الممرضة الي حتى شققتُ عنقها لتسقط في ظرف ثانية غارقة بدمائها ، ثم خرجت نحو الممر وسرت بهدوء بين المرضى لتقترب مني ممرضة عاقدة الحاجبين لتتحدث بصوت عال ملفتة انتباه الجميع حولنا :
-اين ممرضتكِ الخاصة .
ابتسمت ساخرة واملت برأسي ناحية كتفي وانا امسك الشيفرة بين اصابعي بأحكام مجيبة اياها :
-انها تسبح بدمائها الان .
-ماذا ؟
قالتها بأستنكار شديد لأجز عنقها بحركة سريعة كما فعلت مع الاولى لتسقط ارضاً غارقة بدمائها الصمت هو الذي استولى على الاجواء وسط دهشة الجميع لأنطلق نحو احد الممرضين اهجم عليه بوحشية مقطعة وجهه بالشيفرة الحادة وما ان خرج الجميع من صدمتهم حتى امسكني اثنان والثالث اكال اللكمات لبطني بلا رحمة ، كانت الالم يقطع احشائي لكنني لم اهتم لأن رغبتي بالعيش كانت اقوى من اي الم تجرعته في حياتي ، بالرغم من تحطم عظامي لشدة ضرباتهم وتورم احدى عيناي التي تشوشت الرؤية بها وباتت عمياء الا انني قاومت وحاولت بقدر استطاعتي ان اتصدى لهم ، وبالنهاية تم انتزاع الشيفرة مني وقبل ان يهم احدهم بصعقي هجم المرضى على الممرضون سادت حالة من الفوضى العنيفة ، لم اجد حلاً سوى ان اقطع لحمهم بأسناني كما فعل بقية المرضى !
كان الاحمر القاني هو كل ما يملئ المكان ثم تساقطت جثث الممرضون ليأتي المزيد والمزيد وانا وسطهم فقدت ادراكي وحواسي ، ملئني الذعر وضيقة القلب ، وكأنني اشهد احدى ملاحم جهنم ! كل شيء كان احمر حتى انا كل من حولي حملت وجوههم وجه عمر ، اجل ذاته ابي ذو الرأس المحطم ، الكثير من الايادي تكيل الي اللكمات وتمسكني مقيدة اطرافي وانا جالسة على الارض اقاوم بعنف ، نيفين بات صوتها سيمفونية مزعجة ترددت بالارجاء ، كل ما حولي كان متشابهاً ولم اجد نفسي الا وانا اهاجم بعنف ، اهاجم والدي بتلك المطرقة واهوي بها على رأسه مجدداً ومجدداً ومجدداً ، ارى نفسي اضرب وجه نيفين وأحوله الى كتلة حمراء بلا ملامح لتظهر اجساد اخرى تحمل وجهها حتى تمكن مني التعب واغرقتني دماء الاثنين اللذان كانا يعودان للحياة بعد كل مرة !
وكأن طريقة موتهما تتكرر بلا توقف والقاتل في كل مرة كان انا ! حتى فجأة وجدت بين يداي ذلك الشيطان والذي انمحت ملامح وجهه وتحولت لكتلة حمراء ! بالنهاية كان كل ما يحيطني هو اجساد بلا ملامح واضحة فقط غارقة بهذا البحر الاحمر ، الاصوات حولي ممتزجة ما بين صراخ وعويل وبكاء ، همهمات وضحكات وهمسات ، كلها اختلطت ببعضها صانعة موسيقى مرعبة لا زالت تطن في اذني كلما رأيت تلك الاحداث في منامي مجدداً ولهذا انا لا انام ! ابقى مستيقظة لساعات ولساعات اتجرع القهوة المرة رغماً عني لأكسب نشاطاً يمنعني من النوم ، والفائدة كانت ان تجسد كل ذلك حقيقة ! تلك المجزرة تعاد كل يوم بتفاصيلها امامي ، غرفتي المتوشحة بالاسود سرعان ما تغرقها انهار حمراء قانية تحمل بين امواجها جثث بلا ملامح سرعان ما تستيقظ من موتتها تلك وهي تتوجه نحوي لتهاجمني مقيدة اياي بعنف توجه لي ضرباتها المؤلمة تلك حتى اكاد على فقدان وعيي واحبالي الصوتية لفرط علو صراخي ! نمت او صحوت لا فائدة ، لا زلتُ انا داخل تلك المصحة اقتل ابي ونيفين مراراً ليقيدونني ضاربين اياي ثم يفسحون المجال لذلك الشيطان الذي يعتليني طابعاً قبلاته القذرة على جلدي !
" سحبت نفساً عميقاً ثم تناولت سيجارة من العلبة بجانبها لتضعها بين شفتيها ثم اتكئت للخلف متناولة القداحة لتقوم بأشعالها وهي تتكئ على الكرسي لتسحب نفساً منها ثم تطلقه في الهواء لتراقب الدخان بشرود ، عادت للانحناء على الطاولة بعد برهة فقط لتضع السيجارة على طرف المنفضة "
في ذلك اليوم قادني زحام المرضى للخروج من الباب الخلفي بعد انقسامهم لنصفين ، فريق خرج من الباب الامامي وفريق من الباب الخلفي ، والذي كان يقود الى القبو ! كانت السلالم طويلة لذا بعضنا سقط وتسبب بسقوط من خلفه في النهاية وصلنا الى باب وفتحناه وهناك قابلنا مئات من الجثث التي كانت متكدسة بعشوائية فوق بعضها واغلبها كانت مجرد جيفة فارغة مشقوقة من منطقة الصدر حتى نهاية السرة لتكشف عن الفراغ الداخلي للجثة ! اي اعضائها لم تكن موجودة ، بعضنا تجمد من الرعب والبعض فقد وعيه والبعض اخذ يصرخ بلا هوادة بصوت عالي ، تقدمت انا بحذر بعد مرور اكثر من عشرة دقائق على وقوفنا ، وكنت لوحدي حيث عبرت من اكوام الجثث تلك اتعثر بها وصولاً للباب الخلفي لأفتحه واخرج متوجهة نحو الخارج علني المح مخرجاً . لا اعلم ان تبعني البقية ام لم يفعلوا كل ما اعلمه هو وقوفي في منتصف تلك الساحة الواسعة التي ضمت اكوام من الجثث المغطاة بأكياس قمامة متكدسة فوق بعضها كما في الداخل لأقابل ذلك الشيطان الاخر الذي ظهر في حياتي ولم يكن سوى الناب !
كان يقف بثبات وهو متوشح بالاسود ، نظراته الحادة تتفحصني بترقب وحوله رجاله الذين زاد عددهم عن العشرون ! وجميعهم يصوبون اسلحتهم نحوي ، خلال دقائق علا صوت الطلق الناري ثم توقف ليتبعه صوت يدل على سقوط عدد من الاشخاص ولم يكونوا سوى المرضى الذين رافقوني للخروج ، اشار الشيطان بذقنه نحوي ليتقدم اثنين من رجاله والبقية اخفضوا اسلحتهم ، كانت اشارة واضحة لكونه يريدني انا فقط !
كلاهما امسكا بي واجتراني نحوه وانا اترنح بين يديهما اقاوم بوهن ورائحة الدم قد ملئت انفي لدرجة كدتُ بها على فقدان وعيي ادار هو ظهره لي ومشى امامي وهما اقتاداني خلفه وانا كالبهيمة امشي طوعاً اقاوم تلك الظلمة التي بدأت تغشى عيناي ، حركت يداي كثيراً حتى توقفا عن المسير يشدانني بقوة مهيجان بذلك جميع مواجعي حتى افلتُ يداي وسقطت ارضاً بينهما اتنفس بصعوبة بينما هو لم يتوقف ولا لثانية واحدة وهما كانا يتناقشان فوق رأسي بما لا افهمه ليمسكني احدهما من ياقتي من الخلف ويجرني بصعوبة على الارض ، لمحت عيناي جثث اولئك المرضى والذين منظرهم لا يقل عن من بالداخل لأدرك ان نهايتي ستكون مثلهم ، رُميت امام قدمي ذلك الشيطان لأتكئ على يداي بوهن وقد بدأتُ استعيد ادراكي قليلاً ليخاطبني بصوته الرخيم ذاك والذي عكس كل ذرة شر بداخله :
-من الان وصاعداً ستكونين انتي احدى الكلاب التي اعطف عليها واربيها لحاجتي المؤقتة لها فضلاً عن كونكِ بشكل ما تهمين ادهم لذا ابقائكِ عندي هو الصواب سنرى ردة فعله حينما يُرسل رأسكِ اليه .
حينئذ لم اركز بكلامه كثيراً ولكن كل ما ركزت به هو " ادهم " ان خرجت الان وبحثت عنه اكيد سيساعدني سيحميني مجدداً ولن يسمح لأحد بأبعادي عنه ! تحرك تلك القدمين الطويلتين من امامي وعاد ذلك الذي بجانبي لشدي من ياقتي مجتراً اياي كالشاة نظرت لجانبي لأرى صاحبه الذي كان يمسك سلاحه بيده التي على جهتي !
تلك كانت فرصة ذهبية لا تعوض وكل ما بخطر بذهني وقتها هو ما ان اتخلص من هؤلاء حتى اجد سبيلي نحو ادهم ، بلا تفكير اخذت المسدس واطلقت عليه وفعلت المثل مع الذي بقربي ، وقفت على قدماي اصوب بالمسدس نحو الامام حيث وقف الشيطان يشاهدني بدهشة عقدتُ حاجباي واخذت نفساً عميقاً وانا اتذكر المرة الاولى التي امسكت فيها سلاحاً ، كانت يدي ترتجف لذا اسندتها بالاخرى ، تقدم رجلان من جماعته نحوي حينها صدح صوت عقلي قائلاً اما اقضي عليهم او تنتهي حياتي ولسبب ما عادت ملامح ادهم للشروق في مخيلتي فأطلقت دون تفكير .
كان صوت الطلق الناري قد عاد للصدوح من جديد مخلفاً تساقط تلك الاجساد الموشحة بالسواد ، لا اعلم كم قتلت ولكن لم يبقى سواه هو ، ذلك الشيطان ذو النظرات الماكرة ضغطت الزناد مجدداً وانا اقاوم الصفير الحاد في اذناي تتسلل لانفي رائحة الدم المخلوطة بالبارود ، ضغطت مراراً بلا فائدة فلسبب ما لم يكن الرصاص يصيبه على الرغم من كوني اصوب عليه وهو لم يتحرك من مكانه انش واحد حتى !
بعدها تقدم ببطء نحوي وانا اضغط بأستمرار بلا وعي متأملة حدوث شيء حتى التصق صدره الضخم بفوهة المسدس ! هل هذا الشيطان احدى هلوساتي ! ايعقل انه ليس حقيقي ! لا اعلم مالذي حصل وقتها كل ما اعلمه هو انني لسبب ما غبت عن الوعي ولم استيقظ الا بعد مرور اسبوع !
الان ادركت ان الرصاص قد نفذ وقتها وانني تمكنت من قتل ستة عشر رجلاً من اصل عشرون من رجاله بعد ان انقسموا الى قسمين ، قسم سبقوه ممهدين له الطريق خوفاً من قدوم الشرطة والقسم الاخر بقي تحت إمرته !
والان يا مذكرتي العزيزة وبعد تلك المجزرة بقيت لشهر كامل اخضع للعلاج في المشفى ، حاولت الهرب بكل الطرق حتى انني لم اتوقف عن القتل بطرق هجمية لدرجة تسببي بمقتل خمسة اطباء وعشرة ممرضات وسبعة ممرضين واربعة عشر اخرون جرحى جراحات بليغة ! من كان يتوقع تحطيمي لأرقام قياسية في مجال لم يخطر ببالي يوماً !
مع ذلك ازدادت الحيطة حولي وزادت الحراسة وفشلت كل طرقي للهروب واستسلمت .
الناب لم يكن خصماً عادياً كان ذكياً وماكراً وذو شخصية كاسرة وحشيته انيقة وله قوة جسدية لم اتغلب عليها ليومي هذا ! هاجمته قبلاً كثيراً مسببة له جرح طولي على عينه اليسرى نزولاً الى خده ، اضافة الى خدش رقبته ويديه ، طعنته ذات مرة بأبرة سرقتها من الطبيب بعد تهديده ومرة ضربته على بطنه بلكمات متتالية حتى انني عضضت يده وكدتُ ان اقطع له اصبعاً ! كانت محاولات مستميتة آنذاك للتخلص منه ولكنه بطريقة ما كان هادئ ! حتى اليوم لا اعلم سبب كل تلك الرزانة وكل ذلك الهدوء الذي يحيط به وكأن لا شيء قادر على تعكير مزاجه الوردي الذي لطالما حسدته عليه ! بعد مرور شهر آخر تم اخراجي من المشفى وجلسنا لأول مرة نتحدث بهدوء وكان ذلك في السيارة الاشبه بالشاحنة الصغيرة ذات اللون الاسود والزجاج المظلل ، ابدى اعجاب ورغبة شديدين بي واصر على تدريبي لأكون ذراعه اليمنى كان قد ضمني رسمياً لعالم المافيا خاصتهم الذي يتسم بالرقي والكلفة ، يتخلصون من خصومهم بسهولة وبلا ترك ادنى دليل كما على حد قوله ان امبراطوريتهم هذه عريقة جداً لذا غالباً ما تعمل بقية المافيا بجانبهم طمعاً بالقوة ، شبكتهم عالمية تضم كل ما يحويه عالم الاجرام من تجارة مخدرات واسلحة وبشر اضافة الى القتل والدعارة والمتاجرة لذا سوقهم السوداء ضخمة ذات تعاملات واسعة ، اقتادني نحو فيلا تقبع في احد الاحياء الراقية ، هي ملك ل " اسماعيل تازار " رجل الاعمال صاحب الشركات ذات التعاملات العالمية في التجارة والاقتصاد عن طريق البحر ذو الاعمال الخيرية والقلب الطيب والاب الحنون لوحيدته " هيلدا " يتيمة الام ظاهرياً ، ولكنه حقيقة زعيم المافيا كما يقولون ومنصبه ينتقل بالوراثة اباً عن جد ولديه خمسة ابناء زنى هم يمثلون عيونه واذانه ويديه الضاربتين وعلى عكس توقعي الناب لم يكن ابنه بل هو مساعده الوفي والمعتمد عليه والمدير في حال غياب رئيسه مما يجعله محط كره بالنسبة لأبناء سيده ومصدر ارهاب وترويع في عالم الاجرام .
طبعاً حسب اطراءاته لنفسه فهذا الرجل يمتدح نفسه في اغلب كلامه كما انه ثرثار جداً مع من يحسبهم المقربين وعلى ما يبدوا بلمح البصر انا غدوت منهم ! ضيفني في الفيلا لثلاثة ايام منتظراً رضوخي له وهذا ما تحقق له بعد ان عقدنا صفقة فحواها انه سيمنحني عمارة كاملة وثروة طائلة لأعيش بها برفقة والدتي التي ستكون محمية طوال الوقت من قِبل اكثر رجاله قوة وثقة مقابل ان اصبح ذراعه اليمنى ، بالاحرى القاتلة الاجيرة خاصته !
التقيت بوالدتي بعد خمسة اسابيع ، كان لقاء لا يوصف ، لم اصدق حينها انني بين احضان والدتي من جديد فلم اتمكن من الحديث بل دموعي هي التي عبرت عني وقتها ، حينما صارحت والدتي بكل كبيرة وصغيرة بتردد وتوتر كمجرم قرر اخيراً الاعتراف بجرمه رفضت تقبل الامر وبقيت في حالة صدمة تحولت خلال ثلاثة ايام الى حالة من الخوف والذعر تلاها انكسار قلبها مني ورفضها لما انا مقدمة عليه ، خيرتها بين ان تجد حياة هادئة بعيداً عني او ان تبقى تحت حمايتي نسكن معاً ونعود كما في السابق .
توقعت ان ترفضني ان تضربني وتتبرأ مني ، لكنها اكتفت بمقاطعتي لأسبوع لتتصل بي بعد ذلك تعلن بقائها بجانبي . انه قلب الام كما يقولون ، ذلك القلب الذي لن تستطيع تعويضه لو فنيت اعز ما تملك ، فلا المال ولا الجاه ولا اي شيء بقادر على تعويض هذا الحنان الذي يعيدني طفلة كما كنت ، يذكرني ببرائتي التي خُطفت مني يوماً ، لطالما شعرت بالذنب لما افعله ، لما تعرضت له امي وحيدتي واختي ودنياي بأسرها من حالة نفسية بسببي ولم تخرج منها الا بتناول المهدئات حتى اتخذتُ قراراً بعزلها بعيداً عني كنتُ سأفعل من اجلها لتنعم بحياة طبيعية ، لتتخلص من كل هذا الغم الذي اثقل كاهلها ، لكنها لم ترضى وبقيت بجانبي تداوي جروحي متجاهلة جروحها .
"التقطت سيجارتها مجدداً وسحبت نفساً عميقاً لتطلقه بهدوء ثم اعادتها حيث كانت واتكئت على يسراها تدلك جبهتها بخفة لتدعك عيناها وتكمل "
حدث الكثير خلال تلك الفترة ، خضعت لتمارين قاسية ، انها كجحيم ربما اكثر شراً حتى وفي كل مرة يتم تهديدي بوالدتي ان لم انفذ سُتقتل وهكذا وجدت نفسي في دوامة كبيرة ، اعيش حالة من القلق المستمر ، اراقبها اينما تذهب امشي خلفها كالحارس الشخصي واسهر على راحتها ليلاً ، ابذخ ما لدي من اموال لأسعادها لكنها ترفض ، ترفض استخدام تلك البلايين التي تُدر علي كمكافئة وتكتفي بما تجنيه من محل صنع المخبوزات الذي يقع في اخر الشارع !
بعدها وُكلت الي مهمات بسيطة كالتخلص من اشخاص معينين دون ترك ادنى دليل لتتحول المهمات الى اصعب بعد اقتناص الشخصيات المهمة في المجتمع والتي قد تؤثر بشكل من الاشكال على اسماعيل واعماله .
"اتكئت على يدها مجدداً بجبهتها وعادت تزفر مكملة "
الالم كما هو بداخلي ، يحطم بقسوة كل ما يطاله من قلبي حتى لم يعد لدي احساس ، فقط فجوة فارغة تقبع بداخلي كثقب اسود تبتلعني ببطء ، عقلي يوماً بعد يوم يفقد نفسه لم يعد يعرف ما هو الحقيقي وما هو المزيف ومالذي يجري ، عيناي لا تريان سوى الاحمر والاسود اينما حلت وارتحلت واذناي اعتادتا على موسيقى الصمت لدرجة ان ادنى صوت يسبب لي صداعاً عنيفاً ، اختلط الحابل بالنابل ولم يعد ليلي كنهاري كلاهما مجرد وقت سرمدي ، والان اكتب في هذه المذكرة للمرة المئة على التوالي ماذا كان ذنبي بالضبط لأكون هكذا ؟ هل انا من الاحياء ام من الاموات ؟ هل هذا هو الجحيم ام هي الدنيا ؟ ما هو الوجود واللاوجود ؟ لما كان علي التواجد في هذا العالم ؟ حتى نفسي القديمة مع ذكرياتها قد رحلت ، وجهي لم اعد اذكر تفاصيله او كيف يبدو حتى فآخر مرة نظرت بها للمرآة لم ارى سوى كتلة حمراء تتحرك وجسد هزيل مغطى بالاحمر ، لا يصلني من اعماقي سوى ضحكات ولا ارى سوى مشاهد مشوهة كانت يوماً من اجمل ذكرياتي ! بذلتُ جهداً كبيراً لأستعادتها لكنها سرعان ما تتحول لصور فظيعة مغطاة بالاحمر لأجسام بلا ملامح .
" توقفت عن الكتابة تحدق الى الصفحة بصمت لتسقط القلم من يدها بوهن وتلتقط سيجارتها لتدخنها ببطء ، حاولت تذكر متى بدأت التدخين تحديداً لتدمنه هكذا ! لربما قبل عام او قبل شهر لا تذكر لكنها لسبب ما تعشق ذلك الالم الذي سببه في قلبها عندما تجرعته لأول مرة فهو احيا شيئاً بداخلها مؤكداً على كونها حية ولكن سرعان ما اندثر ذلك الشعور واصبح الدخان يدخل ويخرج مع الهواء دون ان يُحرك قيد انملة داخل صدرها لتوقن انها ما عادت من الاحياء من الآن وصاعداً وان تلك الاحاسيس قد قُتلت لتلحق بما قُتل بداخلها "
امتدت يد ذات انامل بيضاء طويلة تبرز عروق ظهر كفها الخضراء بشكل جميل لتضع تلك الصورة على الطاولة التي تمثلت برجل اسمر ذو ملامح صارمة بشعة تمثلت على شفتيه النحيفتين ابتسامة شيطانية شعره مسرح بطريقة مهذب يرتدي ملابس رسمية ثم وُضعت تلك اليد على كتفها ليصدح صوته الرجولي ذو البحة المميزة قائلاً :
-انه ضحيتكِ التالية .
لم تعلق واكتفت بتجرع ذلك السم بينما ترمق الصورة بأعين متسعة اندهاشاً ...
يتبع ......" القاعدة الواحدة والثلاثون "
"الدنيا دوارة كالدولاب فمفترس البارحة صار فريسة اليوم "***************************
وصلنا للفصول الاخيرة للرواية وقد تنتهي بعد فصل او اثنين 🤗🤗

أنت تقرأ
براءة مُدانة
Детектив / Триллерخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي