كانت طوال الطريق صامتة وهي تحدق من خلال النافذة بأعين دامعة شاردة وهي تتذكر منظر والدها لم يطلب منها السماح حتى ! كان المحامي يطل عليها بين فينة واُخرى ليقطع هذا الصمت قائلاً :
-اذا كنتِ تريدين هوية جديدة سأعمل لكِ على ذلك .
التفتت ناحيته لتمسح دموعها التي هبطت على غفلة منها قائلة بحدة وهي تعقد حاجبيها بغضب :
-اريد فقط تغيير اسم الأب .
أومأ لها إيجاباً ليكمل حديثه :
-سوف تكملين داخل السجن بضعة إجراءات ثم سنتوجه الى المخفر لأنهاءها لتأخذين مستحقاتكِ من الأموال .
تنهد ليراقب الطريق أمامه مضيفاً على كلامه :
-سوف يتعفن في السجن ويلقى جزائه وانا أفضل ان تقومي بتغيير هويتكِ كي لا تتعرضي للمضايقة .
اومأت بخفة وعاودت الشرود وقد لفها الصمت من جديد حتى وصلوا الى المستشفى لتنزل بخطوات مسرعة برفقة المحامي حيث ركبا المصعد متوجهان الى الطابق الثاني وصولاً الى غرفة ايلين .
فتحت نيفين الباب ودخلت لتقابل ايلين الجالسة على سريرها ترتدي بيجاما عليها أرانب بلا أكمام يدها مجبرة من الكتف حتى اخر إصبع ورأسها مضمد وانتشرت اثار زرقاء داكنة على عينها اليسرى التي فتحتها بصعوبة وشفتها كانت مجروحة وحمراء متورمة وفوق ذلك كانت تحدق الى الباب مستقبلة إياها بأبتسامة واسعة !
شهقت نيفين بصدمة واضعة يدها على فمها لتنطلق نحو ايلين متجاهلة الجالسين عندها معانقة إياها بقوة وقد وجدت دموعها مجراها للخارج وصلها صوت رجل يقول :
-على مهلكِ حالتها لا تسمح لأحد بالاقتراب منها حتى !
لكنها تجاهلته وأخذت تزيد بعناقها حتى علا صوت بكاءها لتشعر بيد صاحبتها تمسد على ظهرها حتى أبعدت وجهها محدقة الى الاخرى التي تبتسم بهدوء والتعب يبدو جلياً على وجهها المصفر فضلاً عن الهالات السوداء أسفل عينيها .
همست نيفين من بين دموعها مبتسمة :
-براءة .
ثم تجعد وجهها باكياً لتضع الاخرى يدها على وجنتها قائلة بصوت بالكاد يُسمع :
-كنتُ متأكدة من ذلك .
مسحت لها دموعها وقالت بذات الهمس فالتعب كان قد أفنى طاقتها وكانت تجاهد لتتكلم بكلام مفهوم على الأقل :
-لأعرفكِ على عائلتي .
ثم اشارت بيدها السليمة نحو شبيهتها الجالسة بقربها على الأريكة قائلة لنيفين التي تطالعها بأهتمام :
-هذه أمي .
اومأت لها لتشير لها الاخرى برأسها دلالاً على الترحيب ثم اكملت ايلين:
-بقربها خالتي فهيمة و ..
-سليم .
قالتها نيفين ليحدق نحوها رافعاً حاجبيه بتعجب لتكمل الاخرى بلا اكتراث :
-وهذا عمي يحيى زوج خالتي فهيمة .
اومأت له ليفعل المثل لتتكلم الاخرى مخاطبة اياهم :
-هذه صديقتي نيفين واليوم خرجت براءة .
-مبروك لكِ يا بنيتي .
قالتها فهيمة لتومأ الاخرى بخجل ثم وصلها صوت سليم بفضول :
-مبارك لكِ ولكن هل نعرف بَعضُنَا ؟
حدقت نحوه بأبتسامة ماكرة قائلة :
-احدهم يتحدث عنكَ كثيراً .
ثم غمزت ايلين بعينها لتنمو على شفتيه ابتسامة مندهشة بينما حدجتها رفيقتها بأنزعاج هامسة لها :
-لا ترفعي سقف اماله عالياً .
لم تكترث وأمسكت يدها السليمة قائلة :
-مالذي جرى الان وما هي علاقتكِ برسلان ؟
قالتها بحدة لتقول ليلى بضياع وكأنها قد مرت بصدمة اخرى :
-ومن رسلان هذا ؟
عدى انها لم تتلقى جواباً بينما تحدثت ابنتها وقد تنهدت بضيق محاولة الاعتدال بجلستها :
-صدقيني حتى انا لا اعلم من رسلان بل فقط فقدت وعيي واستيقظت على هذا الحال !
-لا تكذبي يا فتاة !
صاحت بها لتجيب الاخرى بتعب :
-اقسم لكِ بذلك كل ما حصل هو ..
ثم ابتلعت ريقها بتوتر لتتكلم أمها بنبرة اوشكت فيها على البكاء :
-قولي يا ابنتي منذ أسبوع وقلبنا يحترق عَلَيْكِ فأنتِ فقدتِ وعيكِ لخمسة ايّام ولَم تستيقظي سوى البارحة فقط !
شهقة متفاجئة غادرت ثغر التي أمامها لتحدجها بغضب لتقول المعنية بعد ان قررت الإفصاح اخيراً عما حصل :
-فقط خرجت من المرسم باكراً ووجدت في وجهي شلة مكونة من سبعة فتيات أخذن يشتمنني .
ردت الاخرى :
-وهل أنتِ بهذه القوة لتمنعينهن من شتمكِ ! لما لم تتجاهلينهن ببساطة ؟
أجابت الاخرى :
-لقد فعلت !
-إذن ؟
رفعت حاجباها منتظرة الإجابة لترد الاخرى بعصبية وقد علا صوتها قليلاً :
-دعيني اكمل فقط ولا تقاطعيني .
صمتت الاخرى لتزفر انفاسها بضيق لتكمل :
-عندما قمت بتجاهلهن التتمن حولي وابرحنني ضرباً ثم فقدت وعيي وانا لا اعلم مالذي جرى حتى استيقظت البارحة وعدت للنوم من جديد والآن فقط وعيت وادركت انني في المشفى !
-ماذا عن رسلان ؟
-من هذا واللعنة ؟
قالتها بحدة وعصبية ليصل الى إذنها صوت بكاء والدتها وهي تخاطب احمد الواقف والذي اقترب اخيراً من ايلين متحمداً لها بالسلامة :
-الست محاميها ؟ أليس من المفترض ان تخرجها براءة ولو بألف طريقة تستطيع فعل ذلك ، هل يعجبكَ الذي يحل على رأس صغيرتي ؟ ستموت قبل حتى ان نتمكن من اخراجها !
-لا سمح الله لن يحدث ذلك .
قالها سليم مربتاً على كفها لتقول ايلين :
-أمي لا داعي لكل هذا لدي من يحميني داخل السجن .
أخذت تلطم فخذيها غير مكترثة لتقول نيفين :
-هذا صحيح يا خالتي لدينا كورت ستحميها فهي قوية جداً .
ثم نهضت وجلست على ذراع الأريكة لتهدأها عدى انها نهضت وجاورت ابنتها ضامة إياها وهي تبكي لتربت ايلين على ظهرها بيدها السليمة ، حتى هدأت قليلاً حينما دخلت الممرضة حاملة صينية الطعام مع الدواء لتقوم ليلى بأخذها وتقوم بأطعام ابنتها بنفسها ، وخلالها لأول مرة تعود ايلين لجوها العائلي القديم من نكات واحاديث وطرائف واستكانت قليلاً ونسيت تلك الأوجاع التي خدرت جسدها ، كان هاتفها مغلقاً لم يمسه احد لذا ناولتها إياه والدتها وحالما فتحته وجدت العديد من الرسائل على تطبيق انستغرام ولَم تقم بالاجابة عليها فلقد بلغت المئتان لذا نشرت منشور كتبت فيه انها بوضع حرج واعتذرت عن تواصلها مع اَي احد ثم أغلقته وأخذت تنظر الى عائلتها فرداً فرداً ولَم يخفى عليها نظرات سليم المنكسرة نحوها .
******
حل المساء سريعاً ولا زالت العائلة في المشفى عدى انهم جلسوا في الكافتيريا تاركين المريضة لوحدها عدى سليم الذي فضل الانتظار امام غرفتها ، انسجمت نيفين سريعاً مع ليلى وصديقتها فهيمة حتى انها حادثتهما عن كل كبيرة وصغيرة من حياتها ولأن ايلين اوصت عليها فلقد وعدتاها بتدبر امرها ، يحيى كان جالساً برفقة صاحبه احمد الذي كان يحاول إيجاد اَي احد من معارفه في سجن النساء ليتمكن من توفير الحماية لموكلته حتى تخرج .
اما في مكان اخر وتحديداً في غرفة المريضة التي كانت تئن من الالم فلقد تلقت حقنة اخرى عن طريق المغذي علها تهدأ قليلاً ، توجهت سوداوتيها نحو الأسفل حينما دلف سليم وحده حاملاً صينية استقر فيها كوب شاي مع بعض الكعك ، ابتسمت بوهن ليضع ما بيده على الطاولة قربها ثم حملها برفق من الجهة المعاكسة ليدها المصابة قائلاً بمرح :
-كفاكِ نوماً يا جميلة عَلَيْكِ ان تأكلي شيئاً .
ثم حمل الصينية مجدداً بعد ان أسندها جيداً ليجلس بجانبها مطعماً إياها كعك الشوكولاتة الذي تحبه بينما يده الاخرى استقرت خلف رأسها حيث داعب بكفه بعض خصيلاتها الخارجة من الضمادة ، اكلت بصعوبة ثم رفضت تناول المزيد ليزيح الصينية عن حضنه واضعاً إياها على الطاولة بعدما ناولها كأس الشاي خاصتها .
كانت أنظاره مثبتة عليها وهي فقط تحدق الى الامام لتتحدث بعد لحظات دون النظر اليه :
-هل لَكَ ان تبتعد لا اشعر بالراحة هكذا .
تنهد ولَم يجب لتنظر له بحدة الا انه أخذ ينظر بداخل عينيها بتحدي والعشق يملأ نظراته ثم أخذ يقترب منها محاولاً قطع السنتيمترات القليلة بينهما لتتكلم بغضب عاقدة حاجبيها :
-انا لا احبك هكذا يا سليم ومن المستحيل ان اتقبلكَ ولو بشكل من الأشكال .
كانت نظراتها مصوبة كالرصاص نحوه بينما هو حدجها بقلة حيلة وقد دمعت عيناه بقهر :
-ولكن لماذا اعطيني سبباً يجعلكِ ترفضينني ، عيباً في يمنعكِ من القبول بي .
احمر انفه وكاد على البكاء لتشيح هي بنظرها عنه ليكمل وهو يمسك كفها :
-اعدكِ ان أكون لكِ سنداً يحميكِ ويفديكِ بروحه وعمره وحياته ولكن فقط اقبلي بي يا ايلين صدقيني احبكِ ولن اؤذيكِ لن أكون مثل والدكِ يوماً ، لن أتجرأ على مجرد التفكير فقط بأذيتكِ اعدكِ بذلك .
ضغط على كفها لتتنهد بضيق ثم حدقت نحوه تطالع دموعه لتسحب يدها من يده وتمسحها له برفق ثم تحدثت مبتسمة :
-لا اراكَ اكثر من اخ لي .
-لا يهم سنتزوج ثم يمكنكِ ان تحبيني كما تشائين .
قالها بلهفة لتبعد يدها عن وجهه واضعة إياها في حضنها مجيبة إياه :
-لا يمكنني فقط ، لا أستطيع إعطائك سبب معين ولكنك لست لي لا تناسبني ولا ابغاكَ لا أستطيع إيصال مشاعري اكثر من ذلك ولكن جميع ما بي يرفضكَ لأننا لا نناسب بَعضُنَا .
جمدت نظراته عليها ولَم يجد ما يقوله لتكمل حديثها بعد ان لعقت شفتها :
-لا اريد ان اجرحكَ ولا اريد ان اجعلكَ تحزن ستتزوج يوماً ما من فتاة أنتَ تحبها وهي تحبكَ صدقني .
-أنتِ حبي الاول وما بعدكِ حب يا ايلين .
صمتت ولَم تدري بماذا تجيب لتقول ككلمة اخيرة :
-دع كل شيء للمستقبل يا سليم اذا كنتُ من نصيبكَ ستجدني زوجتكَ بلمح البصر ولدينا الكثير من الأولاد ان لم أكن لَكَ حينها لا يمكنكَ الاعتراض على كلمة القدر ولن تتوقف حياتكَ عندي بل ستتزوج وتمضي قدماً .
أجابها بابتسامة واسعة :
-ان شاء الله ستكونين ملكي وزوجتي وأم أولادي الخمسة عشر أيضاً .
ابتسمت بحرج واشاحت بنظرها لتتكلم وهي تنظر اليه :
-لكن لا تتجاوز حدودكَ معي أبقى كما انت هكذا .
أومأ لها ليطبع قبلة على وجنتها لتحدجه بغضب :
-لا تجاوز يا سليم لا تلمس مني شعرة ولا تجبرني على التغير ناحيتكَ .
-اعتذر لم اقصد ولكنكِ تعرفينني جيداً جداً وتعلمين كم أنتِ عندي غالية ومن سابع المستحيلات ان امسكِ بسوء .
لم تتغير نظرتها نحوه ليومأ برأسه قائلاً :
-امركِ يا جلالة السلطانة لن ازعجكِ بأي شكل من الأشكال ولكن حينما تصبحين زو..
-اريد ان اوصيك على نيفين .
قاطعته متعمدة ليصمت مستمعاً لها حيث اكملت بكل جدية :
-اعلم ان بداخلكم رفض كبير نحوها خاصة ان تلك المقاطع قد انتشرت حديثاً ولكنها فتاة مظلومة لا حول لها ولا قوة لذا عاملها بلطف وقف بجانبها دوماً فكما أنتَ تؤمن ببرائتي عليكَ الإيمان ببرائتها أيضاً .
-حاضر كما تأمرين .
ابتسمت له بهدوء لتعود لأكمال شايها حيث قال بعدها بجدية تعلو ملامحه :
-اياكِ وان تخافي مني يا ايلين فأنا لستُ مثل غيري ولن أكون مثلهم أبداً لذا رجاءً كفي عن وضع كل هذه الحواجز بيننا .
-ما دمتُ اثق بكَ لا تكترث للباقي .
صنعا تواصلاً بصرياً وكانت هذه المرة الاولى التي يشاهد فيها سليم سوداوتيها عن قرب خاصة مع هذه النظرات الهادئة والرونق الغريب الذي يعتليهما اما هي فلقد كانت ضربات قلبها متوترة لهذا القرب الا انها عند نقطة ما وجدت نفسها تهدأ وهي تتأمل عينيه لترى كل هذا الحب موجه نحوها لتشعر بالذنب يفتك بقلبها حيث سمعت صوتها الداخلي يخاطبها بعتب :
-"بدل ان تصديه عنكِ أعطيته المزيد من الأمل الزائف ما ذنب قلبه ان كُسر يوماً بسببكِ ؟"
أزاحت أنظارها عنه ليسألها هو :
-هل تريدين المزيد ؟
نفت برأسها ليعاود السؤال مائلاً برأسه نحوها :
-هل تسمحين ان الاعب خصلات شعركِ ؟
طالعته بطرف عينها لتنفي برأسها فصمت ولَم يعلق ثم سحبت نفساً عميقاً لتقول :
-اذا كسرت قلبكَ يوماً فأريدكَ ان تسامحني وإذا في يوم من الأيام اضطر فيها لرفضكَ أو ايذائكَ فلا تغضب مني ولا تلوم نفسكَ واعلم إِنَّكَ بشكل من الأشكال تهمني مثل الخالة فهيمة وعمي يحيى .
عادا لصنع تواصل بصري بينهما ليومأ برأسه قائلاً :
-لا تشغلي بالكِ فقلبي هذا لن يغضب من نبضاته التي تحييه ولو فارقته لأمد طويل .
عادت للتنهد وهي تنفي برأسها بقلة حيلة ليقول مستمراً بأغاضتها :
-سأبقى احبكِ ولو مرت الف سنة وفِي كل صباح يتجدد حبي لكِ كأنه ولد من جديد .
كانت تحدق اليه بطرف عينها ولَم تعلق وحتى لم تبتسم بخجل كما توقع عقله بل تصرفت بأعتيادية وبرود لتعود لرشف شايها ببطء لتتكلم بعد لحظات بحدة وهي تحدق اليه :
-اذا خرج ابي يوماً من السجن وطالت أنامله أمي ولَم أكن موجودة فلا تتردد في قتله أبداً يا سليم .
كانت عيناها تحملان نظرة غضوبة وحادة بينما ابتلع هو ريقه قائلاً ببسمة خفيفة :
-لن يحصل هكذا شيء ان شاء الله .
ردت بحنق :
-ليكن بعلمكَ انه اذا حدث لوالدتي شيء فأقتل والدي وانتَ من بعده وادفنكما بقبر واحد ولن أتردد وقتها أبداً .
اكملت :
-حاولوا إبقاءها عندكم الى حين خروجي عندها انا سأتصرف .
-لن يحدث شيء اطمئني انا أفدي عمتي بروحي الى حين خروجكِ كل شيء سيكون على ما يرام .
عاد السكون يحاوطهما من جديد بينما اكملت هي كوبها ووضعته على جنب ثم ساعدها سليم لكي تنام على ظهرها ثم اغلقت عينيها بتعب الا انها لم تنم بل مددت جسدها فقط بينما هو جلس في مكانه قربها يده تحاوط رأسها متكئاً عليها ولَم يشأ ازعاجها بشيء اكتفى بمراقبة عينيها التائهتين وهما تحدقان الى السقف بشرود حتى نامت بعد دقائق وهي فاغرة فاهها تتنفس من خلاله .
قبل رأسها بقبلات متتالية ثم غطاها جيداً واتكئ بخده على كف يده ناظراً اليها بأبتسامة وعقله يثني عليه قائلاً :
-" احسنت ، بدأت تحرز تقدماً ملحوظاً "
وكانت تلك العين تراقبهما من فتحة الباب المواربة ، ولَم تكن سوى نيفين التي رأت وسمعت كل شيء بعدما جاءت صدفة ترغب بالاطمئنان عليها لأخر مرة ، ابتسمت على شكلهما ثم قالت بصوت هامس :
-أنتِ غبية فعلاً بخسارتكِ له يا ايلين لو كنتُ مكانكِ لطلبت يده على الفور.
من ناحية اخرى وفِي مكان اخر داخل سجن النساء كُن الشرطيات ينقلن سبعة اجساد محطمة لكثرة الضربات التي تعرضت لها الدماء تملئهن من رأسهن لأخمص قدمهن وملامحهن مشوهة بالكامل ، تم نقل السبعة الى الإسعاف حيث قدمت ثلاث سيارات لأخذهن للمستشفى ، اما بداخل السجن فلقد كثر القيل والقال عن ما حصل وانهمرت الأسئلة على رؤوس النسوة كسيل عارم ، من ضمنهم صباح التي كانت مرتاحة لما حل بتلك الشلة وكورت التي كانت تعتقد ان ايلين تخفي عنهن شيئاً وهيلين التي كان عقلها ضائعاً في بحر عميق ، وفِي داخل السجن الانفرادي قبعت رسلان داخله تحدق الى يدها الملفوفة بالضماد ثم سرحت بنظرها نحو الحائط لتستذكر ما حصل صباح الْيَوْمَ .
******
سجن النساء :(9:088am):
كانت رسلان تتجول في داخل المبنى الخاص بالحياكة تخاطب النسوة بأحاديث الغزل والمزاح المبتذل كالعادة حتى خرجت وتوجهت نحو الحديقة في الجزء القابع امام مبنى الرسم ، حيث قطفت زهرة وجدتها مختلفة عن اخواتها ولَم تشعر بأشواكها التي غرزت كفها سوى بعد فوات الاوان حيث سال الدم من كفها ، لم تكترث وأخذت تستنشق عطرها الأخاذ ثم دلفت للداخل ولَم تجد أحداً سوى ايلين التي كانت منهمكة في الرسم ، لتخطو نحوها وتقف خلفها تشاهد رسمها الذي يبدو جميلاً نوعاً ما وذو فكرة غريبة ، كانت تضع عليها لمساتها الاخيرة ما ان انتهت حتى علقت رسلان قائلة :
-أنتِ مبدعة جداً ايتها الصغيرة .
جفلت الاخرى من وجودها وأخذت تحدق اليها لبضعة دقائق بخوف بينما أخذت رسلان تحرك الزهرة امام وجهها بنصف ابتسامة لتكمل مخاطبة التي أمامها :
-حينما تصبحين أمهر قومي برسمي لتخلدي وسامتي .
تحدثت المعنية بعد لحظات وهي ترمق يدها المغطاة بالدماء :
-أنتِ تنزفين !
تركت ما بيدها بينما ردت الاخرى ساخرة :
-وان يكن ؟
ثم تحركت لتجلس على احدى الكراسي تحدق الى اللوحات التي تملأ المكان وهي تمرر الزهرة على انفها بغنج لترد ايلين وهي تتقدم نحوها ببطء :
-ولكن هذا خطير !
وقفت على بعد مسافة قليلة بينما المقابلة كانت ترفع حاجباً وهي تحدجها بهدوء ولا زالت تلك الابتسامة تعلو شفاهها لترد بثقة بصوتها الحاد :
-لا خطر على حياة الأسد .
ثم تجاهلتها كلياً وهي تولي اهتمامها تلك الزهرة التي كانت سوداء اللون ! وهذا الذي ميزها عن شقيقاتها الحمراوات .
خرجت ايلين من المكان وبقيت الاخرى شاردة بما حولها للتتفاجئ برجوع ايلين بعد مضي فترة من الوقت وبيدها صندوق إسعافات أولية ثم وقفت امام رسلان قائلة بتردد :
-يجب ان تعقميها كي لا تلتهب .
-إذن قومي بذلك ايتها الممرضة .
ردت عليها لاوية شفتها بسخرية وهي تمد كفها الغارق بالدماء نحوها لتجر الاخرى كرسياً وجلست أمامها وباشرت بمداواة يدها برقة وما ان انتهت حتى قبضت رسلان بحدة على معصمها مقتربة منها قائلة وهي تطالعها بشراسة :
-طيبة قلبكِ وهذه السذاجة التي تتمتعين بها ستنهي حياتكِ يوماً ما وهذا المكان ليس لأمثالكِ اذا أردتي العيش اعتادي على سفك الدماء أولاً لا مداواتها .
ثم تركتها لتنهض الاخرى وتخرج من المكان بأسره ، ورسلان بقيت تتأمل يدها بأبتسامة غريبة .
*****
استفاقت من شرودها ثم نهضت وتمددت على سريرها ولا زالت تلك الوردة تحتل أناملها ولا زالت تفكر بتلك الطفلة وكم بدت ساذجة الى حد كبير ربما ، منذ صباح هذه الحادثة لحد الان وهي لا تفارق ذهنها حتى وجدت نفسها تغط تدريجياً بنوم عميق .يتبع
"القاعدة العاشرة "
" كل ما يمر بك من مواقف وكلمات وأفعال من أشخاص معينين قد تشعرك بقيمتك وكيانك ولكن تذكر كلها ستزول ولن يبقى منها سوى اطلال ذكريات مهترئة لذا لا تتعلق بها كتعلق القرد بالشجرة !"

أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mystery / Thrillerخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي