#ايلين :
مر يومان على خير ما يرام انشغلنا فيها بزيارات الجيران لنا لغرض الترحيب والتعارف فبالنسبة لهم الان نحن الزوجان " شاهزادة " و " مراد " اللذان تزوجا بعد قصة حب درامية والتي اختلقتها انا بعد قول الحقيقة مضللة ببعض الكذب ، فمثلاً انا خريجة معهد فنون يتيمة الأب زوجي العزيز كان جاري الأعزب الذي بادلني الحب بصمت حتى تقدم لخطبتي ، اغلب الأحيان كنتُ أقود دفة الحديث لكون زوجي العزيز فاشل في الكذب .
بطني الكبيرة اوهمتهم انني في شهري السادس وطبعاً امي لم تحتج الى هوية مزيفة أو اسم جديد بل كل ما كانت بحاجته بشدة هو مكياج ثقيل لتغطية تلك الاثار الشنيعة التي تكاد تجعلها مشوهة الوجه كالمسوخ اضافة الى صديقات جديدات تأقلمت معهن بسرعة واستقرت نفسيتها ، علي يمر علينا بين فينة واُخرى لكي يوصل لنا آخر اخبار قضيتي ولا شيء جديد ، اما الْيَوْمَ فلقد قررنا ان نجعل هذا الزواج حقيقي ورسمي بشكل تام وبأسمائنا الحقيقية لذا توجهنا نحن الأربعة نحو المحكمة لعقد القران ، تنكرت كالمعتاد ولكن تخليتُ عن البطن الكبيرة والعدسات الخضراء والجيد انني تدبرت التقاط صور بهذا الشكل لكي تسير الأمور على ما يرام ، ارتديت فستان ابيض قصير فوق الركبتين مع حذاء باللون ذاته ذو كعب متوسط الارتفاع امشي به بصعوبة ! والباروكة مظفورة وضعت بها بعض الورود البيضاء للزينة وبالطبع صبغت وجهي بمساحيق التجميل لتغطية ما به ، وصلنا سريعاً لنترجل من السيارة وانا اتأبط ذراع زوجي الحبيب الذي كان يبتسم ببلاهة ملفتاً الانتباه إلينا وطبعاً انا كنتُ محط الأنظار لكوني امشي بطريقة عجيبة ! تارة أعرج وتارة يُلوى كاحلي كما ان ساقاي ترتعشان !
والذي يزيد الامر سوءاً هو مشي سليم بخطوات واسعة لا أستطيع مجاراتها فبدى وكأنه يطير ! ولَم يصله صوتي وانا احاول ان اطلب منه بهدوء ان يخفف سرعته ، الضوضاء كانت منتشرة ، اْبواق السيارات من هنا والنَّاس من هناك سببت لي صداعاً الم قوي انتشر في قدماي اضافة الى كوّن الجبيرة تسبب لي حكة ! كدتُ إجن وسرعان ما تعكر مزاجي وصار أشد سواداً من الليل ولَم الحظ نفسي الا وانا اشتم بصوت عالي ، ملامحي شبه متيبسة فلم اعتد يوماً على كل هذا المكياج ولا زالت بشرتي تتحسس منه لأعاني من حكة في الوجه اضافة الى احمرار بشرتي وانتشار بعض البثور فيها ! وصلنا بعد عبور الشارع بسرعة غير آبهئين بتلك السيارات التي علت ابواقها وارتفعت أصوات أصحابها بالشتم والسب ناحيتنا ، دلفنا للداخل متوجهين جميعنا نحو مكتب المأذون ، فجلست مكشرة وجهي بألم وانا امسح بيدي السليمة على فخذاي اطالع سليم بحنق والذي سيطرت الفرحة على دماغه لتجعله يثرثر بلا توقف فوق رأس المأذون وبعدها اخرج جنسيته مع جنسيتي اللتان وضعهما في جيبه وسلمت امي جنسيتها بعد ان أخذت خاصة علي مسلمة إياها هي الاخرى بحكم كونهما الشهود .
خرج المأذون بعدها مقتاداً إيانا نحو قاعة صغيرة بعد ان ارتدى رداءه الأحمر لنجلس بجوار بعض وكذلك فعل علي وامي ، زال مني كل الحنق والالم وحل محله خوف وتوتر لا مبرر لهما جعل أطرافي ترتعش بخفة ، حدقت بطرف عيني الى سليم الذي جلس متأهباً كطالب مجد مثيراً ضحكي على منظره اللطيف فلم اشعر بنفسي الا وانا ابتسم بأتساع أكتم ضحكتي لكي لا نقع في موقف محرج ، وصلني صوت المأذون مبتدأً بالبسملة لأصب تركيزي نحوه حينها نظر الي ليقول برسمية :
-ايلين عمر ديمير هل تقبلين سليم يحيى زوجاً لكِ في السراء والضراء ؟
اومأت إيجاباً عدة مرات لانطق بصوت مرتعش واشعر بسعادة ورغبة ملحة بالضحك بلا مبرر تغمرني :
-بالطبع اقبل موافقة .
ثم حدقت نحوه لأرى فرحتي منعكسة على عسليتيه ليسأله المأذون :
-سليم يحيى هل تقبل ...
-اقبل .
أطلقت امي ضحكات عالية وانا حدقت بلهفة نحو المأذون انتظر ان يعطيني ذلك المغلف الأحمر لكي ارى ما بداخله فالفضول يقتلني ! لكنه نظر نحو سليم هازاً رأسه ليخاطبه معدلاً نظارته الزجاجية ذات الإطار الثخين والتي تتصل بسلسلة حول رقبته كالقلادة :
-اسمع السؤال كاملاً أولاً يا بني ثم أعلن موافقتك .
نظرت اليه لأرى الاحمرار يطغو على وجنتيه ليرد بصوت منخفض اظنه وصل للجميع مع ذلك :
-وما الفرق انا أعلنت موافقتي وانتهينا ؟
زفر القاضي انفاسه ليقول ناظراً نحوه :
-هل تقبل بأيلين عمر ديمير زوجة لك بالسراء والضراء ؟
-اقبل طبعاً اقبل واقولها ثلاثاً اقبل .
رفع المأذون يده بوجهينا قائلاً :
-تمام يا بني فهمنا كفاك قبولاً .
عاد للتنهد ويسط ضحكات والدتي وتحديق علي بِنَا بنظرة حنونة وكأن اب يودع وحيده في حفل زفافه.
ثم وجه سؤاله نحو الشاهدين ليُعلنا موافقتهما وأخيراً وضع الكتاب أمامنا فوقه قلم جاف لالتقطه وانا انحني عليه كطالبة تخضع لأمتحان مهم لأوقع ببطء ودقة وكأني اكتب شيئاً مهماً وما ان انتهيت حتى أخذ سليم القلم من يدي بحركة سريعة ليوقع ثم زَحَف الكتاب نحو والدتي ليناولها القلم بكياسة وما ان التقطتهُ حتى مد يده في جيبه مخرجاً علبة حمراء مخملية لأعض على شفتاي بسعادة وانا امد يدي ناحيته انتظر ان يلبسني إياه وهو لم يفتح العلبة بعد !
اخرج حلقة ذهبية ناعمة تتخللها احجار ملونة على هيئة زهرة صغيرة وجميعها باللون الأخضر الياقوتي فبدت خاطفة للأنفاس بهذا التصميم الجميل ، ليلتقط يدي اليسرى متجاهلاً الممدودة ليضع الخاتم في بنصري ثم اخرج الحلقة الاخرى والتي كانت ذهبية سادة بلا اَي تصميم ذات سمك عريض أعطاني إياها ماداً يده اليسرى لألبسها في بنصره بأصابع مرتجفة !
شابك بعدها أصابع يده بيدي مبتسماً ليناولني المأذون ذلك الجواز الأحمر والذي فتحته لأرى اسمينا ولكني كنتُ مكتوبة " ايلين يحيى اوزون " لتتوسع ابتسامتي حتى كادت تشق شفتاي لنصفين أو لربما كان وجهي سيُقسم الى نصفين ! نهض سليم شاداً إياي من يدي لأنهض معه حيث قال بلهفة بانت من صوته :
-هيا بِنَا لنرحل .
كان صف اسنانه العلوي ظاهر من ابتسامته البلهاء كخاصتي ولكنها اكثر اتساعاً لتبان أضراس العقل خاصته ! حينها تكلم علي بدهشة ناظراً نحونا :
-الليل لم يأتي بعد لما الاستعجال أيها العريس ؟
ثم غمز نهاية حديثه لينهض المأذون قائلاً :
-اجيال هذا الزمن حقاً كارثة .
ثم هز رأسه مجدداً لأزم شفتاي بخجل ليكمل علي :
-لكنني لم أوقع بعد !
عقدت حاجباي بأستغراب وقد تسارعت نبضات قلبي بينما احمر وجه سليم غيضاً ليصيح به :
-ومالذي كُنتَ تفعله كل هذا الوقت ؟
تحدث المأذون وقد أبدى دهشته هو الاخر :
-لقد أعلنت موافقتك كشاهد لما لم توقع إذن ؟
نظر للأسفل قليلاً ثم رفع أنظاره نحونا بأعين دامعة فهبط قلبي خوفاً بين قدماي شاركتني والدتي الهلع حيث بان من نظراتها المتنقلة بيننا نحن الثلاثة بينما سليم فتكاد مقلتيه على الخروج وقد احمر وجهه بالكامل ليكمل علي بطريقة درامية جداً وهو يبكي بأصطناع يكفكف دموعاً وهمية وقد جعل صوته رفيع النبرة :
-قلبي لا يقوى على الفراق ... لا أستطيع لا يسمح لي قلبي بتوديع ... -ثم أشار بسبابته نحو سليم بطريقة درامية مبتذلة -القلب لا يريد فراق من يصرف عليه الأموال اقصد من يمنحه حباً واهتماماً -ثم شهق عدة مرات وهو يضع ظهر يده فوق جبهته وهو يتلوى بطريقة غريبة جعلتني انفجر بالضحك اما المأذون فأخذ يتنهد بضيق ويستغفر كل ثانية وهو يراقب هذا الوضع ، امي تكاد دموعها على الخروج ووجها قد احمر بالكامل وصدى ضحكتها يتردد في الإرجاء وسليم يحدق بحاجب مرفوع ليترك يدي متجهاً نحو علي ضارباً إياه بقوة على رأسه ليتآوه الاخر بصوت اقرب للانثوي ! حقاً مهما تقدم به العمر لن يوقف مقالبه المبتذلة أبداً ! ثم تحدث محاولاً إظهار الحزن وهو يضع ملامح الجرو الحزين ملتفتاً نحو سليم بحركة درامية كما تفعل بطلات المسلسلات الرومانسية هذه الأيام :
-انا صاحبك تفعل بي هذا اتضربني يا سليم ؟- ثم أخذ يشير الى نفسه بسبابته بحركة عصبية ليهدر سليم بغضب :
-وقع واللعنة علي كفاك سخافة !
شهق الاخر بقوة موسعاً عينيه لبضعة دقائق ليمسك سليم كفه مجبراً إياه على أخذ القلم بيده ليجعله يوقع فأخذ يطلق ضحكات عالية فوقع بخط مرتجف ليفلت سليم كفه ليستمر الاخر بالضحك بلا توقف ثم تقدم نحوي ماسكاً يدي يشدني خلفه وانا أسير بصعوبة وقد انتابتني موجة ضحك لم استطع السيطرة عليها لأقل أرضاً موقعة زوجي العزيز الذي شاركني الضحك ثم تقدم علي نحونا جالساً على الارض يعانق سليم ويشده من قميصه عائداً لتلك الدراما المسرحية التي أكملها بصعوبة من فرط ضحكه وامي كانت تصورنا بهاتفها حتى مرت فترة قصيرة هدأت بها الهستيريا التي اصابتنا لأنهض بصعوبة أقاوم الم معدتي ألهث أنفاسي متكئة على سليم اتأبط ذراعه وعلي تأبط ذراع والدتي وما ان كدنا نخرج حتى صاح علي مفزعاً إيانا :
-مهلاً !
التفتنا نحوه ليقول سليم زافراً بضجر :
-ماذا الان ؟
تحدث علي راسماً الغرابة على ملامحه بأصطناع :
-ألن اتزوج ؟
أطلقت ضحكات ساخرة ليتنهد سليم قائلاً :
-تتزوج من يا روح أمك ؟
تحدث وهو يحدق الى والدتي بأبتسامة مغازلة :
-هذه الحسناء الأرملة بالطبع .
ضربته امي على كتفه بخجل لتحمر وجنتيها وانا اضحك ببلاهة عليه وبُت اتخيلهما وهما عروسين حقاً ! ليلوي سليم شفتيه ساخراً مجيباً إياه :
-افعل ما شئت .
ثم استدار يشدني خلفه ليصلني صوت والدتي تخاطب علي الذي أخذ يخطط لحفل زفاف ضخم خيالي قائلة بمرح لم اعهده يوماً في نبرتها :
-لما الزواج بهذه السرعة دعنا نتعرف أولاً ثم نتزوج فأنا اريد العيش في السويد .
التفت للخلف اطالع منظرهما وقد استغرقا بحديث مرح لأشعر بغصة الغبطة تعتلي عنقي وبدموعي تقف على طرف عيناي ، لم ارها يوماً سعيدة هكذا حتى ان شعرها الذي أخذ يتموج حول وجهها ومساحيق المكياج هذه جعلتها تبدو اصغر مني سناً !
وصلنا الى مطعم شعبي في احد الشوارع ليستقبلنا النادل بحرارة نحو احدى الطاولات لنجلس عليها ثم قدم لنا قائمة الطعام ليحوطني سليم بذراعه هامساً في أذني :
-اختاري على ذوقكِ يا عروستي .
شعرت بنار تشعل لي وجهي وأخذت أعض شفتاي خجلاً منه وانا ابحث بعيناي بين الأصناف محتارة ايهم اختار حتى اخترت اخيراً ما طلبه علي له و لوالدتي والتي اصبحتُ حسب قرارهما الأخير قبل لحظات "خطيبته !" ليذهب النادل بعد أخذ قائمة الطعام ليأتينا خلال فترة قياسية بما طلبناه ، تناولت طعامي بشراهة استمع الى مجادلات سليم وعلي الطفولية ثم قاما بتحدي سخيف بينهما وهو من يأكل أسرع من الاخر وطلبا أطباق اخرى ثم انضممتُ الى التحدي لأتفوق عليهما بجدارة ! كان الطعام لذيذاً جداً وأقسم ان بحياتي كلها لم أتناول ألذ منه ، وطبعاً لم الحظ الدهشة التي ارتسمت على وجوه الخاسران وانا اطلب طبق اخر وهما يتكئان للخلف كل منهما يمسك بطنه الممتلئة ! اما والدتي فلقد كانت تصورنا بهاتفها لنلوح للكاميرا وانا اضحك على الاحمقين اللذان خسرا بعد اول نصف ساعة من التحدي ! ولَم اخرج الا بعدما جرني علي للخارج برفقة والدتي تاركاً سليم ينصدم بالفاتورة وحده ! كم اشفقت على زوجي المسكين في اول يوم زواج وصرف كل هذه الأموال ماذا سيفعل بعد بضعة ايّام وانا بهذه المعدة الجديدة التي قانونها في الحياة :
-"مرحباً بالطعام في اَي وقت وأي زمان وبأي كمية "! ولأنني اخشى التبذير فأنا مجبرة على أكله كاملاً على عكس والدتي التي لم تغير عادتها القديمة بتناول القليل فقط ثم التخلص من الباقي اما في القمامة أو ليغدو طعاماً لهايدي ورفيقاتها من قطط الشوارع !
بعد خروج زوجي العزيز والصدمة تحتل ملامحه كمن خرج من حرب عالمية شهد الموت بعينه فلقد ضرب علي بكل قوته ليسقطا أرضاً يتعاركان بلا اكتراث لمن حولهما وطبعاً الناس تجمهرت حولنا لأفض العراك بعد ان ضربت كلاهما على وجهه بلكمة قوية لينهض علي مختبئاً خلف والدتي وسليم جالس على الارض شعره مبعثر وأزرار قميصه قد فُكت لأنحني أمامه أشد أذنه قائلة بحدة :
-إياك وضرب علي مجدداً هل فهمت ؟
فتحدث بصوت عالي معترضاً :
-وهل رأيتِ الفاتورة لقد افلست تماماً بسببه تركني هذا النذل ولَم يشارك بدفع الحساب - ثم أشار نحوه ليختبئ الاخر خلف امي ممسكاً بكتفيها لأشد سليم من أذنه مجدداً ليصرخ بخفة وقد تكشر وجهه بألم بينما تحدثت معه بحدة وقد شعرتُ انني اؤنب طفلي ذو السبعة أعوام :
-نحن جميعنا اكلنا من هذا الطعام ومن بيننا أنتَ وانتَ صاحب فكرة تحدي الاكل السخيف لذا أنتَ من يتحمل دفع الحساب ثم -وشددتُ أذنه اكثر -هل تستخسر ما صرفته علي اولستُ زوجتكَ أم تخطط لأن تدفن أموالك لتلعب دور البخيل ؟
أفلت أذنه بعد احمرار وجهه الماً لألوي شفتي مقاومة الضحك على مظهره اللطيف ليرد مدافعاً عن نفسه :
-لستُ بخيل ولكنه اكل كثيراً وانا دفعتُ بالنيابة عنه .
ثم أعاد إصبع الاتهام خاصته نحو الاخر الذي يطلق ضحكات مكتومة لأتحدث برقة وانا اعدل خصيلاته البندقية :
-سيعيدها لَكَ يوماً ما .
ثم رتبتُ لمه هندامه لينهض نافضاً التراب عن ثيابه لأتأبط ذراعه أشدها نحوي قائلة بغنج لم اعهده من نفسي :
-الى أين الان يا زوجي الحبيب ؟
ابتسم بأتساع لتحمر خدوده اكثر قائلاً بصوت خجول وهو يحدق الي :
-الى أين تشتهي نفسكِ .
تمشيتُ رفقته آزم شفتاي بتفكير وقد تجاهلت الجمع المنفض من حولنا وكلمات علي بصوت حمل نبرة مستفزة :
-عاشت زوجة اخي .
ثم مضى باقي الْيَوْمَ علينا ونحن نتنزه في شوارع ازمير حتى حلت الظهيرة وعدنا نحو المنزل متعبين ، وفِي الطريق أخذت هايدي بعد تركها عند جارتنا " عائشة " لأستريح اخيراً في غرفتي التقط بعض الملابس لأخذ حمام دافئ .
خرجت وانا أرتدي بنطلون اسود مع فانيلة بيضاء قطنية وشعري القصير يقطر ماءً الف حول رقبتي منشفة صغيرة كنتُ سعيدة بزوال تلك الخدوش والأورام التي تملئ وجهي والذي بدأت ملامحه تظهر رويداً رويداً ، اغلقت باب الغرفة خلفي لأجد سليم قد غير ثيابه وهو ينتظرني فوق السرير لأوليه ظهري أقف امام منضدة الزينة التقط أعواد تنظيف الإذن انظف أذناي لأشعر به يعانقني من الخلف يطبع قبلاته على رقبتي لأتحدث وانا أراقب انعكاسه :
-اذهب واستحم أيها العريس الحمام جاهز .
ادارني نحوه معانقاً خصري قائلاً بهيام :
-لا اصدق انني ملكتكِ يا ايلين لحد الان عقلي لا يستوعب فكرة اننا اخيراً معاً تحت سقف واحد .
ثم اقترب آخذاً شفتاي بقبلة عميقة لم أبادله إياها بل دفعته عني أتخلص من قيد ذراعيه بطريقة قاسية لم أقصدها ليرمي ثقله على قدمه اليمنى قائلاً بضيق :
-ماذا الان ؟
زفرتُ بضيق وانا مترددة بما انوي قوله ليصلني صوته معاتباً :
-لا تقولي الان انكِ لا تريدين ان المسكِ !
هززتُ رأسي بإيجاب أحدق الى قدماي وقدميه ثم رفعتُ رأسي وقد شعرتُ بالتوتر من قربه ومن ما انوي قوله لأتحدث بعد أخذ نفس عميق :
-لفترة فقط .
رفع حاجباً ورمقني بسخرية ثم أومأ بلا اعتراض لأحك رأسي بخجل مما انوي قوله فالكلام يرغب بالخروج ولكن لساني لا يستجيب وقد ازداد توتري تحت نظراته الثاقبة وكأنه شعر برغبتي في الكلام فرفعت رأسي أقاوم نبضات قلبي لقربنا هذا واشعر بالذنب على نظراته المنكسرة لأرفع نفسي على أصابع قدماي أضع يدي على جانب وجهه أغطي فمي وانا اشاوره الصق شفتاي على أذنه :
-هل يمكنك شراء بعض الأشياء لي فأنا احتاجها بشدة ؟
ثم وقفت أمامه بأعتدال أراقب ردة فعله المتفاجئة ليومئ بصمت ثم عدتُ لمشاورته من جديد :
-اريدكَ ان تذهب للصيدلية و ..-ثم صمت لدقائق والتوتر يشلني بالكامل ويمنع لساني من التحدث حيث أخذت أنفاسي تضرب جانب وجهه لأتحدث بعد لحظات حزمت فيها ذرات شجاعتي المتناثرة :
-اريد فوط صحية و...ودواء مخفف للآلام عندما تخبر الصيدلي سيعطيكَ حبوب زهرية اللون .
ثم ابتعدتُ عنه أحدق الى الارض اكاد انفجر على غبائي ! هل كان من الضروري اخباره فرد علي عقلي :
-"اوليس زوجكِ يا غبية ؟"
هززتُ رأسي موافقة ما يقول ثم أخذت نفساً عميقاً ارفع رأسي ببطء لأحدق الى سليم الذي احمر وجهه كالطماطم وهو يحدق نحوي بأعين متسعة ثم بقينا على هذا الحال لحظات حتى أومأ برأسه عدة مرات وهو يتحمحم ويحك رقبته بتوتر ثم استدار ببطء ليخرج لنفسه بعض الملابس لأخرج سريعاً من الغرفة نحو المطبخ اجلس بسكون قرب امي التي تعد الطعام وعلي الذي يساعدها وكانا يثرثران عن أمور لم اهتم بسماعها ، لأشعر بألم يسري على ذراعي المكسورة وكذلك الم اخر حاد يقطع لي أمعائي فنهضت ببطء أتجول في المنزل وقد ساء مزاجي لدرجة كبيرة ، حتى كدتُ على تحطيم المنزل ! وكل ما يجول بعقلي هو كيف سمحتُ له بالخروج !
ماذا لو بالفعل نشرت الشرطة صورنا ! ولكن هذا في اسطنبول ، إذن ماذا لو رَآه شرطي وتعرف عليه ؟ ماذا لو تم القبض عليه مالذي سأفعله ؟ سيطر القلق على حواسي جاعلاً إياي أقف بلا حراك حتى أفقت على صوت فتح الباب لأراه يدخل بهدوء ووجهه متعرق وشديد الحمرة وما ان رآني حتى جفل من وجودي ثم اقترب متمتماً بشيء لم اسمعه مناولاً إياي الأغراض لاسئله وقد انتابتني الريبة منه وكأن شيء قد حصل له فقلت بصوت عالي بلا قصد اجفله :
-ما خطبك ؟
-ماذا ؟
وضعت الأغراض على الطاولة أكتف يداي الى صدري اطالع أعينه المتسعة بحدة غير مقصودة وغريزة الحماية ترتفع بداخلي كالادرينالين :
-مالذي حصل معك لما وجهك محمر هكذا ؟
زم شفتيه ماسحاً العرق عن جبينه بظهر كفه ليجيب بهدوء شديد لا يصيبه الا عندما يحصل له شيء أو يحاول اخفاء امر ما :
-لا شيء .
-لا تكذب .
نظر نحوي ثم أخذ يتلفت في الأنحاء ليغتصب ابتسامة على شفتيه :
-لا تقلقي لم يحصل شيء .
-تكلم .
عقدت حاجباي بغضب شديد ليحك رقبته ثم عاد للتلفت لأصيح به غاضبة ويداي استقامتا بجانب جذعي :
-تحدث واللعنة .
اجفل مجدداً كطفل مذعور ليهز رأسه إيجاباً عدة مرات ثم ابتلع ريقه ليتحدث بتوتر :
-فقط عندما كنتُ ..في الصيدلية ... -ثم سحب نفساً عميقاً ليكمل -فقط أخذن النساء يضحكن علي برفقة الصيدلانية !
عقدتُ حاجباي بعدم فهم ليكمل مشيراً للاغراض قائلاً بصوته الرخيم :
-لا يفترض بالرجل ان يشتري هكذا أشياء وعلى مرآى النساء فهذا شيء ...مضحك بنظرهن .
هز رأسه نهاية حديثه لألعق شفتاي ثم ضحكت لأتقدم منه معانقة إياه ، منذ متى وسليم بهذه اللطافة ! لم اره يوماً يحمر خجلاً هكذا لطالما كان الشاب الهادئ الذي لا يختلط بأحد بالرغم من كونه اجتماعي وكثير الثرثرة ، وكأن الذي امامي سليم اخر كان يعيش أسفل السابق وآن دوره ليريني نفسه !
حدقتُ نحوه بعد ان فصلتُ العناق لأجد ابتسامة جميلة تحتل ثغره ولا زالت خدوده محمرة لأمسح العرق عن جبينه مزيلة خصلاته الملتصقة بجبهته قائلة والابتسامة تشق وجهي طولاً وعرضاً :
-يا لك من كائن لطيف .
قصرت وجنتيه وسط نظراته المتعجبة حيث رفع احدى حاجبيه ليطلق ضحكات خفيفة لأكمل على قولي وانا أزيد من شدي على خدوده الممتلئة :
-لم اعلم يوماً بأنك خجول لهذه الدرجة ! حقاً تبدو كطفل مصنوع من المارشميلو !
كان الخجل يغزوه وشفتيه الورديتين مضمومتين بحياء لطيف ليصلني صوت علي الساخر مقاطعاً لحظتنا الحميمية :
-وهل هذا وجه مارشميلو ؟
التفت لأراه يتكئ على حافة باب المطبخ لأرد عليه بحنق متخصرة :
-اجل هل عندك مانع ؟ انه مارشميلو يمشي على الارض .
سمعت قهقهات سليم من خلفي ليجيب علي بصوته المستفز هذا :
-كل قرد بعين أمه غزال !
لا ارادياً ضحكت وضحك هو ليعانقني سليم من الخلف متكئاً بذقنه على كتفي يمد لسانه بغيض للاخر قائلاً بغرور :
-تفوه بالحماقات كما تشاء فلا يمكنك نكران حقيقة كوني افوقك وسامة .
خرج صوت والدتي من المطبخ مقاطعاً شجارنا :
-هيا يا اولاد الغداء جاهز .
انطلق الاثنان نحو المطبخ لآخذ أغراضي متجهة نحو الحمام ثم خرجت وتناولت الحبوب متجهة نحوهم لأخذ مكاني قرب زوجي الحبيب أتناول الغداء سعيدة بأجواء المزاح والضحك المتواصل فضلاً عن تحدي طعام اخر دخلته بكل صرامة ناوية غلب هذان الاثنان بجدارة .
********************
نرجس كانت في حالة يرثى لها على العكس تماماً من حبيب قلبها الذي بات بلمح البصر طليقها ! لا زالت دموعها لم تجف ساعة هطولها وهي الان راقدة في سرير المشفى منذ ثلاثة ايّام ترفض تناول الطعام ولا تشرب سوى كميات قليلة من المياه وتتصل إبرة المغذي بذراعها على الدوام حتى باتت جزء لا يتجزء من جسدها ، والدتها تبكي بلا انقطاع ووالدها متجهم الوجه اختها المتزوجة قد قدمت بالفعل من ازمير لزيارتها برفقة زوجها تاركة اطفالها عند أهل زوجها اما والدا طليقها فهمًا لم يزوراها سوى في الْيَوْمَ الاول وبعدها اختفيا كأن الارض انشقت وابتلعتهما !
بعد حلول المساء كانت والدتها قد غادرت للمنزل برفقة زوج ابنتها الكبرى وذهب الوالد عند الطبيب ليسأل عن حالها وقد صمم على الاتفاق مع معالج نفسي من اجلها ، فلم يتبقى سواها هي وأختها التي جلست مترددة أمامها وكأنها تنوي قول شيء مهم فأحتضنت كف اختها طريحة الفراش ثم عضت على شفتيها لتراقب اختها التي تحدق بنقطة شاردة في الحائط لتشعر بالالم ينساب بين ثنايا قلبها لتتحدث بغضب :
-ما هذه الحالة يا نرجس الا يكفيكِ ؟ أنتِ هنا في المشفى تتعذبين لثلاثة ايّام متواصلة من اجله !
أغمضت الاخرى عينيها بشدة وقد بان الحنق فيهما ولكنها لم تجد القدرة للرد فردت بعصبية :
-انه لا يستحقكِ يا غبية فبينما أنتِ تتعذبين هنا حبيبك المحروس يقضي اجمل ايّام عمره مع زوجته الحامل !
فجرت كلماتها امام الاخرى التي طالعتها بأعين متسعة لتتحدث خارجة من قيد صمتها الذي دام لثلاثة ايّام اخيراً وقد ظهر صوتها متحشرجاً مبحوحاً :
-مالذي تقولينه يا عايدة ؟
تحدثت الاخرى بغضب احتل ملامحها الحادة :
-لقد قالت صديقتي انها رأت سليم برفقة امرأة اخرى وهي حامل بشهرها السادس ويعيشان مع والدة الفتاة !
أخذت تنظر الى الفراغ بصدمة لترد الاخرى مخرجة إياها من شرودها :
-ليست من تخطر ببالك يا اختي انها فتاة شابة عشرينية خريجة معهد ومعي صورها أيضاً !
ثم اخرجت هاتفها بحركة سريعة لتفتحه داخلة على تطبيق واتساب لتدخل على محادثة رفيقتها عائشة لتري اختها صورة الثنائي وهما يسقيان حديقة منزلهما فالتقطت الاخرى الهاتف بلهفة لترى سليم يمسك خرطوم المياه بيده والأخرى يلفها حول زوجته التي تمسك بخصره بكلتا يديها تنام على صدره وكم كانت جميلة بوجهها الممتلئ وعيونها الخضراء الناعسة وشعرها الأسود كان مجدلاً بظفيرة تصل لأسفل صدرها بقليل ، ارتدت فستان صيفي بنقوش اتخذت أشكال ورود الجوري باللون الأحمر كلون احمر شفافهها القاني وبطنها كبيرة الحجم زادتها لطافة ! كانت السعادة تشع من الصورة مما جعل نرجس ترتجف بشكل لا إرادي وعادت دموعها للانبثاق بشكل اكثر غزارة لتتحدث اختها بحنق :
-انه لعوب يا اختي أصلاً الجيران ينتاقلون افعاله مع تلك الفتاة ايلين ثم خطب ابنة الخالة ليلى وهي بعمر السادسة عشر اَي طفلة ! ثم تزوجك انت وها هو الان متزوج واحدة الله اعلم من تكون من حسن الحظ انكِ تخلصتي منه .
سحبت الهاتف من يدها بحركة سريعة لتغلقه ثم قالت لها بحنان كما لو كانت والدتها وهي بالفعل كذلك لكونها ساهمت في تربيتها وهي تكور وجهها المحمر بين كفيها :
-لا تبكي يا صغيرتي ستجدين غيره ان شاء الله يكون أفضل منه بكثير ، شخص يستحقكِ ويحبك فأنت الف شخص يتمناكِ يا نرجس .
ثم احتضنتها لتجهش الاخرى ببكاء عميق وتشعر بقلبها يتقطع الف قطعة وكأن هناك سكاكين حادة تقطعه بلا رحمة وعقلها قد تشتت في زخم من الأسئلة حتى غابت عن الوعي وسط احضان اختها !يتبع.......
"القاعدة التاسعة عشر "
"للحب انواع منه الحلو ومنه المر وحين يختارك اما يغرقكَ بسابع نعيم أو يدفنكَ في سابع جحيم "

أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mystery / Thrillerخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي