كان يلقي عليها نظرة كل فينة واُخرى من خلف زجاج نظارته السوداء زاماً شفتيه قائلاً من خلف الكمامة التي تغطي نصف وجهه السفلي :
-لا تقلقي كل شيء سيسير على ما يرام .
نظرت له من خلف نظارتها السوداء مومئة برأسها لتسحب القلنسوة اكثر لتغطي وجهها حتى وصلا امام المطار ليرتجل كلاهما من السيارة بعد دفع الأجرة للسائق وإنزال حقائبهما ، أخذت هي حقيبتها ذات اللون الأزرق الداكن تجرها خلفها وهو حمل حقيبته الرياضية لتتشابك أناملهما ببعض يشقان طريقهما نحو مصيرهما المجهول ، ما ان وصلا قرب البوابة حتى همس قرب إذنها :
-سأتركك ترحلين الان قبلي ثم سألحق بك .
اومأت له بخفة لتعبر بوابة المطار واضعة يدها اليسرى في جيبها واليمنى تجر حقيبتها ودلف هو خلفها بعد مدة قصيرة سالكاً اتجاه اخر لكي لا يثيرا شك احد ومن بعيد وتحديداً خلفها تبعها شاب يرتدي قبعة تغطي معظم ملامحه اضافة الى نظارة طبية ليضع إصبعه على أذنه قائلاً :
-المشتبه بها في المطار وانا الان خلفها ، حول .
وصله صوت من الطرف الاخر راداً عليه :
-تمام لقد انتشر الفريق في المكان وسنوافيك بعد قليل ابق عينيك عليها ولا تحيدهما أبداً .
اجاب :
-امرك سيدي .
خرج ادهم بعد استقباله إشارة احد أعضاء فريقه من الحافلة القابعة على جانب الطريق وسلاحه بيده يتبعه أربعة اخرين حتى رِن هاتف احدهم ليفتح الهاتف ليصله من الطرف الاخر صوت رجولي قائلاً :
-هناك شاب يثير الريبة بتحركاته امامي يغطي وجهه متنكراً وهو يقف بأنتظار احدهم لابد انه ينتظر احدهم .
اجابه :
-راقبه الى ان نصل عندك فأكيد له علاقة بالمشتبه بها .
-امرك سيدي .
أغلق الخط ليحمل الاخر اللاسلكي الخاص به قائلاً :
-لتنتشر قوات الأمن في المكان حول المشتبه بهما سنقوم بألقاء القبض عليهما حالاً .
وصله صوت من الطرف الاخر :
-امرك سيدي .
خلال لحظات تواجد ادهم برفقة فريقه داخل المطار بينما انتشرت الشرطة عند الأطراف اما بالنسبة للثنائي فلقد انفصل كلا منهما في طابور المسافرين يراقبان بعض من بعيد حتى وصل دورهما ، سلمت جوازها واضطرت لأزاحة النظارة والقلنسوة ليرى شرطي الجوازات وجهها والذي أخذ يقارنه بالصورة بينما منحته ابتسامة هادئة وهي ترمق رفيقها الذي استلم جوازه قبلها فأزداد الاضطراب الظاهر على محياها ، حدق بها مرة اخيرة قبل ان يختم الجواز مناوله إياها مبتسماً فعادت لتغطية وجهها لاحقة برفيقها لتجاوره المشي وهما يقتربان من بوابة الخروج ليظهر الضابط ادهم امامهما مقاطعاً طريقهما رافعاً سلاحه وشارته قابعة في يده الاخرى مظهراً إياها بوجهيهما قائلاً :
-مطلوب إلقاء القبض عليكما .
احاط رجاله بهما وهم يشهرون أسلحتهم ليتقدم هو بعد وضع شارته في جيبه مخرجاً تلك القيود المعدنية التي وضعها في كفيها وكذلك فعل شرطي برفيقها ليمسك بهما الشرطة مقتادين إياهما نحو السيارة البيضاء المكتوب عليها بالازرق " الشرطة " أُدخل كلاهما داخلها من الخلف يحيط بهما شرطيين ومن الامام استقر الضابط ادهم قرب الشرطي الذي قاد السيارة بينما تحدث واحد في الخلف جالس على الطرف الأيسر قربها قائلاً عبر اللاسلكي :
-تم القبض على المشتبه بهما وسيتم اقتيادهما نحو المخفر حول .
اجاب من الطرف الاخر :
-مبارك لكم لنجاح العملية حول .
سادت لحظات من الصمت بعدها ولَم يصدر الضجيج الا من تلك الاضواء الزرقاء والحمراء فوق السيارة اضافة الى صوتها العالي الذي جعل السيارات الاخرى تفسح لها الطريق تتبعها حافلة بيضاء وسيارة سوداء قبع فيها فريق ادهم الخاص .
****************
وفِي مكان ما في ازمير في احد إحياءها البسيطة ، دخل الاثنان يمسكان بيدي بعض ليدلفا داخل حديقة المنزل ذو التصميم البسيط ليقفا امام الباب يحملان حقائبهما ليطرق الباب وانتظر برفقة شريكة حياته التي تمسد على بطنها الكبير وخلال لحظات فُتح الباب لتستقبلهما أمرأة أربعينية عانقت الشابة بحميمية ثم عانقت الشاب ليدلفا للداخل حيث استقبلهما شاب اخر معانقاً صاحبه بحبور سائلاً إياه :
-كيف كانت رحلتكما ؟
-جميلة .
رد مبتسماً ليفضا العناق ليتجه مسلماً نحو الصبية معانقاً إياها بخفة قائلاً :
-كيف حال زوجة اخي الجميلة ؟
-بخير يا علي بخير .
فصلا العناق ليحمل هو الحقائب لتتركهما صاعدة نحو الأعلى ليصلها صراخ المعني قائلاً :
-غرفتكما على اليمين قرب الدرابزون .
ردت مكملة صعودها :
-تمام .
دلفت للغرفة المعنية واضعة حقيبتها اليدوية على منضدة الزينة لتتجه نحو الخزانة بعد إغلاق الباب تخرج بعض الملابس لها وقفت امام المرآة لتخلع عنها تلك الباروكة الطويلة لتضعها في الحقيبة بعدها نزعت غطاء الرأس اللحمي ليظهر شعرها ذو القصة الولادية ، خلعت عدسات عينها الخضراء لتظهر سوداوتيها ثم التقطت من حقيبتها منديل مرطب لتمسح عن وجهها ذلك المكياج الثقيل لتظهر تلك الاثار على وجنتيها مشوهة وجهها الا انها قد بدأت بالزوال بالفعل ، خلعت عنها الفستان لتنزع عنها البطن البلاستيكية الكبيرة ترميها ارضاً لترتدي الملابس التي أخرجتها من الخزانة ثم وضعت أغراضها في حقيبة كبيرة لتضعها على الجانب الأيسر من الفراش ، نزلت للأسفل متجهة نحو المطبخ قرب والدتها التي تعد الطعام وقد ارتسمت السعادة على وجهها ، لتجلس هي قرب سليم الذي كان يشرب بعض الصودا أمامه صديقه علي الذي يبتسم بمكر قائلاً :
-لم أتوقع ان تكون امرأتكِ داهية لهذه الدرجة يا رجل انت محظوظ !
ابتسم بأتساع ناظراً اليها لتتحدث هي ويديها مشبوكتان الى صدرها :
-احاول تخيل ردة فعل الشرطة على هذه الخدعة النذلة !
ثم أطلقت ضحكات ساخرة ليتبعها سليم بالقول :
-هذا لا يمنع سفرنا لخارج البلاد ولكن سنتجه نحو باريس بلا عودة وهناك سنقيم حفل زفافنا .
ثم وضع يده حولها لتضع والدتها الاطباق أمامهم بعد ملئها بالطعام قائلة :
-بالهناء والعافية .
ثم جلست قرب صغيرتها لينقض الجميع كوحوش جائعة على الطعام وعينيها تراقبانهم بفرحة أم سعيدة بأجتماع اولادها حولها .
**************
اما ادهم فلقد كان مشدوهاً وهو يحدق الى اللذان من المفترض ان يكونا ايلين وسليم المشتبه بهم ! ولكنه ببساطة تم خداعه ليمسك بأشباههما ! فالفتاة كانت حاملة جوازها الحقيقي وبها لمحة من ايلين الا انها اكبر سناً والآخر الذي حملت عيناه البندقية المختلطة بالعسلي الداكن نظرة ساخرة فهو يعطي شبهاً لا بأس به لسليم ذاك ! كانا الاثنين قابعين أمامه في غرفة التحقيق فمسح وجهه بكلا كفيه بقوة حتى كاد يقتلع جلده مصدراً تنهيدة عميقة جداً أشبه بالزمجرة ليحدق إليهما بعدما استقر كفه فوق شفتيه ليتكئ للخلف واضعاً يديه أمامه سائلاً وقد برزت عروق حمراء على جانبي عسليتيه المشتعلتين غضباً سائلاً الشاب أمامه بحنق :
-من تكون انت ؟
-تازاي .
رد ساخراً ليسحب الاخر نفساً عميقاً ثم تحدث كاتماً غيظه :
-تازاي من ؟ من انت وماذا تعمل ومالذي كنت تفعله في المطار ؟
-اسافر كما يفعل البشر الطبيعيين ! -ابتسم بأتساع ساخراً -هل للمطار استعمال اخر ونحن لا ندري ؟
ختم كلامه بقهقهة ليضرب ادهم بكل قوته على الطاولة مجفلاً الاثنين معاً لينهض صائحاً بصوت غاضب ملئ المخفر بأكمله :
-هل تتلاعب بي يا هذا ! هل تظن ان هذه الحيلة الرخيصة تنطلي علي ؟ سأجدهما مهما اختبئا سأجدهما وازج بهما في السجن .
التفت للخلف منادياً بصوت اعلى :
-أيها الشرطي .
انفتح الباب بقوة ليدلف الشرطي الذي ابتلع ريقه خوفاً وجسده يرتعد ليقول بصوت جاهد لجعله مسموعاً :
-امرك سيدي .
صاح به ليجفل :
-خذ هذان الاثنان وزج بهما في السجن لكي نرى كيف سيتلاعبان بالشرطة .
امتثل الشرطي الذي تنحى عنه ليخرج لأمره فقيد الشاب برفقة ثلاثة أفراد اخرين وتم اقتياد الاثنين للسجن وسط صيحات اعتراضهما ، ليخرج ادهم من المخفر بأكمله وقد اسودت الدنيا في عينيه شاعراً بمدى غبائه خاصة لكونه اتبع عاطفته للمرة الاولى وصدق بمجرمة خدعته مثبتة مدى غبائه وللحظة أشعرته بالعجز لكونه لا يدري بمكانها أو حتى كيف اكتشفت خطتهم !
قاد سيارته متوجهاً نحو الساحل وما ان وصل حتى خرج ضارباً الباب بقوة خلفه لاهثاً انفاسه ليضع يديه في جيوب بنطاله قائلاً بحدة :
-ستندمين يا ايلين ، استغفلتني وهربتي ولكنني سأجدكِ ولو كنتِ في سابع جحيم وسأحرص على قطع رقبتكِ أنتِ وذاك المخنث ! فقط اصبري وسترين .
ختم كلامه بتوعد وهو يشاهد البحر أمامه والذي كان ساكناً عدى عن بعض الامواج التي تتلاطم مع بعضها الشمس تتوسط كبد السماء تنشر حرارتها واشعتها القوية في الإرجاء ، نظر لساعته ليجدها تشير للثالثة عصراً ليعود نحو السيارة متكئاً عليها جالساً على الارض وكلا يديه متكئتان على ركبتيه وقد سرح بنظره للأمام مبتلعاً ما بداخله من مرارة .
*************
والمعنية كانت تشاهد التلفاز في غرفتها تتناول بعض الفشار بيدها اليمنى واليسرى مجبرة من منطقة الزند لكون العظام مكسورة بعد ان زارت الطبيب بأصرار من سليم ووالدتها فأضطرت لوضع ذلك التنكر لكي لا تثير شبهة احد ، دلف سليم بعد لحظات لتلقي عليه نظرة بلا اكتراث لتكمل متابعة الفلم فأتكئ بقربها يحوطها بذراعه مقبلاً إياها من وجنتها ليتناول معها بعض الفشار ليحل عليهما الصمت قبل ان يقطعه قائلاً :
-كيف حالكِ الان هل تشعرين بتحسن ؟
اومأت بصمت بلا جواب ليقبل شعرها من جديد متابعاً احداث الفلم ليتحدث بعد لحظات ناظراً اليها :
-كيف عرفتي ان الهاتف مراقب ؟
ابتسمت ساخرة قبل ان تحدق اليه مجيبة إياه :
-وهل سيتركك ادهم وشأنك وهو يُؤْمِن بأمكانية العثور علي من خلالك ؟
اعادت تركيزها للفلم مكملة :
-انت بنفسك قلت انكِ مطارد وفِي آليوم التالي اختفى الذي يطاردك ! -ثم عادت للتحديق نحوه بعد ان ملئت فمها بالطعام ماضغة إياه ليفعل هو المثل -إذن لابد انه حين تسليمك لهاتفك وضع به شيئاً اما ليتبعك أو ليتنصت عليك لأنك اذا لم تستطع لقائي ستتصل بي .
ختمت كلامها وهي تحدق للتلفاز ليتحدث بأبتسامة متعجبة ارتسمت على شفتيه :
-أنتِ فعلاً داهية يا فتاة !
رمقته بطرف عينها لتتحدث بضيق :
-حتى الاحمق يمكنه معرفة ذلك .
تناول بعض الفشار ليتابع احداث الفلم الحماسية لتتحدث وهي تتكئ برأسها على كتفه :
-ماذا عن زوجتكَ ؟
ثم قلبت سوداوتيها تطالعه ليجيب بلا اكتراث :
-بالتأكيد قد وصلتها ورقة الطلاق الان .
ابتسمت ساخرة لتعلق :
-احاول تخيل ردة فعلها ماذا ستكون يا ترى ؟
ثم قهقهت بخفة ليحدق اليها قائلاً بهمس :
-يا لكِ من شريرة يا فتاة القمر خاصتي .
رفعت وجهها ناحيته حيث لا تفصلهما سوى إنشات قليلة لتتحدث بذات الهمس بتملك ظهر من صوتها :
-طبعاً فما هو ملكي يبقى ملكي حتى اموت.
ابتسم على حديثها بينما بادلته بأبتسامة لعوبة ليقترب منها آخذاً شفتيها بقبلة عميقة بادلتها إياه بلهفة حتى فصلاها مكملين متابعة الفلم معاً وقد خلل أصابعه داخل خصيلاتها السوداء مداعباً إياها لتطعمه بعض الفشار من يديها .
*************
كانت نرجس لا زالت في حالة صدمة وهي تمسك ورقة طلاقها بيدها ، كحلها قد سال اثر تساقط دموعها ولا زالت شفتيها منفرجتين ، جسدها يرتعش واحدى يديها قابعة في خصيلاتها الشقراء تشدها بقوة ، كانت جالسة على الارض متكئة على الحائط ويدها التي تحمل الورقة ترتعش كمن اصابه الشلل وزرقاوتيها تتمعنان بتلك السطور مراراً وتكراراً غير مستوعبة لما تقرأه وكأن عقلها قد توقف عن العمل ، هبطت يدها برفق على حجرها ثم ثبتت عدستيها على نقطة وهمية في الجدار لتشهق عدة شهقات وكأن انفاسها قد تحشرجت داخل صدرها لتنسكب دموعها بغزارة وقد زاد اختضاض جسدها وهي تردد بصوتها الذي تقطع وسيطرت عليه بحة البكاء :
-لماذا .... لماذا يا سليم لماذا ؟ مالذي فعلته لك ؟... مالذي فعلته ... لأ .. لأنال منك كل هذا ؟
أغمضت جفنيها تعتصرهما بقوة ليغطي الكحل وجنتيها وعلا صوت بكاءها في الإرجاء يتردد صداه حولها وهي تستشعر برودة المكان ووحشته وكأنها قد نُبذت عن العالم الخارجي بأكمله .
************
يتبع ......" القاعدة الثامنة عشر "
"اذا كنت محباً فتوقع ان تصاب بخيبات وتعترضك عثرات في سبيل هذا الحب والاهم ان تضحي يوماً بأغلى ما عندك من اجله "

أنت تقرأ
براءة مُدانة
Misterio / Suspensoخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي