Chapter-32

2.7K 64 35
                                    

الهواء داعب خصيلاتها السوداء لتتحرك حول وجهها بتناغم ، تقف بشموخ اعلى سطح تلك البناية وتحدق سوداوتيها بجمود نحو تجمع الناس في الاسفل والذين بدوا كأسراب من النمل بألتمامهم في ذلك الاحتفال الذي نظمه ضحيتها التالية ، والذي كان يقف على منصة وهو يلقي خطاباً على الجمع امامه يحيطه حراسه الشخصيون وبقربه تقف مدللته الوحيدة تراقبه بأعين حالمة رأتها الصيادة بعدما وضعت الناظور على عينيها ثم راحت تبحث بين الجمع لتجد ذلك المارد الضخم الذي كان يراقب ما يجري بجانبه مبتسماً بسخرية ليرفع نظره نحوها ثم رفع ابهامه للاعلى كأشارة منه اليها ، انزلت الناظور وجلست على ركبة واحدة لتجهز بندقيتها بدقة وسرعة مدروستين نتيجة لتدريباتها العام الفائت لتتمدد على بطنها وهي تمسك البندقية تنظر من خلال الناظور المثبت عليها نحو رأس ضحيتها وثبتت سبابتها مغمضة عينها اليمنى استعداداً للأطلاق ، ضغطت على الزناد وقبل ان تنطلق الرصاصة وصل سمعها صوت مألوف وهو يصدح من خلفها قائلاً :
-سلمي نفسكِ حالاً .
سرعان ما ارخت سبابتها وابتعدت عن الناظور لتسحب انفاسها بأرتجاف ليتناهى الى سمعها صوت خطواته وهو يقترب منها انزلت بندقيتها عن السياج الخاص بالبناية ونهضت بهدوء رافعة يديها اعلى رأسها لتلتفت بحذر نحو الخلف حيث وقف هو يحمل سلاحه يوجهه نحوها ، تقابلت اعينهما لتستقبله بنظرات هادئة بينما ظهرت الصدمة على عسليتيه وهو ينده اسمها بغير تصديق ليخفض سلاحه ويقف بأعتدال ممعناً بها النظر بعد لحظات تناهى الى سمعهما اصوات هائجة ناتجة عن صراخ تلك الجموع فضلاً عن صفارات سيارات الشرطة التي على ما يبدوا حوطت المكان ! رغم ذلك الضجيج العالي الذي زاد بحضور سيارات الاسعاف الا انهما بديا في عالم منفصل تماماً وهما يحدقان الى بعضهما بصمت ، اخفضت يديها للاسفل بجانب جذعها ليقتحم المكان رجال الشرطة الذين اشهروا اسلحتهم نحوها ليحاصروها بالكامل ثم انقض عليها اثنان منهم قيدا يديها بالاغلال ليسحباها معهما لينزلوا اولاً تبعهم ادهم وبقية عناصر الشرطة ، اما في الاسفل فلقد اختفى المارد بلمح البصر من محله بعد ان سادت حالة من الفوضى وتم نقل من كان يُفترض به ان يكون ميتاً الان على سرير خاص نتيجة رصاصة اصابته في كتفه من مكان مجهول ليحاوط عناصر الامن المكان ويطلبوا مزيداً من الدعم .
وصلت السيارة التي نقلت ايلين الى المخفر وسرعان ما زُجت بالسجن تحت حراسة مشددة انتظاراً لأخضاعها للتحقيق ولم تبدي اي ردة فعل وبقيت جامدة كتمثال من صخر تطالع حضنها بسكون .
بعد ربع ساعة تم اقتيادها الى غرفة التحقيق لتلتقي بأدهم مجدداً وكان برفقة صاحبه ايهم وعلى ما يبدوا كلاهما سيتوليان مهمة التحقيق معها ، جلست بذات الهدوء على الكرسي الجلدي امامهما ولا زالت القيود حول يديها اللتان اسندتهما على الطاولة الخشبية ، تفحصت عسليتيه المتسعتين دهشة منها والدموع قد بدأت تلتمع في جفنيه لتشكل طبقة لامعة خفيفة جعلت حدقتيه تبدوان كحجران مرجانيان خلابان في نظرها ، بينما التمعت لؤلؤتيها السوداتين بطبقة غليظة من الدموع حجبت عنها الرؤية لتكتمها بصعوبة مبتلعة وجعها ، كان احمرار انفها واضحاً للعيان كحال انف الذي امامها والذي قطع الصمت بصوته ذو البحة المميزة والعتاب كان ظاهراً بوضوح من خلاله :
-ما الذي اودى بكِ الى هذا الطريق يا ايلين ؟
ابتسمت ساخرة ولم تعلق لتسحب نفساً عميقاً وتتحدث بعد لحظات بصوت هادئ :
-انا لن اتحدث بشيء ستجد ما تريده في منزلي .
عقد الاثنان حاجبيهما بعدم فهم لتعاود الحديث ودموعها تبرز للظهور من جديد :
-ستجد ما تبغيه في دفتر مذكرات موجود في شقة تقع في حي راقي خلف فيلا اسماعيل تازار امي تسكن هناك على اي حال ما ان تراك حتى تسلمها لك وستتكفل انتَ بالباقي .
ثم عادت لصمتها ذاك تمعن النظر اليه ليتحدث ايهم هذه المرة قائلاً بهدوء :
-ولما لا تخبرينا انتِ ما الفرق ان وجدنا المذكرة وقرأناها بالنهاية سنعود لأستجوابكِ وستتحدثين عاجلاً ام آجلاً .
لم تحدق نحوه بل اخذت تحدق نحو الحائط على جانبها الايسر بشرود لتجيبه :
-هناك فرق كبير ... صدقني .
اخذ ينظر الى رفيقه الذي لم يبادله النظر كما توقع بل كان ينظر اليها بنظرات غامضة لم يستطع حتى هو رفيق عمره وتؤام روحه ان يعلمها لأول مرة في حياته كان ادهم انسان غير مقروء كما لو انه داخل دوامة من الغموض ، وبالحقيقة كان هو يتأمل تلك الايلين التي بالتأكيد لا تمت بصلة لتلك التي التقاها سابقاً ، عينيها كانتا ذابلتين ووجهها شاحب شعرها كان قصيراً فاحم اللون وعلى رقبتها امتدت ندبة بشكل طولي كان واضح ان اداة حادة هي من تسببت بها ، لباسها الجلدي كان اسوداً ، كتلك الهالة التي تحيط بها ، ذلك الهدوء والبرود الغير اعتياديان ينبئه ان امراً جللاً قد اصابها غيرها جذرياً ،تحدث بعد لحظات مخاطباً اياها وعقدة حاجبيه قد ازدادت :
-هل انتِ من ارسل ذلك البلاغ ؟
تحركت مقلتيها وثبتت عليه لتطرف بهدوء ناظرة لحضنها لدقيقة ثم عادت تنظر نحوه دليلاً على الايجاب اردف الاخر :
-ولكن لماذا فعلتِ ذلك انتِ تعلمين انه اذا قُبض عليكِ ستُحكمين اما بالاعدام او بالمؤبد .
لم تمنحهم اجابة وعادت لشرودها الصامت ليدلف محقق بعد لحظات للغرفة قائلاً :
-الى هنا وانتهى التحقيق علينا الذهاب لمصادرة الاغراض الخاصة بالمجرمة .
خرج بعد لحظات مغلقاً الباب خلفه لينهض ايهم منادياً على شرطي  ليأتي لأصطحابها بينما نهض ادهم ببطء ناظراً اليها عسى ان تنطق شيئاً ليضع صاحبه يده على كتفه قائلاً :
-لنذهب يا صاح لربما قد نجد فعلاً شيئاً بتلك المذكرة كما قالت .
خرج الاثنان وجاء الشرطي ليصطحبها نحو الزنزانة حيث جلست بهدوء بعد فكه لقيدها ثم جلس امامها يراقبها بتشفي واكتفت هي بالشرود تبتسم بخفة !
***************
وصل الاثنان الى العنوان المقصود ليدلفا الى العمارة للطابق الخامس والاخير حيث ترقد شقة القناصة ، وهناك فتحت لهما والدتها وهي تطالعهما بعدم فهم بعد ان توقعت مجيء ابنتها في هذا الوقت ، ادخلتهما للداخل وجلسا في صالة الاستقبال لتغيب لخمسة دقائق للمطبخ لتعود حاملة بيدها صينية حملت فنجانين من القهوة اضافة الى كوبي ماء ، ثم جلست بصمت امامهما وكأنها بالفعل تعلم سبب مجيئهما ليظهر الحزن جلياً على سوداوتيها الشبيهتان لحد ما لسوداوتي صغيرتها وسرعان ما هطلت دموعها ، وقبل ان يبتدآ بالحديث قالت بصوت راجف وهي تمسح انفها بالمنديل الذي قبع في كفها الايسر :
-لقد تم القبض على ايلين ؟
بلل ادهم لسانه ثم زفر بخفة ليجيبها :
-لقد سلمت نفسها واخبرتنا انها ستسلمنا دليلاً مهماً انه مذكرة كما قالت .
مسحت دموعها متنهدة لتنهض بخفة نحو غرفة ابنتها لتشغل الاضاءة وتتحرك بهدوء نحو المكتب الخاص بها حيث وجدت دفتر اسود اللون فوقه قصاصة ورق كُتب بها بخط ابنتها الذي تعرفه جيداً :
-سلميها في حال زارك ادهم وتأكدي من كونه سيأخذها هو لا احد افراد الشرطة .
ابعدت القصاصة وحملت الدفتر منفذة المكتوب لتدلف نحو الخارج ووقفت امام ادهم الذي نهض بدوره متسلماً الدفتر منها لتجلس هي بهدوء ، ما ان فتح المذكرة حتى سقطت ورقة صغيرة اخرى منها فتحها ليجد رسالة مكتوبة بخط انيق :
-حال تسلمكَ لهذه المذكرة تأكد من ايصال امي لهذا العنوان واتركها هناك ستكون بأمان .
عقد حاجبيه بعدم فهم وسط نظرات صاحبه واخذ يفكر بعمق عن كون ايلين قد خططت لكل هذا بعد لحظات من الصمت قضاها وهو يحدق الى المذكرة القابعة بين يديه تحت نظرات الاخرين له تحدث بهدوء مخاطباً ايهم وهو يناوله الورقة :
-خُذ المدام ليلى لهذا العنوان وتأكد من ايصالها ثم الحقني للمكتب .
وخرج مسرعاً دون ترك ادنى فرصة للشرح ليبقى الاثنان في دوامة صمت ليقطعها ايهم ناهضاً وهو يتحدث بلباقة :
-سأقلك الى العنوان المطلوب سيدتي .
كانت عاقدة لحاجبيها تفكر في المكان الذي من الممكن ان تذهب اليه ليقطع تفكيرها متحدثاً من جديد :
-لقد طلبت ابنتكِ ذلك بنفسها .
ثم ناولها قصاصة الورق الاخرى لتقرأها بصمت ثم توجهت نحو غرفتها لتغير ثيابها وذهبت برفقته نحو سيارته ليركباها معاً بينما صعد افراد الشرطة ليصادروا الشقة تاركين علامات تفيد بعدم السماح لدخول احد من العامة .
***
كان ادهم يسابق الريح في طريقه نحو المخفر حيث ركن سيارته مسرعاً وتوجه نحو البناية داخلاً اليها متجاهلاً من حوله ليصعد نحو مكتبه مغلقاً الباب عليه بحركة عصبية ، سرعان ما فتح ازرار قميصه الاولى بحركة سريعة بيده المرتجفة ليضع المذكرة على مكتبه مرتمياً على كرسيه الجلدي دافناً وجهه بين يديه يزفر انفاسه بثقل ،  اخر ما قد يتوقعه ان تكون آيلين هي ذاتها ذلك القناص الذين يطلقون عليه بصياد الارواح او قناص الموت ، ذلك الذي استهدف اشخاص محددين في تاريخ محدد بأنعدام وجودهم تيسرت الكثير من الامور لأسماعيل الذي كان يُشتبه به لكون القتلى يحملون ادلة ضده وبرحيلهم اخذوا ادلتهم معهم ، ثم بدأ الامر يكبر حاصداً ارواح اكثر جميعها كانت لرجال ولنساء من العائلات الغنية والتي يُشتبه انها على علاقة بطريقة ما مع عدوهم اسماعيل ، طوال العام الفائت وتقريباً كل فترة يصلهم ملف جديد ولكن لا ادلة متوفرة ، ولا شهود عيان بل مجرد جثة قُتلت لسبب ما بطريقة مبهمة في مسرح جريمة اقل ما يقال عنه نظيف لا يدل مهما حاولوا على هوية من تواجد به برفقة الضحية ، ولكن قبل عدة ايام وصلهم بلاغ من شخص مجهول يفيد بأستهداف عدوهم اللدود مع اعطائهم بدقة مكان ذلك القناص الذي كان قد اصبح منافسهم الجديد والعدو الذين رغبوا بالتصدي له وها هو الان قد قبض عليه ، او بالادق عليها.
ابعد يديه عن عينيه واضعاً كلتاهما على انفه وفمه لتظهر عسليتيه الدامعتين وهما تتلئلئان بحزن شديد ، شفط سائل انفه ليتنهد محرراً انفاسه الحارة من فاهه ثم شرع بفتح المذكرة بحركة سريعة ليجد المكتوب في الصفحة الاولى :
-الى ادهم هذه المذكرة كتبتها خصيصاً من أجلكَ لأكشف لكَ ما لا استطيع قوله ، ما لا يقدر لساني على وصفه وما لا يستطيع صوتي التحدث بشأنه ، فمهما تحدثت وقلت سأبقى خرساء في نظر نفسي وسيبقى ما حدث حقاً مكتوماً داخلي يتراكم هكذا كقطع من الصخور حتى يستوي جبلاً يسحق لي قلبي ، ستجد هنا كل ما ترغب بمعرفته ، لقد دونته كما حدث ولكن حتى الكتابة لم تُعبر عني بشكل واضح ولم تشرح مشاعري وكأن ما بداخلي لا يُوصف ولا يُعبر عنه .
قلب الصفحة لتحط عينيه على سطور كثيرة احتوت اسماء واحداث مفصلة كانت جميعها لما حصل مع ايلين في تلك المصحة ، حتى وصل للورقة الخامسة التي تذكر فيها حادثة النجاة تلك التي تحولت لمجزرة لذا اطلقت عليها ساخرة " مجزرة النجاة " بعد ذلك ، ذكرت تفاصيل عن انضمامها للمافيا وعن اسماء الرؤوس الكبيرة واعوانهم ، اماكن الصفقات وحتى ذكرها لعمليات اغتيالها لجميع تلك الشخصيات المهمة والتي بلغت احصائيتها مئة فرد ! كانت تفاصيل بشعة ودموية اختلطت مع كوابيسها وهلوساتها التي لا تفارقها حتى توقف عن القراءة مرغماً وهو فاغراً فاهه ! يحاول تخيل نصف ما عاشته في تلك الفترة ، اعاد نفسه للخلف متكئاً على كرسيه فارداً ذراعيه عليه ناظراً الى الامام بشرود وقد فاضت مقلتيه مجدداً ، انها مذنبة وصاحبة ذنب كبير ايضاً ولكنه لا يستطيع لومها فما مرت به ليس بهين ابداً ، كل ذلك الاضطهاد والتعذيب النفسي الذي خضعت له من شأنه ان يخلق منها وحشاً متعطشاً لسفك الدماء ، عادت صورتها لتمثل مام ناظريه ، هدوئها كان غير اعتيادي استسلامها وضعفها لم يكونا منطقيين في من مثل حالتها هالة الحزن تلك كانت تحوم حولها كغيمة سوداء ، كلما وضحت صورتها امامه كلما انقبض قلبه اكثر وعقله غارق وسط سيل عارم من الافكار التي تغدو وتروح في رأسه كبحر هائج ، حتى لم ينتبه لدخول صاحبه الفوضوي المعتاد والذي وقف قربه سائلاً بحماس :
-مالذي يوجد بالمذكرة ؟ هل وجدت شيئاً ؟
لم يجبه بل التفت ناحيته ببطء يرمقه بهدوء ليعيد نظره اليها مجدداً تحت نظرات الاستغراب من زميله ليتحدث بصوت متعب :
-انها تحوي الكثير يا صاحبي .
عقد الاخر حاجبيه ليسئل :
-ومالذي يوجد بها ؟
اجاب بشرود وهو يتمعن بتلك السطور القابعة امامه :
-انها معاناة ..-ابتلع ريقه مكملاً -معاناة فتاة بريئة مُحيت طفولتها وسط وحشية هذا العالم .
لم تنفك عقدة حاجبي صديقه ولكنه تنهد بضيق ووضع يده على كتف ادهم قائلاً :
-سأطلب لنا بعض الشاي ليعتدل مزاجنا .
ثم انطلق نحو الهاتف القابع على المكتب ليلتقط السماعة يتصل بالسكرتير يطلب بعض الشاي له ولصاحبه ، ثم وقف قربه منحنياً على المفكرة متكئاً بيديه على المكتب يطالع المكتوب بعدم فهم ، تجاهله ادهم وانكب على القراءة من جديد بتمهل ، وفي هذه الاثناء دخل السكرتير وضيفهما الشاي كما طلبا ليخرج بهدوء .
كان ادهم يقرأ بصمت كل تلك الادلة الوافرة ليملي لاحقاً العناوين على ايهم الذي كان يأمر وحدات معينة من افراد الامن للتوجه الى تلك الاماكن والتي غالباً كانت نائية ، وبالفعل قد تم القبض على الكثير من الجماعات المختصين بعمليات المتاجرة وبعض اعضاء المافيا فضلاً عن ادلائها بوجود خزنة بأسمها في البنك حملت جميع الادلة التي اخذتها من ضحاياها لمثل هذا اليوم .
مضت ثلاثة ايام تحطمت بها تلك الامبراطورية الضخمة وتم القبض على اغلب اعضائها حتى الناب لم ينفذ وتم الامساك به وهو يحاول الفرار عبر الحدود برفقة رجاله ، اما اسماعيل فهو بالفعل في المشفى تحت حراسة مشددة وتم اصدار قرار بتحويله للمحكمة من اجل محاكمته بكل تلك التهم الموجهة نحوه .
************
بعد اسبوعين :
كانت ليلى جالسة على تلك الاريكة المريحة قرب النافذة تضع آيلين الصغيرة ذات الشعر الاسود والعيون العسلية المختلطة بالخضار كعينا والدها سليم الذي جلس قربها يراقبهما بصمت ، لتدلف زوجته نهال ذات الشعر الاسود الطويل والوجه الجميل والجسد المتناسق حاملة صينية الشاي بيدها تبعتها فهيمة ويحيى اللذان دلفا متجاورين لتتوجه نحو صديقتها وحفيدتها قائلة :
-يا ربي آكلكِ انا -ثم قرصت وجنتي الصغيرة لتكمل ناظرة نحو ام الطفلة التي تراقب مبتسمة بعد جلوسها بجانب زوجها - والله لا يهون تعبي الا عند رؤيتها .
وطبعت قبلة على وجنة الصغيرة ليتحدث الاب مع ابنه :
-كيف حال عملكَ يا بني ؟
اجابه مبتسماً :
-كل شيء بخير يا والدي الحمد لله .
اومأ ايجاباً بأبتسامة واسعة وراح يراقب حفيدته التي تصدح ضحكاتها العالية ناشرة جو من البهجة .
سليم وبعد دخول ايلين للمصحة اعتذر من والديه مبدياً اسفه وندمه مع اصراره على البقاء متزوجاً منها ولكنه وبعد تلك الزيارة المفاجئة للمصحة وبعد رؤية ما وصل اليه حالها فكر مجدداً ومجدداً حتى بعد مضي فترة اقدم على تطليقها وبعد شهر تزوج من نهال مقتنعاً بحديث والدته حتى انجبت له صغيرته التي لم يمانع احداً بتسميتها على اسم خليلته قبلاً ، علي سافر الى سويسرا برفقة عائلته وتزوج هناك ، ليلى لم تتوقع يوماً ان علاقتها بصديقتها العزيزة قد تعود يوماً ، شردت قليلاً الى ما قبل هذه الايام الثلاثة التي رافقت بها ايهم الى عنوان مجهول لم تتعرف عليه ولم تخبرها صغيرتها عنه لتجد نفسها تقف امام منزل بسيط ذو تصميم جميل في منطقة شعبية وما ان ترجلت حتى وجدت فهيمة رفيقتها واختها وصديقتها المقربة والوحيدة تنتظرها بوجه باكي لتنقض عليها معانقة اياها بحرارة ، دلفتا معاً للداخل وغرقتا بالكثير من الاحاديث عن الماضي والذكريات الجميلة لتتحدث فهيمة بعد مسحها لدموعها داخلة في صلب الحديث :
-لقد جاءت ايلين الينا قبل يومين !
ظهرت المفاجأة على وجه ليلى لتكمل رفيقتها :
-لم نتوقع زيارتها لنا حتى انها سلمت على ايلين الصغيرة وعلى زوجة سليم بأدب ثم اعطتني ظرفاً وطلبت مني ان انتظر زيارتكِ لنا لكي نقرأه معاً حال اجتماعنا.
بقيت صامتة ولم تجد رداً ، بالنهاية وبعد اجتماع العائلة اخرجت فهيمة الظرف وطلبت من صاحبتها ان تفتحه وتقرأه ، فتحته لتجد ثلاثة اوراق مطوية وجميعها عليها اسمائهم مع ورقة ملاحظة صغيرة تقول :
-اعطي الرسالة لمن وُجد اسمه اليها واطلبي منه ان يقرأها على مسامعكم بصوت عالي .
نفذت المكتوب ثم جلست مكانها ولكون الرسالة الاولى تحمل اسمها فتحتها بهدوء تقرأ بصوت عالي مع انقباضة في قلبها جعلت الغصة تعلوا عنقها :
-الى امي العزيزة رسالتي هذه ستكون الاولى ربما ولكنها بالتأكيد ستكون الاخيرة -ابتلعت ريقها وانقباضة قلبها تلك تزداد - اعرف انني قد آذيتكَ كثيراً اغضبتكِ وكسرتُ قلبكِ واعلم بداخلي انكَ لستِ راضية علي ، ولكنني اطلب عفوكِ الان ، اطلب ان تسامحيني على ما اقترفته ، ذنبكِ انكِ كنتِ امي انا ، ام لأنسانة قُدر لها ان تكون شيطان رجيم ذليل ، منذ صغري وانا اسبب لكِ المتاعب اعلم ذلك ولكن اقسم لكِ انني بذلتُ جهدي لأرضيكِ لأكون قوية من أجلكِ لأخلصكِ من ظيم ما عشتيه ولكنني في كل مرة ازيد الامر سوءاً ، طوال تلك الفترة التي عدنا بها لنعيش معاً كان هناك شيء مفقود لم يعد بيننا ، انها تلك المودة الطبيعية بين كل ام وابنتها ولكنني لا الومكِ فأنتِ بذلتِ ما في وسعكِ من اجلي وانا ممتنة تكفيني سعادتي لحصولي على أم مكافحة مثلكِ ، لقد تركتُ لكِ مبلغاً من المال في رصيدي البنكي ولا تقلقي انه مالي الحر الذي كنتُ اجمعه حينما كنتُ اسرقه من والدي ايضاً لقد كانت لدي طريقة غير القتل لكسب المال ، كنتُ ارسم لوحات وابيعها على العامة في الشوارع وشيئاً فشيئاً كسبت شعبية وتمكنت من احراز مبلغ محترم كما يقولون لذا هو ملك لكِ لأنني اساساً كنتُ ادخره من اجلكِ ، واخيراً كل ما اطلبه الان منكِ هو ان ترضي عني وتسامحيني ، وان كان صعباً عليكِ لا اطلب دموعكِ لانها غالية على قلبي ولكنني اطلب بسمتكِ ورضاكِ فهذا يكفيني

براءة مُدانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن