#ادهم :
كنتُ جالس على الكرسي الجلدي الخاص بمكتبي أطالع تلك الفيديوهات مراراً وتكراراً وانا في كل مرة انصدم من بشاعة ما تحتويه ! عقلي يرفض تصديق هذه المجزرة والتي مسببها هو ذلك الملاك البريء الذي لطالما آمنت ببرائته ، لم تجف دموعي لوهلة وشهقاتي كانت تخرج رغماً عني حتى شق السكون القابع في أجواء الغرفة دخول أيهم كعادته بطريقة فوضوية من دون ان يطرق الباب لأحدق نحوه ناهضاً بحركة سريعة مسبباً اندفاع الكرسي قليلاً للخلف ولكن ملامح وجهه المتجهمة جعلتني ادرك انه لم يجد شيئاً لأجلس مجدداً رامياً ثقل جسدي على الكرسي أمسح على وجهي بقوة لا زال الغموض يكتنف القضية وهذا ما يجعل دمي يغلي حنقاً ، تعب ذهني من التحليل والتخيل حول فرضيات عديدة لا منطق لها فقط لأكسر حاجز الغموض هذا ولكن بلا فائدة تحدث وهو يجلس امامي متنهداً بتعب :
-كأن الارض انشقت وابتلعتها يا صاح !
-كيف حدث ذلك واللعنة فقط يا أيهم أولسنا من الشرطة ؟ ألسنا محققين لنا صيتنا كيف لنا ان نفقدها اذن ما هو عملنا اذا لم نجدها ؟ اكل ما نفعله هو الدوران فقط والبحث كمن يبحث عن ابرة بكومة قش ! اين الادلة اين المقاطع المفقودة اين ذهب كل اولئك المرضى من دون ان يتركوا اثراً خلفهم انهم بلا عقول يا ايهم كيف لا تجدونهم بحق الله !
صرخت بكل غيظ وكأن صاحبي هو الملام وبالحقيقة انا هو الملام الوحيد هنا لكوني تجاهلت ما لا يجب تجاهله ، تركتها وحدها هناك وكلما تاقت نفسي لرؤيتها اقف امام المصح اطالع اسواره ثم ادلف حيث مكتب طبيبها لأطمئن عليها من خلال فيديوهات جلسات علاجها والتي في اغلبها كانت صامتة تحدق بشرود الى قدميها حتى بعد عشر جلسات باتت اكثر عنفاً ولا يتم السيطرة عليها الا بأفقادها وعيها ! كان قلبي يتقطع مع كل مشهد الا انني كالاحمق صدقت كلام طبيبها الذي قال " هذه العدائية هي تصرف طبيعي لكل مريض لذا لا داعي للقلق " ثم يبرر تلك الكدمات والاثار الغير الواضحة من خلال الكاميرا على جسدها بسبب اذيتها لنفسها واخيراً قال ان ايلين ستبقى لخمس سنوات او ثلاثة كحد ادنى بسبب عنادها المستمر ! كان حديثه يغرقني في دوامة من اليأس وهو يبرهن لي في كل مرة انها غير قابلة للشفاء ، حطمت كل ما امامي على مكتبي ولم يهدأ لي بال ، كيف سأجدها كيف ؟ كان هذا السؤال يغزو عقلي كجيوش محتلة حاصرت قلعة ولكن للاسف تلك القلعة فارغة كما هو حال رأسي الان ، لم اجد حلاً سوى ارسال خبر عن طريق اللاسلكي الى جميع عناصر الشرطة بالتوجه نحو اي شخص من معارفها علها ذهبت اليه لتلوذ به اضافة الى نشر صورها في المطارات حتى يتم امساكها في حال فكرت بالهروب ، ولكن لما قد تهرب ؟ ومالذي يدفعها لأفتعال تلك المجزرة وكأنها شخص اخر متعطش للدماء ! انها ليست تلك الايلين التي اودعتها بيدي هناك قاطعاً وعدي لها بأصطحابها مجدداً بعد سنة فقط من العلاج ، هل عشت على امل واهي ؟ اخذت انظر الى ما بخارج النافذة بشرود احاول جمع افكاري بلا فائدة حتى شعرت بيد صاحبي تربت على كتفي وهو يتحدث من خلف ظهري :
-كل شيء سيكون على ما يرام يا اخي لا تقلق سنكثف جهودنا ولن يهنأ لنا بال حتى نجدها .
خرج بهدوء بعدها ورحت انا اقلب حديثه داخل عقلي لأزفر بيأس متكئاً بيدي على زجاج النافذة محدثاً نفسي :
-كيف سأعثر عليكِ يا ايلين ؟
*********************
كان جالس على كرسي ابيض بجوار السرير الذي ترقد عليه فاقدة لوعيها ذقنه الملتحي متكئاً على قبضة يده وحدقتاه البنيتين مثبتتان عليها بتركيز وكأنه يترقب استيقاظها بأية لحظة وانامل يده الاخرى تتراقص حماسة على فخذه الايمن ، قاطع جوه الهادئ دخول الطبيب الذي هو الاخر القى عليها نظرة خاطفة ثم طلب من ممرضته ان تغير علبة محلول المغذي الذي كان على وشك النفاذ وبينما هي تفعل ذلك وقف هو امام الاخر الذي حدجه ببرود ليتحدث برسمية :
-لقد تأكدت من جميع التحاليل الخاصة بالمريضة ، حالياً يمكن القول ان اعضائها الداخلية قد تضررت بفعل الضرب المتواصل الذي تعرضت له اضافة الى تأثر بنيتها الجسدية بفعل تلك الاعتداءات مما سيجعلها فاقدة للوعي لأربعة ايام على الاقل لذا اذا ما استجد خبر سأبلغك به على الفور .
اومأ تفهماً ثم اعاد نظره اليها مجدداً رافعاً حاجبه بتعجب لحالتها ، وجهها الملائكي كان مغطى بكدمات بنفسجية اضافة الى شق امتد من طرف شفتها اليسرى ، رقبتها مغطاة بالضماد تخفي الجرح الذي امتد شاقاً رقبتها بالعرض ومن حسن حظها لم يُمس وريدها والا لكانت في العالم الاخر منذ امد طويل ! جسدها هو الاخر كان مضمد ومشوه بفعل الكدمات التي غطت لون جلدها الاصلي ! ثم عاد يستذكر هيئتها تلك التي جابهها !
بدت كوحش ضاري وهي تقاتل وتحارب بأستماتة دفاعاً عن نفسها وكم هام بها اعجاباً بعد ان اردت جميع رجاله قُتلى ! بالنهاية خرج تاركاً اياها وحدها تصارع كوابيسها تخوض تلك المعارك من جديد !
**************
#ايلين :
دماء ! لون احمر قاني هو كل ما تراه حدقتاي ! انه منتشر في كل مكان وفي كل ركن وفي كل زاوية ، اصوات مختلطة مع بعضها البعض فهي مزيج بين الضحك والصراخ والهمهمات اجساد منتشرة تتحرك هنا وهناك وبعضها ممدد على الارض وسط ذلك الحمار ايدي كثيرة تمسك بي تشدني نحوها ! هيئات مشوهة وملامح مبهمة ، ضاق صدري من الوضع برمته وعقلي يتخبط في حيرته يحاول التعرف على تضاريس ما اراه حتى غط السواد كل شيء فجأة ثم اعمى بصيرتي نور قوي حتى اعتدت عليه وبدأت حدقتاي تركزان على تفاصيل ما حولي ، بياض في بياض ولا شيء غيره ! ايعقل انني لا زلتُ داخل تلك المصحة ! نهضت بحركة سريعة لأتألم من ابرة المغذي المغروسة في ذراعي ! مغذي ! اعدت نظري نحو ارجاء الغرفة التي كانت عادية جداً ولكنها تختلف بالتأكيد عن تلك الغرفة التي شارفت على فقدان عقلي فيها استرخيت على السرير متكئة على الوسادة خلفي اراقب الوضع بتوجس ولا زالت تلك المشاهد تستعرض امام عقلي الجاهل بمحتواها ليقطع تركيزي دخول ممرضة شابة حسنة الملامح ! وكأنهن لا يتوقفن عن الظهور في حياتي ليمارسن افعالهن الشيطانية علي ! تبعها خروجها بشكل سريع متجهة نحو الخارج فحاولت استغلال الفرصة واخذت اخرج تلك الابرة من وريدي وما ان فعلت حتى وصلني صوت رجولي ذو بحة مميزة مخاطباً اياي بهدوء :
-حمد لله على سلامتكِ .
ادرتُ رأسي ناحيته لأراه ! انه كابوسي الجديد ذلك المارد ذو الطول الفارع و المنكبين العريضين ذو النظرات الحادة الممتزجة بالمكر والشر يميل برأسه نحو كتفه الايمن وقرط اذنه الغريب ذاك يتدلى متحركاً بخفة مع كل حركة يقوم بها وتتشكل على ثغره ابتسامة عريضة كاشفاً عن انيابه !
****************
-حدثت حادثة غير طبيعية وتعد الاولى من نوعها حيث حدثت مجزرة في احدى المصحات النفسية سببها المرضى الذين هربوا الى جهة مجهولة بعد ذلك ! وننتقل الى المذيعة المتواجدة في الموقع لتنقل لنا تفاصيل الحادثة .
سرعان ما تغيرت الشاشة الى اخرى لتظهر فتاة شقراء حنطية البشرة عينيها سوداوتين وهي تمسك بالمايكروفون يحمل شعار القناة التي تعمل بها ويظهر خلفها العديد من سيارات الشرطة والاسعاف المسطفة امام ذلك المصح لتتحدث بعملية عن الوضع :
-انا هنا انقل لكم من امام المصح الذي حدثت فيه الحادثة والتي تعد الاولى من نوعها حيث قام مجموعة من المرضى بمهاجمة جميع العاملين في المشفى بلا اي سبب محدثين بذلك مجزرة عنيفة خلفت خلفها العديد من الجثث والدماء في منظر بشع يصعب حتى على اعتى الرجال مشاهدته ، وحسب الشهود العيان فلقد قالوا ان حوالي ٧٨ مريضاً قد فر من المشفى وجميعهم كانوا في حالة هيستيرية غريبة وكانوا مخضبين بالدماء وكأنهم خرجوا من حرب ضروس !
بعدها قامت بأجراء مقابلات مع ضباط الشرطة المتواجدين اضافة للشهود ، اما ليلى التي كانت تطالع الاخبار برفقة علي وسليم الذي زارها مؤخراً ليطمئن على حالها كانوا في حالة صدمة ! تحدثت ليلى بأستنكار وهي تشير بأصبعها ناحية التلفاز :
-اليس هذا هو المصح ذاته الذي تتواجد به ايلين ؟
فرت دمعة من عينها والاثنان كانا جامدين يحدقان فقط الى نشرة الاخبار حتى انتفض علي واقفاً وخرج من المنزل بأكمله وبقي سليم برفقتها يتجول في المكان بقلق ليزفر انفاسه بضيق وهو يمسح على كامل وجهه ثم توقف عن الحركة
بشكل مفاجئ وهو يعود بذاكرته الى قبل اسبوعين حيث صادف في احد الايام رغبته الشديدة برؤية حبيبته ايلين فتوجه الى المصح لوحده وهو يحمل علبة شوكلاتة وباقة ورد حتى وصل ودلف من فوره الى مكتب طبيبها وبعد حوارات عديدة تفاجأ من كون ايلين ممنوع عليها رؤية اقربائها ! صرخ بغضب منفعلاً ولم يأبه بحديث طبيبها ذاك وهرع يخرج من عنده يجول ارجاء المصح بحثاً عنها حتى استرعى انتباهه فجأة اصوات مختلطة مع بعضها ، كانت عالية وكأن هناك شجار عنيف قد شب اضافة الى توجه الممرضين بأعداد كبيرة نحو ذلك المكان والذي كان حديقة المصح ليتبعهم هو ، توقف ليلتقط انفاسه عند البوابة المؤدية للخروج للحديقة يطالع بأعين زائغة لهول الصدمة فتاة القمر خاصته في هيئة مرعبة ! كانت مخضبة بالدماء من رأسها لأخمص قدمها اظافرها الطويلة كانت مغطاة بالشعر يصدر عنها صراخ هائج وهي تهجم على كل من تقع سوداوتيها المشتعلتين مسببة بذلك مجزرة !
سقط المرضى الذين تصارعت معهم ارضاً غارقين بدمائهم حالهم كحال الممرضين الذين فشلوا في حقنها بأبرة المغذي بعدما كُسرت الابرة في عضدها الا ان هذا لم يُثنها عن مجابهتهم ! كان مذعوراً وهو يقف هناك في محله يتسائل عن حقيقة ما يراه ! هل هذه هي ايلين ؟ هذه وحش هذه مسخ فاقد لعقله هذه التي امامه كل شيء الا ايلين فتاته الهادئة التي عشقها دوماً ، خلال لحظات تم صعقها ونام فوقها الممرضين ليكبلوا اطرافها اخيراً وينتشل احد من يدها تلك الشيفرة التي كانت تضربهم بها ! لا يعلم احد كيف وجدتها او كيف حصلت عليها ، مروا من جانبه يحملونها وكانت مرهقة مستسلمة تصدر عنها زمجرة عالية حتى اختفوا عن انظاره مخلفين خلفهم نقاط من الدم شكلت خطاً يتبع خطاهم ، ارتعد جسده وهو يسمع صيحاتها العالية تصل اليه من هناك ليجفل من تلك اليد التي حطت على كتفه ليلتفت ويجد طبيبها الخاص الذي طمأنه قائلاً :
-لا تقلق انها فقط تخضع لأحدى جلسات العلاج .
ثم اصطحبه الى مكتبه شارحاً له عن حالتها اكثر مبيناً له سوء ازدياد حالتها النفسية وانه لا سبيل لشفائها ثم تلا ذلك مشاهدته لتصوير جلسات علاجها ليبقى مصدوماً من التغيير الذي اضحت عليه لينسحب بعدها من المصح راجعاً نحو الشقة التي استأجرها مؤخراً ويغرق في ليلة طويلة من البكاء حتى تقطع فؤاده وجفت انهار دموعه ، افاق من ذكرياته على صوت طرقات صاخبة على الباب ليتجه من فوره فاتحاً اياه ليرى زوار الذين قدموا بشكل مفاجئ وفي وقت غير ملائم ولم يكونوا سوى ' الشرطة ' .
ادخلهم للداخل وقد كانو شرطيين برفقة محقق ليجلس برفقتهم وانطلقت ليلى بجسدها المرتعش لتعد لهم بعض القهوة ليسألوا بلا مقدمات عن ايلين المفقودة وعن احتمالية وجودها هنا وبالنهاية لم يحصلوا سوى على ذات الكلام الذي وجدوه في تلك الفيديوهات ، ليغادروا بعدها ويدخل علي بعد ذلك ليشارك الثلاثة في جلسة صامتة لا يقطع سكونها سوى البكاء الهيستيري لليلى ، حتى انقضى المساء ولا زالت قنوات الاخبار تستعرض الخبر وكأنه موضة رائجة ! وكل يتحدث بوجهة نظر مختلفة حتى عند منتصف الليل صرح رجال الشرطة بتمكنهم من القاء القبض على بعض المجانين حيث بلغ عددهم ثلاثة لحد الان وتم ايداعهم بالسجن تحت حراسة مشددة .يتبع ........
"القاعدة الثلاثون "
"دوام الحال من المحال فأستعد دائماً لما هو أسوء "
![](https://img.wattpad.com/cover/178498481-288-k596316.jpg)
أنت تقرأ
براءة مُدانة
Mystery / Thrillerخُلقتُ بشراً فجعلتوني شيطان وها أنتم تدفعون الثمن غالياً آيلين & أدهم الغلاف من تصميمي