بسم الله
سكنت روفان جوار أخيها بنهاية شارعهما وقد تسارع نبضيهما جراء الركض ليلفظ "زيد" من بين أنفاسه :- أين سنتجه ؟
* حيث والدتنا .
آجابته بعد برهة صمت ليعقب قولها :
- لكن. المصحة بعيدة جدا !
* سنسير وصولا اليها .
بعد الكثير من السير سكن الأخوين أمام مبنى تلحف بهدوء الحى من حوله لينعكس على مظهره الخارجي ما يواري من سكون وغموض .
اعتلت "روفان" بعض الدرجات قبل أن تقابل من جلست عند المدخل لتلقي عليها التحية .
روفان : سلام عليكم ..
المرأة (بهدوء) : أهلا ! مضى الكثير على آخر زيارة .
نظر "زيد" لأخته التي قالت :
- حدثت بعض الظروف وتوفى والدنا لم نستطع المجي .
المرأة : تعازينا لكم .
زيد : نحن لا نملك نقود ونريد رؤية والدتنا فهل تسمحين لنا ؟!
المرأة (بتردد) : ولكن ..!
احتقن وجه "زيد" ورمشت أخته قبل أن تشير لهما المرأة بعد تنهيدة بأن (ادخلا) .
وصل الأخوين للدور الأول وسلكا ممره الهادئ بخطى تقطر شوقا .. وما ان اقتربا من باب الغرفة الذي يفصل بينهما وبين والدتهما حتى توقفا برؤية التي خرجت مقابلة لهما بقولها :
الممرضة (بأسف) : السيدة "جلنار" ليست بالغرفة .
زيد (بتعجب) : أين ذهبت ؟!
الممرضة : نقلت للطابق الثالث .
تبادل الأخوين نظرات الأسى والحزن لعلمهما بأن الطابق الثالث هو للحالات الأكثر تدهورا والأقل امتثالا للشفاء .
سارا بممر الطابق الثالث وصولا للغرفة الغارقة بالصمت والانعزال عن العالم ، فتحت "روفان" الباب برفق ووقفت لحظة تتأمل تلك الجثامين .
الجميع يجلس ساكنا شاردا للا نهاية في اعتقاد منه بأنه ميت تماما وما تحيط به سوى أرواح الموتى .
الأغلب شحب لونهم تماما لامتناعهم عن تناول الطعام ايمانا بأنهم لا يمتوا للحياة بصلة ، الشئ الوحيد الذي يجعلك تعترف بحياتهم تلك الأنفاس التي بالكاد تدخل رئتيهم وتخرج بهدوء مميت ..
شق "زيد" طريقا مأساوى بين جثامين مرضى متلازمة كوتار أو الجثمان السائر ، هؤلاء الذين آلت بهم الحياة لإكتئاب ثم مرض ثم تدهور قبل موت أصعب من موت !
تبعته أخته تنظر يمينا ويسارا بحثا عن والدتهما ، تسمرت فجأة وبالكاد همست (أمي ؟!)
اقتربت من تلك السيدة ذابلة العينين اللاتي انطفئ بريقها الأزرق ، شاحبة الوجه وكأنه لم يعرف النضارة قبلا ، أحاطت رأسها شعيرات صفراء باهتة تلامست بالكاد مع منكبين لجسد هزيل وهن .
أنت تقرأ
هى والدنجوان She and the Don Juan
Romanceمهما بلغت قسوة الحياة لا تيأس .. فلابد من لسع النحل كى تنعم بمذاق العسل .