تأليف: #Mayam
...............................
قبل ما يقارب ألف عام في مملكة كوريو
رجل أشعث أغبر تغطي ثيابه الدماء، يركض في الغابة المظلمة مذعوراً. بالكاد يرى طريقه بفعل ضوء القمر المكتمل في تلك الليلة. يركض تارة ويتعثر تارة أخرى إلى أن وصل لنقطة ما فوقف ونظر خلفه ليرى أن من يلاحقونه قد اقتربوا منه وما هي إلا لحظات حتى يمسكوا به ويردوه قتيلاً.
"سأموت في كل الأحوال فلمَ لا أجرب الأمر حتى وإن كان خطيراً. إنه الحل الوحيد المتبقي أمامي. ما دام الموت هو النهاية في كل الأحوال فلا يهم من سيقتلني. " هذا ما قاله وهو ينظر للطريق المؤدية إلى (الجبل المحرم) الذي لم يخرج منه أحدٌ على قيد الحياة، ولطالما ردد عامة الناس الأساطير عن هذا الجبل ومن يسكنه.
ركض الرجل باتجاه الجبل المحرم ولم يجرؤ أحد على اللحاق به رغم صراخ قائدهم عليهم ليتبعوه. اقترب بعض الجنود من الطريق متوجسين خيفة إلا أن الأصوات الغريبة المرعبة جعلت أجسادهم تقشعر وارتعدت مفاصلهم ثم نظروا لقائدهم الذي كان يزدرد ريقه ثم قال: حسناً... سننتظر هنا، فهو سيموت في كل الأحوال. استمروا في تفقد أطراف المكان إلى أن نجد جثته. لن يعود أحد قبل أن نجد جثته هل فهمتم؟!
هتفوا جميعاً بالسمع والطاعة وقسموا أنفسهم لمجموعات لتفقد الطرق والمخارج الأخرى التي قد تتواجد فيها جثته كمن سبق ودخل هذا الجبل الملعون.
شق الرجل طريقه بين الأشجار محاولاً التغلب على خوفه ولا زالت أصوات الجنود ومشاعلهم المضيئة التي يحملونها تتراءى له من خلف الأشجار، لا يدري هل هي من محض خياله أم أنهم لا زالوا قريبين منه.
زاد من سرعته حتى وصل شجرة عظيمة الحجم وقد بات البدر فوقها تماماً فوقف أمامها وقال: " لا بد من أن هذه هي الشجرة الأسطورية التي يتحدث الناس عنها. إذاً فلا بد من أنه قريب، أين أنت؟! من فضلك اظهر وأرني نفسك."
استمر الرجل بالصراخ طالباً من هذا الشخص أن يظهر فهبت رياح قوية لدرجة أن أغصان هذه الشجرة العظيمة بدأت بالاهتزاز بقوة فركع الرجل على ركبتيه ورفع يديه ضاماً إياهما متوسلاً: أعلم بأنني ميت لا محالة لأنني دخلت هذا المكان ولكنني ميت في كل الأحوال لذا تجرأت على الدخول. ألا يمكنك أن تظهر نفسك لي على الأقل وتسمعني ما دمت ستقتلني. لطالما قالوا بأنك تحقق أمنيات بعض الأشخاص المحظوظين فهلا سمعت مني أولاً ويمكنك قتلي بعدئذ إن لم يعجبك ما سأقوله، أنا أطلب فرصة فقط ... فرصة واحدة. هل هذا كثير؟!
بعض لحظات هدأت الرياح وظهر شاب وسيم من خلف تلك الشجرة العظيمة، متوشح بالسواد، له ملامح قوية وبارزة وقال بصوت مزمجر: من هذا المزعج الذي يتجرأ على دخول مكاني ومناداتي بهذه الوقاحة؟!
نظر الرجل باتجاه هذا الشخص الغريب وقد ازداد ذعراً ولكنه حافظ على رباطة جأشه فصرخ الرجل في وجهه: لا ترفع نظراتك نحوي أيها الوغد. انظر للأرض.
امتثل الرجل لأمره على الفور وحدق في الأرض أمامه بينما كان لا يزال جاثياً على ركبتيه. اقترب منه الرجل الغامض وبدأ يدور حوله ببطء ويقول: ما الذي يفعله آدمي حقير في هذا المكان؟ تستمرون بالدخول كل حين وآخر وتجازفون بأرواحكم بسبب أطماعكم. ما الذي تريده، هيا أخبرني بشكل موجز فأنا أكره الثرثارين.
بدأت دموع الرجل تنهمر بصمت وهو يقول: أنا أحد وزراء الملك ولكن أحد الخائنين المتآمرين نصب لي فخاً وشوه صورتي لدى الملك فتم عزلي ومصادرة أملاكي بأكملها ونفيت من هنا وبقيت عائلتي تتضور جوعاً وزوجتي انهارت بسبب مرضها وماتت أثناء الولادة هي والطفل. عندما علمت بالخبر عدت لرؤيتهم ولكن ذلك الوغد علم بالأمر وبدا لي بأنه ينتظرني وقد نصب لي فخاً وجعلني أبدو خائناً بنظر الملك من جديد وقاموا بإعدام عائلتي بأكملها كبيرها وصغيرها ... أمام عيني واستمروا بتعذيبي وأرادوا تنفيذ حكم الإعدام بي ولكنني تمكنت من الفرار ووصلت إلى هنا.
نظر له الرجل المتوشح بالسواد ببرود وقال بلامبالاة: حسناً، وماذا تريدني أن أفعل من أجلك. لقد ماتت عائلتك بأكملها وحتى إن وافقت على مساعدتك لا يمكنني إعادة الموتى وما دمت تحب عائلتك فعليك الانضمام إليهم أليس كذلك؟!
رفع الرجل رأسه قليلاً وقد اختلطت دموعه بدمائه وقال بغضب: سأنضم إليهم ولكن ... ليس قبل أن أنتقم من ذلك الوغد، بل منهم جميعاً. لو كان لدي القدرة على معرفة بما كان يفكر من البداية لما وصل بي الحال إلى هنا ولما ماتت عائلتي بهذا الشكل. ذلك الوغد كان يدَّعي بأنه صديقي المخلص ويحرص على مصلحتي. طعنني في ظهري دون أن يرف له جفن. لو كنت أعلم بأن هذا سيحدث وبأن هذا ما يفكر به لما وصلت الأمور إلى هنا.
مد الرجل الغامض شفتيه بحيرة وقال ببرود: أليس هذا بسبب غبائك ... لأنك وثقت بشخص لا يستحق الثقة.
رد الرجل بغضب: لقد خدعني، لقد كنا كالأخوين وليس مجرد صديقين وحسب. كان يبتسم في وجهي ويخطط للتخلص مني من خلف ظهري. لو كان بإمكاني معرفة ما يفكر به أو علمت بأن هذا ما سيحصل لفعلت ما بوسعي لإيقاف هذا.
هز الرجل الغامض رأسه إيجاباً ثم قال: حسناً هل هذا يعني بأنك تطلب مني هذه الأشياء الآن؟ هل تريد القدرة على معرفة أفكار من حولك ورؤية المستقبل؟!
رفع رأسه ونظر في وجهه للحظات قبل أن يرمقه الآخر بنظرة ثقبت قلبه ذعراً فأعاد نظره للأرض وقال بصوت مرتجف: هل هذا ممكن؟ هل يمكنني الحصول على قدراتٍ كهذه؟ كي أتمكن من قراءة أفكار الآخرين وأرى المستقبل وتشفى جراحي وأيضاً قوة بدنية لأدافع عن نفسي.
رفع الرجل الغامض زاوية فمه بتهكم وقال: جشع البشر لا يتغير، لقد ازدادت طلباتك.
عندها بسط الرجل كفيه أرضاً وأنزل رأسه أكثر وقال راجياً: لقد أخطأت، أنا آسف، امنحني فقط القدرات التي ستمكنني من الانتقام من هؤلاء لا شيء آخر.
رفع الرجل الغامض حاجبه وابتسم بمكر قائلاً: تعجبني مراوغتك بصياغة طلبك، "القدرات التي ستمكنك من الانتقام فقط "، حسناً سأعطيك أكثر مما تحلم به حتى ولكن على ماذا سأحصل أنا؟!
ارتجف قلب الرجل بعد هذه الجملة ثم قال: أنا لا أملك شيئاً من المال الآن ولكنني سأحرص على فعل ما تريد، أياً كان شرطك سأنفذه.
مشى الرجل الغامض بضع خطوات للخلف بعد أن استدار فتجرأ الآخر على رفع نظره نحوه ثم عاد بنظره للأرض سريعاً، بعد لحظات عاد الرجل بخطواته نحوه وقال: حسناً سأوقع معك العقد وأعطيك ما تريد وأكثر ولكن هذا في حال وافقت على شرطي.
هتف الرجل بأمل وخوف: سأوافق، أياً كان شرطك سأقبل به.
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasyكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...