في عام 2008م
في صباح اليوم التالي لحفلة عيد ميلاد نارا، استيقظت نارا مبكراً وكانت تشعر بسعادة غامرة بعد اعتراف جو هيون بحبه لها. كان قد وعدها بأن يذهبا اليوم في أول موعد لهما، وسيأخذها ليتناولا الغداء معاً ويمضيان بعض الوقت في برج نامسان، ويعلقان قفلاً هناك ويمضيان بعض الوقت معاً.
توجهت نارا لغرفته بعد أن بدلت ملابسها ورتبت شعرها فطرقت الباب ودخلت لتوقظه بما أنه لم يرد عليها، فقد ظنت بأنه لا يزال نائماً. دخلت نارا ولكنها لم تجده فظنت بأنه في مكان ما في البيت. بدأت تبحث عنه فرأت السيدة كيم في المطبخ تعد الفطور التي ابتسمت لها وطلبت منها أن توقظ البقية ليتناولوا طعام الفطور، عندئذ أخبرتها نارا بأن جو هيون ليس في غرفته. قالت السيدة كيم باستغراب: هذا غريب، أنا لم أره مطلقاً لذا ظننته لا يزال نائماً.
ذهبت نارا لغرفة شي هيون لتوقظه ففتح عينيه قائلاً: دعيني أنام نونا، لا أرغب بتناول طعام الفطور.
- ستغضب منك والدتك إن تجاوزت وجبة الفطور.
- نونا من فضلك، لم أعد طفلاً. رأسي يؤلمني بشدة فهلا تركتني أنام قليلاً.
- حسناً كما تريد، هل يؤلمك رأسك حقاً؟ لماذا؟ بماذا تشعر؟
وضعت نارا يدها على جبهته وإذا به حرارته مرتفعة ويتعرق بشدة، بدا عليها القلق وهبت لتنهض فأمسك بيدها وقال: لا داعي لتخبري أمي، سأكون بخير بعد أنام.
ردت نارا بحنق: ما هذا الهراء، أنت مريض وعليك أن تأخذ الدواء، سأناديها على الفور.
أسرعت نارا للسيدة كيم وأخبرتها بشأن شي هيون فهرعت السيدة كيم إليه، قامت بفحص درجة حرارته وطلبت من طبيب العائلة الحضور على الفور. حاولت نارا أن تتصل بجو هيون ولكنها سمعت صوت هاتفه يرن في غرفته وعلمت بأنه لم يأخذه معه.
قام الطبيب بفحص شي هيون وأخبر السيدة كيم بأنه لا يعاني من مرض عضوي وبأن مرضه هذا ربما يكون بسبب ضغط نفسي أو صدمة عصبية أو حتى إرهاق وتعب ووصف له بعض الأدوية. طلبت السيدة كيم من السائق أن يحضر الأدوية على الفور.
شعرت نارا بالحيرة بشأن جو هيون وتساءلت عن مكان ذهابه في مثل هذا الوقت المبكر ثم قالت في نفسها بأنه ربما يكون قد ذهب ليحضر لها مفاجأة ما قبل موعد لقائهما.
مضى بعض الوقت وتحسنت حالة شي هيون وانخفضت حرارته بعد أخذه للدواء ثم أحضرت له نارا كوباً من العصير الطازج فرفض شي هيون شربه وطلب منها ومن والدته تركه لأنه يرغب في النوم.
خرجت كلتاهما من الغرفة وهما تتساءلان عما حدث معه ليصل به إلى هذه الحالة. نظرت نارا إلى الساعة وقالت بأن عليها الخروج الآن، وعندما سألتها السيدة كيم إلى أين أجابتها بأنها ستتناول الغداء مع جو هيون في مطعم قريب وقد اتفقا على ذلك مسبقاً.
احتارت نارا باختيار الفستان المناسب لموعدها الأول وبقيت تجرب واحداً تلو الآخر أمام المرآة والسعادة تقطر من عينيها وابتسامتها العريضة لا تفارق شفتيها. حددت نارا خيارها كي لا تتأخر في موعدها الأول، وتأنقت وارتدت العقد الذي أهداها إياه جو هيون. خرجت نارا تتمشى بسعادة وكأنها على وشك أن ترقص من شدة سعادتها.
وصلت نارا المطعم وجلست إلى إحدى الطاولات وبقيت تنتظر وهي تنظر في الساعة حتى بدأت تقول في نفسها: لا يعقل بأنه نسي موعدنا الأول، هذا مستحيل، أوبا لن يفعل ذلك.
طلبت نارا العصير لتشربه ريثما يصل جو هيون وبعد مضي ساعة ونصف من انتظارها دخل جو هيون المطعم وجلس مقابلها ببرود ووجهه متجهم وأول ما قاله: لماذا ما زلت هنا؟ لماذا لم تعودي للبيت بعد أن رأيت بأنني تأخرت؟!
- كيف يمكنني أن أعود بهذه البساطة أوبا ... إنه أول موعد لنا.
- ألم تفهمي بعد؟
- أفهم ماذا ... أوبا؟ ماذا هناك ولماذا تأخرت؟
- لم أتأخر، أنا لم أشأ القدوم منذ البداية.
- لماذا؟ آه هل علمت بشأن شي هيون، لقد بات بخير الآن لذا لا داعي للقلق أوبا.
- هل أنت حمقاء؟ لماذا عقلك سميك لهذه الدرجة؟
- أوبا ماذا هناك؟ هل فعلت شيئاً أغضبك؟ أخبرني ربما يكون سوء فهم فأنت تعلم بأنني لا يمكن أن أفعل شيئاً يغضبك مني أو يحزنك.
- نارا، انسي كل ما حدث بيننا ليلة أمس وكل ما قلته لك.
- كل ... ما حدث؟ لماذا؟ (بدأت الدموع تجتمع في عينيها وعلمت بأن هناك كلاماً سيجرحها)
- أجل، لأنه مجرد خطأ ولا يمكننا الاستمرار بفعل شيء خاطئ.
- ما الخطأ أوبا بقولك أنك معجب بي؟ أنا أيضاً معجبة بك منذ وقت طويل.
- لقد كنت ثملاً ولم أكن أعي ما أقول وما أفعل، ما فعلته تجاه ... أختي الصغرى كان خطأ جسيماً.
- أختك الصغرى؟ أنا؟!! أوبا كن صريحاً معي، أنت تقوم بحيلة ما الآن؟ قل لي بأنك تمازحني فأنا لا يمكنني منع دموعي أكثر من ذلك ... أرجوك. (انهمرت دموعها بينما كانت تحاول التماسك)
- ولمَ قد أمزح معك في أمر كهذا؟! لا تصدقي كلامي إذاً فهذا لا يهمني. أنا لم أعد أستطيع رؤيتك حتى، قولك بأنك معجبة بي يستمر بالتردد في أذني وتلك القبلة اللعينة تستمر في مطاردتي. لا يمكنني العيش معك تحت سقف واحد. سأضطر لترك البيت عما قريب وغالباً سأسافر وأكمل دراستي في الخارج.
- أوبا ما الذي تقوله؟
- هذا آخر حديث بيننا، أنا لم أعد أريد رؤيتك حتى. (قالها وهو ينهض من مكانه ليهم بالمغادرة)
- انتظر أوبا من فضلك. أخبرني الحقيقة أرجوك. (أمسكت يده بكلتا يديها)
- لا تلمسيني ولا تقتربي مني حتى. ألم تفهمي كل ما قلته لك. رؤيتك باتت تثير اشمئزازي من نفسي ومنك أيضاً.
نفض جو هيون يديها بعيداً وخرج من المطعم تاركاً إياها غارقة بدموعها والصدمة لا تفارق تعابير وجهها البريئة.
"تركني غارقة في دموعي وذهولي وخرج. لم يحدث يوماً وأن تجاهل أوبا دموعي مهما كان السبب تافهاً، بل حتى نظرات الحزن في عيني كانت تؤلمه. (كيف يمكنه أن يتغير هكذا بين ليلة وضحاها؟) سؤال أرقني لسنوات عديدة لم أجد له إجابة مقنعة ولكن ما أثق به هو أنه لم يقل لي السبب الحقيقي مطلقاً.
قررت أن أسافر وأدرس في الخارج لأبتعد وأحقق له رغبته الأخيرة بالابتعاد عنه بدلاً من أن يبتعد هو عن عائلته، فمن مثلي يعرف حقيقة هذا الشعور الفظيع وهو شيء لا أرغب في أن يعاني منه الشخص الأقرب لقلبي. جعلت حياتي عبارة عن دراسة وعمل وهروب من الواقع كي لا أفكر به للحظة واحدة. قررت نسيان مشاعري تجاهه وكل ذكرياتنا وأحاديثنا وابتساماتنا وحتى قبلتنا اليتيمة.
في غربتي أدركت بأن الزمن كفيل بجعلي أصب اهتمامي وتفكيري في أمور أخرى وأحن لأمور أخرى، ولم يكن حبي له أولوية قصوى ولكن ما لم أستطع نسيانه حقاً غضبي منه. لا أدري ما بقي من مشاعري تجاهه ولكن ما كنت أعرفه جيداً هو أنني غاضبة منه. كسر قلبي ورماه أرضاً وسحقه بكل ما أوتي من قوة قبل أن أستوعب حتى فرحتي باعترافه بحبه لي."
أتى موعد الغداء وسألت يونغ جاي الجميع ماذا يريدون أن يأكلوا حتى تطلب الطعام أو تذهب لتشتريه. نظر لها سي جي وقال: آه أنا والمحامية نارا سنخرج لتناول الطعام في الخارج، استمتعوا بطعامكم.
نظر له جو هيون بحدة وقال بنبرة جادة: تتناولان الطعام في الخارج يعني أن هناك أكثر من ساعة ستضيع من اليوم.
- يمكننا تعويضها بالعمل بعد وقت العمل الرسمي عدا عن أن هذا الوقت من حقنا كموظفين.
- من حقنا كموظفين؟! هل تظننا نعمل لدى شركة خاصة أم أن عملنا كتاب أو صحافيين أو ممثلين. نحن فريق تحقيق خاص، علينا إيجاد فتاة اختفت آثارها منذ أسبوع ولديها عائلة قلقة بشأنها. ماذا ستقول لوالدتها إن أتت وسألتك عنها وماذا عرفت بشأنها؟! هل ستقول لها "آه أنا آسف كنت أتناول الطعام في المطعم"
- ألا تريدنا أن نتناول الطعام حتى؟ كيف سنقوم بعملنا إذاً؟
- أنتم لا تأخذون الأمر بجدية حتى فلم أكبد نفسي عناء الشرح. الفتاة ليست جزءاً من عائلتكم لذا لا يهم إن كانت ميتة أم حية، ففي النهاية هو مجرد عمل بالنسبة لكم.
خرج جو هيون وتوجه نحو سطح المبنى فلحقت به يونغ جاي في حين كرر سي جي طلبه لنارا بالخروج فقالت: إنه محق فيما قاله، علينا أن نأخذ الأمر بجدية أكبر فكل دقيقة مهمة وربما تنقذ حياة هذه الفتاة إن كانت لا تزال حية.
تنهد سي جي متذمراً وقال: حسناً كما تريدين.
وصلت مكالمة للمكتب ورد دو تشان عليها وقد كان محقق من أحد مراكز الشرطة المحلية يخبره فيها بأنه تم العثور على جثة امرأة في جبل خارج مدينة سيئول.
نقل دو تشان الخبر لنارا وسي جي واتصل السيد كيونغ بجو هيون ولكن هاتفه كان على مكتبه فاتصل بجاي يونغ وأخبرها.
كانت جاي يونغ قد تبعت جو هيون لتتحدث معه وتهدئه وعندما رآها قال: لماذا لحقتِ بي؟
- أردت الاطمئنان عليك.
- أنا بخير، عودي لعملك. اطلبي الطعام وتناولوه معاً.
- ماذا عنك سيدي؟
- لا رغبة لي بذلك.
- سيدي، أنا أعلم ما يزعجك.
- بالطبع ستعلمين، فقد قلته بوضوح منذ لحظات.
- أعلم بأن هذه عادتك عندما يتعلق الأمر بالضحايا وعائلاتهم وأعلم كم أنك شخص عاطفي وتشعر بالمسؤولية تجاههم، لذلك تبذل أقصى جهدك في العمل لتحقق العدالة للجميع، رغم أنك تظهر بشخصية المدعي العام البارد والمغرور والذي يعتد بنجاحه.
- أعلم بأنك تفهمينني جيداً وتعرفين عني الكثير فما الذي ترمين له بقولك كل هذا؟
- أردت أن أخبرك بأن ردة فعلك هذه تدل على أن هناك أمر آخر يزعجك مما حدث.
- وما هو أيتها العبقرية؟
- أنت تهتم لأمر المحامية نارا، أليس كذلك؟
- ما الذي تهذين به؟
- لا داعي لتنكر يا سيدي فقد كان الأمر واضحاً من تصرفاتك ونظراتك منذ قدومها.
- أنت مخطئة، لا شيء من هذا القبيل. تعلمين بأنني أعتني بكل فرد من فريقي ليقوم بعمله كما يجب. أنت على سبيل المثال ألا تحسدك بقية الموظفات على عملك معي، قولي الحقيقة يونغ جاي.
ضحكت يونغ جاي وقالت: بلى، فالجميع يرى اهتمامك بي ولكنهم لا يرون توبيخك لي.
- أنا أوبخك لمصلحتك أيتها الحمقاء. كي تتعلمي من أخطائك.
ابتسمت يونغ جاي وهمت بإكمال حديثها فقاطعها رنين هاتفها فأجابت على السيد كيونغ وبدا عليها الدهشة فسألها جو هيون ماذا هناك وأخبرته.
ركض كلاهما حتى دخلا المكتب حيث أخذ جو هيون هاتفه وطلب من المحقق سي جي القدوم معه بينما أمر البقية بالبقاء في المكتب.
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasyكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...