القرن الأخير- الفصل 8

31 3 0
                                    

سيئول 2019
مضى بعض الوقت وهما يبحثان في المتاجر والصيدليات والمطاعم وغيرها من الأماكن التي قد تذهب إليها هذه الفتاة ولكن دون جدوى. شعر كلاهما بالتعب وقررا العودة للفندق وإذا بالمطر يبدأ بالهطول شيئاً فشيئاً. شعرت نارا بالقلق وفي أثناء دخولهما المصعد في الفندق أخرجت علبة الدواء وتناولت حبتين فنظر لها جو هيون بقلق وقال: هل تذكرين ما قلته لك؟
ردت نارا بابتسامة باهتة: سأكون بخير أوبا، ليس وكأنها أول مرة.
دخلت نارا غرفتها بينما كان جو هيون ينظر لها بقلق ولكنه سرعان ما دخل غرفته وبدل ملابسه وجلس على سريره قلقاً يفكر بها ثم ينهض ويهم بفتح الباب ويتراجع ثم أرسل لها رسالة نصية يسألها إن كانت بخير وظهر لديه بأنها قرأتها ولكنها لم ترد فازداد قلقاً. كانت نارا قد جلست القرفصاء على سريرها وتضع يديها على أذنيها خائفة كلما سمعت صوت الرعد.
كان قلب جو هيون ينقبض كلما سمع صوت الرعد، وعندما مضت دقائق ولم ترد على رسالته خرج من غرفته مسرعاً وطرق باب غرفتها بقوة قائلاً: نارا، هل أنت بخير؟ افتحي لي الباب من فضلك، نارا أجيبيني فأنا أشعر بالقلق.
كانت نارا خائرة القوى ولم تعد تشعر بساقيها ورغم ذلك تحاملت على نفسها ونهضت بخطوات متثاقلة حتى وصلت الباب وقامت بفتحه وإذا بها توشك أن تقع أرضاً فأسرع جو هيون وحملها بين ذراعيه وأغلق الباب.
وضعها على سريرها بلطف ووضع الغطاء عليها ثم تحسس جبينها قائلاً: حرارتك مرتفعة قليلاً.
أحضر جو هيون ماء بارداً من الثلاجة الصغيرة الموجودة في الغرفة مع منشفة صغيرة وجعل منها كمادات. جلس جو هيون بجانبها ووضعها على جبينها والقلق واضح على ملامحه، حدقت نارا في عينيه وإذا بالدموع تنساب من عينيها بصمت فوضع جو هيون يده على وجنته وشرع بمسح دموعها قلقاً
- ماذا؟ لماذا تبكين؟! هل هناك ما يؤلمك؟
- يؤلمني أن تراني بهذه الحالة أوبا.
- لمَ تقولين هذا، إنها ليست المرة الأولى فلطالما كنت بجانبك في أوقات كهذه.
- في السابق كنت أعلم بأنك تحبني وتهتم لأمري وعلاقتنا كانت مختلفة تماماً عما هي عليه الآن.
- وما ... الذي اختلف؟
- أشعر الآن بأنني عبء عليك وأكره أن تراني ضعيفة هكذا. أكره أن أكون مثيرة للشفقة في نظرك أوبا.
- لا ... لست كذلك. أنا لا أفكر بك بهذه الطريقة مطلقاً نارا. أنت لست ضعيفة أبداً وأنا أعلم هذا جيداً، لا يمكن لفتاة مثلك ووصلت لما وصلتِ إليه أن تكون ضعيفة. لا تفكري بهذه الطريقة أبداً.
- أنت تحاول مواساتي الآن، أنا أكرهك حقاً. لا تفعل ذلك ولا تقل لي كلاماً كهذا لأنك تشفق عليَّ أو تشعر بالذنب تجاهي أو أياً كان. لا تفعل من فضلك.
- الأمر ليس كذلك ... لم قد أشفق عليك. أوقفي هذا الهراء.
- ليس هراءً أوبا، هل تعلم بماذا كنت أفكر طوال السنوات الماضية؟ بالسبب الحقيقي الذي دفعك لتركي بين ليلة وضحاها ومن ضمن الأسباب التي خطرت في بالي هو هذه الحالة التي أصاب بها كلما هطل المطر.
- هل أنت مجنونة؟ كيف يعقل أن يكون هذا سبباً؟!
- لماذا إذاً؟! أرجوك أخبرني. (استمرت دموعها بالانسياب)
لم يستطع جو هيون منع دموعه أكثر فاقترب وقبل جبينها فتساقطت دموعه على وجهها وسط اندهاشها ثم قال بألم: تخليت عنك من أجلك، لأنك ستتأذين إن بقيتِ معي.
- ما الذي يعنيه هذا؟! لماذا سأتأذى إن بقيت معك؟
- أنا لست جيداً بما فيه الكفاية من أجلك نارا.
- لا تبدأ بالمراوغة أوبا، أنت لديك قدرة على رؤية المستقبل صحيح. هل رأيتني أتأذى؟
- مـ.... ما الذي تقولينه؟ شي هيون يملك القدرة في هذا الجيل وأنت تعلمين بأن شخصاً واحداً من كل جيل سيحمل قدرة ما.
- أجل ولكن قد حدث بأن توأمين من سلالة أجدادنا امتلك كلاهما قدرات مختلفة، قدرة أحدهما كانت قوية والآخر ضعيفة.
- ما الذي ... تقصدينه بهذا؟
- أوبا توقف أرجوك، أخبرني الحقيقة فقط فأنا تعبت من هذا الأمر.
هم جو هيون بالرد وإذا بصوت الرعد يقاطعه فأغمضت نارا عينيها واضعة يديها على أذنيها خائفة. كانت الحبوب المهدئة التي أخذتها قد أظهرت مفعولها وبدأت نارا تغلق جفنيها بالفعل ولكنها كانت تقاوم لتتحدث مع جو هيون لعله يخبرها بالحقيقة. بقي يماطلها حتى بدأت تتحدث بشكل متقطع غير مفهوم وما لبثت حتى استغرقت في النوم.
تنفس جو هيون الصعداء وعندما تأكد بأنها نائمة ولا تسمعه اتصل بشي هيون على الفور وسأله ما الذي قاله لنارا حتى قالت له كل هذا الكلام ومع إلحاح جو هيون اضطر شي هيون لإخباره بالحديث الذي دار بينهما ولكنه لم يخبره بشأن خطتهما لقراءة أفكاره.
- وما الذي قاله جدي؟
- أخبرني عن التوأم الذين امتلكا القدرات وبأن أحدهما كانت قدرته قوية للغاية والآخر ضعيفة ولكن لم يستطع كلاهما التحكم بها.
- وماذا أيضاً؟
- قال بأن حدوث أمر كهذا بعيد الاحتمال ولكن ليس مستحيلاً لأن هذه القدرات تتناسخ في جيناتنا الوراثية.
- هل قلت ما لديك؟ هل تقنع نارا بهذا الهراء وتجعلها تتخيل بأن هناك سبباً غامضاً وراء انفصالي عنها وأصبحت لا تنفك تفكر بهذا الأمر. كيف يمكنها أن تمضي قدماً في حياتها إن بقيت تفكر في الماضي.
- وكيف يمكنك أن تمضي قدماً في حياتك إن بقيت خائفاً من المستقبل هيونغ؟ لقد قلتها لي بوضوح بأنك تريد حمايتها وبأنك تتحمل الألم والعذاب من أجل هذا.
- شي هيون توقف.
- لن أتوقف هيونغ، لا يمكنني رؤيتكما تتعذبان وأقف متفرجاً. إن كنت حقاً تمتلك قدرة كهذه ورأيت بأنها ستتأذى لسبب ما فمن الأفضل أن تخبرها، معاً يمكنكما تغيير هذا المستقبل ويمكنكما تجنبه، هيونغ يمكنك أن تحميها فهو أمر لم يحدث بعد، ألم يسبق لك أن رأيت أمراً سيحدث وتمكنت من تجنبه؟ ما دمت قد رأيت كيف ستتأذى فأنت يمكنك أن تحميها وتمنع الأمر، لذا أوقف كل ما تفعله بها فهذا لن يجعلها تغادر ولن يجعلها تنهي رغبتها في معرفة سبب انفصالك عنها بل لن يزيدها إلا ألماً وبالتالي أنت ستتألم ربما ضعف ألمها.
صمت جو هيون للحظات ثم أنهى المكالمة. جلس جو هيون على طرف السرير غاضباً متوتراً ثم نظر لنارا وقد انسابت دموعه على وجنتيه قائلاً: هل حقاً يمكننا تجنب ذلك؟ هل يمكننا تجاوز ذلك نارا .... إن كنا معاً؟!
اتكأ جو هيون على السرير بجانبها وحدق في وجهها وهو يعبث بخصلات شعرها قائلاً: أنا خائف نارا، خائف من أطلب منك أن تعودي لي، وخائف مما قد تقولينه لي، وخائف مما قد يحدث لو أننا فعلاً تمكنا من تجاوز الماضي وتجاهل المستقبل الذي رأيته. لا أدري إن كان عليَّ أن أصارحك وإن كنت أستطيع استجماع شجاعتي لفعل ذلك.
انسابت دموعه بألم ثم اقترب منها وقبل جبينها قائلاً: أحبك كما لم يحبك أحد ولن يحبك أحد. حبيبتي الأولى والأخيرة مهما مضى من الزمان ومهما طال البعد.
مضت الساعات وأشرقت شمس الصباح ففتحت نارا عينيها ببطء وإذا بها ترى وجه جو هيون مقابل وجهها تماماً بل وأكثر من ذلك فقد كان يطوقها بذراعيه وهي تطوقه بإحدى ذراعيها وتمسك بقميصه بإحكام.
جحظت عينا نارا باندهاش للحظات محاولة استيعاب الموقف ثم دفعته بعيداً عنها بقوة فاستيقظ مفزوعاً وهو يتساءل (ماذا حدث؟ ماذا هناك؟!).
- أوبا هل جننت؟ كيف لك أن تنام بجانبي وتعانقني هكذا؟!
- آه ... ذلك ... لقد كنت أعتني بك طوال الليل وأضع لك الكمادات فنمت.
- بهذه البساطة؟!
- أجل. أنت تبالغين فقد نمنا في نفس الغرفة من قبل. (كان يخلل أصابعه في شعره محرجاً)
- ولكن كل منا على فراشه وله غطاؤه. كيف لك أن تنام على سريري وتشاركني غطائي أيضاً، هذه وقاحة.
- و...وقاحة؟! ألا تلاحظين بأنك تختارين كلمات قاسية وتصفين بها الرجل الذي اعتنى بك طوال الليل؟!
- هل بدأت؟! هل ستنسى كل ما قلته وتبدأ بقول إنك أشفقت علي وكنت تراعي حالتي المرضية وما إلى ذلك؟!
- كلا، لم أنسَ ولن أقول شيئاً كهذا، فقد كنت صادقاً في كل ما قلته لك أمس على الرغم من أنك ربما تتذكرين لأنك كنت تشعرين بالنعاس بسبب الدواء.
- بل أذكر. قلت بأنك تخليت عني من أجلي وبأنني سأتأذى إن بقيت معك فما الذي يعنيه هذا؟
- لنتحدث لاحقاً، اغتسلي وبدلي ثيابك فأمامنا يوم طويل. (نهض وهم بالخروج من الباب)
- أوبا ... لقد قبلت جبيني وبكيت. أنت تتألم وتفعل كل هذا مجبراً فأخبرني الحقيقة أرجوك. (دمعت عيناها وهي تمسك بيده)
- لاحقاً نارا، سأخبرك بكل شيء ... أعدك. (وضع يده على وجنتها ومسح دموعها بلطف)
ابتسم جو هيون بألم وخرج من غرفتها عائداً لغرفته. بعد حوالي نصف ساعة خرجت نارا من غرفتها ووجدته يقف بانتظارها فابتسم فور رؤيته لها واقترب منها قائلاً: هل انتهيت؟ هيا بنا لنتناول الفطور أولاً.
نظرت له نارا باندهاش واستغراب:
- ما بكِ؟
- ظننتك ستوبخني أو تجادلني لأنني تأخرت.
- لا داعي لأتصنع الغضب منك بعد الآن فهذا متعب و ... مؤلم جداً.
- إذاً فأنت تعترف بأنك كنت تكذب عليَّ وتوبيخك وغضبك ذاك لم يكن حقيقياً.
- أجل. (ضم شفتيه محرجاً)
- ألم تشفق عليَّ أنت تراني أتألم وأبكي بسبب ما تفعله بي. (ضربت صدره بقبضتها بضع مرات)
- كان قلبي يتمزق. (أمسك بيدها التي تضرب صدره بها)
- أوبا؟!
- لا تفكري بأي شيء الآن، دعينا نركز على مهمتنا وسنتحدث لاحقاً.
لمست نارا للمرة الأولى الصدق في كلماته وصوته ونظراته وابتسامته. استغربت تغيره المفاجئ وظنت بأنه ربما قد تألم على حالها وقرر بأن يخبرها بالحقيقة. على الرغم من فضولها لتعرف سر تخليه عنها وهو الأمر الذي أرقها لسنوات إلا أنها قررت ألا تلح عليه خشية أن يتراجع في قوله.

القرن الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن