عادت نارا بعد قليل وكان سي جي قد وضع الطعام على الطاولة، طلب منها الجلوس لتناول الطعام وعندما بدأت تأكل حدق بها ليعرف إن كان قد أعجبها. لاحظت نارا الأمر فتوقفت ونظرت له قائلة: ماذا هناك؟
رد سي جي بلا شيء وبدأ يتناول طعامه فابتسمت ثم قالت: لا بأس به، أظن بأنه سيتوجب عليك الطهو يومياً.
قال سي جي ببرود: يمكنك الطهو بنفسك فلديك يدين وثلاجتك مليئة بكل ما تريدين.
ردت نارا بنبرة باردة وجادة: في السجن يقدمون الطعام جاهزاً للأسرى أليس كذلك؟!
ابتلع سي جي لقمته بصعوبة وكأنها كادت أن تقف في حلقه ثم قال وهو يحدق في طبقه: وهل أنت أسيرة؟!
نظرت له نارا وقالت: إن لم أكن أسيرة لديك فما الذي أفعله هنا في مكان كهذا؟!
أحكم سي جي قبضته بغضب ثم نهض وخرج من البيت متوجهاً لحديقة القمر وأسرع لقبر يو وول وهو يكاد ينفجر غضباً ويقول: أسيرة؟! تقول عن نفسها بأنها أسيرة وقد أمضت يوماً واحداً في هذا المكان، فماذا عساي أقول أنا؟! تلك الملكة اللعينة لو كانت جثتها تنبعث من رمادها كلما أحرقوها لحرقتها مجدداً ولن يخفف ذلك من غضبي شيء. لم أشاهد ما حل بها ولم أراها تتعذب، كم وددت أن أكون شاهداً على موتها ولكنني كنت ... أسيراً في هذا المكان الذي تحول لجحيم بعد أن كان جنة بالنسبة لي.
جثا سي جي على ركبتيه بجانب قبرها ودمعت عيناه قائلاً: هنا فقط ... هنا كانت جنتي وسعادتي وفي الوقت ذاته حزني وألمي وقهري. كل شيء اجتمع هنا لأنك كل شيء يو وول، أنت لي كل شيء.
كانت نارا قد شعرت بالذنب بعد خروجه بهذه الطريقة وقالت في نفسها: ربما لم يكن عليَّ قول هذا وأنا أدري بأن لديه قصة وبأن لهذه اللعنة حكاية طويلة. لم يجدر بي أن أحكم على الأمر دون أن أفهم الأمر كاملاً.
خرجت نارا من المنزل تبحث عنه وعندما شعرت بأن بحثها عبثاً نادت باسمه وأكملت طالبة منه ألا يظهر فجأة. تنهد سي جي وخرج من باب حديقة القمر وعندما رأته نارا قالت: آه، هل كان الباب هنا؟ لقد مررت به ولكنني لم ألاحظه.
اقترب سي جي بخطاه منها وهو يقول: لن تجديه مهما حاولتِ ما لم أظهره لك.
- ألهذه الدرجة يعد مكاناً سرياً وهاماً؟
- ماذا تريدين؟
- أريد أن أسمع الحكاية ... كاملة منك.
- لماذا؟ هل شعرت بالملل بهذه السرعة؟!
- كلا، أريد أن أعرف كي أقرر إن كان عليَّ أن أعتذر لك عن تصرفاتي أو أوبخك أكثر وأجعلك تندم على هذا العقد بأكمله.
- إما أنك جريئة لتتحدثي بهذه الطريقة مع شيطان وإما أنك غبية.
- أنا أيضاً لا أعلم، كل ما أعرفه هو أنني لا أشعر بالخوف منك رغم بقائي هنا معك وحدنا في مكان لن يجده بشر ورغم علمي بما يمكنك فعله بي ولكنني لست خائفة ولا أدري لماذا.
- لماذا لست خائفة؟! أنا شيطان وهذه الهيئة البشرية التي أمامك ليست حقيقة، هذا ليس شكلي وليس صوتي ولا شيء من هذا الجسد يشبهني. لو رأيت حقيقتي لتوقف قلبك من الذعر.
- أدرك هذا، لقد قرأت بعض الكتب في الفترة الماضية ولكن ... لماذا تحاول إخافتي الآن؟! كي أحسن معاملتي لك وأطيع كل أوامرك؟!
- ما الذي تريدينه مني الآن؟
- أريد معرفة قصتك كاملة.
- لا أرغب بالحديث الآن، اذهبي وجدي شيئاً آخر ليسليك.
- ألم تفهم ما قلته سابقاً؟! أريد أن أعرف.
- لتريحي ضميرك؟ هل شعرت بالذنب؟!
- أخبرني وحسب. (قالتها بغضب وتوتر)
قرب سي جي وجهه من وجهها بغتة وتوهجت عيناه غضباً فازدردت نارا ريقها، أمسك سي جي بمؤخرة رأسها وقرب وجهها منه أكثر حتى شعرت بأنفاسه على وجهها وحدقت بعينيه اللتين توهجتا باللون الأحمر الدموي ثم قال وهو يطبق أسنانه غضباً: لا تتحدثي معي بهذه النبرة مجدداً. ركزي على مهمتك التي أنت هنا لأجلها فقط. إن تقاعست في هذا سألجأ لإغوائك وإيقاعك في حبي وعندئذ لا أضمن لك ما سيحدث.
تركها سي جي وابتعد عنها وتركها صامتة خائفة وقد تسارعت دقات قلبها وأنفاسها ذعراً ثم قال: عودي للبيت على الفور ولا تناديني لأمر سخيف مجدداً.
نظرت له نارا بحنق وامتلأت عينيها بالدموع ثم عادت أدراجها للبيت. أسرعت نارا وألقت بنفسها على السرير تبكي وتضرب السرير والوسادة بيدها تارة وتحكم قبضتها تارة أخرى ثم غمرت وجهها بالوسادة لتكتم صرختها بها.
جلس سي جي عند شجرة قريبة ووضع يديه على أذنيه وقد دمعت عيناه عندما علم بأنها تبكي وتتألم ثم قال: حالنا صعب، لسان حالها يقول بأنها تكرهني فكيف لها أن تقول كلمة كتلك مفعمة بمشاعر صادقة؟! الأمر سيستغرق وقتاً وربما أكثر مما ظننت.
مضت أيام والجميع يكابد ألمه وحده ويبكي على وسادته وفي خلوته لعله يخفف من نار ألمه، كل يبكي على حبيب فرقت بينهما الظروف، هل هو القدر أم خيارات البشر؟! هل سيمضي الأمر ويجمعهما القدر أم تختفي الظروف وتتغنى الروح بأن الفؤاد قد انتصر؟!
كانت نارا تعامل سي جي بجفاء ولم تعد تناديه إلا لأمر ملح للغاية، باتت تتناول طعامها وحدها واكتفى هو بمراقبتها من بعيد وإحضار مستلزماتها من طعام وشراب وتركه أمام باب البيت.
جو هيون عاد لعمله ولكنه كان كجسد خالٍ من الروح، يرهق نفسه في العمل حتى يغلبه النوم على مكتبه، لم يعد حاله يخفى على أحد من زملائه وأدركوا بأن هناك خطب ما يضايقه جعله يصب تركيزه بأكمله على عمله.
شي هيون يمضي أيامه وحيداً كئيباً يقلب صوره مع يونغ جاي في هاتفه فيبكي تارة ويحاول أن يشغل نفسه بأي شيء آخر تارة أخرى. بدأت حالة والدة يونغ جاي تسوء واضطرت لنقلها للمستشفى لتبقى هناك وبقيت يونغ جاي معها تبكي وتتألم وتدعو لها لتبقى على قيد الحياة ومن ثم تقع عينها على صورة شي هيون أو اسمه على هاتفها وتتمنى لو كان بإمكانها الاتصال به ليكون بجانبها.
علم جو هيون بأمر والدة يونغ جاي وبات يزورها ويطمئن عليها كل يوم ويجلس مع يونغ جاي قليلاً. في كل مرة كانت ترغب بسؤاله عن شي هيون وتتراجع.
كان سي جي على علم بكل هذا فضاق ذرعاً بنارا وعاد لها في مساء أحد الأيام وطرق باب المنزل بقوة أفزعتها. فتحت له الباب وسألته ماذا هناك فاندفع للداخل بغضب وقال: إلى متى ستبقين هكذا؟ هل نسيت سبب قدومك إلى هنا؟ الجميع يعاني بسببك الآن.
- ماذا تقصد بأن الجميع يعاني بسببي؟
- انظري لهذه الصور.
رمى سي جي ظرفاً مليئاً بالصور لجو هيون وشي هيون ويونغ جاي ووالدتها كذلك على الأرض فأمسكت بها نارا وألقت نظرة عليها بألم ودمعت عيناها قائلة: هل ساءت حالة والدتها؟
- أجل، إنها في أيامها الأخيرة وفي اعتقادك من هو أكثر شخص هي بحاجته الآن لجانبها؟ شي هيون، ولماذا لا يمكنه أن يكون بجانبها ويستمر بالبكاء؟! بسببك أنت لأنك لم تبذلي أدنى جهد لإنهاء اللعنة.
- أنا ...
- أنت ماذا؟ أنت أنانية، هل تظنين بأن العالم يتمحور حولك؟ أليس عليك أن تشعري بهؤلاء أيضاً؟ هذه الفتاة ليس لها سوى والدتها في هذه الحياة، أخفت حبها كي لا تضيع الوقت مع شخص آخر لأنها تعلم بأن والدتها لم يتبقى لها الكثير من الوقت. إن لم تبذلي جهدك لتفكي اللعنة فإن يونغ جاي ستنتحر بعد وفاة أمها. إن لم يكن شي هيون بجانبها ستموت ورغم ذلك إن بقي بجانبها دون أن تنتهي اللعنة ستموت أيضاً. هل فهمتِ الآن خطورة الوضع؟!
- تقول هذا وكأنك تأبه لحياتنا؟ أنت من عقد الصفقة وجعل حياتنا الثمن للحب فلماذا تحملني الذنب الآن؟ كيف لي أن أقول لك تلك الكلمة بمشاعر صادقة وأنت تفعل بي كل هذا؟
- عليك قولها، عليك فعلها كي تنهي عذابك وعذاب هؤلاء معك.
- ساعدني إذاً ... أرجوك.
جثت نارا على الأرض ممسكة بالصور وقد أجهشت بالبكاء فتنهد سي جي بألم عندما رأى حالها فاقترب وجثى على ركبته أمامها وضمها لصدره يربت على رأسها. بعد لحظات نظرت له نارا وقالت: ساعدني ... أرجوك.
وضع سي جي يديه على وجنتيها وقال: كيف يمكنني ذلك؟
- أخبرني الحقيقة كاملة، دعني أفهم كل شيء لكي أشعر بك وأتفهم أسبابك التي دفعتك لفعل هذا.
- ولماذا أنت واثقة من أن سماع حكايتي ستجعلك تتفهمين الأمر؟
- وما الذي يجعلك خائفاً من هذا؟ هل أنت الشخص السيء في القصة؟ هل يو وول حبيبتك حقاً أم ضحية لك؟ أريد أن أعرف وأفهم.
- لست واثقاً بما قد تفهمينه من قصتي فربما ترينني شخصاً أنانياً جشعاً سعى خلف انتقامه.
- دعني أسمع وأحكم، دعني أقترب منك لأعرفك أكثر وتوقف عن إخافتي وإبعادي. ألا تعلم كم كانت الأيام الماضية مؤلمة بالنسبة لي؟!
- هيا انهضي.
أمسك سي جي بيدها وساعدها على النهوض ثم مسح دموعها وقال: إن كنت ترين بأن هذا سيساعدك فسأخبرك بكل شيء. اغسلي وجهك وتعالي، سأنتظرك عند الأرجوحة فأمامنا قصة طويلة، أرجو ألا تنامي وأنا أتحدث فقط.
أومأت نارا برأسها موافقة فأمسك وجهها بيديه ورفعه نحوه قائلاً: لا تبكي، قلت لك بأنني لا أحب رؤية هذا الوجه يبكي.
خرج سي جي وجلس على الأرجوحة وبعد دقائق عادت نارا تحمل علبتين من المشروبات فأعطته واحدة وجلست بجانبه قائلة: أنا أسمعك.
ابتسم سي جي بألم وقال: بدأت حكايتي عندما اقتحمت فتاة من البشر حديقة القمر وهي تتنكر بزي رجل، كانت تهرب من بعض الرجال ليلاً واصطدمت بي وما أن رأيتها عن قرب وشعرت بدقات قلبها التي اختلطت بدقات قلبي وقعت في حبها. سرقت قلبي من الوهلة الأولى. أخذتها لحديقة القمر وجلسنا وتحدثنا وضحكنا وكانت كلما تحدثت وقعت في حبها أكثر، وكلما ابتسمت وقعت تحت تأثير سحرها أكثر وأكثر. غادرت ووعدتني بالعودة، أخذت قلبي معها وتركتني هائماً في بحر عشقها وفي تلك الليلة أدركت بأن أمري قد انتهى لأن بشرية فتنتني وأوقعتني في عشقها.
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasiكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...