تظاهر دو هان بتلقيه مكالمة عاجلة فاعتذر من الجميع وطلب من دال هي أن ترافقه لأنه يحتاجها في أمر مهم بشأن القضية.
خرج كلاهما مسرعين وعندما ركبا السيارة انفجرت دال هي ضاحكة فنظر لها دو هان باستغراب وسألها ما بها.
- أنا لم أفعل أمراً سخيفاً كهذا من قبل، يا لها من ذريعة. هل تعتقد بأنهم أدركوا الحقيقة؟
- كلا، لقد مثلنا بشكل جيد. هل أوصلك لمنزلك؟
- هناك حانة بالقرب من مكان سكني، أوقف سيارتي هناك وامضِ في طريقك.
- لماذا ... بقرب الحانة؟!
- لماذا برأيك؟
- لا يمكنك شرب المزيد، أنت ثملة بالفعل.
- هذا ليس من شأنك، هيا انطلق.
تنهد دو هان وانطلق حتى وصلا وطلبت منه إيقاف السيارة فكرر محاولته كي يكملا الطريق ويوصلها للمنزل فرفضت. خرجا من السيارة وسلمها المفتاح فوضعته في حقيبتها، ودخلت إلى الحانة ولكنه بقي يشعر بالقلق فتردد قليلاً ثم تبعها إلى هناك. بقيت دال هي تشرب الكحول حتى باتت تترنح فاقترب منها وأمسك بها، وضعت رأسها على كتفه للحظات ثم نظرت له قائلة: لن أشكرك على ما فعلته من أجلي فأنت أخطأت في حقي اليوم لذا لنعتبر أنفسنا متعادلين. على الرغم من أنه ليس عدلاً فأنت سرقت قبلتي الأولى.
ابتسم دو هان وقال: لقد كانت قبلتي الأولى أيضاً.
- كاذب.
- أنا أقول الحقيقة.
- لا يهم، لماذا لم تغادر بعد؟
- شعرت ... بالقلق عليك، دعيني أوصلك للمنزل فقد تأخر الوقت وأنت أصبحت في حالة يرثى لها.
- حالتي هذه بسبب جو هيون وليس الكحول.
- حالتك بسببك أنت وبسبب طريقة تفكيرك، لا تلومي جو هيون أو أي أحد آخر على ما تقترفينه بحق نفسك.
- لماذا تستمر بإعطائي دروساً في الحياة والمشاعر؟! هل أنت حقاً محقق؟
- هيا انهضي.
أمسك بها دو هان حتى خرجا من الحانة ووضعها في السيارة وأكمل قيادة السيارة حتى مكان سكنها. بقي ممسكاً بها حتى خرجا من المصعد ووقفا أمام باب شقتها وسألها ما رمز المرور فجذبت شعره قائلة: تاريخ ميلادي أيها الأحمق.
رد دو هان: هل قال لك أحدهم بأنني أحفظ سيرتك الذاتية، ما هو الرقم؟
أخبرته دال هي بتاريخ ميلادها فأدخل الرقم وفتح الباب وسألها أين غرفتها فأشارت له. أدخلها ووضعها على السرير وإذا بها تمسك بشعره وتجذبه بقوة فصرخ من الألم وبدأ يتلوى حتى وقع على السرير بجانبها، اقتربت منه حتى باتت يدها فوق صدره والأخرى تمسك بشعره. تركت شعره بعد لحظات ووضعت يدها الأخرى على صدره وقربت وجهها من وجهه وحدقت في عينيه.
- لماذا تستمر بالتدخل في شؤوني؟
- هل أنا مخطئ لأنني قلق عليك؟!
- لماذا تقلق بشأني؟ هل أنت معجب بي؟ ... لماذا لا تجيب؟
- أظن ... ذلك.
- ولكنك تعلم بأنني أحب جو هيون.
- ربما لهذا ... أساعدك على نسيان حبك له.
- كيف؟ هل ستواعدني حتى أنساه؟
- ماذا؟ الأمر ... ليس كذلك.
- أنا موافقة، لنتواعد.
ابتسمت دال هي وهي بالكاد تفتح عينيها بينما كان هو ينظر لها باندهاش لا يدري ما عليه قوله وإذا بها تباغته بقبلة، وقبل أن يستوعب الموقف ويهم بإبعادها فقدت الوعي وسقط رأسها على كتفه. بقي دو هان يحدق في سقف الغرفة للحظات ثم أبعدها عنه بهدوء، وصحح وضعيتها على السرير، ووضع الغطاء عليها وهو يقول: أرجو ألا تذكر شيئاً مما حدث عندما تستيقظ، أم الأفضل أن تتذكر؟ لا أدري، هذا محرج حقاً لكلينا. هذه المجنونة ... كادت أن توقف قلبي.
هم بالخروج ففتحت عينيها مجدداً وأمسكت بيده فالتفت إليها وسألها بحنق ماذا تريد فابتسمت قائلة: شكراً لك ... أيها الوغد.
حدق بها للحظات ثم ابتسم قائلاً: أنا واثق من أنها مجنونة ... مخبولة تماماً ولكنها ... لطيفة وجميلة أيضاً.
أغمضت عينيها وتركت يده ثم همَّ بإبعاد خصلات الشعر عن وجهها ولكنه قبض يده وتراجع ثم غادر المنزل.
في منزل جو هيون كان قد أخبر البقية بأنه يود الذهاب معهم في رحلة إلى منطقة جبلية ليرفهوا عن أنفسهم بعد عملهم الجاد طوال الفترة الماضية ثم أخبر الفتاة بأنه تدبر لها أمر الوظيفة والسكن وبأن بإمكانها البدء من بداية الأسبوع القادم. تحمست الفتاة وشكرته كثيراً وكذلك نارا، أعطاها مفتاح السكن وبطاقة عمل مديرها الجديد لتذهب إليه عندما تكون مستعدة.
غادر دو تشان والسيد كيونغ وانتهت الحفلة ليتوجه البقية كل منهم إلى غرفته. قبل أن تدخل نارا غرفتها نظر لها جو هيون وسألها إن كانت ستأتي لاحقاً لغرفته فابتسمت وقالت بأنها ستفعل. دخل جو هيون غرفته وبدأ بفك أزرار قميصه بغضب وجلس على طرف السرير يحدق في الفراغ حتى دمعت عيناه وهو يقول في نفسه: بعد أن ظننت بأن الأمور قد تحسنت ولكنها ليست كذلك ... إنها تحاول إقناع نفسها وحسب، ما زالت لا تشعر بمقدار حبها لي، ما زالت لا تدرك عظم وقيمة الحب الذي بيننا ربما ... لأن المعاناة التي مررنا والتي كانت سبباً أساسياً لندرك حقيقة مشاعرنا اختفت من ذاكرتها. هي تظن بأنها أدركت مشاعرها تجاهي ولكنها في الوقت ذاته تشعر بالذنب والأسف تجاهي، كيف لي أن أقنعها بالحقيقة وبأنها ما زالت ... لا تدرك كم أحببنا بعضنا البعض.
أخذ جو هيون حماماً دافئاً وبقي يفكر بما عليه أن يفعله مع نارا والألم يعتصر قلبه، لقد بات واثقاً من أنها لن تستطيع استعادة المشاعر ذاتها تجاهه إلا إن استعادت ذكرياتها كاملة، والتي تستمر بالبحث عنها إما بدافع الفضول لمعرفة ماضيها وإما لشعورها بالفراغ والضياع بسبب ذكرياتها المفقودة.
مضى بعض الوقت وتسللت نارا لغرفته خشية أن يراها أحد وعندما دخلت غرفته تفاجأت برؤيته عاري الصدر فاستدارت بسرعة.
- آه آسفة، ألم تنتهي من ارتداء ملابسك بعد؟
- بل انتهيت.
- ولكنك ...
- أنا معتاد على النوم هكذا فهذه غرفتي كما تعلمين ولكن الأمر كان مختلفاً عندما كنت في بيتك.
- هل تقوم بإغاظتي الآن؟
- أجل.
جذبها جو هيون من يدها بقوة لتستدير وإذا به يطوقها بذراعيه، توترت نارا وقبضت يديها خشية أن تلمسه.
- ما خطبك، هل تشعرين بالخجل مني الآن؟
- كلا ولم قد أفعل؟!
- نارا التي أعرفها لن تخجل من رؤيتي عاري الصدر بل ستستغل الأمر، نارا التي أعرفها بقيت تحدق بعضلات شي هيون في لقائهما الأول بعد عودتها من السفر.
- لم تقول هذا لي؟ هل تقصد بأنني قد تغيرت؟
- أليس هذا واضحاً نارا؟!
- ربما يكون فقداني لذكرياتي أثر على تصرفاتي في بعض الأمور ولكن هذا لا يعني بأنني قد تغيرت.
- هل أنت واثقة؟
وضعت نارا يديها على كتفيه ثم طوقت عنقه وقبلته، قادها جو هيون نحو السرير بهدوء حتى استلقيا وعندما أدركت بأن الأمر لن يكون مجرد قبلة شعرت بالضيق والتوتر، وأرادت أن تتذرع بأن يونغ جاي تنتظرها وكأنها قد نسيت الأمر فقال بأن يونغ جاي ستسأم من انتظارها وتنام. لم تعد نارا تحتمل وما هي إلا لحظات حتى دفعته بعيداً بكل قوتها. ابتعد جو هيون على الفور وقد امتلأت عينيه بالدموع، نظرت له نارا فانسابت دموعها ثم حاولت تدارك الموقف وقالت بأنها توترت وتفاجأت ولم تقصد.
- نارا ... لم لا تعترفين بأنك ترغمين نفسك الآن على قول وفعل ما لا تريدينه، نعم أنت معجبة بي وربما تشعرين بشيء من الحب تجاهي ولكن ليس كالسابق، أنت لم تستعيدي مشاعرك الحقيقية تجاهي، وذكرياتك المشوهة التي رأيتها اليوم جعلتك تدركين بأنك قمت باختياري بعد شعورك بالارتباك والحيرة لفترة من الزمن بسبب رجل آخر. أنت أدركت مقدار حبي لك فقط ولكن ليس مقدار حبك لي وهذا ما يجعلك تشعرين بالأسف والذنب تجاهي، وتحاولين تعويضي فقط لا غير.
- أوبا الأمر ليس كذلك، أنا ...
- توقفي نارا، لقد فعلت هذا متعمداً كي أجعلك تواجهين الحقيقة فقط.
- أوبا أنا حقاً أحبك وأشتاق إليك ولا يمكنني البقاء بعيدة عنك.
- أجل ولكن ... ذكرياتك المفقودة ستبقى حاجزاً يمنعك من الاقتراب مني، أنت لن تسمحي لقلبك بالتغلب على عقلك نارا لذا لن تستعيدي حبك الحقيقي تجاهي مهما حاولت أن تضغطي على نفسك ومهما حاولت إقناع عقلك بذلك.
- الأمر ليس كذلك أنا فقط ... أريد التقدم في علاقتنا بتمهل.
- لا تخدعي نفسك نارا، فأنت في قرارة نفسك تدركين بأنك لن تحرزي أي تقدم في علاقتنا طالما لن تستعيدي ذكرياتك كاملة، لأنك تشعرين بالنقص والفراغ وبأن هناك شيء غير منطقي في تطور علاقة حبنا أليس كذلك؟
- أنا ....
- أعلم ... أنت ما زلت تبحثين عن ذلك المحقق ولكنك لن تجديه نارا فقد غادر، عاد لحبيبته السابقة وغادر البلاد بأكملها. كان يخدعك ويحاول إغواءك ليوقعك في حبه لغاية في نفسه ومن ثم غادر عندما رأى بأن الأمر أصعب مما كان يتخيل. هل يريحك هذا؟
- ماذا؟ غادر بعد أن خدعني؟!
- قلت لك بأنني سأساعدك على تذكر كل اللحظات التي جمعتننا فلماذا لم تطلبي مني ذلك؟ لماذا تستمرين بالسؤال عنه لماذا؟ لا يوجد شخص يعرفه ويذكره سواي فلماذا تستمرين بسؤال الآخرين عنه؟
- أنا ... آسفة.
- لا تعتذري .... لا تعتذري. لم أعد أحتمل اعتذارك وشعورك بالذنب تجاهي، أريدك ... أن تحبيني فقط، هل هذا صعب جداً نارا؟ طلبت مني أن أتمسك بك حتى لو فقدت ذكرياتك بأكملها، طلبت مني أن أوقعك بحبي من جديد وقبلت ولكنني لم أكن أعلم بأن الأمر سيكون بهذه الصعوبة. لماذا عقلك يقاوم لهذه الدرجة؟ لماذا لا تستسلمي لقلبك وحسب؟!
- ما الذي تقصده بأنني طلبت منك هذا؟ أوبا ما الذي تخفيه عني؟
- لم أعد أود إخفاء شيء بعد الآن، لقد تعبت نارا، تعبت من نصيبي المأساوي من هذا الحب.
- ماذا تقصد؟ هل ستتخلى عني؟
- لماذا تسألين هذا السؤال السخيف باستمرار؟ كيف يمكنني ...
أسند جو هيون مرفقيه على ركبتيه وغطى وجهه بيديه وبكى فاقتربت نارا وعانقته باكية.
- لا تبكي، أنا آسفة ... آسفة على كل شيء. لا أحتمل رؤيتك تبكي بعد الآن فقد رأيت ما يكفي من الذكريات التي كنت تبكي فيها. يبدو بأنني كنت أجرحك باستمرار.
- لم تجرحيني، أوقفي هذا الهراء وأوقفي اعتذاراتك هذه أرجوك.
- هل أنت غاضب مني الآن بينما أقوم بمواساتك؟ انظر لي.
أبعدت نارا يديه عن وجهه ووضعت يدها على وجنته وجعلته يلتفت نحوها ثم قالت وهي تمسح دموعه: سأثق بك وسأثق بقلبي ولكنني أريدك أن تساعدني لاستعادة ذكرياتي. دعنا نفعل ما اقترحته عليَّ من قبل، أن نذهب لكل الأماكن التي أمضينا فيها بعض الوقت معاً كما فعلت اليوم بعد انتهاء المحاكمة، ما رأيك؟
مسح جو هيون دموعها وأومأ برأسه إيجاباً ثم قال بأنه سيؤجل أمر الرحلة لوقت لاحق فقالت: لنمنحهم تذاكر السفر وانتهى الأمر فهذا أفضل لهم جميعاً. دعنا نمضي وقتنا معاً بعيداً عن الجميع ولنذهب إلى الأماكن التي كنا نذهب إليها سابقاً.
أومأ لها جو هيون موافقاً فابتسمت وعانقته وإذا به يقول: لا داعي لتجبري نفسك أو تشعري بالضغط ....
قاطعته نارا قائلة: الأمر ليس كذلك الآن، بعد الآن ... سأفعل ما يجعلني أشعر بالسعادة حقاً ويجعل نبضات قلبي تتسارع فقط.
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasíaكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...