أمسكت نارا بهاتفها بيدها المرتعشة واتصلت بجو هيون وما أن رأى اسمها على شاشة هاتفه شعر بالقلق وأجابها على الفور.
- أوبا ...
- نارا ... هل أنت بخير؟ ما به صوتك؟
- أوبا ... المحقق سي جي
- ماذا فعل بك؟ ماذا حدث؟
- لقد تأذى بشدة ونحن الآن في المستشفى، إنه في غرفة العمليات.
- ماذا عنك؟ هل أنت بخير؟
- أجل، أنا بخير ولكن هو ...
- حسناً، أخبريني في أي مستشفى أنت الآن لآتي على الفور.
أخبرته نارا باسم المستشفى في حين كان الجميع ينظر له بقلق وسألته يونغ جاي ماذا هناك فقال: المحقق سي جي أصيب وهو الآن في المستشفى، تواصلوا مع الشرطة واعرفوا ما حدث واجلبوا لي تسجيلات كاميرات المراقبة، أريد معرفة ما حدث.
خرج جو هيون متوجهاً للمستشفى وهو يقول في نفسه: لماذا أشعر بأنه فعلها متعمداً؟
وصل جو هيون وما أن رأته نارا هرعت إليه وعانقته باكية فبدأ يربت على رأسها ويخبرها بأن كل شيء سيكون على ما يرام ثم وضع يديه على كتفيها ونظر إليها قائلاً: أخبريني هل أنت بخير، هل تأذيت؟
- أنا بخير.
- ماذا حدث؟ كيف التقيتما وكيف أصيب؟
- لقد رأيته صدفة وأنا خارجة من المقهى وكان يتشاجر مع بعض الرجال بدوا كأنهم رجال عصابة. تلقى ضربة على رأسه ولم أستطع الوقوف ساكنة، اتصلت بالشرطة وضربت أحدهم ثم حاول أحدهم طعني فأنقذني هو وتلقى الطعنة بدلاً مني. أوبا لقد تأذى بشدة فقد كان رأسه ينزف وتلقى طعنة أيضاً. ماذا لو حدث له مكروه؟!
- سيكون بخير لا تقلقي، سأجد هؤلاء وأتابع التحقيق بنفسي لأعرف ما حدث. اجلسي هنا واهدئي.
جلست نارا على المقعد وجلس جو هيون بجانبها وبعد لحظات أتى رجلين من الشرطة يريدان استجوابها بشأن ما حدث فنظر لها جو هيون وقال: إن كنت لا زلت متوترة يمكننا تأجيل الاستجواب.
قالت نارا أنها بخير وستجيب على أسئلتهم. تحدثت نارا معهم وأخبرتهم بأنها أبلغت عن الأمر من البداية ولكن الشرطة تأخرت فقال الشرطي بأن البلاغ كان متأخراً من أحد المارة قائلاً بأن هناك رجلاً تعرض للطعن. أكدت نارا كلامها وأرتهم سجل مكالماتها فقالوا بأنهم سيتحققون من الأمر.
تحدث جو هيون مع الشرطة وأخبرهم بأن فريقه سيتواصلون معهم لمعرفة المستجدات لأن المصاب هو زميلهم وربما يكون المعتدون لهم علاقة بالقضية التي يعملون عليها. غادر رجال الشرطة ثم جلس جو هيون بجانبها وقال: توقفي عن البكاء، أعلم بأنك تشعرين بالذنب ولكن لا داعي لذلك لأنه سيكون بخير.
خرج الطبيب من غرفة العمليات فهرعت نارا نحوه تسأله عن سي جي بينما وقف جو هيون بجانبها ليستمع لما سيقوله الطبيب.
- لقد كانت العملية ناجحة، الطعنة لم تسبب أي أضرار للأعضاء الداخلية أما بالنسبة لضربة الرأس فقد تسببت بنزيف داخلي ولكننا تمكنا من إيقافه وحالته الآن مستقرة.
- شكراً لك أيها الطبيب.
- سيتم نقله لغرفته الآن وسيبقى تحت المراقبة إلى أن يستيقظ ونقوم بفحصه مجدداً.
- هل هناك أي خطر يمكن حدوثه؟
- لا نريد توقع الأمور السيئة ولكن علينا أن نبقى حذرين فإصابة الرأس لم تكن سهلة ولولا بنيته القوية وقوة تحمله لكان الأمر أسوأ بكثير.
- ولكنه بدا بخير حتى بعد ضربة الرأس تلك فقد نهض واستمر بالدفاع عن نفسه ومن ثم تلقى الطعنة.
- يبدو بأنه قوي حقاً فشخص آخر كان سيفقد الوعي على الفور بعد ضربة قاسية كهذه. اطمئنا فهو سيكون بخير، يمكنكما رؤيته في غرفته لاحقاً.
استأذن الطبيب ومضى في طريقه في حين ازدادت التساؤلات في ذهن جو هيون بل وازدادت شكوكه تجاه سي جي وعلم بأنه ليس شخصاً عادياً وبأن احتمال أن يكون هو الشيطان بات أقوى. أراد جو هيون أن يطلب منها أن تغادر وبأنه سيطمئنها على حالته ولكنه امتنع لأنه يعلم بأنها سترفض ذلك فقرر الانتظار حتى تراه وتطمئن عليه ليطلب منها المغادرة.
وُضِع سي جي في غرفته فدخل كلاهما لرؤيته وكان لا يزال غائباً عن الوعي، سألت نارا الممرضة متى سيستيقظ فقالت بأن عليهم الانتظار لبعض الوقت. وضعت نارا كرسياً بجانب سريره وجلست ولم تستطع منع دموعها من الانسياب مما جعل جو هيون يستشيط غضباً. اقترب منها وقال: أنا سأبقى بجانبه حتى يستيقظ لذا يمكنك العودة للبيت.
التفتت له نارا وقالت مستنكرة: كيف يمكنني العودة للبيت دون أن أطمئن بأنه بات بخير؟!
- لقد قال الطبيب بأنه بخير فلماذا تبالغين؟
- أبالغ؟ لا تقل بأنك تشعر بالغيرة الآن؟!
- لم أقل هذا أنا فقط ...
- أنت ماذا؟ يزعجك بقائي معه ويزعجك حتى بكائي على شخص ضحى بحياته لينقذني، أنا لا أصدق.
- أجل يزعجني، لأنني لا أصدق هذا الشخص ولا أثق به، هل ارتحتِ الآن؟ بل أشك بأنه هذه مجرد تمثيلية ليكسب قلبك فقط.
- لقد فقدت صوابك حتماً، هل هناك من سيعرض حياته للخطر فقط ليكسب قلب فتاة؟!
- وما أدراني ما الذي يفكر به وما قد يفعله وهو يستمر بالتقرب منك محاولاً إيقاعك في حبه، يمكنني توقع أي شيء من شخص كهذا.
- شخص كهذا؟! ما الذي تعرفه عنه لتقول هذا عنه؟! هل تعلم ... لقد أخطأت باتصالي بك.
- نارا ...
- غادر من فضلك أوبا، لا أريد أن يستمر جدالنا هذا حتى لا نجرح بعضنا ونندم لاحقاً. من فضلك غادر.
نفخ جو هيون الهواء بغضب ومشى بضع خطوات نحو الباب ثم التفت لها وقال: نارا، كوني حذرة ولا تدعيه يخدعك.
نظرت له نارا بحنق وقالت: هذا يكفي، ليس من حقك أن تقرر عني ما عليَّ فعله بعد الآن، تارة تقترب مني وتارة تبعدني عنك وفي الوقت ذاته لا تريدني أن أقترب من أحد أو يقترب مني أحد سواك. لقد سئمت من هذا الحال، لقد تعبت حقاً لذا دعني وشأني من فضلك.
أشاحت نارا بوجهها عنه وغطت وجهها بيديها تبكي بينما كان جو هيون ينظر لها بألم وقد دمعت عيناه. خرج جو هيون من الغرفة ولكنه بقي في المستشفى لأنه لم يستطع تركها وحدها وبقي يسأل الممرضات إن كان قد استيقظ بين الحين والآخر ويتواصل مع الفريق لمعرفة مستجدات التحقيق.
لم تكن نارا تشعر بشيء أو تفكر بشيء سوى سي جي وما فعله من أجلها وشعورها بالذنب هو المسيطر عليها. كان قرين يو وول حاضراً وساعد بتأجيج الخلاف بينها وبين جو هيون ليبعدهما عن بعضهما البعض.
مضى الوقت وبدأ سي جي يفتح عينيه في حين كانت نارا تضع رأسها على حافة السرير مغمضة العينين وهي تمسك بيده. نظر سي جي للقرين وسأله في ذهنه ماذا حدث فأخبره بما دار بينها وبين جو هيون وقال بأنها تشعر بالذنب تجاهه وتلوم نفسها على ذلك. أشار له سي جي متفهماً ثم أومأ له بالخروج.
- نارا ... نارا.
- آه، هل استيقظت؟ كيف تشعر، هل أنت بخير، هل تتألم؟
- اهدئي، أنا بخير.
- سأستدعي الطبيب على الفور.
أسرعت نارا وأخبرت الممرضة بأنه استيقظ لتنادي الطبيب ثم عادت إليه. دخل الطبيب وقام بفحصه ثم قال: حالتك مستقرة ومبشرة للغاية ولكن رغم هذا ستبقى هنا لبضعة أيام بسبب إصابة رأسك حتى لا تحدث أية مضاعفات.
رد سي جي: أنا بخير أيها الطبيب فأنا محقق ومعتاد على مثل هذه الأمور. لا أحب البقاء في المستشفى لذا من فضلك دعني أخرج في أقرب وقت ممكن.
قال الطبيب: لن تخرج قبل يومين أو ثلاثة على الأقل.
نظرت نارا لسي جي وقالت: عليك أن تفعل ما يقوله الطبيب.
ابتسمت نارا للطبيب وشكرته وبعد خروجه جلست على الكرسي فقال سي جي: هلا رفعت السرير قليلاً من فضلك؟
فعلت نارا ذلك وهمت بالجلوس على الكرسي مجدداً فأوقفها قائلاً: ليس هناك، سيصعب عليَّ رؤيتك فلا يمكنني تحريك رأسي جيداً. اجلسي هنا نارا.
أشار لها بيده إلى طرف السرير، جلست نارا بقربه ثم مدَّ يده وأمسك بيدها قائلاً: لقد علمت لماذا تحسنت بسرعة، لأنك كنت تمسكين بيدي.
- هل أنت حقاً بخير؟
- أجل، طالما أنت معي فأنا بخير.
- أنا ... آسفة ... آسفة جداً، لقد تأذيت بسببي. (طأطأت رأسها وبدأت دموعها تنساب بهدوء)
- لا تعتذري، فأنت من كنت على وشك أن تتأذي بسببي، لم أكن لأسامح نفسي لو أصابك مكروه.
- لو لم أتدخل وأشتت تركيزك لما حدث كل هذا.
- لقد أصبت برأسي قبل أن أراك أما الطعنة فقد كنت المقصود في النهاية سواء كنتِ موجودة أم لا. من فضلك لا تلومي نفسك فأنت لست مذنبة، اتفقنا؟ (ابتسم بلطف ومسح دموعها)
- كيف يمكنك أن تبتسم بعد كل ما حدث؟
- ماذا أفعل إذاً، هل يجدر بي البكاء؟! أشعر بأنني محظوظ الآن وبت شاكراً لهم على مهاجمتي فهذا جعلك تبقين بجانبي وتمسكين بيدي هكذا. آه لو كنت أعلم هذا لكنت قد رتبت لأمر كهذا منذ وقت طويل.
- لا تمزح في أمر كهذا. أما زلت لا تدرك كم كان الأمر خطيراً؟! ماذا لو أصابك مكروه؟!
- لن يصيبني شيء فما زال لدي الكثير من الأمور لأفعلها ... ما زال هناك الكثير من الأشياء التي أود الحصول عليها.
وضع سي جي يده على وجنتها وعندما علم بأنها شعرت بالحرج وعلى وشك الابتعاد أبعد يده بسرعة واعتذر قائلاً: أنا آسف، لا أدري لماذا لا أستطيع التحكم بتصرفاتي عندما أكون معك، لم أقصد إزعاجك.
ابتسمت نارا بحرج وقالت: لا بأس.
طرق رجال الشرطة الباب ودخل المحقق وقال بأنه سيسأله عما حدث وطلب من نارا الانتظار في الخارج. أخبرهم سي جي بأنه محقق وتسبب في سجن الكثير من رجال العصابات لذا فلديه الكثير من الأعداء ولكنه لا يعرف أولئك الرجال الذين هاجموه.
تمكن سي جي من الإجابة على أسئلتهم بذكاء فقد رتب للأمر بشكل جيد وهو يدرك بأنهم لن يصلوا لشيء مهما فعلوا.
عندما خرجت نارا وجدت جو هيون يقف بالقرب من باب الغرفة فنظرت له بحنق وقالت: ألم تغادر؟
نظر لها جو هيون وتنهد قائلاً: كلا، هل يزعجك بقائي لهذه الدرجة؟!
جلست نارا على المقعد وقالت: كلا، أنت من يزعجه بقائي بل وجودي بأكمله يزعجك لذا تريد التخلص مني بأي طريقة.
نفخ جو هيون الهواء ثم تقدم وجلس بجانبها قائلاً: نارا، كوني واثقة بأنني أريد سلامتك أولاً وأخيراً حتى لو كانت سلامتك بالبقاء بعيدة.
نظرت له نارا والدموع في عينيها وقالت بغضب: وأنا لا أريد البقاء بعيدة حتى لو كان الثمن حياتي. لماذا عليَّ الموت في الغربة بشكل بطيء وقاسٍ وموحش؟! أفضل الموت وأنا سعيدة على أن أموت ببطء وألم كل يوم.
- لماذا لا يمكنك تفهم وجهة نظري، حياتك في خطر هنا.
- عدنا للبداية وكأننا لم نتحدث ولم نتفق ولم نقترب من بعضنا البعض.
- لأن الأمر ازداد سوءاً، الرؤيا لم تتغير نارا.
- ما هي هذه الرؤيا؟ أخبرني لأعلم فربما أتمكن من تجنبها وربما تكون أنت فهمتها بشكل خاطئ.
- هناك ... هناك شخص سيختطفك وسيهدد بقتلك، كان يحمل سلاحاً. رأيتك مقيدة بالحبال وفمك عليه لاصق ... لا أدري ما يحدث بعد ذلك ولكنك تصابين برصاصة وتنزفين بغزارة بين ذراعي و ....
- أوبا من الذي سيتمكن من خطفي فأنا لا أخرج وحدي عادة عدا عن أن جميع من لهم صلة بهذه القضية في السجن. ربما تكون حلمت بالرؤيا مجدداً لأنك تستمر بالتفكير بها، أليس هذا وارداً؟
- لا يمكنني إبقاء الأمر للاحتمالات نارا، لا يمكنني احتمال رؤيتك تتأذين. أرجوكِ نارا، سافري وابتعدي عنا جميعاً، أنا أتوسل إليك. (وضع يده على وجنتها وقد ملأت الدموع عينيه)
- أنا آسفة أوبا ... لن أغادر كوريا إلا عندما أشعر بأنني أريد ذلك.
- لماذا أنت عنيدة هكذا؟ ألا يمكنك أن تفعلي ما أطلبه منك رغم علمك بأسبابي وبمشاعري؟!
- بل لهذا السبب لا أريد أن أغادر، سأقاوم حتى النهاية ولن أدع هذه الرؤيا تتحكم بمصيرنا. إن كنت تريد الابتعاد والتخلي عني فافعل، أنا أيضاً لا أريد شخصاً يتراجع عن كلامه ومواقفه بهذه السرعة والسهولة، لا أريد شخصاً ترعبه رؤيا لسنا واثقين من مدى صحتها ولسنا واثقين إن كنا قادرين على تغييرها أم لا، لا أريد الهرب مجدداً وأعيش بقية عمري وحيدة وتعيسة.
- نارا ... أرجوكِ.
- دعني وشأني أوبا. لقد انتهى عملي مع الفريق تقريباً وبعد المحاكمة لن تراني في العمل بل أفكر في الانتقال من تلك الشقة أيضاً ريثما أقرر ما سأفعله لذا لا داعي لنرى بعضنا البعض بعد اليوم ... إلا إن قررت أن نحارب كل شيء لنبقى معاً.
خرج رجال الشرطة من الغرفة وغادروا في حين نهضت نارا ونظرت لجو هيون وقالت: تذكر قولي لك بأنني أفضل الموت بين ذراعيك على الموت وحيدة بائسة في بلد غريب. تذكر بأنك أنت من تخلى عني وترك يدي في منتصف الطريق لذا لا يحق لك التدخل في حياتي بعد الآن.
كان سي جي يستمع لما يدور بينهما من حوار وأزعجته محاولة جو هيون لإبعادها ولكن بعد سماعه ما قالته نارا في النهاية ابتسم بطمأنينة وخبث وشعر بأن هذا النزاع يصب في مصلحته على الرغم من أنه في بداية الأمر شعر بالقلق.

أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasyكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...