القرن الأخير- الفصل 26

25 2 0
                                    

ضحك جو هيون وأشار لها ليجلسا على أحد المقاعد. جلس كلاهما وبدأت نارا تأكل البوظة باستمتاع بينما كان جو هيون يحدق بها مبتسماً وعندما باتت شفتيها ملوثتين ضحك فانتبهت للأمر وبدأت تبحث في حقيبتها عن منديل فاقترب منها جو هيون ووضع يده على وجنتها ومسح شفتيها بإبهامه فتجمدت نارا للحظات وهي تحدق في عينيه.
- لمَ فعلت هذا؟
- ماذا تقصدين ... لأن وجهك كان مضحكاً ولا تجدين منديلاً.
- لمَ كان عليك فعلها بهذه الطريقة؟
- هل شعرت بالخجل، هل تسارعت دقات قلبك؟
- هل تحاول إغاظتي الآن؟
- كلا، كان بإمكاني فعلها بطريقة أخرى.
- أجل كان بإمكانك منحي منديلاً.
- ليس بحوزتي وليست هذه هي الطريقة الأخرى التي أقصدها.
- ما ... هي إذاً؟!
قرب جو هيون وجهه منها بغتة حتى باتت شفاههما متقاربتين ثم ابتسم بخبث قائلاً: كنت ستغضبين إن فعلتها صحيح؟
ازدردت نارا ريقها وتلعثمت قائلة: هذه ... وقاحة. لا يمكنك فعل هذا.
ابتعد جو هيون ثم أخرج منديلاً من جيب سترته التي وضعها على كتفي نارا فنظرت له باندهاش وقالت: أيها المخادع، لماذا لم تخرجه في وقت سابق؟
أعطاها جو هيون المنديل وهو يبتسم بمكر بينما قالت متذمرة: لم تعطني إياه بشكل متعمد، أردت استغلال الموقف صحيح؟
رد جو هيون بابتسامة عريضة: أجل صحيح. لا تحاولي ضربي وإلا أفرغت علبتي بأكملها على وجهك، ألا تريدين البقاء أنيقة، أنت تهتمين بأناقتك صحيح؟! لا يعقل أن تعودي للبيت بثياب ملطخة صحيح؟!
صكت نارا أسنانها بغضب وقالت متذمرة: لمَ تفعل هذا بي؟
داعب جو هيون خصلات شعرها بيده وابتسم قائلاً: تبدين لطيفة عندما تغضبين، أعلم بأن الأمر يروق لك وقلبك يرفرف لذا توقفي عن التظاهر بالغضب لأن هذا يجعل قلبي يرفرف.
أخبرته نارا بأن هذا غير صحيح ولكنه تجاهلها وأكمل تناول البوظة بينما أشاحت هي بوجهها عنه متظاهرة بالغضب ثم ضمت شفتيها وابتسمت خلسة لوهلة وقالت في نفسها: إنه حقاً يعرف كل شيء.
بعد قليل نهض كلاهما ليكملا المشي وبينما كانا يمشيان كان جو هيون يحدق بيدها ويرغب بإمساكها ولكنه لم يجرؤ على فعلها. لاحظت نارا الأمر ولكنها تجاهلته وقالت: أوبا أريد أن أشتري بعض الملابس إلى أن تتاح لي فرصة الذهاب للتسوق.
مشى جو هيون برفقتها حتى دخلا متجراً للملابس وبينما كانت نارا تلقي نظرة على بعض الملابس العملية المريحة كان هو يحدق بها مبتسماً. كانت نارا تحاول تجاهل نظراته ولكنها بدأت تشعر بالتوتر وأرادت أن تغير الموضوع وتسأله عن رأيه فاقترب وأسند رأسه ليده قائلاً: كل شيء ترتدينه يصبح جميلاً.
ابتسمت الموظفة قائلة: يبدو بأنه يحبك كثيراً.
ازدردت نارا ريقها وتجاهلت ما سمعته ثم أمسكت بقطعة أخرى وقالت متذمرة: ألن تساعدني بالاختيار، هل تفعل هذا لأنك شعرت بالملل؟
ابتسم جو هيون ثم أمسك ما بيدها وقال: هذه القطعة يعجبك لونها ولكنك مترددة بشأن التصميم أما هذه فتصميمها يعجبك ولكنك تشعرين بأن لونها مبالغ به بعض الشيء. أنت محتارة بينهما وستبقين كذلك لذا أقترح عليك هذه فلونها جميل وتصميمها يناسب ذوقك، يمكنك ارتداؤها مع الجينز أو القماش فهي مناسبة وعملية. يعجبني أن أختار لك ملابسك لأنني سأختارها بحيث لا أعاني من الغيرة بسبب ما ترتدينه.
ضحكت الموظفة ولكنها سرعان ما كتمت ضحكتها بينما كانت نارا تحدق به باندهاش عاجزة عن الكلام، اختار لها جو هيون بعض الملابس ووضعها بين يديها ودفعها نحو غرفة تبديل الملابس قائلاً: أسرعي فليس لدينا اليوم بطوله.
جربت نارا شيئاً مما اختاره لها ونظرت لنفسها في المرآة وابتسمت ثم قالت في نفسها: جميع ما اختاره يعجبني لذا لا حاجة لي بتجربتها كلها.
خرجت بعد دقائق وهي بملابسها ذاتها فقال: لا تقولي بأنك لم تجربيها كلها.
- جربت شيئاً منها فقط.
- ألم تعجبك؟
- لا بأس بها.
- ماذا اخترت منها؟
تنهدت نارا ثم نظرت للموظفة وأخبرتها بأنها ستأخذها جميعها فابتسم جو هيون وعندما رأت نارا ابتسامته رفعت حاجبها قائلة: هو من سيدفع.
ضحك جو هيون وقال بصوت منخفض: بالطبع أنا ومن غيري، كم مرة عليَّ شراء الملابس لك نارا؟!
خرج كلاهما من المتجر وجو هيون يحمل المشتريات وتوجها نحو السيارة وبعد وضعه للأكياس فيها نظر لساعته وقال: لقد تأخر الوقت، نارا اعذريني ولكن علينا العودة فغداً عليَّ الذهاب للعمل. لم أستطع أخذ إجازة فلدي قضية مهمة أعمل عليها والمحاكمة قريبة.
أومأت نارا برأسها وقالت ببرود: كنت أود العودة للبيت على أي حال فأنا متعبة.
وصل كلاهما للمجمع السكني وهمت نارا بأخذ أكياس الملابس منه فقال بأنه سيوصلها لشقتها ثم يذهب للبيت. دخل كلاهما الشقة ووضع جو هيون ما بيده على الأريكة ثم عاد أدراجه نحو الباب متردداً ثم توقف قائلاً: لا تنسي أخذ دواءك.
- حسناً.
- إن احتجت لشيء اتصلي بي، لا تتردي ... أو يمكنك الاتصال بأمي عندما أكون في العمل.
- حسناً.
- غداً سأخبر يونغ جاي وأمي ليخرجا معك من أجل التسوق في نهاية الأسبوع.
- حسناً.
- آه ...
- ماذا هناك أيضاً؟ أنت لا ترغب بالمغادرة صحيح.
- هل هذا واضح؟! (وضع يده على مؤخرة رأسه وابتسم محرجاً)
- أجل ... واضح جداً.
- نارا ...
- ماذا؟!!
- ألم تتذكري أي شيء ... على الإطلاق بعد كل ما حدث الليلة؟
- كلا، لا شيء.
- فهمت ... هل استمتعت بوقتك الليلة؟
- آه ... يمكنني أن أقول أجل، أمضيت وقتاً لطيفاً بفضلك.
- جيد، هذا كافٍ بالنسبة لي.
استدار جو هيون ومشى خطوتين نحو الباب ثم التفت لها فقالت متذمرة: ماذا بقي لك لتقوله أيضاً؟!
قوس جو هيون شفتيه وبدا عليه التردد ثم قال: هل ... يمكنني معانقتك؟
تنهدت نارا ثم قالت: هل ستغادر بعدها مباشرة؟
أومأ جو هيون برأسه إيجاباً ففعلت المثل مشيرة لها بالقبول فابتسم مبتهجاً وأسرع بخطواته نحوها وضمها لصدره بقوة وهو يقول: شكراً لك على عودتك نارا، شكراً لقضائك هذا الوقت معي رغم كل ما تمرين به الآن. أحبك.
همت نارا برفع ذراعيها لتطوق وسطه ولكنها بقيت مترددة في حين نظر هو لوجهها وطبع قبل على جبينها وتمنى لها أحلاماً سعيدة ثم غادر مسرعاً. اتكأت نارا على الأريكة بيد ووضعت يدها الأخرى على صدرها تتحسس نبضات قلبها المتسارعة ثم قالت: هل كان عليّ معانقته بدوري؟ لماذا أشعر بالضيق عندما يبتعد عني، لماذا؟ لماذا ينتفض قلبي وكأنه يطلب مني أن أتمسك به ليبقى معي؟!
عاد جو هيون للبيت وما أن رأته والدته أسرعت إليه ثم أتى والده وشي هيون عندما علموا بعودته وجلسوا معه ولديهم العديد من الأسئلة بشأن نارا فأخبرهم بما حدث وبوضعها وحالتها النفسية ثم عقب قائلاً: ما زال أمر استعادتها لذكرياتها أمراً مجهولاً فربما ترى مجرد لمحات عابرة فقط ولن تتذكر كل شيء حدث في الشهور الماضية. حالتها النفسية سيئة للغاية ولكنها تحاول التماسك بكل قوتها.
تنهدت والدته بألم وقالت: لا أدري ما علينا فعله من أجلها ولكن علينا أن نجد طريقة لمساعدتها، سأسأل عن طبيب نفسي جيد فربما يساعدها ذلك وربما القيام بجلسات التنويم المغناطيسي يساعدها أكثر ما رأيكم؟
قال جو هيون: ربما يكون هذا صحيحاً ولكن هذا ليس وقته، حالتها النفسية السيئة ولا داعي لنضغط عليها بشأن الطبيب النفسي الآن. فقد ضغطت عليها بما يكفي منذ أول يوم، نارا بحاجة للملابس لذا أخبرتها بأنك ستذهبين معها أنت ويونغ جاي في نهاية الأسبوع. صحيح أين هي؟
أخبره شي هيون بأنها أصرت على المغادرة والعودة لبيتها بما أنها عادت لعملها وحالتها النفسية باتت أفضل ولا يوجد سبب لبقائها هنا. ابتسم جو هيون وقال: أهذا سبب الإحباط البادي على وجهك؟ تزوجا وتوقفا عن إزعاجنا أليس كذلك أمي، ما رأيك أبي؟
رد والده قائلاً: إن كانا واثقين من مشاعرهما فليتزوجا. ما يهمني هو سعادتكما وأنتما تعلمان هذا جيداً أما الأمور المادية والخلفية العائلية والطبقية لا تهمني، أليس كذلك يا عزيزتي؟
ابتسمت السيدة كيم قائلة: بالطبع، يونغ جاي فتاة ذكية وجميلة ولطيفة جداً، لن أجد فتاة مثلها لتكون زوجة لابني الوسيم اللطيف هذا. أنا أيضاً لا أحب فتيات المجتمع الراقي فهن مغرورات وأقنعتهن كثيرة، لا يمكنني التعامل معهن.
ضحك جو هيون ثم نهض قائلاً: جهزوا لإعلان الخطبة فقط لأنني سأشعر بالغيرة إن تزوجت قبلي.
بعثر جو هيون شعر أخيه بيده ومضى في طريقه للطابق العلوي بينما قال شي هيون: ابذل جهدك هيونغ، لا يمكنني الانتظار طويلاً.
رد جو هيون وهو يصعد الدرج: لقد ازدادت وقاحتك أيها الشقي الصغير.
ضحك شي هيون ووالديه ثم قال لهما بأنه سيذهب في صباح الغد ليتحدث مع نارا وسيحضرها معه للبيت إن قبلت.
واجهت نارا صعوبة في النوم وبعد ساعات بدأت ترى لمحات سريعة فاستيقظت فزعة وارتشفت بعض الماء ثم قالت: هل هذا من ذكرياتي التي نسيتها أم مجرد حلم، لم أعد أفهم شيئاً.
أمسكت نارا بهاتفها ونظرت للصور التي أرسلها لها جو هيون وقالت: يبدو بأنني كنت سعيدة حقاً ليلتها، قال بأنه كان يريد الانفصال عني لحمايتي في تلك الليلة فكيف سامحته بعد فعلته هذه؟ كيف أمكنه التفكير بالانفصال عني مجدداً وهو يعلم ما يسببه هذا لي من ألم؟! لم يعد بوسعي الانتظار، عليَّ أن أسأله عن كل شيء قبل أن يحاول تذكيري بما حدث بيننا كما قال.
في صباح اليوم التالي ذهب جو هيون لمكتبه ليجد يونغ جاي والسيد كيونغ بانتظاره للعمل على القضية الجديدة. أرسل جو هيون رسالة لنارا يسألها إن كانت قد استيقظت ويذكرها بتناول دوائها عقب الفطور.
بعد استيقاظها رأت رسالته فابتسمت قائلة: هل هذا اهتمام أم هوس أوبا؟ حسناً ... هذا يعجبني ولكنني لن أكون سهلة في التعامل معك ... ما أن أعلم كل شيء سأرى كيف يتوجب عليَّ التصرف معك.
ردت عليه نارا بأنها تناولت فطورها وأخذت الدواء فابتسم عندما قرأ رسالتها بينما كانت يونغ جاي تحدق به مبتسمة لأنها أدركت بأنه يراسل نارا فلاحظ ذلك وقال وهو يحدق في هاتفه: انتبهي لعملك يونغ جاي.
ترك جو هيون هاتفه وتابع عمله. وصل شي هيون لشقة نارا فقرع الجرس وعندما فتحت له الباب ابتسمت وعانقته مرحبة به. أعدت نارا القهوة وجلس كلاهما لتبادل الحديث.
- نونا ألم يخبرك هيونغ بسبب انفصالكما بعد؟
- كلا، لم أسأله. هل تعرفه أنت؟
- كلا ... لا أدري. لكن لماذا لم تسأليه، أليس هذا ما كان يشغل تفكيرك طوال السنوات الماضية؟
- أجل ولكن ...
- ولكن ماذا؟ هل أنت خائفة من العواقب، تخشين عدم قدرتك على التعامل مع الحقيقة؟
- أجل، شيء من هذا القبيل.
- لا تقلقي نونا، لقد فعلتها مرة وتجاوزت الأمر بقوة وشجاعة لذا يمكنك فعلها مجدداً، لا تتردي واسأليه عن كل ما تريدينه.
- لا أدري إن كان بوسعي فعلها شي هيون، أخشى أن يكون هناك شيء لا أريد تذكره.
- لا شيء من هذا القبيل نونا. أنت وهيونغ وقعتما في الحب مجدداً وتجاوزتما الماضي بكل شجاعة وواجهتما الحاضر بكل قوة. نونا وصولك لهذه المرحلة هو نتيجة اجتيازكما العديد من الاختبارات والعقبات لذا من فضلك لا تتوقفي وتتركي هيونغ وحيداً مجدداً. لقد كانت أيامه قاسية جداً في غيابك، هيونغ يشارك الجميع ألمهم وأحزانهم ولكن ... أحزانه هو لا يشاركها مع أحد كي لا يتسبب بألم أي شخص يحبه. أنت الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يدخل قلبه ويدرك ما يؤلمه ويحزنه نونا، فهو سيبقى يتظاهر بالقوة ويقول بأنه بخير مهما حدث. ستأتي لحظات وينهار فيها ولكنه سرعان ما يتظاهر أنه بخير، ولكننا نعلم تماماً بأنه ليس كذلك ورغم هذا لا يسعنا مساعدته. أنت الوحيدة القادرة على هذا نونا، لذا تشبثي بيده التي يمدها لك فهو يريد مساعدتك لينقذ نفسه، الأمر لا يتعلق بذاكرتك بل بحبكما وحياتكما. هيونغ سيعود ليكون جسد بلا روح إن تركته نونا، من فضلك لا تتركي يده فأنتما تستمدان القوة من بعضكما البعض ولا يمكن لأحدكما أن يبقى دون الآخر.
- لا أدري ما عليَّ قوله شي هيون ولكنني أخبرته بأنني سأعطيه فرصة ليساعدني، سأبذل جهدي لأتذكر.
- نونا الأهم من استعادة ذكرياتك هو استعادة حبك، افتحي له قلبك وأعطه فرصة أخرى لتفهميه وتعرفي الحقيقة منه، هيونغ لم يعشق سواك صدقيني. ما أن تعلمي أسبابه ستعذرينه.
- قلت بأنك لا تعرف أسبابه تلك.
- أجل .... ولكنني أثق تماماً بأنه كان مرغماً على ذلك. حالته واستمرار حبه لك وعدم دخول أي فتاة أخرى لحياته طوال السنوات الماضية يثبت ذلك.
- حسناً، سأحاول أن أسأله لأسمع ما لديه.
- هذا جيد، ما رأيك بالقدوم لمنزلنا والبقاء حتى العشاء، دعينا نتناول عشاء عائلي نونا فقد مضى وقت طويل على هذا.
- حسناً.
ابتسم شي هيون وسعد بموافقتها وبعد انتهائهما من شرب القهوة اصطحبها للمنزل فاستقبلتها والدته بحرارة وجلست معها تسألها عن حالها وتطمئن عليها.

القرن الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن