عاد كلاهما للمجمع السكني ودخل جو هيون مباشرة لشقة نارا. دخل السيد كيونغ لشقة شي هيون فسألته نارا عن جو هيون وقال: لقد ذهب للشقة الأخرى، يبدو بحالة سيئة.
أسرعت نارا إليه فوجدته متمدداً على السرير ويضع ذراعه على عينيه. اقتربت وجلست بجانبه لتضع يدها على رأسه وتخلل أصابعها في شعره.
- أعلم بأنه مؤلم، رؤية أشخاص وثقت بهم وخانوا ثقتك تلك. الأسوأ أن تكون طيباً ولا يمكنك معاقبة من يسيء إليك ولكنك مضطر لذلك.
- أتفهم أسبابها ولكن لا يمكنني مسامحتها، ربما أكون قد استطعت كره يونغ سو والوغد الآخر لأنهما تعاملا معي بشكل مختلف، أظهرا لي وجههما الحقيقي ونفثا سمهما في وجهي ولكنها كانت مختلفة، لذا لم أستطع كرهها نارا رغم كل ما فعلته بي.
- أتفهم ذلك، استغلوا نقطة ضعفها واللحظات الحرجة التي كانت تمر بها والأسوأ حبها لأخيها كي يجعلوها جزءاً من مخططهم ولكن .... هذا ليس مبرراً.
- يقولون بأن الغاية تبرر الوسيلة ولكن ... ربما تبررها ولكن لا شيء يدعو للاقتناع والقبول بها فالغاية يمكن الوصول إليها بأكثر من وسيلة لو استطاع الإنسان أن يفكر ملياً.
- أنت محق أوبا، ولكن الإنسان دائماً يختار إما الأسهل أو ما يراه أمامه فقط لأنه لا يكلف نفسه عناء البحث عن بديل. أوبا أنت محق فيما فعلته وستفعله بهم لذا لا تضعف أو تشعر بالذنب تجاه أحد، هم من عليهم أن يشعروا بالذنب تجاهك.
- هل تظنين بأن مثل هؤلاء قد يشعروا بالذنب يوماً ما؟ ها ري ستفعل ولكن البقية ... لا أظن.
- إن لم يفعلوا فيكفي أن ينالوا العقاب الذي يستحقونه، أليس كذلك؟
- أجل، كفانا حديثاً عنهم. تعالي إلى هنا.
جذبها جو هيون نحوه وضمها لصدره فقالت نارا: ألا يمكنك أن تفوت أي فرصة؟! علينا تناول العشاء.
رد جو هيون: لاحقاً، لنبقى هكذا لبعض الوقت.
بقيت نارا تبتسم بصمت وعندما شعر بأنها ساكنة وراضية قال: نارا، رأسي يؤلمني هل لديك من ذلك المسكن اللطيف؟
نظرت له نارا بخبث قائلة: آه ... واحدة فقط، لا تطمع بالمزيد.
ابتسم جو هيون وقال: ألا يمكنك جعلها هنا، مفعولها سيكون أقوى.
أشار لشفتيه فوضعت يدها على فمه وقالت بحنق: لا تتحاذق، أنا سأختار. هيا أغمض عينيك.
تنهد جو هيون بإحباط وأغمض عينيه فنظرت له وابتسمت ثم اقتربت وطبعت قبلة لطيفة بجانب شفتيه تماماً. ففتح عينيه وقال متذمراً: ألم يكن بوسعك الاقتراب قليلاً؟!
ردت نارا ببرود: كنت سأعطيك واحدة أخرى هدية ولكنني غيرت رأيي.
همت بالنهوض فأمسك بها واعتذر لها طالباً أن تمنحه الهدية فقالت: حسناً هذا لأنني طيبة القلب فقط.
اقتربت نارا وقبلت الطرف الآخر من وجهه بنفس الطريقة وعندما ابتعدت عنه استدار ونام على بطنه ثم غمر رأسه بالوسادة وضرب السرير بقدميه ثم نهض ونظر لها بحنق: أنت تتعمدين ذلك صحيح؟ تريدين إغاظتي.
ضحكت نارا على تصرفاته الطفولية ثم قالت: قلت لك امنحني بعض الوقت وأنت قبلت.
قوس جو هيون شفتيه وقال متذمراً: أجل فعلت. حسناً.
رمى بنفسه على السرير مجدداً فقالت: ماذا تريد أن نتناول على العشاء؟
- لا أريد تناول الطعام.
- حقاً؟ كنت أفكر بأنك إن قمت بإعداد العشاء سأمنحك اثنتين إضافيتين.
- حقاً؟!
- أجل ولكن بما أنك لا تريد ....
- أريد ... هيا بنا، ماذا تريدين؟ أخبريني وسأعده لك.
ابتسمت نارا وعانقته قائلة: آسفة أوبا، أعدك بأنني سأكون أفضل ولكن اصبر قليلاً بعد. أنا أدرك مشاعر الحب التي كانت بيننا وبت متأكدة من هذا ولكن ذلك الظلام والارتباك يجعلني أخشى التقدم وكأنني أخشى التعثر. أريد استعادة ذكرياتي كاملة لأنني أشعر بأن سعادتي ستبقى ناقصة إن لم أفعل.
ضمها جو هيون بقوة وربت على رأسها وقال: آمل ... أن تستعيدي ذكرياتك كاملة إن كان هذا حقاً سيسعدك نارا.
قام دو تشان بتسريب بعض اللقطات من الفيديو الذي تم تسجيله أثناء إلقاء القبض على ها ري ومن معها مع إخفاء وجوههم حسب ما تم الاتفاق عليه بينهم جميعاً.
مضت الساعات واستيقظ جو هيون من نومه فزعاً ثم نظر لنارا واطمأن بأنها لم تستيقظ بسببه ثم قال في نفسه: يبدو بأنه تحذير.
رأى جو هيون حلماً مزعجاً ظهرت فيه الفتاة التي ستشهد لصالحه في المحكمة وأخاها وذلك بمساعدة قرين يو وول. شعر جو هيون بأن أخاها سيكون سبباً في إيذائها، وعندما فكر في الأمر أدرك بأنهم قد وصلوا لأخيها وسيحاولون جعله يتواصل معها وهو سيقبل بسهولة من أجل المال.
أرسل جو هيون رسالة ليونغ جاي يطلب منها ألا تخرج من المنزل، وألا تسمح للفتاة بالخروج وألا تقابل أخاها لاحتمالية تعاونه معهم ضدها.
في الصباح كان أخاها يستمر بالاتصال بها ويطلب مقابلتها ويرجوها ويعتذر لها عن مضايقاته السابقة لها. بقيت ترفض مقابلته إلى أن بدأ يبكي ويتوسل لها فرق قلبها وقبلت. علمت يونغ جاي بأنها تريد الخروج فأسرعت إليها وبلغتها بما قاله جو هيون، وطلبت منها ألا تخرج فقالت بأنه مهما بلغ من السوء لن يغدر بها. أصرت يونغ جاي على موقفها واتصلت بجو هيون وطلب أن يتحدث معها، سألها أين اتفقا أن يتقابلا فأخبرته بالعنوان. طلب منها جو هيون البقاء في المنزل مقابل أن يذهب هو ويراقبه ليعرف حقيقة الأمر ويبلغها فقبلت.
ذهب جو هيون ولاحظ بأن هناك سيارة تقف بالقرب منه وتستمر بمراقبته أثناء انتظاره لها، وبعد قليل خرج أحدهم وتحدث معه فبدا عليه التوتر وكرر اتصاله بها. كان جو هيون قد بدأ يصور عندما أتاه ذلك الرجل يتحدث معه. غادر جو هيون وعاد لمنزل والديه وأخبرها بما حدث وبأنهم كانوا ينتظرونها لخطفها بالاتفاق مع أخيها. لم تصدقه في البداية ولكنه أراها الفيديو فبكت وقالت: نعم كان يضربني ويسرق مالي ويسبب لي العديد من المشاكل ولكن لم أتوقع يوماً أن يصل إلى هذا المدى، كيف لأخ أن يفعل هذا بأخته من أجل المال ... كيف؟!
رد جو هيون: هناك من يفعلون أكثر من هذا، لا تحزني فقط كوني شاكرة إلى أنك لم تذهبي.
نهضت الفتاة وذهبت لغرفتها بينما نظر جو هيون ليونغ جاي وقال: من الجيد بأنك أخذت إجازة أنت والسيد كيونغ. كنت أشعر بالقلق الشديد كلما خرجت من المنزل.
- شي هيون كان يرافقني ويبقي حارسين معي طوال الوقت.
- وإن يكن، إنها فترة حرجة علينا جميعاً الحذر.
- ليس لدينا عمل على أي حال فذلك المدير الوغد كان يريد تحويل قضاياك لآخرين ولكن نارا أوقفته. من الجيد بأنه لم يتم تعيين مدع آخر مكانك.
- ما الذي فعلته به نارا حتى بقي ساكناً حتى الآن؟ كنت قد نسيت الأمر.
- لا أدري، أتت وعيناها تطلقان الشرر ثم دخلت إلى مكتبه وعادت لنا لتقول بأنها حلت الأمر.
- لا بد من أنها أرعبته بشيء ما، نارا يمكنها أن تكون مخيفة أحياناً. (ابتسم)
وضع جو هيون يده على كتفها وقال: اذهبي واطمئني على الفتاة وواسيها، لقد كان آخر فرد من عائلتها وستشعر بالوحدة والخذلان الآن.
أومأت له يونغ جاي موافقة وذهبت بينما جلس جو هيون مع والديه قليلاً وأخبرهما باختصار آخر التطورات ثم غادر.
عاد جو هيون ليجد نارا قد أعدت طعام الغداء وما أن دخل ابتسمت وطلبت منه أن يغسل يديه ويأتي ليتناول الطعام على الفور. لبى جو هيون نداءها على الفور وجلس كلاهما يتناولان الطعام.
- أوبا ألم يكن هناك أفراد آخرين في فريق التحقيق الخاص بالقضية السابقة؟
- ماذا تقصدين؟
- أقصد بأنني عرفت بأمر يونغ جاي ودو تشان والسيد كيونغ ولكن ألم يكن هناك أحد آخر؟
- كلا ... نحن فقط.
- ألم يكن هناك محقق معنا؟
اختنق جو هيون بالطعام الذي يتناوله وبدأ يسعل فأسرعت نارا وأعطته كوباً من الماء ثم سألته إن كان بخير.
- أنا بخير ... ولكن لماذا تسألين عن هذا فجأة؟
- لا شيء، أشعر فقط بأن هناك شخص آخر كان يساعدنا في التحقيق.
- لقد ... كنا نتعاون مع عدة محققين.
- فهمت.
- هل ... تذكرت شيئاً ما؟
- لا شيء معين أو بالأحرى لا شيء واضح ولكنني أستمر بالشعور بأنني نسيت شخصاً مهماً أو شيئاً مهماً جداً لا يجدر بي نسيانه.
- وهل ... هذا له تأثير على تقبلك لمشاعر الحب التي بيننا؟!
- ماذا؟
- لا تجيبي عن سؤالي بسؤال نارا؟ هل خشيتك من أنك قد نسيتِ شخصاً ما هي التي تجعلك تخشين التقدم في علاقتنا وبأن تتقبلي مشاعر الحب التي بيننا؟! هل أنت خائفة ... من أنك قد تكوني أحببت شخصاً آخر سواي؟ هل تظنين بأنني أستغل فقدانك لذكرياتك كي أستعيدك؟!
- الأمر .... ليس كذلك أوبا، أنا لم أفكر إلى هذا الحد.
- ولكنك فكرت بشيء مما قلته الآن. فقدانك لذكرياتك أثر على ثقتك بحبنا نارا، كنت أظن بأنه يمكننا التغلب على الأمر ولكن ... لا يبدو كذلك.
- أوبا، لقد أسأت فهمي، أنا لم أقصد هذا.
- لقد فهمت كل شيء نارا، أنا أفهمك من عينيك.
نهض جو هيون متوجهاً نحو الباب فأسرعت إليه نارا وطوقته بذراعيها من الخلف.
- أوبا أرجوك، لم أقصد ذلك أنا آسفة.
- نارا ... أريد البقاء وحدي الآن من فضلك.
- كلا، لن أدعك تذهب. هذا ليس صحيحاً أوبا، دعني أوضح لك الأمر.
- نارا دعيني.
- لن أفعل، لا تذهب وتدع المشكلة تتفاقم بلا سبب، لا تذهب وتتركني هكذا دون أن تسمعني.
نفخ جو هيون الهواء ودمعت عيناه ثم استدار ونظر لها فأحكمت قبضتها على ثنايا قميصه وانسابت دموعها.
- لا تبكي، سأسمعك، أنا آسف لتسرعي ولكنني متوتر بسبب القضية واقتراب موعد الجلسة.
- أعلم هذا لذا لم أشأ أن تغادر ويتفاقم الأمر.
- حسناً، أخبريني بما أردتِ قوله لي. (مسح دموعها بيده)
- أنا ... لا أنكر بأنني أستمر بتأجيل الاعتراف بمشاعري لك بسبب ذكرياتي المفقودة ولكن ليس لخشيتي بأنني كنت أحب شخصاً آخر. أنا فقط أخشى بأن أظلمك أوبا، أجل أنا واثقة من أنني كنت أحبك من الذكريات التي رأيتها ولكنني لا أشعر إلى أي مدى أحببتك آنذاك، لدي مشاعر تجاهك الآن ولكن إن اعترفت لك بذلك أخشى أن تظن بأنها بنفس قوتها السابقة وأنا في الحقيقة لست واثقة من ذلك. أريد استعادة تلك المشاعر أوبا ... أريد معرفة ما مررنا به، وإدراك كيف تطورت مشاعري تجاهك، وإلى أي مدى أحببتك، بماذا فكرت عندما رميت نفسي أمامك لتلقي رصاصة بدلاً منك؟! أريد أن أعرف إلى أي مدى أحببتك حتى كنت مستعدة للموت بدلاً منك. ما هي المعاناة والمواقف التي مررنا بها، ولماذا كان هناك دموع لا أفهم سببها ونظرات ألم عميق جداً لا يمكن وصفها، ما سبب كل هذا؟ لا أحد يخبرني بشيء ... أنت أيضاً لا تريدني أن أتذكر كل شيء، أعلم هذا جيداً. لماذا أوبا ... لماذا؟!
رفعت نارا يديها وأمسكت بياقته وهزته بقوة فانهمرت دموعه ثم جلست على الأرض قائلة: أريد استعادة ذكرياتي، أرغب بذلك بشدة، لا يمكنني التقدم في حياتي إن كنت قد نسيت فترة مهمة كهذه، لا يمكنني ... أرجوك أخبرني ... أرجوك.
جثا جو هيون على ركبته أمامها وعانقها قائلاً: أنا آسف ... لأنني لم أتفهم ألمك هذا، لم أكن أعلم بأنك تعانين لهذه الدرجة، أنا حقاً آسف.
رفعت نارا رأسها ونظرت له قائلة: ألن تخبرني الحقيقة؟ ألن تخبرني سبب تلك الدموع والنظرات الأليمة.
وضع جو هيون يده على وجنتها وقال: لقد أخبرتك، كنا نتلقى تهديدات بسبب القضية لذا مررنا ببعض الظروف السيئة، كنت في البداية أنكر مشاعري لك بسبب ... شي هيون، ومن ثم كنت أحاول إبعاد نفسي عنك كلما شعرت بأنني عدت لأقترب منك من جديد. عندما تأكدت بأن شي هيون نسي أمرك وأحب يونغ جاي تجرأت على التقرب منك والاعتراف بمشاعري لك، وبدأت مشاعرك أنت أيضاً تتطور تجاهي شيئاً فشيئاً ولكن ... التهديدات وما إلى ذلك استمرا بالتفريق بيننا فتارة نحاول الابتعاد وتارة نحاول التمسك ببعضنا البعض لنتحدى الظروف إلى أن تم اختطافك.

أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasyكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...