القرن الأخير- الفصل 13

24 2 0
                                    

بدأ يقترب منها فتوترت يو وول واحمر وجهها فدفعته بيديها ثم قالت: عليَّ تبديل ثيابي قبل العشاء.
- هل عليَّ أن أختفي؟!
- كلا، لا أثق بأنك لن تسترق النظر إن اختفيت من أمامي، ابق هنا وانظر للحائط.
- ما هذا العقاب؟
- اهدأ، هيا استدر وأغمض عينيك.
- حسناً.
أطاع سي جي أمرها رغم تذمره وفعل كما طلبت منه فابتسمت يو وول وبدلت ثيابها ثم أذنت له بفتح عينيه. التفت لها وابتسم قائلاً: هذا اللون يليق بك، تبدين في غاية الجمال.
توردت وجنتاها خجلاً وشكرته في حين اقترب منها وأمسك بيديها ثم قال: إلى متى ستلتزمين الصمت؟!
نظرت له يو وول باستغراب وسألته ماذا يقصد فقال: أنت تدركين ما أقصده، هل أنت خائفة من الحقيقة؟ ألهذا تخشين أن تسأليني؟!
دمعت عينا يو وول وقالت: لا أدري ما تتحدث عنه، يستحسن أن أخرج الآن لأكون بانتظارهم فليس من اللائق جعلهما ينتظراني.
ابتعدت عنه يو وول متوجهة نحو الباب وهو لا يزال يمسك بيدها فالتفتت له ثم أسرعت وعانقته بقوة قائلة: انتظرني حتى أبادرك بالسؤال، امنحني بعض الوقت، اتفقنا؟!
طوقها سي جي بذراعيه بقوة وكأنه يريد أن يخبئها في قلبه بعيداً عن كل هؤلاء الذي يعدون عليها حتى أنفاسها. أومأ لها إيجاباً ثم ابتسمت له بألم وخرجت من الغرفة. توجهت يو وول نحو المكان الذي أخبروها بأنهم سيتناولون العشاء فيه معاً. جلست يو وول بانتظار الملك والملكة وهي تحاول التفكير بالحيلة التي قد تكون الملكة فعلتها وتريد إقناع الملك بها.
وصل الملك وزوجته فوقفت يو وول مرحبة بهما وبعد جلوسهما تبادل معها بعض الأحاديث عما تفعله هذه الأيام وأخبرته بأنها تفعل المعتاد. أحضرت الخادمات الطعام فترددت يو وول في تناوله ثم فكرت بأنها لن تضع لها السم مجدداً وخاصة في وجود الملك. شرع الجميع بتناول الطعام ثم أشار الملك للحرس والخدم بالابتعاد فازداد قلق يو وول.
- يو وول، أعلم بأنك بذلت الكثير من الجهد في رعاية شقيقك وتعليمه بعد وفاة والدتك وأظن بأنه حان الوقت لتعيشي حياتك الخاصة، فقد بات قادراً على الاعتماد على نفسه الآن عدا أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدته ليتابع واجباته ومسؤولياته كولي للعهد.
- ما الذي تقصده جلالتك؟!
- هناك عرض زواج من أجلك وناقشته مع المستشارين وهم يؤيدون ذلك لما يعود به من نفع على مملكتنا وللتخلص من الخطر على حدودنا الشرقية.
- عرض زواج؟! قلت بأنك لن تجعل زواجي صفقة، لم أتخيل بأنك ستضعني رهينة بيد أعدائك فقط لحفظ حدود المملكة وكف الأذى.
- يو وول، كيف تجرئين؟! (صرخ بغضب)
- جلالتك، لا أدري ما الذي دفعك لتدبير أمر زواجي في وقت كهذا ولكنني لا أفكر سوى بالاعتناء بأخي حتى يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه والأهم من هذا حتى يصبح قادراً على حماية نفسه في هذا القصر.
- ما الذي تقصدينه بهذا؟
- أظن بأن قصدي واضح جلالتك، لا أعلم من اقترح عليك التخلص مني بهذه الطريقة ولكن هناك من حاول التخلص مني بالسم منذ يومين وبالكاد نجوت. لم أشأ أن أخبرك بهذا حتى لا أتسبب في بلبلة في القصر ولكنني لن أقبل بأن يتم التخلص مني بهذه الطريقة بعد السم.
- يو وول، ما الذي تقولينه؟ من الذي حاول تسميمك؟!
- لا أدري، لقد بت أخشى تناول الطعام في هذا القصر وكنت أحبس نفسي في غرفتي أعاني الألم ورغم هذا محاولة التخلص مني مستمرة.
- من الذي يجرؤ على محاولة تسميم الأميرة؟! هذه خيانة.
- ليست أول مرة جلالتك ولكنني لم أحتمل البقاء صامتة أكثر من هذا. أنا اعتذر على تحدثي بهذه الطريقة ولكنني فقدت لباقتي بسبب شعوري بالتعب فآثار السم لم تغادر جسدي بعد.
- كوني واثقة من أنني سأبحث في الأمر وأحقق مع الجميع. ولكن لماذا لم تخبريني بهذا من قبل؟
- هل كان عليَّ إخبارك بصفتك الملك أم بصفتك والدي؟! بصفتك الملك فأنت دائماً مشغول وبالكاد أراك لبضع دقائق وفوق كل هذا لا أدري إن كنت ستصدقني أم لا، أما بصفتك أبي فأنا لا أراك مطلقاً. لم تعد تجلس مع أبناءك أو تسامرهم وتعرف أخبارهم، لم أشأ أن يزعجك سماع ما أمر فيه ولم أستطع توقع ردة فعلك عند معرفتك لأمر كهذا. أنا آسفة جداً ولكنني أردت حماية نفسي وحدي وأردت أن أعاني وحدي وأحتمل الأذى كي لا يصل لأخي. جلالتك، بعد هذه اللحظة ضع أشخاصاً موثوقين بالقرب من ولي العهد فأنا لم أعد أستطيع ائتمان أحد عليه. بعد ما قلته لك الآن أخشى أن يقوموا بإيذائه.
- من هم، أخبريني يو وول.
- عليك أن تبحث فليس معي دليل يجعلك تصدقني ولا أريد أن يتم اتهامي بالافتراء.
نادى الملك رئيس الحرس وقال: قم بالتحقيق مع جميع خادمات الأميرة وخاصة من تحضر لها الطعام وتنقله لها. أريد أن أعرف من التي تجرأت على تسميم الأميرة.
ردت يو وول: عقاب الخدم لن يحل المشكلة طالما أن الرأس المدبر يقوم باستبدالهم بسهولة، إن لم تصل إليه فلا فائدة من كل هذا.
قالت الملكة: بالطبع سنصل للرأس المدبر وسيعاقبه الملك على هذه الخيانة ولكن ... طالما أنك في خطر فعليك أن تكوني أكثر حرصاً، لا داعي للهروب من القصر مجدداً يا عزيزتي فهذا خطر للغاية.
قال الملك: أنت محقة، من الآن فصاعداً ستبقين في غرفتك يو وول وعندما تخرجين سترافقك الخادمات طوال الوقت، هل فهمت؟!
أجابت يو وول بالطاعة على الفور الأمر الذي أثار استغراب الملكة وشعرت بأن هناك أمراً مريباً وراء قبولها بهذه السرعة دون تذمر فهي تعلم بأن يو وول تكره التضييق عليها. عقبت الملكة بعد ذلك قائلة: دعنا ننهي أمر هذا الخائن قبل وصول موكب الأمير، سيتوجب علينا إقامة حفل زفاف ملكي فاخر من أجل عزيزتنا يو وول.
نظرت لها يو وول بحدة وقالت: لن أتزوج بأمير ولا وزير، أظن بأنني وضحت موقفي من هذا الأمر جلالتك.
رد الملك بنبرة غاضبة: يو وول، تحدثي بأدب. موضوع زواجك أمر مختلف فلا تحاولي خلط الموضوعين هل فهمت؟! ستلتزمين بكل ما قلته وستتزوجين بالشخص الذي اخترته لك لأن هذا من مصلحة الجميع. عليك أن تؤدي واجبك كأميرة لهذه الأمة وتحقني دماء آلاف الأبرياء. تدركين جيداً ماذا يعني أن تخالفي أمراً ملكياً.
امتلأت عينا يو وول بالدموع وانحنت أمامهما واستأذنت بالعودة لغرفتها. لم تستطع يو وول النطق بحرف واحد وأدركت بأنها إن لم تمت بيد الملكة ستموت بيد والدها وإن وافقت أمره ستقضي حياتها خائفة من الموت في ذلك القصر الجديد الذي سيجبرونها على العيش فيه. شعرت بأن عالمها يتحطم وكل شيء أمامها ينهار وعادت لتفكر فيما قاله لها سي جي عن هروبها مع أخيها.
بقيت يو وول متماسكة بسبب وجود الخدم حولها وبقيت كذلك حتى وصلت غرفتها وأغلقت الخادمات الباب فظهر سي جي أمامها وإذا بها تهرع إليه وتعانقه باكية. شعرت يو وول بالإعياء وكادت أن تنهار فحملها سي جي بين ذراعيه ووضعها على فراشها ومسح دموعها ثم قال بغضب: دعيني أقتلها أو على الأقل سأضعها في مكان وأجعلها تتمنى الموت، لن أقتلها.
انهمرت دموعها بألم وأمسكت بيده وهزت رأسها نافية وقالت: ليست وحدها من يرغب في قتلي الآن، أبي لم يسألني إن كنت بخير حتى أو كيف نجوت، لم يأمر باستدعاء الطبيب ليعرف حالتي. كنت أقاوم وأحتمل طوال الفترة الماضية لعلي أثبت حقيقتها أمامه وفي الوقت ذاته كي لا يتأذى أحد ولكنه ... لا يهتم. انفعاله لم يكن خوفاً عليّ، بل كان خوفاً على كبريائه وسلطته، كان انفعالاً خالياً من الحنان، كان غضب ملك شعر بتهديد لممتلكاته وعرشه فقد اكتشفت بأنني مجرد جزء ممتلكاته والآن يريد مقايضته لينتفع به. أشعر بأنني أكره نفسي الآن، لقد عرفت بأنني خسرت الرهان سونغ يول، لقد خسرت.
بكى سي جي ووضع يده على وجنتها وألصق جبينه بجبينها قائلاً: اهربي معي إذاً، دعك من كل هؤلاء وتعالي معي، أنا لن أتخلى عنك أبداً وسأعتني بأخيك جيداً. كوني واثقة من هذا.
وضعت يو وول يدها على جنته وقالت: حسناً، سأمهد له الموضوع ابتداء من الغد، سأتحدث معه في الأمر.
- يو وول، حرارتك ترتفع يجب أن نحاول خفضها قبل أن ترتفع أكثر.
- خذني إلى حديقة القمر إذاً. أشعر بالاختناق هنا، دعني أمضي بعض الوقت هناك أريد أن أتنفس سونغ يول.
- حسناً، سآخذك وسنعود قبل أن يكتشف أحد غيابك.
أومأت له يو وول إيجاباً ثم حملها بين ذراعيه وطلب منها أن تغلق عينيها ففعلت وطوقت عنقه بذراعيه. بعد لحظات طلب منها أن تفتح عينيها لتجد نفسها في حديقة القمر فابتسمت وهي تنظر من حولها وقد وضعها أرضاً. اقتربت يو وول من البحيرة وحدقت في انعكاس القمر على الماء بابتسامة حزينة فاقترب منها سي جي وطلب منها ارتداء الملابس القديمة التي تركتها هنا لكي تنزل بها إلى البحيرة. توجهت يو وول للكهف وبدلت ثيابها في حين كان سي جي قد خلع رداءه ونزل ليسبح في البحيرة.
أتت يو وول وعندما رأته يسبح ابتسمت قائلة: لم أرك تسبح فيها من قبل.
ابتسم سي جي وخرج من البحيرة ومد يده إليها وعندما أمسكها جذبها نحوه بقوة ورمى نفسه معها في الماء. أمسك بها ليساعدها على البقاء على سطح الماء ثم طوق وسطها بذراعيه وقربها منه قائلاً: السباحة كانت حجة لأقوم بإغوائك.
- هل تظن بأن رؤيتي لعضلاتك هذه وكتفيك العريضين ستسهل عليك إغوائي؟
- ألا يجدي هذا نفعاً؟!
- كلا. (ابتسمت يو وول)
- ماذا عليَّ أن أريك أيضاً؟!
- ابتسامة عينيك. لم أرها منذ يومين فقد كانت ابتسامتك باهتة وكأنك ترغم نفسك على الابتسام من أجلي.
- هذا لأنني ... مستاء جداً وأغلي من الغضب ولكنك لا تسمحين لي بالتنفيس عن غضبي.
عانقته يو وول وقالت: لا داعي لكل هذا سونغ يول، قريباً سنعيش معك هنا ونعتزل كل ما يؤذينا.
ضمها سي جي بقوة وهو يقول: سأنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر. طالما أنك معي وبخير فلا يهمني شيء آخر يو وول، لا تتركيني مهما حدث ... مهما حدث.
نظرت يو وول له وحدقت في عينيه وابتسمت قائلة: لن أتركك ولن أتخلى عنك مهما حدث، أعدك بهذا.
ابتسم سي جي وقبل جبينها ثم خرج من البحيرة وأحضر الورود وشرع بنثرها عليها وهي تضحك وتسأله ما الذي يفعله ثم أحضر لها بعض الفاكهة وطلب منها تناولها. جلست يو وول على طرف البحيرة فأسرع وأحضر لها غطاء ووضعه على كتفيها فابتسمت وشكرته.
بينما كانت تأكل الفاكهة وتحدق في انعكاس القمر على سطح الماء قالت: سونغ يول، هل الملائكة يمكنها أن تقع في حب البشر؟
علم سي جي بأنها تحاول معرفة حقيقته بشكل غير مباشر فطأطأ رأسه للحظات ثم نظر إليها وقال:
- كلا، الملائكة ليس لديها هذا النوع من المشاعر فهي خلقت للطاعة والعبادة وتنفيذ المهام فقط.
- ماذا عن الجن؟!
- أجل، يمكن لبعضهم أن يقعوا في حب البشر.
- أي نوع منهم هو الذي يفعل ذلك؟ الصالح أم السيء؟
- الوقوع في حب إنسان هو خطيئة بحد ذاته لأنهما من عالمين مختلفين ولكنه ما أن يقع في الحب فلن يترك من أحبها مهما حدث.
- ماذا يمكنه أن يفعل وما هي طبيعة مشاعره تجاهها؟
- الجن العاشق تكون مشاعره قوية جداً وأضعاف مشاعر البشر سواء كانت حباً أو غيرة أو غضباً و ما إلى ذلك. ما أن يضع هدفاً لنفسه فلن يحيد عنه، فإن كان سيئاً سيحاول الحصول عليها بأي ثمن وإن رفضت يمكنه أن يجعل حياتها جحيماً ويعذبها دون أن تراه حتى.
- وإن كان صالحاً؟!
- سيحاول إسعادها وحمايتها ولن يحتمل حتى رؤية دموعها، يمكنه أن يحرق من يبكيها ولكنه لن يفعل أي شيء ضد إرادتها، سيسعى لتبادله الحب ولكن سيبقى خوفه الوحيد هو أن تراه كوحش في وقت من الأوقات وتكرهه. البشر لا يحبون من يختلف عنهم فهم لا يحبون بعضهم البعض بسبب اختلافهم في الشكل واللون والجسم والجنس وما إلى ذلك فكيف لهم أن يحبوا أحداً من جنس آخر لا يعرفون شيئاً عنه وعن عالمه.
- وماذا ... لو كانت صادقة في حبها له وقبلته بكل أحواله. هل يمكنهما العيش بسعادة؟
- لا أدري، فلم أسمع بأن هذا حدث من قبل. ولكنني واثق من أنه سيحارب العالم بأكمله من أجلها.
التفتت له يو وول ورسمت على وجهها ابتسامة حزينة ثم وضعت يدها على وجنته وقالت: يستحسن به أن يعتني بها جيداً فهي ستتخلى عن العالم بأكمله وتلجأ إليه، أليس كذلك؟!
انسابت دموع سي جي وأومأ لها برأسه إيجاباً ثم عانقها بقوة. أمضى كلاهما بعض الوقت في حديقة القمر ثم أعادها لغرفتها في القصر وبقي سي جي بجانبها يتأمل وجهها ويداعب وجنتها فابتسمت له قائلة: عندما نغادر هذا القصر دعنا نتزوج في حديقة القمر.
ابتسم سي جي بسعادة غامرة وقبل جبينها ثم قال: أجل، لنفعل.
- سيكون أخي هو المدعو الوحيد والشاهد على زواجنا ولكنني أعتقد بأن ذلك سيكون رائعاً، أليس كذلك؟
- أجل بالطبع، هذا سيجعله مميزاً وخاصاً. سأبدأ بإعداد منزلاً لثلاثتنا فلا يمكننا البقاء في الكهف.
- سيكون هذا رائعاً.
- يو وول، لنغادر هذا القصر بأسرع وقت ممكن. لا أريدك أن تبقي وسط هذه القلوب المليئة بالجشع والكره والحقد.
- أنت محق، سأبذل ما بوسعي لنغادر غداً ليلاً أو في صباح اليوم التالي. لم يتبقَ أمامنا الكثير، يمكننا أن نحتمل ليوم آخر، صحيح؟!
- أجل، يمكننا انتظار يوم آخر.
دفنت يو وول رأسها في صدره وكأنها تريد أن تغمض عينيها وقد مر الوقت لتجد نفسها هي وأخيها معه في حديقة القمر بعيداً عن هذا القصر وما فيه. كانت تبذل جهدها لتبقى قوية وتفكر بإيجابية بعيداً عن خيبة أملها بوالدها وبعيداً عن أبعاد علاقتها بسونغ يول الذي باتت تعلم ماهيته ولكنها قررت أن تتقبله كما هو ولا تفكر بشيء آخر.

القرن الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن