استدار سي جي وهمَّ بالذهاب فأمسكت نارا بذراعه ووقفت أمامه قائلة: ما الذي تريده مني بالتحديد؟ لماذا تستمر بإزعاجنا؟
- لماذا تسألينني الآن وموعدنا مساء اليوم؟
- أنت تريدني بهذه الشدة لسبب ما يصب في مصلحتك، فلا يمكنك أن تصر على وقوعي في حبك من أجل صفقة فقط أو أيٍ كان.
- قلت لك سنتحدث في المساء.
- ماذا لو متُّ قبل حلول المساء، ماذا سيحدث بخططك؟
- أوقفي هذا الهراء.
- لقد رأيت فزعك وخوفك عليَّ عندما أصبت بالطلق الناري ورأيت نظراتك لي جيداً وما فعلته لتحميني. الأمر ليس مجرد ثمن للصفقة، أنت متعلق بي لسبب ما.
- سأخبرك بكل شيء في المساء وإن كان لديك أسئلة سأجيب عليها ولكن بوجودك وحدك.
نهض جو هيون وقال: ماذا تعني بوجودها وحدها؟ لن نتركها معك ونرحل.
نظر سي جي لجو هيون وقد توهجت عيناه باللون الأحمر وأمسك بعنق جو هيون وبدأ يضغط فأسرع شي هيون ليفلته فدفعه سي جي بقوة وطرحه أرضاً وهو يقول: يمكنني قتلكم جميعاً لذا لا تكونوا أغبياء واستغلوا الفرصة التي أمنحكم إياها فأنتم من سيندم في النهاية.
هرعت نارا نحو الشرفة ووقفت على السياج تهدده بانتحارها وهي تبكي فتركه سي جي وطلب منها النزول فقالت: دعنا وشأننا، خذ تلك القدرات اللعينة منهما ودعنا نحيا بسلام.
بدأ جو هيون وشي هيون يحثاها على النزول دون فائدة وهي تركز نظرها على سي جي، تارة ترجوه وتارة تهدده. بدأ المطر يهطل وعاودت نارا تلك الحالة وبدأت ترتجف ما أن سمعت صوت الرعد فانزلقت قدمها وكادت أن تقع. ركض جو هيون وشي هيون نحوها ولكن سي جي كان الأسرع والذي التقطها بين ذراعيه في طرفة عين وأعادها للداخل ومشى حتى وصل الأريكة وهمَّ بأن يضعها بلطف ولكنه غير رأيه ورماها بقوة ثم قال بغضب: تريدين الانتحار؟ افعلي ولكن زوجك الحبيب هذا سيقفز خلفك مباشرة، وذلك الصغير مرهف المشاعر سيعيش بقية حياته كمريض نفسي لأنه لن يتخطى ما شاهده بسببكما وربما ينتحر لاحقاً أما والديهما فسيموتان حزناً وقهراً عليهما. فعلك المتهور هذا سيقتل عائلة كاملة فهل تريدين المضي قدماً؟ هل تريدين أن تكوني جبانة وتهربين من المواجهة كوالدك؟!
نظر سي جي لهم جميعاً وقال محذراً: هذه فرصتكم الأخيرة، افعلوا ما أطلبه منكم إن أردتم أن تنجوا جميعاً من هذه اللعنة وننهيها للأبد. أنا الآن أظهر لكم جانبي اللطيف فلا تتمادوا في الأمر. يمكنني خطف نارا ومسح كل ذكرياتها وإيهامها بأنني حبها الأول والأخير وأنهي اللعنة وأجعلكم تبحثون عنها لما تبقى من حياتكم دون أن تدروا ما مصيرها حتى ويمكنني أن أمسحها من ذاكرتكم بأكملها أو جزءاً منها لتظنوا بأنها لم تعد لكوريا حتى. أنتم لا يمكنكم الوقوف في وجهي مهما فعلتم لذا أوقفوا هذا الهراء وكفاكم حماقة. إن لم يُقرع جرس بيتي في تمام الساعة السابعة لا تلوموا سوى أنفسكم.
اختفى سي جي من أمامهم بلمح البصر في حين بقيت نارا تحدق به بذعر واستهجان فاقترب منها جو هيون وعانقها وربت على رأسها لتهدئتها ثم قال: هيا عودي لشقتك وبدلي ملابسك المبللة حتى لا تمرضي.
نهضت نارا فهم جو هيون بالذهاب معها فقالت: لا داعي أوبا، سأبدل ملابسي وأنام قليلاً.
توقف جو هيون قائلاً: آه ... حسناً، إن أردتِ شيئاً اتصلي بي أو حتى قوليه في نفسك ليسمعه شي هيون أسرع. سأبقى هنا لذا لا تخافي من شيء.
أومأت نارا برأسها إيجاباً بينما كانت ملامح الدهشة والصدمة مرسومة على وجهها. بعد خروجها كان جو هيون متوتراً فقال شي هيون: لا تقلق، هي لا تفكر بإيذاء نفسها مجدداً فقد أدركت خطأها، ولا أعتقد بأنها كانت ستلقي بنفسها حقاً فقد كانت تهدده فقط لكي يتركك وشأنك.
جلس جو هيون على الأريكة وغطى وجهه بيديه قائلاً: كاد قلبي أن يتوقف، ما زلت لا أصدق بأن ذلك حدث حقاً.
بعد أن بدلت نارا ثيابها استلقت على سريرها وجذبت عليها غطاءها وهي تتذكر كيف حملها سي جي بين ذراعيه وكأنها رأت شيئاً كهذا من قبل عندما حملها بين ذراعيه مع هطول المطر رغم أنها واثقة بأن هذا لم يحدث. أثناء نومها عادت نارا بذاكرتها ليوم وفاة والدها ورأت المشاهد التي رأتها من قبل أثناء العلاج النفسي ولكن كان هناك لمحة خاطفة جديدة، تذكرت بأن شخصاً ما حملها وأخرجها من السيارة وهي بالكاد تفتح عينيها ولكنها لا تذكر وجهه تماماً.
استيقظت نارا بعد بضع ساعات وحاولت أن تتمالك نفسها وتبتهج ثم قالت في نفسها: شي هيون تجهز أنت وأوبا للخروج لا نريد إضاعة المزيد من الوقت.
اختارت نارا ثياباً جميلة ومريحة ثم ذهبت لشقة شي هيون لتجد جو هيون يحث شي هيون على الاتصال بيونغ جاي فقالت نارا باستغراب: ما هذا، ألم تخبرها بعد؟!
بقي شي هيون صامتاً وهو يقوس شفتيه محبطاً فقال جو هيون: يمكنني الاتصال بها ولكن يجب أن يدعوها بنفسه.
اقتربت منه نارا وأمسكت بوجنتيه بقوة وأمرته أن يتصل بها على الفور. تشجع شي هيون واتصل بها وعندما أجابته شعر بالتوتر وبدأ يتلعثم قائلاً: مرحباً يونغ جاي.
- أهلاً شي هيون، كيف حالك؟
- بخير وأنت؟
- بخير.
- آه .. لقد اتصلت لأدعوكِ للذهاب معنا إلى حديقة الألعاب. نونا اقترحت الفكرة وترغب هي وهيونغ أن تأتي معنا أيضاً لذا ... اتصلت بك.
- آه ... متى ستذهبون؟
- سنخرج بعد قليل لاصطحابك في حال كنت موافقة. هل ستأتين؟
- حسناً ... لا بأس لدي بذلك.
- استعدي إذاً ريثما نصل.
- حسناً، اتفقنا.
أنهى شي هيون المكالمة وتنفس الصعداء بينما كان جو هيون ونارا يكتمان ضحكتهما على تحدثه معها بتوتر أما يونغ جاي فقد كانت سعيدة للغاية رغم تحدثها ببرود مع شي هيون وعندما رأتها والدتها تمالكت نفسها وأخبرتها بأن جو هيون والبقية دعوها للذهاب معهم فنظرت لها والدتها بخبث وقالت: تبدين سعيدة للغاية، أنت معجبة بأخ المدعي العام أليس كذلك؟ لقد كنت تريدين دعوته عدة مرات ولكنه يعتذر بسبب انشغاله والآن أنت سعيدة لأنه قام بدعوتك.
توترت يونغ جاي وقالت مستنكرة: أي إعجاب هذا، لا وقت لدي لأعجب بأحد فأنا أركز على عملي ومستقبلي.
تعلم والدتها بأنها تكذب من نبرة صوتها ونظرات عينيها فحدقت بها وقالت: يونغ جاي، لا تضيعي شبابك فالعمل لا ينتهي والأحلام تبقى مستمرة وتتجدد دائماً، والبشر يأتون ويغادرون ومن يبقى عليه أن يعيش حياته كما يجب ويجد الشخص الذي يمكنه أن يشاركه الحياة بفرحها وحزنها.
أدركت يونغ جاي ما تقصده والدتها وبأنها لا تريدها أن تتخلى عن حياتها وأبسط الأمور التي عليها الاستمتاع فيها فقط لتبقى بجانبها وبأن عليها أن تجد شخصاً يحبها ويبقى بجانبها. ابتسمت يونغ جاي ببرود لتواري ألمها وقالت: أمي، سأذهب لأبدل ملابسي بسرعة قبل وصولهم، ليس من اللائق أن أجعلهم ينتظرون.
مضى بعض الوقت ووصل جو هيون فخرج من السيارة وقال بأنه سيلقي التحية على والدة يونغ جاي فخرج شي هيون ونارا كذلك. قرع جو هيون الجرس فأتت والدة يونغ جاي وفتحت الباب وأسرعت يونغ جاي خلفها ورحبت بهم. ألقى جو هيون التحية وعانق والدتها وسألها عن حالها فدعتهم لشرب الشاي قبل ذهابهم فنظر جو هيون لنارا وابتسمت موافقة.
كان شي هيون ويونغ جاي سعيدان برؤية بعضهما البعض. مدت يونغ جاي يدها نحوه وشبكت خنصرها بخنصر يده سراً كي لا تلاحظ والدتها فأبعد السماعات عن رأسه. همت والدتها بالذهاب لتعد الشاي فقالت يونغ جاي بأنها ستعده بنفسها وبعد لحظات قال جو هيون: شي هيون اذهب وساعدها لتعده بسرعة حتى لا نتأخر.
استأذن شي هيون والدتها ونهض نحو المطبخ فابتسمت يونغ جاي عند رؤيته وسألته لماذا أتى فقال بأن جو هيون طلب منه مساعدتها وفي أثناء سكبها للشاي في الفناجين وقف شي هيون وقد بدا عليه الانزعاج من الأصوات كما أنه لا يستطيع الإمساك بيدها فلاحظت الأمر وإذا بها تمسك يده وتضعها على رأسها فابتسم كلاهما.
استغل جو هيون غيابهما وسأل والدتها عن صحتها فابتسمت بألم وقالت: أنا في المرحلة الأخيرة والدواء لم يعد يجدي نفعاً. لم يتبقَ الكثير لذا أنا قلقة بشأن يونغ جاي، لا أدري ما الذي ستفعله من بعدي. هذا كل ما يخيفني يا بني.
أمسك جو هيون بيدها وقال: لا تقلقي بشأن يونغ جاي، إنها بمثابة أختي الصغرى وسأعتني بها جيداً.
بعد احتسائهم الشاي غادر أربعتهم وودعوا والدة يونغ جاي التي وقفت تلوح لهم بيدها حتى غابوا عن نظرها ثم قالت في نفسها: أرجو أن تكون أيامك مليئة بالسعادة وأن يبقى بجانبك من يحبك ويحميك دائماً يا ابنتي.
وصلوا لمدينة الألعاب وشرعوا يجربون لعبة بعد أخرى حتى رغبت نارا بتجربة لعبة إطلاق النار على الأهداف مقابل الحصول على الدمى. تقدم جو هيون ليستعرض مهارته في إطلاق النار ففشل في البداية ولكنه أصر على إعادة الكرّة فنجح وأخذ دمية وأعطاها لنارا فقال شي هيون بأن يود أن يجرب ولكنه نظر ليده التي تمسك بيد يونغ جاي فقوس شفتيه محبطاً وقال: لا يمكنني فعلها إن تركت يدك.
فابتسمت يونغ جاي وأعطته البندقية ثم وضعت يدها على رأسه وقالت: الآن يمكنك فعلها، هيا.
ابتسم شي هيون وبدأ يصوب بمهارة فدهشوا جميعاً وبدأ يحصل على دمية بعد الأخرى فقال جو هيون: أيها الشقي متى تعلمت التصويب بهذه المهارة؟
ابتسم شي هيون وقال: هيونغ، عندما تمضي الأيام في البيت وأنت تجرب كل الألعاب لكي تشغل وقتك ولا تشعر بالملل ستتعلم الكثير من الأمور صدقني.
مضت الساعات سريعاً وأصبحت الساعة السادسة وتسارعت دقات قلوبهم معها قلقاً وخوفاً خاصة نارا. أراد شي هيون التحدث مع يونغ جاي قبل مغادرتهم بعد أن اشترى لها غزل البنات.
- شكراً على قدومك فقد أمضيت وقتاً رائعاً بفضلك.
- وأنا أيضاً، شكراً لك على دعوتي.
- أعلم بأنك تساءلتِ كثيراً بشأن عدم قبولي دعوتك للمرات السابقة ولكنني كنت متعمداً، أنا لا أريد أن أكذب عليك ولا يمكنني إخبارك بالحقيقة. أنا أريد أن أودعك لأنني لن أتمكن من رؤيتك مجدداً.
- لماذا؟ هل أخطأت معك بشيء؟
- كلا، لا شيء من هذا القبيل وإياك أن تفكري بأنك أخطأتِ في شيء. إنه أمر يخصني أنا وعائلتي.
طأطأت يونغ جاي رأسها وقالت في نفسها: هل يمانع أهله حتى صداقتنا بسبب الفروق الاجتماعية؟!
أمسك شي هيون بيدها مجدداً وقال: يونغ جاي، أنا أمر بحالة نفسية سيئة لذا اقترحت عائلتي بأن أسافر للعلاج مجدداً من أجل حاسة السمع لدي. لا يمكنني الاعتماد عليك للأبد وأستمر بإزعاجك.
- وهل شكوت لك انزعاجي من الأمر؟!
- يونغ جاي، هذا ليس حلاً فأنت لا يمكنك البقاء معي طوال الوقت لذا عليَّ البحث عن علاج.
- حسناً فهمت، متى ستسافر؟
- في أقرب وقت ممكن.
- ومتى ستعود؟
- لا أدري.
- هل ستتصل بي عند عودتك؟
- بالطبع سأفعل. (ابتسم والدموع تملأ عينيه)
ناداهما جو هيون ليغادروا فركبوا السيارة وبقي شي هيون ممسكاً بيدها حتى وصلوا بيتها فخرج شي هيون معها وخرجت نارا وقالت بأنها ربما تسافر قريباً وتريد أن تودعها الآن في حال لم تتح لها الفرصة لذلك قبل سفرها. عانقتها نارا وودعتها وعادت للسيارة عندما شعرت بأن شي هيون لا يزال لديه ما يقوله لها.
أخرج شي هيون علبة صغيرة من جيبه وأعطاها لها قائلاً: لقد أحضرت لك هدية صغيرة لتبقى تذكاراً عن الوقت الذي أمضيناه سوياً. مهما كررت لك كلمات الشكر والامتنان لن تصف ما أشعر به تجاهك. الوقت الذي أمضيه برفقتك يشعرني بأنني في الجنة.
ابتسمت يونغ جاي محاولة إخفاء حزنها والدموع التي بدأت تجتمع في عينيها وشي هيون كذلك الأمر. لم يستطع شي هيون المغادرة هكذا فالتفت لها وقال: هل يمكنني أن أعانقك؟
أومأت له يونغ جاي موافقة فضمها لصدره بقوة وانسابت دموعه بصمت كذلك هي. ابتعدا وهما يواريان الدموع والنظرات البائسة الحزينة ولوحا لبعضهما البعض بابتسامة مزيفة أرهقها الحزن والألم. بقيت يونغ جاي في الخارج لبعض الوقت بعد أن انهارت بالبكاء عندما رأته يغادر ولم تدخل حتى هدأت كي لا تلاحظ والدتها الأمر.
"علمت بأنه يكذب بشأن سفره، فتهربه من دعوتي له متعمداً كما قال لا علاقة له بسفره. لا أدري ما السبب الحقيقي الذي يدفعه ليبتعد عني ولكنني بت واثقة من أنه يحمل مشاعراً تجاهي. ربما يكون هذا أفضل لكلينا فعلي الاهتمام بوالدتي جيداً الآن لأنها بحاجتي، وليس لدي وقت لأضيعه في مواعدة أحدهم. شي هيون ربما تكون أفضل شخص أقابله في حياتي ولكن الظروف والوقت لم يكونا مناسبين، فما زالت الحياة تثبت لي بأنني لا أستحق أن أعيشها، وليس فيها ما يستحق أن أتشبث بها."
.....................................
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasíaكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...