القرن الأخير- الفصل 20

24 2 0
                                    

مضت أيام أخرى وشعرت يو ريم باستياء سي جي على الرغم من أنه لا يظهر ذلك أمامها وفي صباح يوم ما كان سي جي يجلس خارج البيت ويصنع أسهم لقوسه وتفاجأ بيو ريم تقترب منه بهدوء فالتفت لها ورآها تحدق بما يفعله فابتسم وأخبرها بأنه يصنع الأسهم فجلست بقربه تشاهد ما يفعله وبعد دقائق التفت لها وقال: ما رأيك بتعلم الرماية؟ لا بأس إن لم تجيبيني الآن، فكري في الأمر وأخبريني فهي بحاجة لمجهود وتمرين متواصل.
بعد انتهائه من تحضير الأسهم أمسك سي جي بقوسه وجرب أحد الأسهم فبدأت يو ريم تتأمله وهو يمسك بالقوس بذراعيه القويتين ومنكبيه العريضين وبعد لحظات أشاحت بنظرها قبل أن يلتفت لها. 

في اليوم التالي كان سي جي يتمرن أمام البيت ليثير انتباهها أكثر بشأن الرماية فاقتربت منه وعلم بأنها قبلت بالأمر ولكنها لا تريد التحدث واكتفت بأن تشير للقوس فقال: لم أفهم، ما به قوسي؟
قوست يو ريم شفتيها بانزعاج بعد أن حاولت أن تخبره بموافقتها أكثر من مرة وهو يدعي بأنه لم يفهم مرادها فانزعجت وهمت بالذهاب. أسرع سي جي وأمسك بيدها وجذبها نحوه وقرب وجهه منها قائلاً: هل أكل القط لسانك؟ إلى متى ستبقين صامتة؟ هل هو إضراب من نوع ما أم ماذا؟
امتلأت عيناها بالدموع وهي تحدق في عينيه فوضع يده على رأسها وقال: أريد سماع صوتك، لقد مضى وقت طويل منذ أن سمعته آخر مرة. أفرغي غضبك واصرخي واشتمي إن شئت، اشتمي عائلتك وأنا معهم لن أمانع ولكن لا تبقي صامتة هكذا، من فضلك يو ريم. ألا تشعرين بالفضول تجاه بعض الأمور، تجاه حياتي وحياتك وما يمكننا فعله بهذا المكان، ألا تريدين أن تسأليني أي شيء؟ اسأليني أي شيء واطلبي مني ما تريدينه ولا تكتفي بالإشارة فقط.
انسابت دموعها بهدوء فمسحها سي جي بيده وقال: لا تبكي، تكلمي بدلاً من ذلك لتتخلصي من الألم الذي في قلبك.
أبعدت يو ريم يديه عنها واستدارت لتعود فمشت بضع خطوات ثم عادت أدراجها نحوه مسرعة وصرخت في وجهه قائلة: أريد تعلم الرماية أيها الوغد.
ابتسم سي جي وعانقها بقوة قائلاً: أظن بأنني أول شخص يشعر بالسعادة عندما يتم شتمه.
رفعت يو ريم يديها بهدوء وتردد لتطوق وسطه بذراعيها وعندما همّ بالابتعاد عنها أحكمت قبضتها على أطراف ثوبه قائلة: ألا يمكنك أن تضمني هكذا لوقت أطول، أنا بحاجة لعناق طويل لأستجمع شظايا قلبي المتناثرة.
ضمها سي جي بقوة أكبر وبدأ يربت على رأسها وظهرها بلطف ويقول: كوني قوية يو ريم، لا تضعفي أبداً ولا تجعلي شيئاً يكسرك بعد الآن.
انسابت دموعها قائلة: كيف وكل من وثقت به خدعني وكسر قلبي؟! كل الحب الذي ظننت بأنني محظوظة لتلقيه مِن كل مَن حولي كان مزيفاً. أليس من المؤلم أن تدرك بأن الحب الذي كنت تحصل عليه مزيفاً؟!
رد سي جي بألم: بلى، مؤلم جداً ولكن علينا تجاوز الأمر حتى نعيش، الحياة طويلة ومليئة بالاختبارات والأشخاص السيئين.
ابتعدت يو ريم قليلاً ونظرت لوجهه بعيون دامعة وقالت: وأنت ... هل أنت شخص جيد أم سيء؟
تنهد سي جي بألم وابتسم بحزن قائلاً: لا أدري، أشعر بأنني أقف في المنتصف، لست مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
بدأ سي جي تدريبها وتعليمها لتقوي عضلات ذراعيها وتتمكن من تعلم الرماية لاحقاً. كانت كلما اقترب منها سي جي أثناء التدريبات تتسارع دقات قلبها وتركز انتباهها عليه فيستمر بتنبيهها لتركز في التمارين. بعد فترة من الزمن باتت يو ريم ماهرة في الرماية وتشجعت لتعلم القتال بالسيف أيضاً وفنون الدفاع عن النفس وأخبرته ذلك في إحدى الليالي بينما كانا يتناولان العشاء معاً.
- سيكون من الجيد أن تتعلمي الدفاع عن نفسك على الرغم من أنك ربما لن تحتاجيه هنا.
- ألا يدخل هذه المنطقة أحد حقاً؟ نادراً ما أرى خادم أو اثنين من الذين يعملون لديك.
- أحب القيام بكل شيء بنفسي، هناك بعض المهمات أكلف بها الخدم لأنه لا يمكنني تركك وحدك هنا.
- لماذا؟ هل تخشى أن أهرب؟
- لا يمكنك الهرب من هنا يو ريم، ستبقين تائهة في الغابة إلى أن أجدك.
- لماذا ... إذاً؟!
- كي لا تشعري بالوحدة. لا أحد مثلي يدرك معنى أن تكون وحيداً، الوحدة تكون جميلة عندما نختارها ولكنها تصبح عذاباً عندما تفرض علينا.
- هل عشت وحيداً لفترة طويلة؟
- أجل، عشت وحدي بعيداً عن الجميع باختياري إلى أن قابلت شخصاً مميزاً كان مستعداً أن يشاركني وحدتي تلك. ظننا بأننا سنكون سعداء بعيداً عن جميع البشر ولكن ...
- ولكن ماذا؟ ماذا حدث؟
- فرقوا بيننا ... وكأن كل من على الأرض اتفق على أن يفرقنا.
- هل تقصد حبيبتك التي ذكرتها سابقاً؟
- أجل، حبيبتي يو وول.
- ألم يعد بإمكانك مقابلتها؟
- أنا أعيش على هذا الأمل. على أمل أن ألقاها يوماً ما.
- لطالما تساءلت متى تقابل حبيبتك وأنت تمضي يومك بأكمله هنا، لدرجة أنني تخيلت بأنها تسكن بالقرب من هنا.
- إنها معي دائماً أينما ذهبت وأينما كنت.
- إنها محظوظة ليحبها رجل كل هذا الحب بصدق وإخلاص.
- أنا ... آسف حقاً. أدرك بأنني مهما فعلت من أجلك لن يعوضك عن خداعي لك وكسر قلبك الذي أحبني بصدق.
- أجل، لا يمكنك أن تعوضني مهما فعلت، ورغم ذلك لم أعد غاضبة منك، فعلى الرغم مما حدث وحقيقة الأمر فأنت لا زلت تعاملني باحترام وتعتني بي وتهتم لأمري. لو كان شخصاً آخر لربما جعلني خادمة لديه و ... لا يمكنني تخيل الأمر.
- لا تتخيلي، فأنت معي أنا وليس مع شخص آخر، أنت صديقتي يو ريم ورفيقتي الوحيدة في هذا المكان.
- شكراً لك.
سمح سي جي لها بإرسال بضع رسائل لوالدتها بشرط ألا تخبرها بحقيقة ما حدث وتلقت منها يو ريم بضعة رسائل وكانت سعيدة بها ثم قال بأنه سيبلغهم خبر موتها وكان ذلك بعد مرور حوالي عام أو أكثر بقليل على زواجهما. اعترضت يو ريم في البداية ولكنه قال بأن هذا الحل الوحيد لتتوقف والدتها وأخوتها عن السؤال عنها لأنهم يرغبون بزيارتها. وإن علموا بما فعله والدها وبشأن العقد ستحدث مشكلات كبيرة. اضطرت يو ريم للموافقة من أجل والدتها كي لا تعرف حقيقة ما فعله زوجها وكيف تخلى عن ابنتها، فهي لم تعد تثق بوالدها وما يمكنه أن يفعله بوالدتها إن بقيت تصر على زيارة ابنتها أو حاسبته على بيعه لها.
كان سي جي يغير هيئته البشرية مع مرور الأعوام ليبدو وكأنه يكبر في السن كي لا تفزع يو ريم وتكتشف حقيقته. عاش كلاهما سنوات حياة يو ريم بسعادة وبقيت يو ريم تخفي حبها له في قلبها على أمل أن يبادلها المشاعر يوماً ما ولكنه لم يفعل. شعرت بالخيبة والوحدة ولكنها أيضاً كانت سعيدة بوجوده معها وما يفعله من أجلها فحتى معانقته لها وتربيته على رأسها كان يعني لها الكثير.
توفيت يو ريم بين ذراعي سي جي وهي عجوز طاعنة في السن وكانت كلماتها الأخيرة هي تعبيرها عن حبها له وبأنها كانت سعيدة معه وأمنيتها الوحيدة التي لم يستطع أن يحققها لها طوال فترة حياتها معه هو أن يحبها كما تفعل هي.
انتهى سي جي من رواية قصة يو ريم لنارا ومسح دموعه على عجل قبل أن تنساب وتفضح أمره.
- لقد عاشت حياة حزينة، كل من وثقت بهم خدعوها حتى والدها والشخص الوحيد الذي أحبته بصدق لم يبادلها المشاعر. يا لك من قاسي القلب، ألم تتمكن من مجاراتها حتى وتمثل على الأقل بأنك تحبها؟ ألم تكن جميلة؟
- كانت جميلة للغاية ولطيفة وذكية.
- ألم تنجذب لها مطلقاً؟ أنت يمكنك سماع أفكارها ولا بد من أنك كنت تدرك كم كانت تحبك وتفكر بك فلماذا لم تتقرب ....
- أنا أحب يو وول ومخلص لها وسأبقى كذلك للأبد.
- ولكن يو ريم قبلتك بالفعل.
- كان الأمر فجأة فقد .... باغتتني بتلك القبلة.
- لا أدري بمَ عليَّ أن أصفك؟ هل أقول قاسي القلب لأنك لم تبادلها المشاعر أم أقول بأنك عاشق مخلص لحبيبتك على الرغم من عيشك مع فتاة أخرى جميلة ولطيفة وتعشقك بجنون لسنوات. كيف لرجل أن يفعل ذلك؟ إنهم خائنون ويستسلمون أمام الإغراءات بسهولة ... آه، أنت شيطان صحيح؟!
- هلا عدنا الآن؟ زوجك يشتعل غضباً وعلى وشك تدمير منزلي من خوفه وغيرته عليك.
- آه، حسناً هيا بنا.
نهض كلاهما فقالت نارا بعد أن وقع نظرها على بعض الأزهار: هل يمكنني أخذ وردة من هذه؟!
أشار لها سي جي بأن تقطفها فاقتربت نارا وهمت بقطفها وإذا بها تتأوه ألماً وتبتعد عنها فأسرع نحوها وأمسك بيدها قائلاً: كان عليك أن تكوني حذرة، هذه الورود شائكة.
نظرت له نارا وقالت متذمرة: وما أدراني، بالكاد أرى أمامي بسبب ضوء القمر.
تنهد سي جي متذمراً وأخرج منديلاً من جيبه ولف به اصبعها ثم أغمض عينيه للحظات وفتحهما لتبدأ اليراعات المضيئة تجتمع في المكان ونارا تراقب باندهاش وإعجاب. قطف لها سي جي بعض الورود وأعطاها لها فابتسمت وشكرته ثم نظر لها بشك وقال: نارا.
ابتسمت وردت وهي تحدق بالورود: ماذا؟
- هل أنت حمقاء؟
- ماذا؟ لمَ تقول هذا عني؟
- هل هذا وقت الورود؟ أنت مع شيطان في مكان لن يجدك فيه أحد ويروي لك قصصاً وربما تكون خيالية ويكذب عليك لتقبلي العيش معه وتقعي في حبه وأنت كل ما يهمك قصص حبه والحديقة والورود وهذه اليراعات المضيئة. هل أنت مجنونة؟
- أعلم بأن الأمر غريب وحتى أنا أستغرب ردة فعلي هذه ولكن هناك أمر واحد أنا واثقة منه.
- ما هو؟
- على نحو غريب وليس من عادتي إلا أنني ... أثق بك وأعلم بأنك لن تؤذيني.
- كيف ...
- لا أدري، بعد قدومي إلى هنا أصبحت واثقة بكل شيء تقوله وأعلم بأنك لن تؤذيني بل على العكس تماماً ستحميني.
- آه ... من الجيد بأن جو هيون لا يسمع هذا الحديث وإلا سيفقد صوابه.
- لا تخبره إذاً. هيا لقد تأخرنا.
- أنت السبب في التأخير واشرحي له ذلك بنفسك.
- حسناً فهمت، سأتولى الأمر.
أشار لها كي تقترب ويحملها فابتسمت وطوقت عنقه بذراعيها وما أن أصبحت بين ذراعيه ابتسمت فقال: أنت مجنونة، هل أنت متحمسة الآن؟
ضحكت نارا قائلة: أجل، فكرة الانتقال الآني بين الأماكن المختلفة خلال لحظات مثيرة للحماس.
نظر لها سي جي وقد عقد حاجبيه قائلاً: كان جو هيون محقاً، أنا من سيعاني إن قبلت العيش معي.
ضحكت نارا وأغمضت عينيها ثم انتقل سي جي للبيت ليقاطعا جو هيون الذي كان يصرخ بغضب ويتساءل أين هما حتى الآن. ما أن ظهرا في المنزل وضعها سي جي أرضاً فأسرع جو هيون نحوها وعانقها وسألها إن كانت بخير فابتسمت وقالت بأنها على ما يرام.
أمسك جو هيون بيدها وجذبها لتصبح خلفه ثم وقف أمام سي جي وقال بحنق: لماذا استغرقت كل هذا الوقت؟ قلت بأنك سريع وبأنك ستريها أمراً ما وتعيدها على الفور. ما الذي فعلته بها هناك؟
اتسعت عينا سي جي وقال مستنكراً: فعلته بها؟! نارا، قلتِ بأنك ستتعاملين معه، هيا خذي هذين الاثنين وغادروا منزلي على الفور فأنا متعب وبحاجة للراحة، لم يثرثر معي أحد بهذا الشكل منذ سنوات.
أمسكت نارا بذراع جو هيون بكلتا يديها وهي تحثه على الخروج وبأنها ستخبره ما حدث. كان جو هيون محتداً وغاضباً جداً وبعد خروجهم من هناك واقترابهم من السيارة قالت: أوبا، لقد استغرقنا كل هذا الوقت بسببي، لقد سألته عن الكثير من الأمور وتفحصت المكان جيداً لأتأكد مما يقوله. دعنا نعود للبيت الآن وسأخبركما بكل شيء.
نظر جو هيون للورود التي تمسكها بيدها وقال: ما هذه الورود؟ هل كان يحاول إغواءك مجدداً وقبل أن توافقي على الذهاب معه؟! ذلك الوغد ...
ردت نارا متذمرة: أوبا توقف، الأمر ليس كذلك. دعنا نذهب وسأخبرك بكل ما حدث.
نفخ جو هيون الهواء متذمراً غاضباً ثم ركبوا السيارة متوجهين للبيت وسط قلق جو هيون برؤية نارا مرتاحة ومبتسمة وتحمل تلك الورود بيدها وكأنها تذكار من ذلك المكان. شعر جو هيون بالخوف وأدرك بأنها قد حسمت أمرها بالفعل.

القرن الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن