ضحك سي جي ونزل عن الحصان قائلاً: لقد اكتفينا من مشاهدة الغروب، هيا لنتناول العشاء.
مد سي جي يديه نحوها وطلب منها أن تقفز. توترت نارا فابتسم قائلاً: ثقي بي.
قفزت نارا وإذا به يمسك بها من خصرها بكلتا يديه بكل خفة وهدوء بينما كانت يديها على كتفيه وجهيهما متقابلين فتسارعت دقات قلبها مجدداً واحمرت وجنتاها. وضعها سي جي أرضاً بهدوء وتركها فاستجمعت شتاتها وابتعدت عنه وعندما همت بالمشي نحو المائدة أمسك سي جي بيدها وخلل أصابعه بين أصابعها.
عندما وصلا إلى المائدة أسرع سي جي وسحب لها الكرسي فابتسمت وشكرته ثم جلس مقابلها وهي تتعجب من رؤية الأطباق التي على المائدة وبدت سعيدة للغاية فقال: جميعها أطباقك المفضلة.
شكرته نارا وبدأت تأكل باستمتاع وسعادة وبعد قليل قال سي جي: هل تعلمين متى تبدين في غاية السعادة؟
نظرت له نارا وسألته متى فشبك يديه وأسند رأسه عليهما قائلاً: عندما تأكلين أطباقك المفضلة، أكثر أوقاتك سعادة منذ قدومك إلى هنا هي عند تناولك لأطباقك المفضلة نارا.
ابتسمت نارا بحرج وقالت: ما خطبك تجعلني أبدو وكأنني فتاة نهمة تعشق الطعام؟!
- الأمر ليس كذلك ولكن ربما هو الشيء الوحيد الذي تحبينه بصدق هنا.
- ربما ... لا أدري.
- سعادتك وانبهارك بكل شيء أو مكان جديد أريك إياه لا تدوم طويلاً، ولكن عندما يتعلق الأمر بالطعام تختلف نظراتك كلياً.
- هل تحاول إغاظتي الآن؟ إن استمريت بمواصلة الحديث عن الطعام ستكون قد أفسدت هذا الموعد، أنا أحذرك.
- حسناً سأصمت، استمتعي بالفقرة القادمة.
- ما هي؟
- سترين ذلك بعد لحظات، أغمضي عينيك الآن.
أغمضت نارا عينيها فبدأت اليراعات المضيئة بالتجمع في المكان ثم طلب منها أن تفتح عينيها لتندهش بجمالها وقد باتت تحوم حولهما وكأنها نجوم صغيرة تطفو في المكان. انتهت نارا من تناول العشاء وهي في غاية السعادة ثم اقترب منها سي جي وأمسك بيدها لتنهض وأخذها لأرجوحة مزينة بالورود أمامها طاولة صغيرة عليها علبتين من البوظة.
جلست نارا على الأرجوحة وأمسك سي جي بالعلبة يمدها نحوها متسائلاً: هل تريدين تناولها الآن أم أن معدتك لا تتسع لها بعد كل ما أكلته؟!
ضمت نارا شفتيها متذمرة وقالت: هناك دائماً متسع في معدتي للبوظة فلا تقلق.
ضحك سي جي وهي تأخذ منه العلبة بحنق ثم جلس بجانبها قائلاً: هل تشعرين بالبرد؟
فردت قائلة: قليلاً.
خلع سي جي سترته ووضعها على كتفيها فشكرته. نظر لها سي جي ومد ذراعه قائلاً: اقتربي.
اقتربت نارا ووضعت رأسها على صدره واستمرت بتناول البوظة فقال: لا تلوثي قميصي.
رفعت نارا رأسها ونظرت له بحنق ومسحت فمها بقميصه ثم ابتسمت لاستفزازه ورفعت حاجبيها قائلة: عليك أن تكون لطيفاً معي صحيح، لا تقم باستفزازي ولا تغضبني كي نتجاوز الأمر، اتفقنا.
تنهد سي جي وقال: هل عليَّ إلغاء الألعاب النارية بعد هذا؟
ردت نارا ببرود وهي تأكل البوظة: جرب وسترى ما سيحدث.
حدق بها سي جي لوهلة وهي مشغولة بتناول البوظة باستمتاع ثم أشار لخادمه ليبدأ عرض الألعاب النارية، وما أن بدأ حتى اتسعت عينا نارا باندهاش، وعبرت عن إعجابها الشديد بها وباتت متحمسة جداً كالأطفال ثم ظهر اسمها في السماء فنظرت لسي جي وقالت متعجبة: هل وضعت اسمي أيضاً؟
فابتسم وطلب منها مشاهدة البقية فحدقت بالسماء مجدداً لتجد كلمة (شكراً) تعقب اسمها فالتفتت له مجدداً وقالت بتذمر: ما هذا، في العادة يضعون قلب حب أو كلمة أحبك فلماذا تضع لي شكراً؟! حتى لو كان ذلك كذباً ولكن عليك فعلها أيضاً.
ابتسم سي جي وأشار لخادمه ليفعلها ثم نهض وأمسك بيدها وتقدما بضع خطوات وإذا به يعانقها من الخلف ويهمس في أذنها: شكراً لك نارا ... على كل شيء.
ظهر في السماء قلب حب مع كلمة أحبك فتنهد سي جي بألم وقد امتلأت عيناه بالدموع لأنه يعلم بأنه سيقول لها هذه الكلمة رغماً عنه ويدرك تماماً بأن قوله لها سيجعله يتقدم خطوة أخرى ليوقعها في حبه. همس سي جي في أذنها قائلاً: أحبك نارا.
استغربت نارا الأمر في البداية ولكنها سرعان ما شعرت بتأثير الكلمة، حيث تسارعت دقات قلبها بجنون وشعرت بحرارة تسري في جسدها وهمت لتستدير نحوه فمسح دموعه بسرعة ورسم ابتسامة مزيفة على وجهه وقبل جبينها وإذا بها تحدق به وتقول: أنا ... أنا ...
ابتسم بألم وقال: أعلم، لم يكتمل الأمر بعد.
ضمها سي جي لصدره لتبقى نارا تحت تأثير اعترافه ذاك أما هو فقد كانت دموعه تنهمر بصمت. مضت بضع دقائق ولم تتحرك نارا فشعر بالقلق وأبعدها متسائلاً إن كانت بخير فأخبرته أنها بخير ولكنها تشعر بالنعاس الشديد. ابتسم سي جي وسألها إن كان بوسعها المشي أو حتى انتظار العودة للمنزل على ظهر الحصان فطوقت وسطه بذراعيها مجدداً وهي مغمضة العينين قائلة: كلا، خذني للمنزل على الفور فأنا متعبة.
ابتسم سي جي وقال: نارا، أنت لم تفعلي شيئاً سوى الأكل.
كررت نارا طلبها له بأخذها للمنزل متذمرة كالأطفال، فحملها بين ذراعيه وانتقل بها إلى غرفتها حيث وضعها على طرف السرير وطلب منها تبديل ملابسها فألقت بنفسها على السرير قائلة: لاحقاً، أريد النوم الآن.
ابتسم سي جي وهو يخلع عنها حذاءها ويقول: لو لم أتناول نفس الطعام معك لظننت بأن فيه دواء منوماً.
ردت نارا: أطفئ الضوء.
تنهد سي جي وهو يضع عليها الغطاء ثم قال: هل من أوامر أخرى؟
جذبت نارا عليها الغطاء قائلة: اذهب.
ابتسم سي جي متعجباً ثم أطفأ الضوء وخرج من الغرفة قائلاً: أهذا كل ما لديها بعد اعترافي لها بالحب؟! ما ردة الفعل هذه؟ لم يحدث هذا معي من قبل مع أي فتاة سبقتها. ما خطبها؟!
خرج سي جي من المنزل ليجد خادمه وقرين نارا بانتظاره.
- هل وجدت من كنت أبحث عنه؟
- كلا يا سيدي، خادمه يستمر بقول إنه لم يعد بعد.
- حسناً، استمر بتفقده بشكل يومي.
- أمرك سيدي.
- وأنت ... هل ظهر ذلك السيد مجدداً أو أحد خدمه؟ هل حاول أحدهم التواصل معك؟
- كلا يا سيدي، لم يحدث شيء كهذا.
- إن أخفيت عني شيئاً سيكون عقابك وخيماً، تدرك هذا صحيح؟
- كيف لي أن أخفي شيئاً قد يلحق الضرر بنارا، أنا قرينها وحياتها تهمني.
- حسناً، سنرى.
- سيدي ماذا بشأن قرين يو وول؟
- ليس بعد، لا يمكنني مسامحته حتى الآن على فعلته. عندما أشعر أنني بحاجته وبأنه مستعد لفعل أي شيء للتكفير عن ذنبه والتعبير عن ندمه سأقبل بعودته.
- أمرك سيدي.
ذهب سي جي لحديقة القمر وجلس بجانب قبر يو وول وابتسم بألم قائلاً: هل أبدو لك خائناً أم لعوباً يو وول؟ لقد قلت (أحبك) لعدة فتيات ولكن لم أستطع قولها لك. في كل مرة يؤلمني قلبي وكأن سهماً يخترقه ويمزقه. لكنك تعلمين بأنني أفعل هذا من أجلك صحيح؟ عندما أقولها لهن تكون مجرد كلمة ولكن كيف سأقولها لك يو وول؟! في الواقع لقد قلتها لنارا عندما ظننتها أنت ولكن رغم ذلك لم أجدها تعبر عن كل الحب والمشاعر التي في داخلي لك. باتت هذه الكلمة ضئيلة جداً أمام عشقي وشوقي المتراكم لك طوال السنوات الماضية. أنت تتفهمين ما أقوله صحيح؟! لن تغضبي مني يو وول صحيح؟! فأنا ... أحبك أنت وحدك تعلمين هذا جيداً.
هبت نسمات من الهواء فتناثرت بتلات الأزهار من الشجرة عليه فابتسم وقال: هل يمكنني أن أعتبر هذه إشارة تقصدين فيها بأنك تحبينني أيضاً؟ سأعتبرها كذلك.
أغمض سي جي عينيه وأسند رأسه لجذع الشجرة ليرى يو وول وابتسامتها في خياله. بقي هكذا لبعض الوقت ثم نهض وعاد للمنزل حيث فتح باب غرفة نارا بهدوء ليطمئن عليها فوجدها لا تزال نائمة عندئذ أغلق الباب بهدوء وألقى بنفسه على الأريكة لينام.
في صباح اليوم التالي استيقظ سي جي بسبب الضجة التي أحدثتها نارا في المطبخ لتعد طعام الفطور فنهض سي جي وقال بأنه سيساعدها بعد أن يغسل وجهه ويديه وبينما هو ذاهب قال متذمراً بصوت منخفض: أكلت ونامت واستيقظت لتأكل، أخشى أن تأكلني يوماً ما إن لم تجد طعاماً.
عاد سي جي وساعدها في تحضير الفطور وعندما جلسا إلى المائدة نظر لها سي جي وقال: ما بك؟ لماذا تبدين حائرة ومتوترة؟
- لا شيء، رأيت حلماً مزعجاً.
- ماذا ... هل هو بشأني أنا ويو وول؟
- كلا ... ليس كذلك، مجرد حلم عادي لا أكثر.
- حسناً فهمت.
- سي جي، ما دمت لم تعطني إذناً لدخول حديقة القمر فكيف ظهر لي بابها السري وفتح أمامي؟
- آه ... لا أدري، ربما لأنني أدخلتك إلى هناك بضع مرات.
- تقصد بأنها صدفة أو خطأ كما حدث مع باب المخزن صحيح؟
- ماذا ... تقصدين؟
- أنت تعلم ما أقصده سي جي، أنت تخفي عني أمراً ما ولا تريد أن تخبرني.
- نارا ...
- لا داعي لتقول شيئاً ففي النهاية لن تخبرني الحقيقة، لذا لا أود سماع كذبة أخرى.
- لا أدري لماذا عدنا للحديث عن الباب ولكن ما أخبرتك به هو الحقيقة سواء صدقتِ أم لا.
- حسناً.
ردت نارا بوجه متجهم وهي تحدق في طبقها حيث أكملت تناول طعامها وتركت سي جي في حيرة من أمره ولم يستطع معرفة ما تفكر به وعندما رأته يحدق بها قالت: لا تحاول قراءة أفكاري فهذا لن يجدي نفعاً فقد تدربت لوقت كافٍ منذ أن علمت بأمر شي هيون حتى الآن.
رد سي جي وهو ينظر لطبقه ويهم بتناول الطعام قائلاً: لم أحاول فعل ذلك.
رمقته نارا بنظرة توحي له بأنها تكشف كذبه ثم أكملت تناول طعامها. أتى خادم سي جي فقال سي جي بأنه أنهى طعامه وخرج من المنزل وابتعدا قليلاً عن المنزل حيث أخبره بأن من يبحث عنه قد عاد وعندما علم بأن سي جي يبحث عنه أتى معه وهو الآن يقف عند حدود حديقة القمر فأسرع سي جي إليه.
- يسعدني قدومك فقد انتظرتك لأيام.
- وأنا سررت بمقابلتك بعد كل هذه السنوات، كنت في مهمة خاصة. ولكن لماذا أتيت لي؟
- أردت أن أسألك إن كنت تعلم مكان سيدي؟ هل يمكنك تقصي أخباره وتجد لي مكانه.
- آه ... سيدك ذاك، الأمر صعب فأنت تعلم بأنه لا يظهر أمام أي أحد من الجن وخاصة الشياطين نظراً للعداوة التي بينهما.
- أعلم هذا ولكن ربما يكون أحدهم قد سمع شيئاً عنه.
- حسناً، سأتقصى عنه من أجلك ولكن ... هل أتيت لأحد سادة الشياطين لتبحث عن أحد سادة الجن المؤمن؟ يبدو لي بأنك ما زلت عالقاً في المنتصف طالما أنك لا تزال تعزل نفسك هنا.
- إن كنت تسأل عن أي جانب قد اتخذت فأنا لم أتخذ جانب أحد حتى الآن، أحاول فعل ما أراه صحيحاً وحسب ولا أريد التورط في الصراع بينكما فلدي ما يكفي ما المشاكل.
- أنت محق، فهذه اللعنة التي أصابتك قوية، شيطان الساحر كان قوياً للغاية.
- هل تعرفه؟ هل تعرف أين يمكنني إيجاده فما زال هناك أمور عليَّ معرفة تفاصيلها بشأن اللعنة.
- آه، ألهذا تبحث عن سيدك، لتعرف تفاصيل السحر الأسود الذي ألقي عليك ليلتها؟
- أجل، أريدك أن تصل لأحدهما على الأقل.
- حسناً فهمت، سأفعل.
- شكراً لك.
- آه ... كان انضمامك لنا سيكون إضافة كبيرة وكنا سنحميك من تلك اللعنة ولكن ... إنه اختيارك في النهاية. سأعود إليك عندما أصل لشيء.
أومأ سي جي برأسه إيجاباً ثم عاد لحديقة القمر حائراً قلقاً فأسرع إليه خادمه وسأله إن كان بخير، جلس سي جي أرضاً وأسند ظهره لجذع شجرة وقال: لا أدري إن كنت بخير، كل شيء يزداد تعقيداً. هناك من يلاحقني ويريد معرفة ما أنوي فعله وكأنه ينتظر مني شيئاً.
- ماذا ... ماذا تقصد سيدي؟
- يبدو بأن الوقت الأصعب من اللعنة قادم وليس كما ظننت.
- سيدي، أليس من المفترض أن تنتهي اللعنة بعد أن تقع نارا في حبك، الأمر يسير جيداً فلمَ تقول هذا؟
- لأن هناك ما لا أعرفه بعد ولا أحد يود إخباري به وكأنهم يختبرونني.
- من هم؟
- الفريقين المزعجين ... الشياطين من جهة والجن المؤمن من جهة أخرى.
- لماذا يريدونك أن تأخذ جانب أحدهما؟ لمَ لا يدعونك وشأنك؟
- لا أدري، يستمرون بقول إني مميز وما إلى ذلك.
- لمَ لا تفعل وحسب، خذ الجانب الذي تراه أقرب لك.
- من أشبه أكثر برأيك؟ الشياطين أم المؤمنين؟!
- أنا أظن ...
- حتى أنت بعد كل هذه السنوات التي أمضيتها برفقتي لا تعلم، أنا أيضاً لا أعلم.
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasyكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...