كان سي جي في منزله يحدق في القمر المطل من باب الشرفة الزجاجي وإذا بتابعه يدخل يطأطئ رأسه وإذا بسي جي ينهض بهدوء ويمسك بتحفة زجاجية موضوعة على طاولة جانبية قريبة منه واقترب من ذلك الشخص بهدوء وفجأة فج رأسه بها دون أن يحرك الآن ساكناً ثم قال: ألم أقم بتحذيرك سابقاً؟ قلت لك قم بمراقبته جيداً، لقد اعترف لها ببساطة وذهب كل الجهد الذي بذلته لسنوات ليبتعدا عن بعضهما البعض.
وفجأة صرخ قائلاً: لماذا لم تقم بعملك؟ هل من الصعب إبقاؤه خائفاً من تلك الرؤيا اللعينة وجعله بعيداً عنها؟
تمتم الرجل بكلمات أسف واعتذار فأمسك به سي جي من عنقه ورفعه للأعلى بكل بساطة وقال بابتسامة شريرة: هل تدرك كم يسهل قتلك وأنت تتجسد في صورة إنسان؟!
بدأ يطلب منه العفو وبأنه سيحاول إصلاح خطئه ليبعدهما عن بعضهما البعض مجدداً فتركه سي جي وقال محذراً: ستكون هذه فرصتك الأخيرة وإلا تدخلت بنفسي وعندئذ ... النتائج ستكون وخيمة.
في الصباح الباكر تجهزت كلتاهما وخرجتا من الغرفة ووجدتا جو هيون بانتظارهما وقد ألقى تحية الصباح عليهما. خرج ثلاثتهم من الفندق ووجدوا سيارة الأجرة التي طلبها جو هيون بانتظارهم وتوجهوا إلى محطة الحافلات ومن هناك إلى محطة القطار.
كانت هاي سو حريصة على إخفاء وجهها بالقبعة والوشاح الصوفي كي لا يلاحظها أحد عدا عن أن جو هيون استمر بمراقبة الأشخاص من حولهم طوال الطريق.
مضى الوقت وكان السائق بانتظار جو هيون خارج محطة القطار في سيئول حيث توجهوا إليه فور خروجهم وفي طريقهم إلى البيت الصيفي طلب منه جو هيون التوقف في شارع فرعي لا يوجد فيه كاميرات مراقبة فاستغربت كلتاهما الأمر.
خرج جو هيون من السيارة وأجرى اتصالاً فخرجت إليه نارا وسألته ماذا هناك وقال بأن السيد كيونغ سيصل خلال دقائق وسيكمل الطريق مع هاي سو للبيت الصيفي لأن هذا أفضل من باب الحرص والحذر.
وصل السيد كيونغ وطلب جو هيون من هاي سو أن تركب معه ليوصلها وطمأنها بأنه شخص موثوق. كان السيد كيونغ قد اشترى العديد من الأشياء التي قد تحتاجها أثناء بقائها في ذلك المنزل كما طلب منه جو هيون.
طلب جو هيون من السائق أيضاً أن يذهب برفقة السيد كيونغ ويساعده ويتأكد من أن كل شيء بخير وينتظر وصول الحراس الشخصيين معه ويتأكدوا من النظام الأمني للبيت ويعتنيا بأبسط التفاصيل.
ركب جو هيون السيارة وركبت نارا بجانبه وانطلق عائداً أدراجه ليوصلها للبيت.
- ألم يكن من الأفضل أن نذهب معها؟
- كلا هذا سيكون أفضل من الناحية الأمنية. جميع العيون تترقب عودتنا الآن وإن تأخرنا سيشكون في الأمر.
- ولكن ربما قد علموا بالفعل من المحقق بأننا وجدناها.
- لقد اتصلت به وأخبرته بأنها تشبهها وحسب وبأن الأمر قد اختلط على ذلك الرجل.
- أنت دائماً ما تفعل كل شيء وفق خطوات محسوبة وتضع الاحتمالات لكل شيء وتتصرف وفقاً لذلك إلا عندما ...
- عندما ماذا؟!
- عندما قلت ... ما قلته أمس.
- آه، تقصدين ذلك. هذا ليس شيء يحتاج للتفكير والاحتمالات نارا، إنه شعور كنت أعيش معه لسنوات وكنت سأقولها لك عاجلاً أم آجلاً ولكن ... كلام شي هيون وهاي سو شجعني وجعلني أفكر بأن هناك فرصة للتغلب على تلك الرؤيا، وبأن عليَّ أن أبذل جهدي لحمايتك وليس دفعك بعيداً عني. أو ... ربما لعلها رغبتي وإرادتي وكنت فقط بحاجة لدفعة صغيرة، لبعض التشجيع فقط كي أعبر لك عن حقيقة شعوري تجاهك.
- ألم تفكر بأنك ربما قد تأخرت؟
- بلى، فكرت وأشعر بالخوف من هذا ولكن ... سأجعل حبي لك أكبر من خوفي عليك. سأحارب كل شيء لحمايتك حتى لو لم تعودي لي.
- أوبا ... أنا لا أعرف ماذا عليَّ أن أقول لك ولكن مشاعري الآن متخبطة جداً. أنا سعيدة وغاضبة وخائفة في الوقت ذاته، أنا أشعر بالضياع ولا أدري ماذا عليَّ أن أفعل.
أوقف جو هيون السيارة على جانب الطريق عندما رأى دموعها فخرجت مسرعة من السيارة ووقفت تحاول أخذ نفس عميق وبدا عليها بأنها تتألم. خرج جو هيون واقترب منها فاستدارت وطلبت منه عدم الاقتراب كي لا يراها وهي في هذه الحالة.
وقف جو هيون للحظات ثم خطى نحوها مسرعاً وعانقها من الخلف. حاولت نارا إبعاده عنها ولكنه تمسك بها جيداً وهو يقول: لا بأس، اهدئي نارا. لقد رأيتك في كل حالاتك وأعلم بأنك فتاة قوية، دموعك هذه ليست ضعفاً فأنا أعلم هذا جيداً.
انهارت نارا بالبكاء وعلا صوتها ثم استدارت نحوه وبدأت بضرب صدره بقبضتها وهي تقول: لمَ لم تخبرني من البداية؟ لما كان هذا حالنا الآن، لماذا لم تتخذ قرارك هذا منذ وقت أبكر بقليل ... 11 عاماً مثلاً؟! هل كان عليك أن تخبرني بكل هذا الآن؟ بعد أن ظننتُ بأنني تجاوزتك، بعد أن أنهيت مشاعري تجاهك ولم أتمسك سوى بمشاعر الغضب؟! لماذا؟ ألا تدرك كم عانيت خلال هذه السنوات؟!
- أنا آسف، آسف جداً نارا.
- آسف على ماذا بالتحديد؟ لديك الكثير لتأسف عليه أوبا.
- نارا من فضلك تفهمي الأمر ...
- أنا أتفهم الأمر، أقدر خوفك عليّ ولكن ... لا أدري ما عليَّ فعله الآن؟ بماذا عليَّ أن أشعر تجاهك الآن؟ كيف عليَّ أن أعاملك الآن؟ لا أدري ... أنا حقاً لا أدري.
عانقها جو هيون بقوة لتهدأ وهو يقول: لا حاجة لك لتفكري بأي شيء ولا أن تفعلي أي شيء.
نظرت نارا في عينيه وقالت: أوبا، هناك الكثير من الأمور التي تدور في ذهني ولا أدري بماذا أشعر. هناك شيء غريب يحدث، لم أكن هكذا أمس، هناك شيء ما يحدث لي أوبا.
بدأت نارا تشعر بضيق النفس وبارتخاء ساقيها فأمسك بها وأجلسها مكانها في السيارة وجثى على ركبته بقربها قلقاً وقد بدأت الدموع تجتمع في عينيه قائلاً: نارا، ماذا أصابك؟ بماذا تشعرين أخبريني؟
ردت نارا بصعوبة: رأسي يؤلمني وأشعر بثقل يضغط على صدري.
مسح جو هيون دموعه وأدخل ساقيها إلى السيارة ووضع لها الحزام قائلاً بأنه سيأخذها للمستشفى على الفور فأمسكت بيده ورفضت قائلة بأنها ستكون بخير عندما تنام وترتاح. استسلم جو هيون أمام إصرارها واصطحبها للبيت.
أمسك بيدها وما أن خرجا من المصعد أسرع شي هيون وفتح باب الشقة قلقاً عليهما وسألهما ماذا حدث فقال جو هيون: لاحقاً شي هيون، نارا بحاجة للراحة الآن.
أسرع شي هيون وفتح باب شقتها ثم أدخلها جو هيون لغرفتها. كان شي هيون بانتظاره في غرفة المعيشة حيث جلسا على الأريكة وقد وضع جو هيون يديه على وجهه ونفخ الهواء وإذا بدموعه تنساب رغماً عنه فسأله شي هيون بقلق عما حدث.
- لا أدري ما أصابها، ساءت حالتها فجأة عندما بدأنا نتكلم عن وضعنا وعن اعترافي لها بالأمس.
- ربما تكون متفاجئة أو شيء كهذا هيونغ.
- كلا، حالتها اختلفت بشكل واضح بين ليلة وضحاها حتى هي لاحظت بأن ردة فعلها غريبة. أنا خائف جداً، أشعر بأن هذا إنذار لي وبأن ما قلته وما أفعله معها هو مجرد خطأ وبأن ما أخشاه سيتحقق إن استمريت بالتقرب منها شي هيون.
- هيونغ، كيف يمكن لاعترافك لها بحبك أن يؤذيها؟! ربما تكون نونا متوترة فقط فأنت تعلم بأمر نوباتها كما أن حالتها النفسية ليست مستقرة واعترافك المفاجئ هذا لم تستطع استيعابه وباتت مشاعرها متصارعة. هذا كل ما في الأمر فلا تبالغ.
- أتمنى ذلك ولكنني ... خائف بشدة شي هيون.
- لا تخف هيونغ، لا يمكن لشيء أن يؤذي نونا فلديها أنت وأنا كذلك. سنحميها فلا تبالغ في خوفك، سنتمكن من تغيير الرؤيا التي رأيتها إن أطلعتنا عليها بالتفصيل. صدقني سنفعل.
ربت شي هيون على كتفه وابتسم ليخفي قلقه ثم عرض عليه أن يأتي ويرتاح في شقته أو يشرب القهوة ويترك نارا تنام فأومأ جو هيون نافياً وقال بأنه سيبقى معها.
خرج شي هيون عائداً لشقته وقد شعر بقشعريرة في جسده وقال في نفسه خائفاً: هناك ... أمر غريب بل مخيف. يوجد أصوات تشبه أصوتهما وتشوش على تفكيرهما، تنقل لهما الأفكار السلبية فقط. نونا وهيونغ لا يمكنهما أن يفكرا بتلك الطريقة السلبية الغريبة، هنالك قوة ما تحاول إقناعهما بحدوث الرؤيا التي يخافها هيونغ. ما الذي يعنيه هذا وكيف سأخبرهما بشيء غريب كهذا؟! لست ... واثقاً من الأمر ولكن لدي شعور سيء تجاه ما يحدث.
أعد جو هيون الحساء ثم دخل غرفتها بهدوء ووجدها لا تزال نائمة. اقترب منها بهدوء وجلس على الأرض بقربها وبدأت دموعه تنساب بصمت وهو يحدق بوجهها وملامحها البريئة. هم بوضع يده فوق يدها ولكنه توقف وأحكم قبضته بألم.
"لمَ قد يؤذيك حبي يا نارا؟! لمَ لا يحق لنا أن نعيش هذا الحب بكل ما فيه من مشاعر فنحن لم نرَ سوى الجانب المؤلم منه. اللحظات التي كنا سعداء فيها بحبنا كانت قصيرة للغاية، ولم أفكر فيها للحظة بأنه سيعقبها فراق طويل كهذا والأسوأ ... أنه لا يمكنني الاقتراب منك على الرغم من أنني أتمزق ألماً من شوقي لك. ما الذي عليَّ فعله من أجلك نارا؟ ماذا عليَّ أن أفعل؟!"
رن هاتف جو هيون فمسح دموعه وخرج ليجيب على اتصال يونغ جاي التي سألته إن كانا قد وصلا وطلبت منه الحضور لأن سي جي أخذ الدعم وخرج ليمسك بالمشتبه به الذي حاول سرقة المفتاح منها.
خرج جو هيون من الشقة بعد أن ألقى نظرة على نارا ووضع بجانبها ملاحظة لتتناول طعامها عندما تستيقظ. وجد شي هيون بانتظاره قرب باب شقته فاقترب منه جو هيون قائلاً: اعتنِ بها، عليَّ الذهاب للعمل.
أومأ شي هيون برأسه إيجاباً وقال: لا تقلق بشأنها، فكر بعملك لتحل هذه القضية بسرعة.
هز جو هيون رأسه ووضع يده على كتف شي هيون وهم بالذهاب فأوقفه شي هيون قائلاً: هيونغ، إن احتجت لمساعدتي في هذه القضية أخبرني من فضلك، سأبذل جهدي.
ابتسم جو هيون بألم ووضع يده على وجنة شي هيون وقال: شكراً لك شي هيون لكنني لن أعرضك للخطر أنت أيضاً، سأبذل جهدي للانتهاء منها بسرعة، لا تقلق.
نظر له شي هيون بحزن وقال: هيونغ، يمكنني فعلها حتى أنني ذهبت لزيارة جدي.
ابتسم جو هيون وربت على كتفه ثم مضى في طريقه في حين دمعت عينا شي هيون وقال: رؤيتك هكذا تؤلمني هيونغ.
وصلت قوات الشرطة للمنزل الذي يختبئ فيه المجرم فوجدوه خالٍ وعلموا مما وجدوه بأنه غادر للتو. لمحه سي جي يركض في أحد الأزقة فبدأ بالركض خلفه وحاولت الشرطة محاصرة المنطقة للإمساك به. وصل المجرم لمكان مسدود وعندما حاول تغيير الطريق وجد سي جي أمامه يبتسم له بمكر. بدأ سي جي بالاقتراب منه ونظرات عينيه وابتسامته جعلت الرجل يصاب بالقشعريرة ولكنه سرعان ما تغلب على خوفه وحاول أن يهاجم سي جي بسكين.
مضت بضع دقائق وإذا برجال الشرطة يصلون المكان ويجدون سي جي يقف سانداً ظهره للحائط ويمسك بذراعه النازف. أسرعوا نحوه وسألوه عما حصل وقاموا بطلب الإسعاف على الفور. أخبرهم سي جي بأن المجرم هاجمه بسكين وهرب.
أنت تقرأ
القرن الأخير
Fantasíaكل شخص يخفي بداخله ما لا يستطيع قوله أو نسيانه ... عشق ... خوف ... ذنب ... جرح ... ألم. في جو من العشق والخوف والشوق والغموض والتضحية التي تمر بها شخصيات الرواية يجعلونا نعيش معهم أحداث في غاية التشويق مليئة بالعاطفة نعلم من خلالها أن ليس البشر وحده...