الفصل الأول
في مكان آخر وأناس آخرين
" وما الحل الآن ؟! "
سكت الرجل الذي تحدث ... يستقيم من كرسيه .. من وراء مكتبه ..متوجهاً للنافذة المطلة على الشارع الهادئ في هذا الحي الراقي ..
استقام رجلاً آخر من أمام المكتب .. متجهاً للرجل الواقف أمام النافذة هاتفاً ..
" لا أعلم سيد سليمان .. ولكنه بالتأكيد لن يتركك .. "
" لا تعلم !!! "
هتفها سليمان باستنكار للواقف بجواره ..
" كيف لا تعلم يا حمدي .. أنت المحامي هنا .. ومن واجبك إيجاد حل لما أنا فيه .. "
" سيد سليمان .. أرجوك اهدأ .. ضغطك مرتفع .. وقلبك مُتعب .. اهدأ أنت وبالتأكيد سنجد حل "
" نعم يا حمدي ..لابد وأن نجد حل حتى وإن كان خارج القانون .. المهم لدي أن لا ينال جنية واحد من أموالي "
أومأ حمدي .. محامي هذا الرجل .. سليمان ..رجل أعمال .. في الخمسين من عمره أرمل ..توفت زوجته التي مرضت بمرض خطير وتوفت به من سنوات .. ولم يفكر بالزواج مرة أخرى لعدة أسباب ..أولها أنه عقيم .. نعم عقيم ..غير قادر على الإنجاب وعاشت معه زوجته وهي على علم بهذا ..
وبقت على حبها له .. وحبه المجنون بها .. وبعد وفاتها لم يعد يرى من النساء أحد .. رجل أعمال من الطراز الأول .. ويسبقه صيته بين فئة رجال الأعمال .. لم يقبل الحرام يوماً ويشتهر بنزاهته .. إلا أنه وكما جرت العادة .. ليست أصابع اليد الواحدة متشابهة .. فالسيد سليمان
له أخ.. " سالم " .. جمع من الصفات السيئة الكثير ..وليس هذا فقط .. لقد هدده من قبل إن لم يتنازل عن ثروته له فلن يتوانى عن الحجر عليه .. بل وسيشتري من يثبت ذلك ..يعلم أنه يقدر.. فهو لا يقف شيء أمام ما يريده .. لقد بدد الكثير من أمواله في صفقات مشبوهة .. وبدأت سمعة شركته في الانهيار .. وللمفارقة ..ولحكمة لا يعلمها سوى الله ..
لديه ابن .. رزقه الله بولد من صلبه .. ومع ذلك لم يحمد النعمة ..
بل تجبر وتكبر ..وها هو يتجبر على أخاه لينال ماله ..بحجة أن ليس لديه من يورثه .. لا يعرف أن الدنيا غدارة ولا يعرف من يرث من ..
*******
في فناء فارغ .. يتراكم في أركانه بعض أكياس القمامة .. والاسم ملعب ..
" اهدأ يا عابد .. يا رجل تكاد النار تخرج من أذنيك "
ارتفعت زاوية فم عابد بابتسامة استهزاء ..ليس استهزاء لما قاله صاحبه
وانما استهزاء للوضع الذي هم فيه ..
فهناك تقبع فتاة سينهار مؤكدا إن لم يطمئن على وجودها هنا .. بل
يخطط للتخلص من وضعهم ..ولكن ماذا يفعل ..وهو سجين داخل هذه الجدران ..
" حسن ..ماذا لو هربت ؟! "
قالها تنفيذا لتفكيره ..أو مجاراةً لما يريده .. نعم يريد الهروب من هنا بصديقه وفتاته .. ولكن كيف ..حتى التعليم ..يتعلمون بالداخل ..وتتم الامتحانات لهم أيضاً بالداخل .. فالتعليم .. هي النعمة الوحيدة التي نالوها في هذا المكان ..فنال كل منهما شهادة الابتدائية.. وها هو سينال شهادة الاعدادية .. أما فتاته .. فستنال الابتدائية السنة القادمة ..
" انت بالتأكيد مجنون يا عابد .. سنهرب الي أين ..وأين سنذهب ؟! "
" سنهرب .. وسنذهب ؟ !! "
قالها عابد بسخرية رافعا إحدى حاجبيه ..ناظرا للقابع أمامه ..يريد استفزازه .. وأكمل ..
" لما جمعت نفسك بي .. من الممكن رغبتي بالهروب وحدي "
ضحك حسن من رد صديقه ..فهو يعلمه ..ويحفظه كخطوط يده ..نشأ الاثنين وعينيهم لا ترى سوى عضهما .. لا يعلمون شيئا عن أهاليهم ..
كل ما عرفوه ..أنهم أيتام ..وليس لهم أهل ولا قريب يتولاهم ..
فكان من الحكومة إيداعهم في أحد ملاجئ الأيتام التابعة لها ..وبالطبع يرمون بالأطفال ولا يعودون مرة أخرى وكأنهم تخلصوا من عبئهم ..
هدأت ضحكاته .. قائلا ..
" هل تتخيل يا صديقي ..أني سأتركك بمفردك .. أنت تحلم "
قال آخر كلمتين بتأثر خرج بدون إرادة منه .. فكل أحد منهما أهل للآخر ..
ربت عابد على كتف صديقه بتودد ... نعم .. فكل منهما سند وحياة للآخر ..
********
" لابد أن نضيق عليه الخناق .. قاربت على الإفلاس ..وليس هناك منفذ لي غيره "
قالها سالم بعصبية فيمن يحدثه على الهاتف ..وسكت منتظرا الرد ..
وقال
" لا أعلم .. ولكن لابد أن نضرب له بعض الأعمال .. حتى يرجع عن موقفه .. "
سكت ينتظر الرد ..وقال بعصبية ..
" لا يهمني العيون علينا أو غيره .. أسراركم جميعها معي .. إن لم تنهوا هذا الموضوع ..سأتصرف بنفسي "
سكت لحظات ..وتحدث منفعلا ...
" اعتبره تهديد نعم .. لا يهمني .. المهم لدي المال وفقط "
سكت لحظة وأكمل بخبث ..
" وأيضا ليس لديه ابن ..ولذلك فالمال هذا حقي أنا "
قال آخر كلمتين صارخاً بعنف ..ضارباً بكفه على المكتب أمامه ..
أنت تقرأ
تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..
Romanceرواية اجتماعية.. رومانسية..