الفصل الثامن والعشرون ..
أنا وانتِ كالغيم والمطر ..
كالنجم والقمر ..
كالعيون والنظر ..
كالحرف لم يكتمل معناه
إلا بتشكيل النقاط كمال وترابط و
ارتباط لا خيارات .. لا صور..
كالشمس تضيء علي باقي البشر ..
لولاكِ أنتِ ما كنت أنا يا أنا ..*******
لم ينتظر أكثر .. ولم يرتاح ..ولم ينم .. فقط استلقى على أريكته كما تركه حسن يسترجع جميع ما حدث .. سيكون غبي إن أضاعها ثانية ..
وبمجرد شروق الشمس .. نهض وأبدل ملابسه .. وماهي سوى نصف ساعة وكان يقف أمام الحارس الخارجي لباب الدار .. يطلب منه الدخول بعد أن إطلع الحارس على اسمه .. وافق بدون أي كلمة أخرى مما جعل عابد يستغرب هذه النقطة .. ولاحظه الحارس الذي ابتسم وقال بتوضيح ..
" لدينا تعليمات السماح بدخولك حين تأتي "
ابتسم عابد وعلم مصدر هذا التصريح جيدا " حسن " الذي علاقته وثيقة بالسيدة حسناء مديرة الدار ..
دخل وقلبه يقفز من الفرح والترقب .. وعينيه تدور من حوله يبحث عن طيفها .. ولكن المكان من حوله ساكن رغم جمال المكان والخضرة المحيطة به ..وصوت العصافير التي تشق صوت السكون .. استدار لينادي الحارس ليسأله ..
" هل تبحث عن أحد ؟! "
توقف عابد على إثر الصوت .. واستدار ليجد رجل مسن يرتدي منامة رجاله مريحة .. تنحنح ليقول ..
" نعم .. سأذهب للحارس أسأله "
هم ليتحرك ولكنه وقف .. حين وصله صوت الرجل ثانية ..
" فلتسألني أنا وسأجيبك "
ارتبك قليلا من إصرار الرجل .. ولكن حين نظر إليه وجد على ملامحه نظرة عابثة .. لئيمة .. أبوية رائعة .. وكأنه .. كأنه يعلم لما هو هنا .. وما كان من عابد الا أنه ابتسم .. واقترب من الرجل ليجلس بجواره على المقعد الخشبي الأبيض .. اسند ظهره لظهر المقعد .. وتنهد وكأنه كان على سفر طويل ولم يصل إلا في التو ..
" أبحث عن فتاة تعمل هنا "
سكت عابد وعقله سارح لخيال حبيبته ..
" بشعر أحمر "
قالها بحالمية .. وكأنه يتلذذ بالحديث عنها ..
" تقصد لُقى "
كانت هذه الهمسة الصادرة من الرجل بجواره .. فالتفت له بكامل جسده وكأنه في شوق لأي حديث عنها .. وهمس بتساؤل متلهف ..
" أتعرفها ؟! "
التفت الرجل برأسه للناحية الأخرى يبتسم بعبث ..
" ومن هنا لا يعرفها ؟! .. أتت منذ أيام فقط .. وملأت المكان ببهجتها "
اغتاظ عابد من جواب الرجل .. لا يحق لأحد التمتع بصحبتها غيره .. ولا يحق لأحد التمتع ببهجتها غيره .. زفر بضيق ولكنه تسمر حين باغته الرجل سائلا بهدوء مقصود ..
" هل جئت لتنهي هروبها وهروبك "*******
استيقظت من نومها مبكرا كالعادة منذ أتت لهذا المكان .. وكعادة بدايتها وتعرفها على أول شخص هنا من المقيمين للدار " السيد بلال " كانت تذهب إليه فور استيقاظها .. ولكنها اليوم لم تجده بغرفته .. فاتجهت تبحث عنه في مكان استراحة المقيمين .. ولكنها لم تجده .. فخرجت للباحة الخارجية للمكان .. وها هي وصلت إليه .. وجدته جالس يتكلم مع أحد .. لم تتبين ملامحه ولا حتى هيئته الخارجية بسبب وجودة شُجيرة صغيرة تخفي هيئة الجالس وراءها .. تحركت باتجاههما .. غير واعية أنها تخطو لمصير انتظرته ..
وصلت خطواتها ..هاتفة بإندفاع محب .. وكأنها ابنه تخاف على والدها ..
" استيقظت ولم أجدك "
كانت تهتف بها قبل أن تصل إليه كليةً .. أكملت دون الشعور بمن تشنج جسده .. وفقد دقات قلبه إحداها ..
" بحثت عنك في كل مكان .. أين كـ .. "
بلعت باقي حروفها حين وصلت إليه وقفت .. وكأن على رأسها الطير .. هل هو حقا ؟! .. هو هنا !! .. أتى إليها ؟! .. للحظة لم تستوعب وجوده وكأنها تشكك فيما تراه .. هل هو من نسيج خيالها ؟! .. لا تنكر لقد اشتاقته حد الجنون .. لدرجة أنها تراه بأحلامها .. مرة عاتب ومرة مُحب .. ومرة عاشق مجنون بها .. بلعت ريقها وهي تراه يقف مأخوذ برؤياها التي جعلته يتأوه شوقا وحبا وعطشا لها ولوجودها .. اقترب خطوة تكاد لا تذكر .. وفي مقابلها رفرفت بأهدابها لتتأكد من حقيقة رؤيته .. أنفاسها اختنقت في صدرها .. وعيونها أحرقتها الدموع .. إلتفتت لتتراجع بعيد عن هيمنته في المكان .. ولكنه لم يسمح لها .. امسك معصمها بإحكام رقيق ..
" لُقى .. أرجوكِ انتظري "
إلتفتت له بألم ودموع أبية ....
" ماذا تريد .. وما الذي أتى بكَ هنا ؟! "
قرأ العتاب بين حروفها .. ويحق لها .. ولكن إذا تم خداعها .. فهو من تجرع الخدعة وراء الأخرى ..
" هل سيشرح لي أحدكم ما يحدث هنا ؟! "
كان هذا هتاف العم بلال كما ناداه عابد ولم يعلم أن صغيرته كانت تنادي هذا الرجل بنفس الشكل .. لم تقل شيء ..بينما عابد وجدها فرصة جيدة للتنفيس عن هذا الجو المشحون بنبرات الألم .. فإلتفت للرجل الذي مازال جالسا ..
" هل يرضيك ما تفعله يا عم بلال ؟! "
" عم بلال !! "
كررت بتعجب مما جلب الابتسامة لعم بلال الذي قرأ مرح عابد فقال بهدوء وابتسامة واسعة .. سمجة في الحقيقة ..
" نعم أنا .. العم بلال "
وجهت نظراتها للعم بلال رافعة إحدى حاجبيها .. مما جعل عابد يبتسم بسعادة حاول اخفائها ليكمل المسرحية التي كانت بطولة مشتركة بينه وبين العم بلال ..
" نعم هو العم بلال .. أرأيت يا عم بلال .. هل هناك خطيبة تترك خطيبها المسكين .. المريض بالمشفى "
أمالت لقى رأسها جانبا ... ومع رفع الحاجب الذي مازال مرفوع من الأساس .. وقالت بتعجب ..
" خطيبة ؟! .. "
" نعم .. تتركِ خطيبك المسكين يا قاسية .. أي قلب هذا الذي تحمليه ؟! "
كان هذا ترديد من عابد بأسف مصطنع .. وساعده هتاف بلال ..
" أيتها القاسية .. خطيبك المسكين تتركيه بحالته هذه إنظري إلى حاله "
قال متأثرا بزيف ..موجها نظراته لذراع عابد المرفوع بالحامل الأزرق .. ولحظة استيعاب .. تبدلت ملامح الرجل من التأثر إلي التفكر .
" صحيح لم تخبرني ماذا حدث معك !! "
فقال عابد بلامبالاة لاويا شفتيه ..
" لا شيء ..رصاصة غبية ..كادت أن تخترق القلب وتودي بحياتي "
توجع قلب الرجل من أجل هذا الشاب .. ولكنه أكمل عاتبا على لقى ..
" رصاصة يا قاسية القلب .. رصاصة وليست شكة دبوس .. وانتِ بالمقابل ماذا فعلت !! تركتيييييه "
قالها بلال بطريقة مسرحية رافعا ذراعيه للأعلى وكأنه بدار الأوبرا .. مما جعل عابد غير قادر على كتم ضحكاته أكثر فانفجر ضاحكا وخاصة بعد ملامح صغيرته التي تيقنت من تسليتهما على حسابها .. فنفضت ذراعها من يد عابد الذي كان ما يزال متشبث بها .. وابتعدت عنهما .. ستذهب لغرفتها .. سكنت ضحكات عابد الذي وقف يراقب اختفائها بقلب مفطور ..
" لا تقف كالأبلة هكذا .. اذهب لها واجبرها إن تطلب الأمر "
كانت كلمات العم بلال كالدفعة له ليتحرك مندفعا باتجاهها ..
أنت تقرأ
تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..
Romanceرواية اجتماعية.. رومانسية..