الفصل السادس

1.9K 84 21
                                    

الفصــــــل السادس

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

الفصــــــل السادس

قال وعيناه تأكلها يا صغيرتي
كل الرجال مفترسون
والنبيل فيهم ذئب صبور..

***** 

" لُـــــــقى "

لم يسمعه أحد مما حوله بسبب الموسيقى العالية .. ولكن إلتفت له حسن الممسك بكأس عصير بيده .. فأمسكه من ذراعه .. وهتف ليطمئن عليه ..
" عابد لما وقفت .. أكل شيء بخير ؟! "
نظر له عابد لا يسمعه ولا يراه من الأساس .. إلتفت لينظر إلى من حضرت من ماضيه .. ولكنه لم يراها .. تُري أكانت هي فعلا أم مجرد وهم نسجه خياله .. سحب ذراعه من يد حسن وهم ليتحرك ولكن حسن وقف ليعيد إمساكه .. نظر له عابد بعيون زائغة وعقل مشتت ..
" انتظرني انت هنا .. سأذهب للحمام .. وآتي "
جلس حسن بعيون تتابع صديقه.. بالتأكيد حدث شيء أو رأى شيء .. سينتظر ويعرف ما حدث معه ..
أما عابد فظل يجوب بالمكان يبحث عن ظلها هنا أو هنا .. ولكن ليس هناك أي دليل ليتأكد منه أنها كانت هنا ..
أثناء دورانه وبحثه بالمكان .. اصطدم برجل ضخم .. كان يظهر من هيأته
أنه من رجال أمن المكان .. الذي نظر لعابد بشك  .. وهتف بتساؤل ..
"  أتريد شيء ؟! "
نظر له عابد بعدم تركيز سرعان ما استعاده .. وعلم أن الرجل يشك به .. ولكنه يريد أن يتأكد .. أجاب الرجل بشيء من الاتزان حاول صبغه بقليل من الصرامة " الخليط الناتج للثقة بالنفس " ..
" كنت أريد مقابلة مدير المكان "
نظر له رجل الأمن يحاول سبر أغوار الذي أمامه .. ولكنه فشل .. فرغم بنية الرجل الضخمة الا أن عابد يتمتع بهيئة مهيمنة ..
أجاب الرجل ..
" تفضل من هنا .. "
استجاب عابد لإتجاه يده .. ومشى وراء الرجل الذي كان يسبقه بخطوه .. عدة طرقات بداخل المكان حتي كان أمام سلم .. صعد وراء الضخم
حتى وصل لطابق شبه منعزل عن الطابق الصارخ بالأسفل .. وعدة خطوات وأصبح أمام مكتب المدير.. جال بعينه في الطرقة .. عدة غرف مغلقة .. وآخرها غرفة المدير كما هو واضح .. طلب منه الضخم أن ينتظر هنا .. ودخل الآخر يطلب الإذن .. دقيقتين وكان عابد يجلس أمام المدير الذي ينظر له بفضول يريد أن يعرف سبب طلب رؤيته وخاصة أن اسمه واسم شركاته وأعماله الآن لها وضعها .. بدأ حديثه ..
" خيرا سيد عابد .. بما أخدمك ؟! "
عابد للحقيقة لا يعرف لماذا هو هنا .. وماذا يسأل .. وأي خدمة يستطيع أن يقدمها له مدير مكان بهذا الشكل .. أسئلة تدور بعقله ولا تتركه لهدوئه .. ولكن لابد وأن يستغل الوضع أي كان علّه يحظى بأي إجابة تريح قلبه .. تحدث عابد بنبرة هادئة عكس  ما يعتمل بصدره ..
" هناك خدمة بالفعل .. اسمعني جيدا .. "
كان يحاول تجميع كلماته .. فأكمل ..
" رأيت فتاة بالأسفل أريد سؤالك عنها .. "
أومأ الرجل ليتابع عابد ..
" لا أعرف أسمها .. لقد لمحتها فقط وبعدها لم أراها .. بـ .. "
سكت والغصة تستحكم حلقه .. وأكمل بهدوء مزيف ..
" بشعر أحمر .. ولديها شامة أعلى ذراعها "
أراح الرجل ظهره للوراء متصنعا التفكير .. وقال بعد لحظات ..
" نعم .. تقصد لولا بالتأكيد "
هنا  وكأن قلبه في ماراثون للعدّو .. اسمها مشتق من " لُقى " .. هل هي صدفة أم تمني ؟! .. هتف عابد يحاول كسب معلومات أكثر ..
" أخبرتك لا أعلم ما أسمها .. ولكني أريد رؤيتها .. أريدها في شيء خاص "
وكأن كلام عابد يحمل معنى واحد بالنسبة للرجل الجالس أمامه ..فهتف بعد أن تأتأ يدير رأسه بعدم رضا .. 
" تؤ تؤ يا  سيد .. كلامك هذا يقال في مكان آخر.. هنا ليس محل لشيء خاص .. ليس هناك خاص بعيد عني .. تسطيع أن تطلبها بكل وضوح "
لم يفهم عابد كلام الرجل .. فهتف بتساؤل ..
" ماذا تقصد بهذا الكلام ؟! "
استقام الرجل من مكان ليلتف حول المكتب ليقف مائلا للأمام ..  مستندا بساعديه على أعلى الكرسي الآخر أمام المكتب ..ينظر لعابد وتحدث ليفهمه وكأن ما يحدث عادي ..
" أقصد أنه عندما تريد فتاة لشيء خاص نعلم ماهيته جيدا أنا وأنت .. فالفتاة تخرج من هنا بعلمنا .. بل وتدفع مقابل لها أيضاً "
أدرك عابد المعنى القذر للكلام وغلى دمه وعقله يصور له أبشع الصور بخصوص فتاة تركها ورائه وتقاذفتها الأيام .. مسح على وجه يحاول صرف خيالاته .. وهمّ أن يتحدث فقاطعه حديث الرجل ..
" ولكن " لولا " لن تذهب معك .. فهي لا تذهب لأي عمل خاص خارج حدود هذا المكان "
تنفس الصعداء .. وكأن كلام الرجل جاء ليطفأ ناره .. أما المدير فعندما رأى لهفة عابد للفتاة ..ظنه يريد فتاة أيا كانت فهتف وكأنه يدلل على بضاعته ..
" لا تقلق سيد عابد .. أستطيع تدبر أخرى لك .. فقد أطلب "
شعر عابد بالاشمئزاز من كلام الرجل ..وكم كان يتمنى أن يعبث بملامحه بعدة ضربات ليعيد تنسيق ملامحه المستفزة .. بكلمات مقتضبة غادر عابد المكتب وهبط للطابق الأول ليرى صديقه ويخبره أنه سيغادر .. وصل للطاولة ..حييّ مضيفهم واعتذر وأخبرهم أن هناك عمل مهم ولا بد أن يغادر .. أثناء خروجه من المكان سأله حسن بتوجس ..
" عابد ..ملامحك لا تطمئن .. أخبرني يا رجل ما بك .. شكلك يوحي وكأن أحد أشباحك تطاردك "
لم يتلقى حسن أي تعليق سوى نظرة صاعقة تكاد تحرق حسن مكانه .. لم يدرك حسن أن ما تفوه به صحيح ...
..لقد رأى عابد أحد بل أكبر أشباح ذنوبه ..
وغادر الأثنان غافلان عن عيون تابعت خروجهم ..
*******
بعد يومين في الشركة .. بمكتب حسن تحديدا .. يجلس بعنجهية مغيظة .. مقيتة لها .. تمسك بين يديها مفكرة ورقية وقلم تحاول تدوين ما يقوله مديرها .. عفوا .. تحاول تدوين ما سيقوله .. هذا إن تحدث وتوقف عن النظر إليها بهذه الطريقة .. تأففت منه ومن وقفتها هكذا .. فهتفت بضيق ملحوظ ..
" سيد حسن .. مادام ليس هناك ما أفعله .. اسمح لي بالمغادرة "
نظر لها بإبتسامة جميلة مستفزة ..
" من قال أن ليس هناك عمل .. اقتربي من المكتب وأعطيني القلم الفضي من حامل الأقلام هذا "
نظرت له ياسمين متسعة العينين .. هل يتحدث بجدية هذا الأحمق ... اقتربت خطوة واحدة كانت كفيلة برؤيته للهيب عينيها من وراء عدساتها الطبية الخاصة بالقراءة .. وهتفت من مكانها .. .
" هل أنت جاد ؟! "
" تهذبي ياسمين .. هذا عيب والله .. اسمها حضرتك جاد "
رفعت إحدى حاجبيها ناظرة له .. أغمضت عينيها تدعو بسرها أن يلهمها الصبر .. أما فهو فكان في أكثر لحظاته استمتاعاً .. لا يعلم ما بها يجعله بهذه البهجة .. مجرد رؤيتها تجعله في حالة من المتعة .. قصيره بشعر اسود ناعم قصير او بالتحديد لكتفها أو أطول بقليل .. وعيون صغيرة بلون شعرها ..  كان ينظر لها مأخوذا بها .. بكل سكناتها وحركاتها .. مأخوذا بغضبها وانفعالها وسيطرتها .. ويعلم أن ما يشعره هذا خطأ .. ولابد أن يفق لحاله.. ولكن ماذا بيده أمام هذه الساحرة القزمة .. من وقت أن بدأ عملها كسكرتيرة له وهو على غير العادة يأتي للشركة كل يوم .. بل وعشق العمل المكتبي .. وجدها تقترب من حافة المكتب ..مدت يدها وأمسكت حامل الأقلام  _من أمامه_ ووضعته أمامه !! .. هذه هي حقيقة طلب السيد حسن .. الحامل أمامه  ويريدها أن تناوله قلم منه .. ولذلك إن قتلته في أي وقت لا يلومها أحد ..  نظر للحامل وأعاد نظره لها مرة أخري وقال متصنعا الحنق ..
" أخبرتك أني أريد القلم وليس الحامل بأكمله "
نظرت له مضيقة عينيها .. وهمت لتعطيه القلم .. فقاطع حركتها .. قائلا ببرود مستفز ..
" اعيدي الحامل لمكانه قبلا ..  وبعدها اعطيني القلم "
حينها جزت على أسنانها بغضب .. وفعلت ما أمر به بحركات عنيفة .. وقالت وهي تضرب الأرض بقدمها ..
" سيد حسن .. أظن أني هنا من أجل عمل حقيقي ..وليس هذه الأوامر التافهة .. ولذلك فأنا بمكتبي حتي تحتاجني في عمل جاد "
استدارت لتغادر ولكن أوقفتها صيحته ..
" انتظررري "
هي لم تنتظر .. هي تجمدت بمكانها لم تتحرك .. ولم تستدير .. ولكنها شعرت بحركته من خلفها وماهي سوى لحظتين وأصبح مقابلا لها  ..
مال برأسه للأمام ليصبح وجهه قريبا من وجهها .. وهتف بخفوت ...
" لم أحدد انتهاء عملك هنا حتى تغادري "
سكت يبعد وجهه .. ويعتدل في وقفته واقترب خطوة حتى يكون أقرب لها .. وكانت بالمقابل تخطو هذه الخطوة للوراء .. وخطوة فخطوة حتى أصبحت ساقيها من الخلف ملاصقة لحافة المكتب ... حينها كان حسن يبتسم بعبث ..
رفع أصابع يده وأمسك إطار عدساتها .. وجذبها من على عينيها .. ونظر لها يلوى شفتيه للأسفل في حركة تقييمية منه .. وقال ..
" بدونها أفضل .. وأحلى "
قال كلمته الأخيرة بتأني مصاحباً لها بغمزة من عينيه .. ووضع عدساتها على عينيه ... أما هي فكانت ترتجف بقربه هذا .. ولكنها تتبع معه المظهر اللامبالي .. حتي تحمي نفسها .. وقلبها .. قلبها الذي ينتفض الآن صارخا بالذي يتسلى على حسابها أن يبتعد ويتركه.. فمن مثلها ليس لهم حب ... حاولت أن تتحدث .. تخرج كلماتها .. ولكن هيهات .. وجدت أصابع يده تمتد وكأنها تعلم وجهتها .. كان هناك خصلة هاربة من شعرها .. فأمسكتها أصابعه .. تحدثت بتلعثم ..
" سـ .. سيد حسن .. رجاءا ابتعد "
ولكنه لم يستمع لما قالت .. فأراح خصلتها التي كانت تهتف به نفسه أن يميل ويتشممها .. ثم يقبلها .. استند بكلتا كفيه على حافة المكتب من ورائها ... فأصبحت بين ذراعيه حرفيا .. وقال بصوت أجش تأثراً من قربها هذا ..
" هل أنتِ بهذا الهلاك دوما ؟! "
" هاه "
قالتها فاغرة فمها .. فأغمض حسن عينيه تأثرا بأنفاسها التي أسكرته .. وتابع مغمض العينين ..
" قربك كالجحيم في ثورته .. وبعدك كالجحيم في احتياجها
وطلبها للمزيد " 
ظل الأثنان يحدقان ببعضهما للحظات وكأنهما منفصلان عن العالم .. إلى هنا وكفى .. وكأن الاثنان أفاقا في نفس اللحظة .. ابتعد حسن يمسح على وجهه بيد .. ويمرر يده الأخرى بشعره .. أعطاها ظهره.. وهتف آمرا بخشونة ..
" غادري "
وكأنها كانت تنتظر أمره.. فتحركت مسرعة للخارج تحاول عبثا السيطرة على قلبها .. الذي سقط في دوامة الحب وانتهى ..
******
أما عند عابد فكان الحال مختلف تماما .  كان كالليث المجروح .. ولا يعلم أين مكان جرحه .. يتحرك بغرفة مكتبه ذهابا وايابا .. يريد أن يرتاح ..
" هي أم لا ؟!! "
ولكن كيف يرتاح .. وكيف السبيل الى راحته .. لقد جعل من يمشي ورائها .. ولكنه لم يحصل على أي شيء بخصوصها .. فقط " لولا "
وتقيم بشقة بها بعض فتيات وكل واحدة منهن تعمل في عمل مختلف .. يومين مرا وكان يود أن يقلب الأرض أعلاها لأسفلها فقط ليرتاح ويتأكد هل هي " لُقى " أم لا .. 
وفجأة خطر ببالة فكرة ..وسينفذها مهما كانت الثمن .. اتجه لمكتبه وأخذ هاتفه ..ومفاتيح سيارته .. ونزل مغادرا لوجهته ..
بعد قيادة حوالي نصف ساعة كانت يحلس أمام مدير الملهى الذي يأتي في هذا التوقيت لينظم العمل قبل حلول الليل ..
" ماذا تريد بالضبط سيد عابد .. ؟! "
" أريدها وبأي ثمن تطلبه .. وأكثر ما ستطلب أيضا "
قالها عابد بإصرار في صوته ..  وعندما لمح اللمعة بعين الرجل عندما أشار للمال شعر بالانتصار في الجولة الأولى ..
" لماذا هي بالذات سيد عابد ..؟! "
حينها قرر عابد أن يكشف عن بعض من أوراقه .. اعتدل في كرسيه براحة أكثر .. ووضع ساقاً فوق أخرى .. ومد يده بداخل جيب سترته الداخلي وأخرج دفتر الشيكات .. فتحه .. وأخرج قلمه أيضا ..
وقام بتذيل احدى الورقات البنكية بإمضائه .. وبعدها أعطاه للمدير الذي مسكه بلهفة أسعدت عابد وأدرك أنه على الطريق السليم ..
" ضع الرقم الذي تحب .. "
نظر له الرجل بصدمة وقال ..
" فقط أخبرني ما تريد "
سكت عابد لوهلة مقصودة ..ليثير أعصاب الرجل أمامه .. هتف بتأني ..
" أريد ..معرفة .. من هي "
لمعت عين الرجل أكثر وأكثر لبساطة ما يطلبه عابد .. فهتف بلهفة ..
" فتاة وجدتها بالشارع منذ عدة سنوات .. كانت نائمة بجوار الباب الخارجي للملهي .. وهمّ رجالي أن يطردوها لبشاعة منظرها وقتها ..
فكان وجهها ملطخ بالطين ولا تستطيع تبين ملامحها .. أوقفتهم عندما نظرت لها ورأيت لون عينيها .. ودققت أكثر في ملامحها عرفت أي فتاة ستكون عليها بعد إزالة هذا الطين عنها وتغير ملابسها "
بعض اللمحات فقط جعلت دمه يغلي .. لقد كانت تنام بالشارع  .. في حين كان هو في بلد آخر ..  حاول تهدئة نفسه .. وهتف بتساؤل ..
" منذ متى تقريبا هذا الحدث . ألم تخبرك شيء عن نفسها  ..؟! "
" منذ حوالي خمسة سنوات .. أو ستة تقريبا .. وحين سألتها عن اسمها .. لم ترد .. ظننتها تائهة مثلا.. أو من أطفال الشوارع .. ولكن بعد مدة عندما أخذتها لتعمل خادمة لدي زوجتي ... عرفت أنها كانت بملجأ أيتام وتركته من سنوات وليس لديها أي أوراق تثبت شخصيتها .. وقتها كان تزيف أوراق شخصية ليس صعبا .. قمت بالتصرف في حكاية الورق هذه .. وبعد عدة اتصالات ببعض المعارف قمت باستخراج بطاقة شخصية لها بإسم ..
" ليلى محمود السيد "
" ولكن هذا ليس اسمها الحقيقي "
كان هذا إستفسار من عابد الذي يجلس على صفيح ساخن يحاول السيطرة على نفسه وخاصة بعد سماعه لهذه الحقائق .. أجاب الرجل ..
" نعم هذا ليس اسمها .. اسمها الحقيقي هو .. "
سكت الرحل لحظة قاتلة لعابد المترقب .. وأكمل ..
" لُقى "
هل جرّب أحدكم سقوط دلو من الثلج فوق رأسه .. ليس هكذا ..فهذا هيّن .. هل جرّب أحدكم اختراق خنجر لقلبه والشعور بهذا الخنجر بين حنايا القلب .. طعنة تعذب صاحبها ولكنها لا تميته ليرتاح.. فيعيش بعذاب وجع الطعنة ..ووجع الألم ..
سكت عابد للحظات يعيد ترتيب أفكاره التي سيطرحها على الرجل أمامه ... فعليه أن يكسبه لصالحه مهما كان الثمن ..
" لو أخبرتك أني أريدها بأي ثمن ماذا تقول ؟! "
" ولكن سيد عابد .. أخبرتك أنها لا تحضر ليالي خاصة .. أو تقوم بما تريده منها .. " لولا " عملها هنا فقط .. ولكن "
سكت الرجل يحاول كسب مالاً أكثر .. سيفعل المستحيل ليجعلها توافق .. فإسم الرجل الذي أمامه لا يُستهان به .. أما عابد فلمح إشارة الرجل .. فأمسك دفتر شيكاته مرة أخرى وخطّ بعض الكلمات والأرقام .. وأعطاه للرجل أمامه الذي أمسكة بلهفة .. وقال عابد بتنبيه ..
" تاريخ صرفه غدا.. الليلة الفتاة تكون عندي في هذا العنوان "
أمسك ورقة من فوق المكتب وخطّ فوقها العنوان .. وأكمل ..
" وان لم يحدث هذا ..اعتبر أن الشيك هذا والذي قبله تم ايقافهما " 
سكت عابد ينظر للرجل الذي اتسعت عيناه تأثرا بحجم ما سيخسره .. في حين أكمل عابد ...
" وأهم شرط لي لتنال ما تريد ..أريدها أن لا تعلم إسمي "
وغادر عابد المكان يعلم .. بل هو متأكد أن هذا الرجل سيفعل المستحيل ليجلبها له .. لمعت عيناه بشوق مصحوب بالحزن عليها .. وعلى ما لاقته في غيابه .. لن يسامح نفسه ما حيى ..  
*******
في غرفة مدير الملهى .. يجلس هو على كرسي مكتبه .. وأمامه فتاة بشعر أحمر تجلس بعنجهية لا نعلم مصدرها .. وما هي سوى لحظات واستقامت من مكانها ..ودارت حول المكتب حتى وصلت لمكان جلوس مديرها .. رفعت نفسها بخفة وجلست أمامه  واضعة ساق فوق أخرى .. غير عابئة بالتأكيد لساقيها اللذان ظهرا بجود .. ومدت يدها أخذت السيجارة المشتعلة من بين أصابع مديرها .. ورفعتها لفمها .. وسحبت نفس منها باستمتاع ..ثم نفخته بوجه الجالس أمامها  الذي كتم أنفاسه حتي لا يتنفس الدخان ويظهر عليه الضعف مما قاله .. ويبقى بمظهر القوي ..
قالت الفتاة بنبرة مائعة ..
" أفهم من كلامك أنك تريد بيعي لرجل سيدفع مقابل ليلة ..أو
حفلة خاصة "
" لولا .. افهمي .. هذا الرجل له وضعه .. وكما أخبرتك .. هو لن يجبرك على شيء بالعكس ..لديه علم أنك لا تقومين بمثل هذه الأشياء .. ولا يتم طلبك في أي شيء خاص "
" وما الذي تغير الآن ؟! "
هتفتها بعنف .. فأجاب الرجل يهدئها ..
" هو فقط يريد الجلوس معك والاستمتاع بصحبتك ..ولكن بمفردكما .. "
أخذت نفس طويل من سيجارتها علّها تهدأ .. ورفعت رأسها ونفخته عاليا .. ثم مالت بجسدها باتجاه الرجل .. وبأطراف أصابعها كانت تملس على جانب وجهه بإغواء ..
" ماذا كان اتفاقنا بهذا الخصوص . ألم نتفق على أن أحافظ على سرك .. في مقابل أن لا أحضر مثل هذه الجلسات .. وأن عملي يقتصر على الصالة فقط "
أغمض الرجل عينه ..هو بالفعل اتفق على هذا معها .. وخاصة بعد أن أمسكت عليه فضيحته .. ولكن هو المدير هنا وعليه أن يظهر قوته حتي لا تستضعفه بهذا الشكل .  نفض يدها التي على جانب وجهه .. وهتف بصرامة ناظرا اليها بقوة ..
" لولا .. اذا كنتِ تظنين أنك تلوين ذراعي فأنتِ مخطئة .. ولا تنسي الشيكات التي باسمك .. ولا تنسي أني أستطيع محوك من على وجه الأرض اذا تعارضتِ مع مصالحي ... فإحسبِ خطواتك جيدا قبل أن تجابهيني .. فخسارتي لن تكون بحجم خسارتك "
هو محق للأسف ..فصبره عليها طوال هذه الفترة كانت نتيجة رغبة متبادلة في الحفاظ على النفس ..ولكن اذا قرر احدهم معارضة الآخر ..فهي من ستكون الخاسرة الأكبر لا محالة ..
استقامت مكانها .. .. قبل أن تبتعد عن المكتب .. مالت بجسدها للأمام .. وأطفأت السيجارة التي بين أصابعها بداخل مطفأة السجائر على المكتب أمامه .... ثم تحركت حوله وجلست على الكرسي كما كانت منذ دقائق ..
وهتفت بعبوس مصطنع علها تؤثر على الرجل أمامها ..
" متي هذا الموعد ..؟! "
نظر لها الرجل بابتسامة وقال ..
" الليلة "
فهتفت برجاء ..
" انت أخبرتني انها مجرد جلسة للكلام وليس شيء آخر "
" لكِ وعدي .. الرجل لن يلمسك "
سكت لحظة وأكمل بغمزة ..
" الا اذا طلبتِ .. وهو يستحق في الحقيقة "
أكمل ضاحكا ..
" إسأليني أنا "
نظرت له باشمئزاز .. وهتفت في سرها ...
"  قذر "
وقامت لتغادر .. وصلت لباب الغرفة ولكنها التفتت تنظر له عندما نادى عليها..
" أمامك ساعتين تتجهزي فيهما ... وارتدي شيئا صارخاً يا فتاة .. فمن ستقابلينه رجل أعمال ليس بالقليل  .. " 
*******

تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن