الفصل الثامن

1.9K 87 13
                                    

الفصل الثامن

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

الفصل الثامن

قال عاشق  علميني يا طفلتي ما أجهله من أشياء
علميني معني الحب  .. الوفاء
معني الصدق  .. الإخاء
معني البراءة والنقاء
فإني غريق يا صغيرتي أنهكني زمن الجبناء
مدي يدك ولنرقص بكل كبر وخيلاء
وليرقص العشاق خلفنا بمعزوفة
"باء" وتسبقها "حاء"

****


" لُـــــقى "  

ببطيء كانت تستدير لتنظر له .. وجدته مستند بجبينه على الحائط مكان وقفتها منذ لحظات .. وجهها شاحب حاكى شحوب الموتى .. أطرافها بردت .. قدميها لا تقوى على تحريكهما .. ازدردت ريقها بصعوبة .. وهتفت بتلعثم ..
" كـ .. كيف .. عرفت هذا الاسم؟! "
كان هذا دوره في الالتفات لها بكل جسده .. تحرك باتجاهها حتى وصل اليها .. راقب الفراء يقع من يدها .. أمسك إحدى يديها .. ورفعها .. فردها على موضع قلبه .. وبيده الأخرى أحاط جانب وجهها .. وكانت تنظر له .. عينيها تترجاه ألا ينطق .. وقلبها يصرخ بها معنفا أنها تريد هذا.. تريد أن يصدق إحساسها عندما نطق اسمها بهذا الشكل .. قرب وجهه من وجهها .. وهتف كالمُغيب  .. كالمسجون بين ذكرياته ..
" إنه أنا صغيرتي  .. أنا .. "
قبل أن ينطق كانت تهتف بخفوت مصاحب لكلمته   
" عابد !!! .. "
هزّ رأسه بنعم .. وابتسامة واسعة تلوح على شفتيه .. أغمض عينيه يريد أن يبقى هكذا باقي عمره .. يقضي ما بقى من حياته بين همساتها .. كانت ومازالت ترتيلة لقلبة تجعله يشدو فوق السحاب.. ذكرياته معها كانت كتعاويذ سحرية تدفعه دفعاً لأن يكون ..
للحظة لم تكن تدرك أن هذه هي الحقيقة ... أمانها عاد .. سندها وقوتها .. لم تكن تدري ماذا تفعل ..وبخطوة غير محسوبة المقاييس رفعت ذراعيها وأحاطت عنقه .. ضمت نفسها لأحضانه .. وكان بدوره يحيط جسدها بكلتا ذراعيه .. يلتف بها من حوله .. يدور ويدور .. هاتفا من بين شفتيه ..
" اااه يا وجعي علي فراقك .. اشتقت لكِ كثرا .. كثيرا جداا "
وهي كانت تبكي على كتفه .. تبكي عُمر مضى .. تبكي فراقه .. فراق صديق وأخ .. تبكي أمان فقدته بغيابه .. تبكي خوف وحرمان عاشتهما من بعده لأيام .. تبكي إنتهاك براءتها .. عند هذه النقطة .. وكأنها كانت الصحوة .. تململت بين ذراعيه .. فتركها تنزل ببطء .. التفتت عنه تمسح عينيها .. أحست به يقترب منها ..وكلتا يديه حطت على كتفيها .. حينها انتفضت من تحت يده كالملسوعة مبتعدة عنه .. همس  من بين شفتيه .. 
" صغيرتي "
هتفت ومازالت على وضعها ..منكسة لرأسها .. وشعرها يحيط بوجهها كستار عازل لها ..
" متى عدت ؟! "
أخذ نفس مطول وزفره بعنف .. رفع يده ومرر أصابع يده بشعره .. وأجاب ..
" منذ ثلاث سنوات "
التفتت له بحدة .. وعينيها تظهر إمارات الغضب .. وهتفت بحدة ...
" وأين كنت طوال الثلاث سنوات "
مد يده باتجاهها فأبعدتها بعنف.. فهتف يهدئها ..
" صغيرتي .. طوال هذه السنين وأنا أبحث عنك .. "
" تبحث عني !!! "
قالتها بسخرية ... وأكملت بتنبيه غاضب ..
" ولا تناديني صغيرتي مرة أخرى .. فلم أعد صغيرة كما ترى "
قالت آخر كلماتها مشيرة بيدها لجسدها الفاتن وما ظهر منه .. رأت تغضن ملامحه فقررت أن تزيد لتوجعه كما أوجعها  .. فأكملت بنبرة مائعة ...  تقترب منه بخطورة مغوية .. تجازف بخطواتها ..
" أو نسيت لماذا أنا هنا !! " 
ضيق عينيه عندما عرف تلميحها ... وأمسكها من مرفقها يهزها بعنف .. هاتفا من بين أسنانه ..
" لم آتي بكِ لشيء سوى للحديث وفقط "
اقتربت أكثر حتى أصبحت ملتصقة به .. ورفعت أصابع يدها تعبث بأزرار قميصه .. وهتفت بإغواء ..
" اوووه .. حديث !! .. هذا عيب بحقك وحقي .. "
سكتت ترفع نفسها قليلا وتهمس أمام شفتيه ..
" ما رأيك أن نجرب شيئا غير الحديث .. فأنا يعز على قلبي أموالك التي دفعتها مقابل هذه الليلة "
كان يقف كالمخمور مما تفعل .. مسحور بها .. ولكن سرعان ما أفاق .. فابتعد بوجهه ولكن مازال على قربه منها ..
" ليس هناك داعي مما تفعليه .. فأنا على علم أنك لا تذهبي لأي حفلات  أو ليالي خاصة "
ضحكت بمرارة .. وهتفت توجعه أكثر ..
" وما أدراك .. فمن الممكن أن قوانيني هذه ما هي إلا ستار لشيء أكبر "
التفت تبتعد عنه .. انحنت تأخذ الفراء المرمي على الأرض .. وهمّت لفتح الباب .. ولكنها وجدت نفسها تُجذب من مرفقها .. لتواجهه .. ويسألها بهسيس خافت ..
" ماذا تقصدين .. أخبريني حالا وإلا جعلتك تخبريني بالقوة "
نفضت ذراعها منه .. واقتربت هي أكثر ... تضربه بكفيها على صدره ..
" لا تأمرني .. أتفهم .. ليس لك أي سلطان عليّ .. ثوب الحامي الذي تتلبسه .. اخلعه .. لم يعد يليق بك .. لم يعد يليق من وقت أن نفضت يدك عني .. من وقت أن تركتني لهم .. فلا تعش دور ليس دورك "
لم تكن تدرك أن دموعها تجري مدرارا على خديها .. فما كان منه الا أن أحاط وجهها بكلتا كفيه .. وهمس بوجع .. وإبهاميه يمسحان دموعها ...
" أنا آسف يا صغيرتي .. آسف جدا .. أخبريني ما حدث معك ليجعلك بهذا الوجع "
نفضت يديه عن وجهها .. وملامحها تشتد شراسه .. وقالت تنتقم منه ..
" تريد أن تعرف ما حدث .. حسنا لك ذلك .. اسمع يا سيد عابد المحترم.. رجل الأعمال المبجل الذي لا يستهان بإسمه  "
كانت تتكلم بغيظ .. منه ومن عودته .. وأكملت تزيد انتقامها ..
" لقد انتهكوني عابد .. حتى قبل أن تتركني .. اعتدوا عليّ وعلى براءتي .. براءتي التي لم أكن أعرف ماذا تعني هذه الكلمة ..  فكنت أتقلب من حال سيء إلى أسوأ .. حتى فقدت الكلمة بمعانيها "
كانت تراقب بنصر ملامحه الشاحبة .. وأحجية هروبها من الملجأ كما حكى له حسن يتم حلها بكلماتها ..  ويا ليتها ما تحدثت  " لقد اغتصبوها " هذا ما فهمه .. وعلمت أن هذا  المعنى وصله  ولم تُكلف نفسها عناء تغير هذا التفسير فهو في نظرها يستحق هذا .. فليتلظى بتأنيب ضميره بسبب تركه لها .. ولكن لحظة استيعاب .. فتتسع عينيه .. يمسكها من مرفقها .. ويتحدث بخطورة ..
" ماذا تقصدين بقبل أن أتركك .. تكلمي "
نفضت ذراعها مرة أخرى .. وهتفت باستمتاع نتيجة ذعره ..
" أخبرتك ألا تأمرني .. ونعم ما فهمته صحيح .. لقد بدأ الموضوع بوجودك ببعض التحرشات .. وكنت أفديك بما يحدث لي .. كنت أسكت خوفا من خسارتك "
سألها بصوت خاوي ..
" ماذا تقصدين ؟! "
اقتربت منه .. أكثر وأكثر .. حتى وضعت جبينها على صدره .. تشعر بضربات قلبه الذي ينتفض تحت جبينها وملمس كفيها اللذان فردتهما على صدره .. وهمست بألم ..
" أخبروني أنهم سيقتلونك إن تحدثت وأخبرتك شيء .. ولم يكن لدي أي استعداد لأخسرك عابد .. ليس وأنت كل ما أملك .. "
كانت تبكي على صدره .. ودموعها بللت قميصه .. همّ ليتحدث .. فسمعها تتحدث ..
" لما عدت عابد .. لماذا .. لماذا بعد أن فقدت كل شيء .. لماذا عدت لتراني بهذا الشكل .. "
سكتت .. تستعيد أنفاسها .. ابتعدت عنه .. والتفتت ستغادر هذه المرة بدون رجعة .. همست بخواء ..
" عد يا عابد .. عد من مكان ما جئت .. عد وامسح الماضي بمن فيه من ذاكرتك .. أما أنا ..فلن أمسحه لأنه سيظل وصمة عار على جبيني .. فالماضي لم تكن فيه .. والقادم لا أريدك فيه أيضا "
وبدون تردد فتحت الباب وغادرت .. تاركة ورائها قلب تمزق ألما من أجل من تعلق بها قلبه منذ صغره .. غادرت تاركة اياه محطم .. ونيران تشتعل بداخله .. وذكرياته تتكالب عليه تنهشه بأنيابها .. كيف كان أعمى ولم يقدر على حمايتها حتى وهي معه .. والأدهى أنها هي من كانت تحميه .. يا لسخرية القدر .. ولكن سرعان أن تحولت ملامحه المتألمة الى أخرى غاضبة .. شرسة .. عازمة على أخذ حقها حتى ولو كان آخر يوم له على وجه الأرض ..
******** 
كانت تنزل درجات السلم .. لأنها وجدت المصعد مشغول .. فلم تنتظر .. تحركت بآليه الي السلم ونزلت ..
أما هو فسرعان ما أستعاد وعيه الذي شرد في صور من خياله نتيجة كلامها .. وإخبارها اياه بما حدث لها .. تحرك من فوره وغادر شقته  استقل المصعد الذي كان فارغا .. وما هي سوى لحظات وكان بالأسفل ..
تحرك مسرعا لخارج المبني ليبحث عنها ...  يلتفت يمينا ويسارا .. ولكنه لم يجدها .. عاد أدراجه للداخل ليسأل حارس الأمن عن إذا خرج أحد بمواصفاتها    ولكنه وقف مكانه .. لم يتحرك .. عندما وجدها تنزل آخر درجتين سُلم .. وقفت هي الأخرى عندما وقعت نظرها عليه .. ودارت بينهما حرب نظرات ..  أحدهما غاضبة .. نارية تشبهها .. و أخرى عطوفه بشكل مغيظ .. متأسفة .. ولكن علام يتأسف .. ولو تأسف .. هل أسفه يمحي ما حدث لها .. عند هذه النقطة تحركت من فورها تزرع كعبيّ حذائها بالأرض .. وصوتهما دليل على غضبها .. تجاوزته ..ولم يمنعها .. تحرك ورائها .. وقفت أمام المبنى تشير لإحدى سيارات الأجرة .. ولكنها وجدت من يجذبها من مرفقها لإتجاه سيارة سوداء فخمة .. كانت تجذب ذراعها من قبضته .. هاتفة به بغضب ..
" ماذا تفعل أيها الأحمق .. اترك يدي قبل أن .. "
قطعت حروفها عندما هبط كف يده على فمها ليسكتها  والكف الآخر مفرود على ظهرها ليثبت حركتها الهوجاء .. نظر لعينيها قليلا وبأنفاس لاهثة .. وقلب مشتعل بجميع أنواع الألم .. وأهمها ألم قربها .. وألم بُعدها .. همس مقربا وجهه منها ..
" لا أريد سماع صوتك .. ستركبين معي لأوصلك لمكان ما تحبين .. "
وهم لينزع يده .. ولكن سلط نظره على عينيها أكثر .. وقال بصوت هادئ هذه المرة ..
" لن تكون المرة الأخيرة التي تريني فيها .. ضعي هذا في حساباتك "
نزع يده .. وتحرك بها .. فتح الباب .. وهمت لتعترض .. ولكنه لم يمنحها فرصة .. حين وجدته يُدخلها بالقوة .. فاستجابت لحركته .. أغلق الباب ..وبلحظة كان بجوارها يتحرك بالسيارة .. ساد الصمت بينهما .. قاطعه هو ..
" لن تعودي للعمل بالملهى "
التفتت له .. و شعرها يدور كموجات بركانية ثائرة إثر التفاتها .. وهتفت متصنعة البرود ..
" ليس لك سلطان علىّ أخبرتك من قبل .. "
إلتفت لها بحدة .. هي لا تعلم كم تغير عابد الذي أمامها عن عابد في الماضي .. ولا تعلم مقدار الضرر الذي يمكنه أن يتسبب به إن أصابها مكروه .. وعملها هذا ليس مكروه فقط .. بل هو وصمة عار .. قد يسامح فيما حدث معها بالماضي فلم يكن بإرادتها .. أما ما تفعله الآن .. فلن يسمح لها من الأساس وتريه ماذا ستفعل .. قال من بين أسنانه ... آمراً ..
" تجني غضبي لُقى .. ولا تضعي نفسك في مواجهة أنتِ لستِ أهلا لها .. عملك بالملهى انتهى هنا .. وخلال أيام ستنتقلين لبيت جديد تعشين فيه .. وسيكون هناك من يخدمك .. "
نظرت له بعيون متسعة ..لقد خطط لهذا الكلام ولم يتفوه به عبثاً .. أدارت وجهها للأمام .. وهتفت بلامبالاة مصطنعة .. تقلب كف يدها تنظر لطلاء أظافرها ..
" وما المقابل لكل هذا ؟! "
هم ليتحدث .. ولكنها اقتربت منه .. هاتفة بجوار أذنه بإغواء ..
" هل ستجعلني عشيقتك السرية .. التي ستنتظر لياليها معك               في هذا البيت "
نظر لها مجفل من تفكيرها الوقح .. وهم ليتحدث .. ولكنها أوقفته حين وضعت إصبع سبابتها على شفتيه .. وهمست بالقرب منه ..
" لا تقلق فأنا أجيد هذا الدور جيدا .. وأليق به كما ترى "
لمعت عينيه ببريق غاضب .. أمسك يدها المرفوعة أمام وجهه بقوة .. وجذبها أكثر حتى التصقت به ..
وهتفت بصوت كفحيح الأفعى ..
" لُقى .. إن تفوهت ِ بهذا الكلام التانية سأحاسبك عنه "
نزعت يدها منه .. و واجهته صارخة بغضب ..
" لا تناديني بهذا الاسم  .. أنا لست لُقى .. أنا لولا .. لولا التي جلبتها لبيتك لتقضي ليلة خاصة معك .. فلا تتفوه أنت بكلمات لم تعد موجودة "
هم ليتحدث ولكن قاطعه رنين هاتفه .. تجاهله .. وعاد ليتكلم .. ولكن عاود الرنين في الصعود .. نظر للهاتف .. وقرأ إسم حسن .. ولكنه قرر تجاهله .. فهو لا يضمن رد فعل التي بجواره .. فهي لم تتقبل عودته .. فكيف ستتقبل عودته هو وحسن في نفس الليلة .  قرر تجاهل حسن .. وتجاهل التي بجواره .. وخاصة مع انشغالها في النظر من النافذة بجوارها ..
قبض بيديه على مقود السيارة .. يتمسك به جيدا .. يحافظ على ثباته .. وخاصة بما آل إليه الحوار بينهما .. ولكن قراره بالتجاهل هذا .. كان سُدى .. وخاصة مع رنين هاتفه وكأن هناك مصيبة .. قرر آسفا الرد على حسن .. رفع الهاتف .. هامسا من بين شفتيه بغضب ..
" اللعنة "
فتح الإتصال .. وهتف مهاجماً ..
" ماذا تريد بعد كم الاتصالات هذه ؟! "
جاءه صوت حسن القلق ..
" ما بك يا عابد .. لما هذا الهجوم .. لقد قلقت عليك يا رجل "
" اهتم بشؤونك فقط يا حسن "
هتفها بحدة .. غير واعي للاسم الذي نطقه .. ولا الالتفات المنتفض الذي حدث بجواره .. وكأنه بنطق اسم حسن أشعل نيرانها التي من الأساس مشتعلة .. ومع ادراكها للموقف ..
هتفت متألمة ..
" تباً لك عابد .. تباً لك " 

تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن