الفصل الواحد والعشرون

1.2K 58 4
                                    

الفصل الواحد والعشرون

دماء وأي دماء .. إنها دماء أباه .. دماء الرجل الذي أشعره بحنانه ودفئه .. رجل كان له السند لسنوات  معدودة .. فرك يديه ببعضهما علّ احساسه بالدماء الساخنة بين أصابعه يزول ولكن هيهات .. فإن زال الاحساس .. بقى الجرح ..
شرد بذكرياته ليوم كان النهاية لما تخيله عالمه .. حين عاد من الخارج .. لم يجد الحُراس بالخارج في مواضعهم .. تعجب من هذا الأمر ..
ودلف للمنزل .. حاول منادية السيدة روز .. والده ..  ولكن لا أحد ..كان يفتح في الغرف ولم يكن يجد أحد حتى وصل إلي غرفة المكتب .. حين فتحها وجد من يقيده من الخلف ويدفعه لداخل الغرفة .. لم يكن يعي ما يحدث ولكنه وقع أرضا بسبب الدفعة .. اعتدل بجسده قليلا .. ودار بعينه بالمكان .. وجد والده مستلقي على الأرض بإعياء .. زحف إليه بسرعه .. أمسكه من جزعه واحتضنه يرى ما به ..
" هل أنت بخير .. أجبني "
سؤال كان بغباء اللحظة .. فالرجل أساسا مريض وقلبه عليل .. شعر به عابد يهز رأسه بنعم .. رفع رأسه هو الآخر ودار بعينيه في الغرفة .. وجد ثلاثة من الحراس .. واقفين حولهما .. استقام من مكانه بغضب مستعر .. وهاجم الحراس بضراوة .. كان معادلة غير كفء .. فطرف للمعادلة واحد والآخر ثلاثة .. حتى وان كان الواحد تم تدريبه بشكل مثالي .. والكثرة هنا تغلب الشجاعة .. كان يقاتل لآخر نفسه فيه .. وتصله صرخات بإسمه من ورائه .. التفت برأسه لينظر اليه في لحظة ما .. وجده يصرخ باسمه .. ووجه ازداد شحوبا .. تخلص من أيدي الرجال الذين يهاجمونه .. وجثى بركبتيه بجانب والده _ سليمان _ واحتوى برأسه بين يديه .. ساحبا لجسده مسندا له على صدره .. يحاول تهدئته حتى يستطيع التنفس .. ولكن أي تنفس يتكلمون عنه حين ظهر في  مدخل باب الغرفة .. رجل لم يراه عابد قبلا .. ولكن بنظرة واحدة لوجه والده يعلم أن وجود هذا الرجل لن يأتي بخير .. تبادل النظرات بين وجه والده .. ووجه الرجل .. أحدهما شاحب بين يديه .. والآخر يناظرهم بشر مستمتع بما يحدث لهما .. هتف عابد بسؤال غاضب ..
" من أنت .. وماذا تفعل هنا ؟! "
هم الرجل ليرد ولكنه سكت حين وصله صوت أخيه ..
" عابد ليس له صلة .. دعه يغادر "
" لن أتركك بمفردك "
كان هذا جواب عابد الذي كان أبلغ من كل كلماته الأبوة والبنوة في هذا الوقت .. وصلهما ضحكات مقهقهة وتصفيق  حاد .. وصوت مستمتع ..
" يا الهي .. لقد اقشعر بدني .. من يراكما يظن أنكما أب وولده حقا .. ولا يعلمون أنكما مجرد رجل اشترى لقيط بماله "
" اخرررررس "
كانت صيحة من سليمان المسجى أرضاً .. حينها انطلق إليه سالم بغضب .. ممسكا به من تلابيب قميصه .. هاتفا به ..
" أيها الحقير .. كنت آمل أن آخذ ثروتك أنعم بها .. ولكنك هربت بهذا اللقيط .. وليس هذا فقط .. كتبت له كل ما تملك .. وأنا .. أنااااا !! "
قال كلمته الأخيرة بصياح حاقد .. وأثناء حديثه مع سليمان كان يمسك به عابد بغضب يحاول ابعاده عن والده .. واخيرا تمكن منه .. وأبعده عن والده الذي كان يسعل بشدة .. شاهقا بأنفاسه .. كان عابد يلكم سالم بغل وحقد فلقد وصفه بصفة كانت كلما خطرت على باله توجعه بل تذبحه .. كان الرجال يحاولون تقيد عابد الهائج والثائر بجنون .. وبلحظة ما استطاع سالم دفع عابد .. الذي وقع بجوار _ والده _ وبلحظة أخرى خاطفة .. كان سالم يستل سلاحه .. موجهه لصدر عابد عن بعد .. أغمض عابد عينيه في انتظار الموت .. وبلحظة دوت رصاصة انتقام حاقد .. حاول عابد الشعور بالرصاصة التي اخترقت جسده .. ولكن ليس هناك ما يؤلم .. جسده لم يحدث به شيء .. فتح عينيه بهدوء .. ليشعر بثقل شيئا بين ذراعيه .. وبنظرة واحدة .  لم يكن هذا الشيء  سوى ..
" سليمان "
دوى اطلاق الرصاص في الأجواء وتبادل الحراس الخاصين بسالم مع حارس لم يكن موجود أثناء هجوم سالم ورجالة .. وحين استشعر الخطر أثناء دخوله طلب الشرطة.. لتأتي سريعا .. ولكن كان الوقت قد تأخر فسقط سليمان قتيلا بين ذراعي عابد الذي  كان ينظره بدهشة .. وعدم تصديق .. لقد أفداه بروحه !! هل مات حقا !! خسره ؟! .. خسر السند الوحيد في حياته .. اعتدل قليلا حتى أصبح ينظر له جيدا .. وهتف بصوت مرتعش . 
" أنت لن تموت .. صحيح ؟! "
ابتسم سليمان بخفوت .. وامسك كف عابد التي تحاوط وجهه .. وتحدث بصعوبة  ..
" لقـ .. لقد تمنيتك ابني ... كنـ ..  كنت هدية الدنيا لي .. "
سكت ليسعل قليلا .. وطالبه عابد أن يتوقف عن الكلام ... ولكنه أكمل .. " كـ .. كنت أتمنى أن أعيش أكثر لأنعم بوجودك .. ولكـ .. ولكن يكفيني السنوات التي عيشتها معك .. "
سكت سليمان .. ورفع يده لوجه عابد يمسح دموعه التي لم يكن يدرك أنه يذرفها .. وقال ..
" لا .. لا تبكي بني .. ابتسم فأود أن يكون آخر ما رأيت هو ابتسامتك التي أضاءت حياتي "
ابتسم عابد ليريحه .. واحتضنه .. هاتفا بغصة بكاء ..
" سأبتسم أبي .. سأبتسم و ستحيا لتكون بجانبي دوما .. أليس كذلك !! "
لم يأتيه رد .. ولم يشعر بابتسامة سليمان عندما سمع كلمة كان يتوق لسماعها طوال السنوات الماضية .. حين أحس بسكون الجسد بين ذراعيه .. أبعده قليلا غير مستوعب لحقيقة ما يحدث .. وهتف بترجي ..
" أبي لا تمت .. أبي أنت لم تمت صحيح .. أفق أبي وأفتح عينيك .. انظر .. سأناديك أبي كما كنت تتمنى .. "
سكت قليلا يحاول هز الجسد الساكن .. ولكن للقدر كلمته .. فصاح أكثر ..
" أبي أفق أرجوك .. لا تمت قبل أن تسمعها مني .. "
سكت قليلا يبتلع ريقه .. وأكمل بمساومة ..
" أفق وسأسمعها لك ليلا نهارا "
تحكمت منه دمعاته .. وقلبه الذي كان يشارك عينيه البكاء على رجل لم يعطيه حقه ..
" أبي .. لا تمت أبي .. لا تمت عندما أناديك كما تمنيت .. فكنت أنطقها بيني وبين نفسي .. كنت أرددها كثيرا في غيابك .. أفق أبي .. وأعدك أن لا أناديك سوى بها .. هيا أبي هيا "
قال آخر كلماته ضاغطا بيده على جرح سليمان في محاولة بائسة منه لجعله يفيق .. أو وكأنه بضغطه هذا يجعل الدماء تعود لتعمل .. أمسكه بكلتا يديه الممتلئة بالدماء يحاول جعله يعتدل في جلسته .. ولكن لا حياة .. وحينما وعى عابد أخيرا لما خسر.. صرخ بكبت سنين تمنى نطقها..
" أبييييييييييييييييييي " 
رجع عابد من شروده من ذكرياته الأليمة .. وعينيه مرتكزة على كفي يديه المفرودتين وكأن ما شرد فيه يعيشه من جديده .. يتذكر جيدا ما حدث بعدها ..  فلقد ساعده كثيرا محامي والده .. السيد حمدي .. وخلال شهور كان يغادر البلد الذي كان فيه وسافر به حمدي لعدة بلاد أخرى .. وبالنهاية عاد الى موطنه .. وبدأت حياته العملية الجامدة .. بنى نفسه في سنوات قليلة .. ساعده في ذلك عمله مع سليمان .. وأيضا الأموال والأملاك التي تركها له .. وأصبح اسمه لامع في مجال الاستيراد والتصدير .. وبالتأكيد تذكر ظهور زين في حياته عندما أخبره صراحة رغبته في مقتله والاستيلاء على أملاك عمه _ كما قال زين له _ وعندما لم يعطيه عابد أي اهتمام بدأ ينافسه في أعماله .. تركه بالبداية يعبث كما يريد .. ولكن ضاق به ذرعا عندما تخطى حدوده .. واتجه لوسائل غير مشروعة ...  وبالطبع عابد لم يهدأ وأصبح شغله الشاغل خلال العام الماضي هو الفوز بجميع الصفقات التي من المفترض أنها لشركة زين ..  وعندما علم الأخير بذلك واجهه واتهمه بقتل والده _ سالم _ رغم علمه أنه  قُتِلَ أثناء تبادل اطلاق النار مع الشرطة .. وهذه المرة أخبره صراحة ..
" في كل فرصة تأتيني للتخلص منك .. سأنتهزها "
وعلى ذكر زين كانت أنفاسه تتسارع .. فزين وعده وأصدق بوعده .. فهذه المرة قتله بالفعل .. وهذه المرة قتله بأغلى ما كان يملك .. صغيرته وحبيبته .. والآن هي وبكل صفاقة بين ذراعي عدوه ..
هل عادت لحياته لكي تحطمه .. هل عادت له بناءً على توجيهات زين وتخطيطه .. كان يفكر ويصدق وساوسه ... غافلا عن إجباره لها للدخول لحياته ..
استقام من مكانه بكبرياء مكسور ..  ودلف للشاليه الخاص به .. عازما الأمر على عودته .. سيعود قوى ولن يهزمه شيئا أو أحد .. لن يضعف لأي من كان .. لن يسلم قلبه لأحد .. سينتزع قلبه من مكانه إن لزم الأمر ..
*******
أما عن لُقى .. فلقد تمكن منها الذعر .. بعد ما رأته .. ولا تعلم ما عليها فعله .. تود الهرب من هنا .. وبخت نفسها كثيرا طوال الساعات الماضية .. على أنها لم تغادر هذا المكان فور استيقاظها .. كان لابد وأن تغادر حتى وإن كان عابد ليس في حياتها .. ستعمل أي شيء .. أي شيء .. وتبتعد عن حياته تماما
كانت في حديث مع نفسها ..  حين أطل من باب الغرفة سبب ذعرها .. ارتبكت قليلا حين وجدته يبسم ابتسامة غريبة ... حاولت مداراة ارتباكها ولكنه لاحظه بسهولة .. دلف للداخل بثقة لم تكن غريبة عليه .. وهتف كلمات كان لها معنى آخر غير المعنى المسموع ..
" أنرتِ بيتي لولا .. "
بلعت ريقها بخوف .. وهمست بارتكاب ..
" شكرا سيد ..!! "
" زين .. اسمي زين "
تماسكت أكثر وهمست ..
" شكرا سيد زين .. رجاء أريد المغادرة "
قضب بين حاجبيه .. وتساءل وهو يقترب أكثر من وقفتها دا خل الغرفة ..
" لماذا .. هل ضايقك أحد ؟! "
كان قد اقترب منها بطريقة خطيرة .. فابتعدت عنه سريعا .. وأعطته ظهرها .. مما أتاح له النظر لها بوقاحة مقصودة.. اقترب أكثر .. حتى التصق بظهرها .. فابتعدت بذعر .. ونظرت له بنارية .. وهتفت بغضب ..
" ماذا هناك .. ما الذي تحاول فعله .. تهذب يا سيد .. والا أقسم أن لا أتردد في قتلك "
رفع كفيه باستسلام ظاهري .. وهمس باعتذار مصطنع ..
" آسف لولا .. لم أقصد .. "
عقدت ذراعيها أمام صدرها.. وهمست بأمر ..
" حسنا.. أريد أن أغادر .. "
لوى شفتيه .. وحرك رأسه بنعم .. وقال بمهادنة ..
" حسنا .. سنغادر .. ولكن يومين فقط .. فنحن تقريبا خارج المدينة .. ولن أستطع المغادرة اليوم .. ولذلك يومين فقط .. وسنغادر " 
كانت سترد ولكنها استشعرت أن هناك ما يخفيه .. وأن وجودها هنا ليس عبثا .. فضلت السكوت حتى لا تجادل .. فهي في كلتا الحالات ومن الاصرار الواضح في كلامه علمت أنها لن تغادر سوى برغبته ..
أومأت له حتى لا تجعله يشك بها ..
ابتسم لها بانتظار .. سيحاول خلال اليومين أن ينتهي من بقية خطته .. وبعدها سيكون شغله الشاغل أن تكون له .. بل .. تحت رحمته.. فقط يتخلص من عابد حتى لا يكون أمامها غيره .. وخاصة أنها لا تعلم شيء عن خطته .. ولا عن الصور التي أخذها لها .. وقام بتركيبها عن طريق محترف لمثل هذه الأعمال .. عندما عاد بها .. وجعلها تستلقي على الفراش .. خطرت له هذه الفكرة وخاصة وهي أمامه هكذا مستسلمة لإغمائها وفي نفس اللحظة هاتف أحد المحترفين الذين عملوا معه في شركته قبلا .. وأخبره بأمر الصور .. وقام هو بتصويرها وبعث الصور لهذا الشخص وقام بالمطلوب .. ولم ينسى زين الصورة الأخيرة التي كانت القاضية بالنسبة لعابد ... ابتسم مرة أخرى بتفاخر لنفسه ولخطته ... ساعات فقط تمر.. ووقتها ستكون له الأملاك .. وقبلها .. " لولا " ..
خرج من غرفتها يبتسم بشر .. يرفع هاتفه لأذنه محاولا الاتصال بعابد .. ولكن أيضا .."  الهاتف مغلق " .. زفر بغض شاتماً ..
" اللعنة عليك أيها اللقيط " 
********
صباحا عند عابد .. استيقظ .. عفوا هو لم ينم من الأساس .. اغتسل وبدل ملابسه .. وقرر فتح هاتفه .. سيرجع لحياته .. ولن يحتاج لوجود أحد .. وهم ليتحرك .. ولكن أوقفه رنين الهاتف .. فرفعه .. وجد رقم والدة حسن  .. تعجب من مهاتفتها مبكرا .. ولكنه أجاب ..
" صباح الخير سيدتي "
وصله صوتها قلقا ..
" صباح الخير عابد .. أين أنت بني .. أهاتفك من الأمس .. "
فرك وجهه بيده .. محاولا استعادة روحه .. وهتف بهدوء مغاير لحالته ..
" كنت في عمل .. أعتذر منك "
" هناك أمر ما حدث يا عابد .. وكان لابد وأن أخبرك "
استشعر أن هناك خطب ما .. فسأل بقلق ..
" ماذا حدث ؟! "
وصله صوتها الباكي ..
" زوجي .. هاجم حسن .. وليس هذا فقط .. آلمه كثيرا يا عابد .. وأنا خائفة أن يفعل شيء لحسن .. أرجوك يا عابد .. تصرف "
شتم بخفوت بعد أن أبعد الهاتف لكي لا تسمعه . .
" الحقير "
أعاد الهاتف لأذنه مرة أخرى .. وهتف يطمئنها ..
" لا تخافي سيدتي .. اليوم سأتحرك " 
اطمأنت كثيرا .. تثق به .. وتعلم أنه قدر ثقتها .. وقبل أن تغلق .. طلبت منه ..
" عابد .. أريد عنوان ياسمين "
تعجب من الطلب .. ولكنه خمن لماذا تريده .. وفَرِحَ .. بل وتمنى أن الأمور يتم تسويتها وخاصة مع والدة ياسمين .  أخبرها أن تعطيه دقيقتين وسيخبرها بالعنوان .. أغلق وهاتف شئون العاملين .. وأخذ العنوان .. وهاتفها مرة أخرى .. وأخبرها التفاصيل .. وأغلق ثانية .. همّ ليضع هاتفه بجيب سترته .. ولكن رنينه عَلَى مرة أخرى .. فأجاب دون أن ينظر لشاشة الهاتف .. معتقدا أنها والدة حسن .. ونست أمرا ما ...
" نعم سيدتي .. أهناك شيئا آخرا ؟!! "
" سيدك أيها اللقيط .. وليس سيدتك "
تجمد عابد مكانه حين وصله صوت زين المتسلي .. وأكمل زين بأسف مصطنع ...
" أين أنت يا رجل ... أقلقتني عليك .. بعض الصور تجعلك تختفي هكذا ... كنت أظنك أقوى من هذا "
هم ليرد ولكنه تجمد مرة أخرى بألم غائر لا يتحمله قلبه ..حين أكمل زين ..
"  ولو أخبرتك عن وجودها بين ذراعي طوال الليلة الفائتة ماذا ستفعل .. ماذا ستفعل حين أخبرك .. ماذا ارتدت لي .. وماذا فعلت لترضيني .. ااااه يا رجل جعلتني أنسى اسمي بسبب ما رأيته منها "
" أيها الحقير .. سأقتلك .. سأخلص البشرية منك ومن فسادك .. وليكن بعلمك .. كلامك لا يفرق معي .. هنيئا لكَ بها .. فمن الواضح أنكما نفس الشاكلة "
وأغلق عابد هاتفه .. بل إحقاقا للحق .. ضربه بكل قوته في الحائط المقابل لوقفته .. شاتما لُقى وزين وحياته بأفظع الألفاظ التي لم يتفوه بها يوما .. ولكن الحمل زاد .. والأكتاف انحنت .. والقلب ثقل .. رفع كف يده يمسد فوق قلبه .. عله يخف ألمه .. ولكن هذا الألم يزيد ولا يقل ..
جلس على كرسي بجواره بإعياء متنهدا .. محاولا تهدئة حاله حتى يستطيع التحرك ..
******
بعد حوالي ثلاث ساعات قضاهم عابد في الطريق .. عائدا للمدينة .. تحديدا للشركة .. سيعمل ويعمل .. سيعلو .. وسيجعل كل همه العمل وفقط ..
دخل مكتبه .. ولم يكد يصل لكرسيه .  حتى وجد عاصفة مسماه حسن .. يدخل بوجه قلق .. زفر براحة حين رآه .. توجه إليه بقلق ..
" عابد أين كنت يا رجل .. كدت أموت قلقا .. "
جلس عابد على كرسي مكتبه .. وأخرج الهاتف المهشم .. ووضعه على المكتب أمامه .. ووضع علبة بجواره .. ولم تكن سوى هاتف جديد اشتراه أثناء عودته .. أجاب حسن قائلا ..
" كنت أحتاج للوقت يا حسن .. وها أنا عدت .. أعتذر عن قلقك .. "
أحس حسن بشيء ما جديد على عابد .. جمود .. صلابة أكثر من المعهود .. يعلم أن ما حدث ليس سهلا .. ولكن كل مشكلة ولها حل بالتأكيد .. هم ليتحدث ... ولكنه سكت وهو يراقب ما يفعله عابد ..
كان يخرج بطاقة هاتفه الداخلية ويضعها بالهاتف الجديد .. فسأله حسن مستفسرا . 
" ماذا حدث للهاتف ؟! " 
" لا شيء مهم "
أجابه بلامبالاة .. أنهي عابد ما يفعله .. ووضع الهاتف القديم بإهمال على المكتب .. حينها لمعت عين حسن بفكرة .. فسأله بتوجس وهو يمد يده للهاتف..
" أتحتاجه ؟! "
لم ينظر له عابد وهو يجيب ..
" احرقه ان أردت .. "
التقطه حسن سريعا .. وغادر مكتب عابد .. وتركه ينشغل بأوراق وصفقات كان يتمنى أن يكون لها التأثير بعقله لتجعله ينسى تفاصيل ماضي .. أصبح يتمنى نسيان حاضر .. وعدم الشعور بالمستقبل ..
******
غادر حسن سريعا .. عليه أن يحاول .. فصديقه وصغيرته يستحقا .. وحين مغادرته .. سمع هرج ومرج بالطابق السفلي بالشركة .. عند الاستقبال تحديدا .. وصل إليهم .. وسأل..
" ماذا يحدث هنا ؟! "
أجابه موظف الاستقبال قائلا ..
" سيد حسن .. هذا الرجل يريد مقابلة السيد عابد .. يأتي منذ أيام يوميا .. يسأل عنه .. ويريد مقابلته رغم عدم وجود موعد سابق "
هم حسن ليسأل الرجل .. فيقاطعه الرجل متحدثا بتوسل ..
" أرجوك بني .. دعني أراه .. الموضوع بالفعل خطير .. واحتاجه بشكل شخصي " 
نظر حسن بتقييم للشخص .. رجل يظهر عليه الشيبة والوقار .. ولا يدعو للريبة ... استأذن حسن منه لحظات ..  وهاتف عابد ليسأله .. ولم يجد عابد ضرر من مقابلة من يريده .. ويعلم منه لماذا يريده بشكل شخصي ..
بعد عشر دقائق كان يدلف حسن بصحبة الرجل الذي لا يعلمون هويته .. استقام عابد ليستقبل الرجل بسلام رسمي حين لاحظ هيبة الرجل ..
بعد الكلام المعتاد .. هتف الرجل برجاء ..
" علمت أنك تعلم مكان لُقى "
نظر حسن لعابد الذي بادله النظرات .. مال عابد بجذعه للأمام مستندا بمرفقيه على المكتب .. وهتف بتوجس ..
" ومن أين تعرف لُقى .. ومن أنت "
رد الرجل ..
" أنا الحاج عبد الرحمن السيوفي .. "
سكت قليلا .. ينظر لملامحهما المندهشة والمترقبة .. وأكمل ..
" جدها " 

*********

تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن