الفصل الثالث والعشرون

1.1K 59 2
                                    

الفصل الثالث والعشرون

ساعات أربع منذ حضورهم للمشفى .. وكأن المكان أصبح ساحة حرب .. هرج ومرج هنا وهناك .. وبالنهاية انفض الجميع  بعد دخول عابد لغرفة العمليات .. وللآن لم يخرج ..  ولم يخرج أحد ليطمئنهما .. وجهها شاحب وملابسها مازال دم عابد عليها .. تستطيع الشعور به بين ذراعيها وقت أن وقع .. تضرعت لله وأسوأ الأفكار تطعنها .. تشعر بقلبها يتوقف عن النبض مواساة مع من بالداخل .. فقط لو يخرج أحد ويقول أي شيء ..
تذرع الطرقة ذهابا وإيابا .. لن تهدأ حتى تطمئن عليه .. اقترب منها حسن الذي يرتجف هو الآخر وكأن فكرة فقدانه لعابد احتمال أشبه بالمستحيل .. نعم هو مستحيل وخاصة إذا كان القدر ربطهم ببعضهم منذ طفولتهم ..فبالتأكيد لن يفرقهم الآن .. قلبه يتضرع هو الآخر ولسانه يردد كلمات معينة وليس غيرها ..
" يا رب سلمه من كل شر "
اقترب منها يحاول تهدئة ارتجافها .. وهتف مربتا على كتفها ..
" لُقى .. اهدأي حبيبتي .. سيكون بخير .. أنا متأكد "
نظرت له تتوسله أن يقسم على ما هتف به .. ولم يكن منها سوى أن قالت ..
" سيكون "
كان تأمين على كلامه .. كان تمني .. كان رجاء .. ليس مهم .. المهم أن يتعافى .. انتفض الاثنان على باب غرفة العمليات يُفتح .. والطبيب يخرج بوجه شاحب .. مُنهك من طول العملية وخطورتها .. اقتربا منه .. فبادرت لُقى بالسؤال ..
" كيف حاله ؟! "
نظر لها الطبيب بإشفاق .. يحاول تجميع كلماته .. فقال ..
" بخير سيدتي .. ولكن "
" ولكن ماذا ؟!!! "
كان هذا سؤال حسن المفزوع من كثرة أفكاره السيئة .. ابتلع الطبيب ريقه .. وقال ..
" العملية تمت بنجاح .. ولكنها كانت خطيرة .. "
سكت لحظة ينظر لزوجين من العيون المرتعبة المنتظرة انهاء كلامه .. فأكمل ..
" الرصاصة كان في مكان خطير بجوار القلب .. ولذلك كان خروجها صعب .. ولكننا استطعنا اخراجها .. ولمكانها الخطير .. ونتيجة النزيف الشديد الذي حدث للمريض .. توقف قلبه أثناء العملية "
شهقة بكاء صدرت من التي أمامه .. فسكت على أثرها .. رفه يده تعبيرا لها أن تهدأ .. وأكمل ..
" أنعشناه والحمد لله .. وعاد النبض .. ولكن بطيء بعض الشيء .. "
" ماذا تعني بكل هذا ... سيعيش ؟! "
قاطعته بنفاذ صبر .. فأكمل بخفوت .. فالقادم أصعب ..
" الأعمار بيد الله .. ولكن مؤشراته الحيوية سيئة .. وحدث له انتكاسة أثناء العملية "
" ماذا تعني !! "
تساءلت ببكاء فأكمل ..
" لقد سقط المريض بغيبوبة نتيجة عدم وصول الأكسجين لخلايا الدماغ فترة توقف قلبه "
نظرت لحسن تستجديه أن يُكذب ما سمعت .. شعرت بيديه تدعمها لكي لا تسقط فاقدة لوعيها هي الأخرى .. وهتف حسن بتساؤل يدمي قلبه ..
" ومتى سيفيق ؟! "
أجاب الطبيب بعملية ..
" من الممكن يومين أو ثلاثة "
كان هناك سؤال آخر " وهل سيفيق ؟! " .. ولكن لسانه لم يرد النطق به .. فربنا رحيم وبالتأكيد سيُلطف بهم ويشفيه لهم ويعود اليهم .. سيعود سندهم مرة أخرى ..
شكر الطبيب بخفوت .. يحاوط كتفي الأخرى المتشبثة به تبكي وتبكي .. يعلم ما يدور بخلدها .. فهي الأخرى تأمل أن يكون كلام الطبيب صادقا ..
******
بعد عدة ساعات .. تجلس ياسمين بجوار حسن تمسك بيده بدعم .. وعينيها كل حين وآخر تتطلع لخيال الواقفة هناك أمام الحائط الزجاجي المطل على غرفة يقبع بداخلها جسد عابد .. تنظر لها بإشفاق .. وهتفت موجهة الحديث لحسن ..
" حاول معها أن تجلس يا حسن على الأقل "
نظر لها حسن بصمت .. واسند كوع ذراعه الحر على ركبته المقابلة لذراعه .. واسند رأسه لكف يده .. وهتف بصوت متألم ..
" منذ خروجه من غرفة العمليات .. وتم وضعه بهذه الغرفة .. وهي على هذا الوضع ... ساكنة لا تتحرك .. وعند الاقتراب منها تلاحظين دموعها الصامتة كما وقفتها .. وكأنها بحوار خاص بينها وبين جسده المستلقي "
تألم قلب ياسمين لكلمات حسن .. فبالتأكيد شعوره لا يقل عن شعور لُقى .. ولكنه يحاول أن يتماسك .. هتفت ضاغطة أكثر على يده بين أصابعها ..
" سيكون بخير يا حسن .. ادعي له .. وأنا سأدعي له "
نظر لها بامتنان دائما يُكنه لها داخله ..
" شكرا على وجودك ياسمين "
دائما يقولها .. تظن أنه يقصد تواجدها في الموقف نفسه .. ولكنه يشكرها على تواجدها بحياته .. كانت تتمزق ألما حين هاتفته قبل أن تنام .. ولكنها فوجئت بما يقوله .. فالسيد عابد تمت مهاجمة بيته واطلاق النار عليه وتم نقله للمشفى وبدون أي اعتبار للوقت .. ولا يجوز أو لا يجوز كانت تبدل ملابسها وتغادر تحت امتعاض والدتها ودهشتها .. ستذهب وتكون بجواره مهما كلفها الموقف .. أبدا لن تتركه..

تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن