الفصل الثالث عشر

1.5K 73 5
                                    

الفصل الثالث عشر

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

الفصل الثالث عشر

" سيد عابد .. إحضر بسرعة .. هناك صراخ وبكاء من داخل شقتك "
ارتعب ولم تخرج منه سوى همسة مذعورة ..
" لُقى "
ومن فوره انتفض مكانه .. ملتقطا مفاتيح سيارته ..وهاتفه بيده .. وهمّ ليتحرك ..أوقفه حسن باضطراب ..
" عابد .. ماذا هناك .. ما بها لُقى ؟! "
التفت له عابد واضعا يده على كتفه ..
" ابقى هنا يا حسن وسأطمئنك .. ورجاء وكأني لم أخبرك شيئا حتى الوقت المناسب .. "
أومأ حسن داعما صديقه .. وخاصة بعد أن رأى لهفته وذعره على صغيرتهما
" لك هذا .. ولا تقلق .. وحينما تحتاجني .. ستجدني "
ابتسم عابد نصف ابتسامة .. وهتف بيقين ..
" أعلم هذا " 
**********
نزل يهرول مسرعا ولم ينتظر المصعد .. وبسرعة البرق كان ينهب الطريق يكاد يجن وألاف التساؤلات عن ماهية ما حدث لها تفتك بعقله  .. وما الذي حدث لها جعلها تصرخ .. يا الهى سيجن قبل أن يصل .. كان يتخطى السيارات بشكل عشوائي ولا يهمه سيارته التي تأذت من جانبها.. كل هذا ليس مهم .. الأهم أن يصل لها بأقصى سرعة .. وبالفعل خلال دقائق كان يصعد السلالم وكأنه بعدم انتظاره للمصعد سيجعله يصل أسرع .. وصل لمكان شقته .. وجد الحارس يتكلم
" اهدأي سيدتي .. لقد حادثته .. وفي طريقه لهنا "
" ماذا يحدث هنا ؟! "
كان هذا تساؤل عابد المذعور .. وما إن وقف ..قال الحارس ..
" لا أعلم سيدي .. أحد الجيران أخبروني أن هناك من يحاول فتح الباب من الداخل .. وصعدت لأرى .. كانت السيدة بدأت بالصراخ .. ثم هدأت وتحول صراخها لبكاء "
أثناء كلام الحارس كان عابد يفتح الباب .. وقبل أن يفتح الباب بالكامل .. أمر الحارس بالمغادرة .. لأنه لا يضمن وضعها بالداخل.. فهذه حرمة بيته وواجبه الحفاظ عليا _ كان هذا رأيه وكأن أمر ملكيته لها أصبح أمر مسلم به _ ..
فتح الباب بهدوء خوفاً من وجودها ورائه .. وجد الباب يُفتح براحة .. فأتم فتحه باطمئنان .. رآها جالسة على الأرض  وصوت بكاءها هادئ .. ومستندة برأسها على ركبتيها .. أغلق الباب قبلاً .. وصل إليها .. وجلس أمامها ومن الواضح أنها لم تشعر به .. مد يده إليها .. هامساً بإسمها
" لُقى "
لم تتحرك .. وكأنها كانت غافية .. تبكي وهي نائمة !! .. رست أصابع يده على شعرها .. فانتفضت أثر لمسته ..فسحب يده سريعا .. قال مهدئا ..
" هشش ..  اهدئي لولو .. هذا أنا .. عابد "
كانت تنظر له بتشوش .. ونظرات زائغة .. وكأنها لا تراه .. وبلحظة تالية .. كانت تشهق ببكاء رامية نفسها بين أحضانه .. وهو لم يتأخر .. شدد من احتضانه لها .. كانت تتمسك به بقوة وكأنها لا تصدق وجوده .. قال بألم لم يسيطر عليه ..
" يا الهي .. إهدئي حبيبتي ..أرجوكِ .. ماذا بكِ ؟! "
لم تصله إجابة .. فأكمل ..
".. تكلمي ماذا حدث جعل حالتك بهذا السوء .. كفاكِ بكاء لولو أرجوكِ .. لا أحتمل حالتك هذه "
كانت تشد في ملابسه تضمه لها .. وتضم نفسها إليه ..علّ رعبها وذعرها يتبددا ..هتفت ببكاء ..
" ظننتك غادرت .. كنت .. كنت خائفة ألا تعود بعد أن رجعت اليّ "
كانت شهقاتها تعلو .. مرددة ..
" يا الهي ظللت أتحرك بالمكان بذعر أنادي عليك .. ولم أجدك "
كانت تتكلم بتقطع نتيجة بكائها وشهقاتها .. وأكملت ..
" حاولت فتح باب الشقة ولم أستطع .. كنت مرعوبة ألا تعود يا عابد .. ألا تعوود "
شدد من احتضانه أكثر ..كلماتها العفوية آلمته .. وصغيرته أوجعت قلبه .. أبدا لم يفكر عندما غادر صباحا أن تستيقظ قبل مجيئه .. وخاصة أنهما سهرا سويا حتى بزوغ الفجر .. قال مهدئا لها ومعتذرا ..
" آسف حبيبتي .. لم أقصد هذا .. اهدئي من فضلك .. لا توجعي قلبي عليكِ "
شهقت بخفوت بعد أن هدأ بكائها .. وقالت بأمر طفولي ..
" لا تكررها ثانيةً "
ابتسم لطريقة حديثها .. وقال بصدق نابع من قلبه ..
" لا تقلقي حبيبتي .. أبدا لن أفعلها ثانية "
ظلا على وضعهما هذا وقت لا يعلما مداه ..
*******
بعد وقت كان قد اعتدل  في جلسته واستند بظهره للحائط .. وجالسة هي بين أحضانه .. واضعة رأسها على صدره .. وعقله يتساءل .. ما الذي جعلها تخاف لهذه الدرجة .. ولما هذا الضعف .. لم تكن هكذا من قبل .. أو كانت تتخفى في جرأتها ؟!! .. لا يعلم .. ولكن عقله سيجن .. وأيضا عقله يدور في اتجاه آخر .. وهو أنه لا يريد بعدها مرة أخرى .. كما لا تريد هي ابتعاده .. ولكن هذا الوضع عليه أن يتغير .. هل سيعيشان هكذا .. هذا الوضع خاطئ .. وعليه التصرف سريعا .. وخاصة بقربها المُهلك هذا .. هو لن يسمح لها بالبعد مرة أخرى .. هي له .. حتى وإن أخطأت  .. لن يتركها لهذا الطريق ثانيةً ليس شهامة منه ولا فضلا بالتستر عليها .. وإنما لأنه يعتبر نفسه سببا رئيسيا فيما حدث معها .. فقط لو تريحه وتتحدث .. فليحاول .. همس اسمها ..
" لولو "
" امم "
همهمت ولم تنظر اليه .. فقال ..
" إنظري لي "
رفعت عينيها تنظر له .. ولم تحرك رأسها من على صدره .. تنظر في عينيه .. وينظر في بحور عينيها المتلألئة بلون الفيروز .. فهتف كالمغيب ..
" سبحان من صورك حبيبتي "
ابتسمت بفرحة .. فكلمات الغزل منه .. من أجمل ما سمعت .. بل وكأنها لم يتغزل بها أحدا قبل .. لم يعي ليده التي امتدت لتحيط جانب وجهها .. هامسا بقلبه ..
" كنتِ الحلم الذي لم أتخلى عنه لولو .. كنتِ الفرحة التي أنتظرها لأدرك أني أحيا .. كنتِ الأمل الذي أحيا به وله "
كانت أنفاسها في تسارع .. ودقات قلبها تثور .. وحاله لم يكن يختلف كثيرا عن حالها .. قلبه يصرخ شوقا .. وجسده يتمزق قربا .. وعقله بين قلبه وجسده يستغيث .. وقعت عينيه على شفتيها المكتنزتين بإغراء قاتل  .. ولم يعي لاقترابه منها .. ولا لإغماضها لعينيها .. وكأنها تنتظر ما سيحدث .. لن تكذب فبرجوع عابد لحياتها ورؤيته كان كالصاعقة التي أعادتها لرشدها .. رغم عِنادها معه .. ولكنها بما فعلت كانت تنتقم منه .. لم تكن تدرك أنه اقترب بالفعل لأنها مغمضة العينين ... إلا عندما حطت شفتيه على شفتيها الناعمتين .. ارتعش جسدها قليلا .. فهي لم تكن بهذا القرب من رجل قبلا رغم عملها   ... ولم يفت عليه ارتعاشها الذي سرعان ما زال ... هكذا قربها !! .. وهكذا ملامساتها !!.. هكذا الذوبان بين شفتيها !! ..
" اااه "
خرجت منه بلوعة وكأن ما حدث بينهما كان القسم ليصدقا وجود بعضهما البعض .. وكأن ما حدث هذا حلم تمناه .. أن تكون له .. ملكه .. كم دعا كثيرا بهذا .. وان تكون هكذا أمامه .. بين ذراعيه .. مستندة برأسها على صدره .. كان هذا كثيرا عليه .. وما زاد حالته جنونا .. استسلامها له .. وليس هذا وفقط وإنما كف يدها وأصابعها الرقيقة التي لامست رقبته .. وجال بخاطرة تفكير لم  يكن بوقته أبدا ..
" هكذا كان عملها !! .. "
ابتعد عنها بانتفاضة مما جعلها تفتح عينيها بذعر مدركة ما كان يحدث .. لم تكن تعلم تفكيره .. ولكن ذعرها كان لمجرد التخيل وضعيهما ..
وضعت يدها على شفتيها تتلمسها وكأنها تتأكد مما كان يحدث غافلة عن الذي استقام يمرر يده بشعره بعصبية .. ومازالت هي على جلستها على الأرض .. همست تناديه ..تعتذر أو ما شابه .. أي شيء فقط لتعرف ماذا حدث ..
" عابد ؟! " 
نظر لها سريعاً غير قادر على صرف تخيلاته .. كان يكذب حين قال أن لا فارق .. فخياله لم يرحمه .. يتخيلها بين أحضان هذا .. ويقبلها هذا .. يا الهي سيجن حتما بهذا الشكل .. ولكنها " لُقى " صغيرته .. عند هذا الخاطر .. رجع لمكانه بجانبها مرة أخرى .. بعد أن لانت ملامحه .. جلس بجوارها يحتضن وجهها بين كفيه .. هامسا بطلب ..
" فلنتزوج حبيبتي .. ما رأيك ؟! "
نظرت له بصدمة .. لم تكن تتخيل أن هذا سيحدث .. صدمة سرعان ما تحولت لفرحة .. فأجابت بتساؤل ..
" حقاً عابد ؟! .. تتزوجني أنا ؟!! "
هز رأسه موافقاً بنعم بإبتسامة لم تدرك انها مشبعة بكثير من المشاعر بجانب الحب 
********
" ما رأيك أن تقابلي أمي ؟! "
نطقها حسن للتي تجلس أمامه .. والتي رفعت رأسها سريعا .. هاتفة بتوتر ..
" سريعا هكذا ؟!! .. فلننتظر قليلا  "
" أين السرعة حبيبتي .. وثم أخبريني من منا يجب أن يُسرع .. أنا أم أنتِ .. فكما تعرفين أنا وسيم وكثير من الفتيات يضعون أملهم بي "
عقدت حاجبيها بغضب ..وهتفت بتنبيه ..
" حسسسسسن "
اقترب من مكان جلوسها .. وقال بمشاكسة اعتادتها منه ..
" عيون حسن وقلبه "
حينها لانت ملامحها وهتفت اسمه بدلال ..
" حسسن "
والفرق بين حسن هذه وحسن تلك .. كالفرق بين النار وسائل الشوكولا .. مما جعل الجالس بجوارها يتأوه قائلا ..
"  يا ويلك يا حسن "
والتفت لها بكامل جسده .. قائلا بتصميم ..
" لن ننتظر أكثر ..فلتقابلي أمي .. وبعدها أتقدم إليك ِ "
ولم ينل سوى ضحكة بدلال جعلته يتوعد لها ..فقط تكون ببيته .. وبعدها لكل فعل رد فعل ..
واتفقا الاثنان على أن ترى ياسمين والدته .. سيتدبر موعد يجتمع فيه ثلاثتهم ..لوجوب أخذ خطوة فعلية بعلاقته بياسمين .. هو يعشقها .. ويريد اكمال حياته معها .. ولكن ما لم تدركه ياسمين أنه يفعل هذا ليخفف عبء مسؤولياتها قليلا .. فهي تعمل لتستطيع الانفاق على والدتها واخوتها .. وهذه النقطة خصيصا تجعل قلب حسن يتوجع من أجلها ..فحبيبته تتحمل هذا  لتكون مكان والدها رحمه الله .. ولتنفيذ تفكيره هذا ..طلب من عدة أشخاص أن يبحثوا له عن شقتين متقابلتين في بيت واحد أو تعلو إحداهم الأخرى ...ليستقرا بهما بعد الزواج ويجلب والدتها وأخوتها في مكان واحد معها
********
بعد عدة أيام .. تقف بالمطبخ الخاص بشقته ترتدي قميص بيتي بنصف كم .. ويصل للركبة .. لقد اشترى لها العديد من الاشياء .. منذ أن طلبها للزواج وهي خائفة .. ليس منه .. وإنما عليه .. يجب عليها إخباره بما حدث ... وخاصة مع سؤاله المتكرر لرغبته لمعرفة ما حدث .. ولكنها خائفة ..
خائفة من إخباره ليتركها .. خائفة من نفسها لعدم قدرتها على البوح بما حدث .. فالماضي بالنسبة لها فترة لا تحب تذكرها .. أينعم استطاعت الهرب .. ولكن لم تنجو كليا ...
كانت تقف شاردة وعقلها يغزوه ذكريات لا تحب تذكرها .. ولم تشعر بالذي كان ينادي عليها ولم تسمعه .. فاقترب منها حتى أصبح خلفها وأيضا لم تشعر به .. رفع يده يلمس كتفها ليجذب انتباهها .. فانتفضت الأخرى .. التفتت له .. وليهدئها كانت إحدى ذراعيه تلتف حول خصرها كحماية لها حتى لا تفقد اتزانها ... وحين التفتت ووجدته هو .. استكانت انتفاضتها .. ولم تدرك ليديها المفرودتان على صدره .. ولم يدرك لكف يده التي حطت على ظهرها تقربها منه .. وتتحرك صعودا ونزولا بطول عمودها الفقري .. كان وضعهما كأي حبيبان .. ووجودهما بمنزل واحد كانا كزوجين .. كانا بعالم آخر باقترابهما الخطر .. كان يشدها لأحضانه بدون وعي .. منذ لقاءها وهو يقول أن وجودها خطر غير محتمل له ولأعصابه ولا لرجولته .. وهي لا تساعده أبدا بنظراتها إليه وكأنه كل الدنيا بالنسبة لها .. كانت ترفع عينيها إليه ..  قرّب وجهه من وجها أكثر يلبي حاجته إليها ..  قُرب كان يزداد أكثر وأكثر ..حتى وصل لمبتغاه .. مال اليها وقبلها برقة أذابتها .. وزادته حاجة إليها .. وأججت النيران بقلبه أكثر .. همس اسمها بين شفتيها بتأوه ..
" لُــــــقى "
وما كان منها سوى أنها استندت بجبينها على صدره .. تحتمي به .. تضعف معه وأمامه وتعلم أن خطوة الزواج مهمة .. ولكن عليها أن تفهمه بعض الأمور قبلا .. وله الاختيار في النهاية ..
" أريد أن أخبرك أمراً "
توتر جسده وكأنه على علم بما ستقوله .. هو يريد معرفة كل شيء .. ويعلم أن ما سيسمعه لن يسره .. تمالك نفسه سريعا ولم يعلم أن توتره وصلها ولكنها لم تُظهِر له هذا  .. أجابها ..
" حسناً ما رأيك أن نجلس بالصالة وتخبريني ما تريدين "
أومأت له .. قائلة ..
" حسنا .. اسبقني للخارج سأعد شيئا لكلينا وسآتي وراءك "
ابتسم لها مش مشجعا .. وخرج يكاد ترقبه يقتله .. أما هي فقالت ما قالت حتى تؤخر المواجهة .. وكأنها ندمت عندما أخبرته أنها تريد محادثته ..
بعد قليل كانت تجلس على كرسي بالصالة .. وهو بالكرسي المقابل لها .. تفرك يديها ببعضهما البعض .. والذي أمامها يحاول أن يبدو هادئا ..حتى لا يفزعها .. ويعطيها الأمان للحديث .. تكلم ليحثها ..
" أخبريني لولو .. ماذا هناك ؟! "
تكلمت بتلعثم ..
" أعلم .. أعلم أنك تود أن .. أن تعرف ما حدث .. سأحكي .. ورجاء لا تقاطعني "
إزدرد ريقه بصعوبة .. لقد تأكد من خطورة ما ستقوله فأومأ لها ...فتتابع ..
" عندما هربت من الملجأ .. ظللت أيام وشهور وسنين بالشارع .. كنت أمد يدي لأستطيع تدبر ما آكله .. لم يكن مكان النوم صعبا .. فبجانب أي سيارة أو تحتها ... في مدخل أي منزل .. كانت المشكلة بالأكل .. فكانت عندما تضيق ..كنا نلجأ للقمامة "
" نلجأ !! .. من أنتم ؟! "
" أطفال في الشارع .. يوجد منهم الكثير .. وبقيت معهم حتى لا أكون بمفردي .. كان ما يسير عليهم يسري عليّ .. كانت تمر الأيام شبيهة ببعضها .. كنا ننتقل من مكان لمكان خوفا من القبض علينا .. حتى حدث في يوم وجدنا حملة من رجال الشرطة لجمع أطفال الشوارع ..وقتها لم نكن نعلم ماذا يحدث معهم بعد القبض عليهم .. وبالفعل قُبض على معظمنا .. واستطاع البقية الهرب وكنت ممن هرب .. كنت أجوب الشوارع ..وبالتأكيد لم يكن معي ما يثبت من أنا .. حتى يوم من الأيام كنت أقف في إشارة مرور .. وحاول أحد الرجال التحرش بي ..ولم يقف على هذا .. فحاول جعلي الصعود لسيارته .. "
كانت تتحدث ببكاء .. ولم يرد أن يقاطعها .. بالرغم من رغبته في جعلها تتوقف عن الحديث واخبارها أنهما سينسيان الماضي بكل ما فيه .. وخاصة مع كلامها الذي جعله يؤنب نفسه أكثر وأكثر.. فصغيرته لاقت الكثير من بعده .. وجدها تكمل ..
" هربت منه لإدراكي وقتها ما يريد مني .. كنت مستاءة من كل شيء .. من الناس ..والشارع ومنك ومن كل شيء .. حتى نفسي .. مع الوقت كنت بدأت أعتاد عدم وجودك لدرجة أني نسيتك لفترة طويلة .. أو تستطيع القول من كثرة ما يحدث معي نسيتك .. وبدأت التفكير في نفسي .. لعلي أنجو مما أنا فيه .. ولكن مع نظرات الجميع لي في الشارع جعلني أكره نفسي .. حتى الشارع لم أجد به راحتي ... خطر على بالي وقتها شيء لحماية نفسي من نظرات الجميع .. غطيت شعري بقطعة قماش وجدتها في القمامة .. وغطيت ملامح وجهي بالطين "
توقفت تشهق ببكاء فالذكريات تكالبت عليها ... نطق ليوقفها مقتربا منها .. جثى على ركبتيه أمامها .. ممسكا بيديها بين قبضتيه . هاتفا ..
" كفى لولو .. لا أريد معرفة شيء .. كفى حبيبتي "
هزت رأسها يمينا ويسارا .. وتحدثت مستجمعة شجاعتها .. لا تريد أن تضعف .. تريد أن تنهي هذا الحمل على أكتافها ..
" لا عابد أرجوك .. دعني أكمل لترتاح وأرتاح أنا الأخرى "
هم ليتحدث ويخبرها أن راحته رجعت بوجودها .. ولكنها قاطعته قائلة ..
" كنت أتجول بالشوارع مغطاة الشعر .. وملابس مليئة بالأوساخ .. وملامح مغطاة بالطين .. رغم كل هذا .. الا أني كنت سعيدة برؤية نظرات الاشمئزاز على وجوة الناس من حولي وخاصة الرجال .. حتى جاء يوم كنت أنام به أمام الملهى الذي وجدتني به .. كان رجال الأمن يلقون بي ويضربونني لأبتعد .. كنت وقتها مريضة لم أستطع تحريك جسدي .. ظنا منهم أني لا أريد الذهاب فقاموا بضربي .. "
ذكريات... ذكريات تتدفق على عقلها لا ترحمها .. ولكنها تماسكت وأكملت ..
" حينها حضر مدير الملهى .. ولاحظ حالتي .. وقتها لم أعي  ما يحدث .. فاستيقظت بعد يومين في بيته .. غرفة نظيفة .. نعم كانت لخزين البيت ولكنها أفضل من الشارع .. علمت منه أنه أخذني للبيت ..وطلب مني بعد أن استعدت عافيتي أن أبقى لخدمة زوجته .. تمر الأيام وكنت سعيدة للغاية بوجودي في هذا البيت .. وكنت أحب زوجته جدا .. وهي الأخرى كانت تعاملني جيدا .. كانت تحضر لي ملابس نظيفة .. كانت الوحيدة التي عاملتني جيدا غيرك أنت وحسن .. حتى جاء اليوم الذي تحرش بي زوجها ..وطلب مني العمل بالملهى .. صددته .. وضربني على وجهي .."
سكتت قليلا تأخذ أنفاسها .. غير واعية للبركان الثائر بجوارها .. يكاد يفتك بكل ما يقابله .. سمعها تُكمل ..
" وأخبرني إن تحدثت مع زوجته فيما حدث سيلفق لي أي سرقة ويرميني بالشارع وحينها لن يكون أمامي سوى العمل معه كما يريد .. تحملته وتحملت لمساته القذرة لكي لا أكون بالشارع .. حتى جاء اليوم الذي سمعته فيه يتحدث الى أحد رجاله ..يقومون باستدراج الفتيات والاعتداء عليهن حتى يضطرون للعمل فيما يريدون .. كانوا يرسلون الفتيات للمنازل كتوصيل الطعام .. والطالب هنا لم يكن أي شخص .. أشخاص مهمون ولهم صيت في البلد .. في جميع المجالات.. أناس يتمتعون بالواجهة النظيفة ..وهم أقذر مما يكون.. ولم يقتصر عمله على هذا .. فكان يتاجر بالجنسين على حسب الطلب .. "
" الحقير القذر "
كانت هذه همسته الغاضبة .. التي خرجت بكل ثورته .. وكل ما جال بخاطره " صغيرته " يتخيل في الوضع الذي تحكيه .. سمعها تكمل ..
"كانت فرصتي التي لن تأتي مثلها أبداا .. صورته بهاتف كنت أحمله معي بوقتها .. وهددته بهذا الفيديو حتى يتركني .. ومن هنا وافقت على العمل معه ولكن بشروطي .. أن لا يلمسني رجل .. ولن يكون هناك حفلات أو طلبات خاصة كما علمت أنت .. كان عملي يقتصر على الصالة .. رغم تهاتف الرجال والطلبات الخاصة عليّ الا أنه لم يعارض رغبتي .. حتى صرح لي قريبا أنه يدخرني لمزاجه ويكتفي بوجودي حتى وإن لم ينل أكثر من ذلك فيكفي الأموال التي يجنيها من ورائي .. "
سكتت تنظر لعينه .. وقالت أخيرا باستعطاف..
" لم أشرب الخمر يوماً يا عابد ..رغم وجودي بهذا المكان .. وما فعلته معك كنت لأعاندك فقط .. وحتى عندما يلمسني رجل .. كنت أستحم وأفرك جسدي بقوة علّ احساسي بيدي من لمسني يزول .. كنت أحافظ على نفسي قدر استطاعتي يا عابد .. اقسم لك " ...
سكتت مرة أخير لتقول برجاء .. أو تمني ..
" أنت تصدقني أليس كذلك ؟!! .. "
أومأ لها مبتسما محتضنا لوجهها بين كفيه .. لا ينكر فرحته بأنها حافظت على نفسها ..برغم عملها بمكان مثل هذا .. رغم توجعه عما لاقته .. ولهذا سيأخذ ثأرها حتى وإن كان آخر ما سيفعله في حياته ..
" وأين هذا التصوير لولو ؟! "
" معي .. سأعطيك إياه "
كانت تحتفظ به على بطاقة ذاكرة خاصة بالهواتف .. وتضعه بداخل سلسلة تُفتح لنصفين وترتديها برقبتها .. ولا تغادر رقبتها أبدا ..
حسنا والآن يستطيع التخلص من هذا الرجل .. ولن يكتفي بهذا التسجيل .. سيجمع الكثير من الأدلة الأخرى التي ستضمن بقاؤه أكبره مدة ممكنة بالسجن ..إن لم يُعدم ..
انتبه أنها بدأت حكايتها من وقت هروبها .. ولم تتطرق لما قبل ذلك ..
حركة بسيطة من إحدى يديه ليرفع وجهها لتنظر إليه .. نظرت إليه .. نظراتها رغم سكونها .. الا أنها يشوبها التوتر .. همس بتساؤل سيطيح بعقله ..
" والملجأ  !!! "
سكت ليلاحظ شحوب وجهها .. واتساع عينيها قليلا بذعر .. فهتف ليكمل تساؤله ..
" ماذا حدث بالملجأ لولو ؟!  ... أخبريني "

**********






تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن