الفصل الخامس والعشرون
تحرك حسن من فوره للمشفى .. ناهبا الطريق بسيارته ..
" طردها ؟!! الغبي .. "
ظل يتحدث مع حاله .. وكم يرغب في الوصول إليه ولكمه بوجهه حتى يعمل عقله قليلا .. ماذا به .. هل أصيب بالغباء مؤخرا .. لم يكن كذلك .. نعم لديه كل الحق في الغضب منها فهي من هربت ولم تكلف نفسها عناء مواجهته على الأقل .. ولكن ردة فعله قاسية عليها .. نعم هي تستحق الضرب على أم رأسها هي الأخرى بسبب غبائها ..
" أوووووف "
قالها زافرا بغضب .. ضاربا المقود بقبضته .. فكلاهما غبيان .. أحمقان .. وهو يدور في حلقة مغلقة بينهما ..
وصل المشفى وتوجه من فوره لغرفة عابد .. وأمام الغرفة وجدها جالسة على أحد الكراسي في الممر .. وحين رأته وقفت منتفضة وعينيها ما زالتا تبكيتان .. ربت على كتفها بمودة .. هاتفا ..
" اهدأي لولو .. "
" لم يعد يريدني يا حسن .. نعم أخطأت ولكنه لم يعطيني فرصة للحديث وتوضيح الأمر "
قالتها باكية .. فأعاد تربيته على كتفها .. مصاحبا لقوله ..
" سأدخل للاطمئنان عليه .. وأنتِ استعدي .. ستغادرين معي "
" وهو ؟! "
قالتها بذعر .. فنظر لها بشك .. مستفسرا
" ماذا به ؟! "
" سأتركه بمفرده ؟! "
قالتها بذعر طفولي .. كمن يبعد طفلا عن أمه .. قلب حسن عينه بملل .. وقال بفراغ صبر من غبائهما الاثنان ..
" انتهينا .. استعدي للمغادرة "
وتركها تجلس ببطيء على الكرسي وراءها .. وقلبها يكاد يقفز ويخرج من صدرها طلبا للاطمئنان على حبيبها ..
" أصبحت قاسيا يا عابد "
همستها تمسح دموعها التي لم تنضب منذ أفاق في البداية فرحة بعودته .. وبعدها حزنا عليه وعلى حالها بدونه .. وعلى عدم سماعه لها .. والأقسى .. نبذه لها ..*******
وجد الطبيب بالداخل .. يتمم إجراءات الكشف الشامل له .. ملأ قلبه سعادة لم ينكرها حين وجده بالفعل أفاق .. وشفتيه تبتسم بارتعاش .. غير مصدق أنه عاد .. يحمد الله كثيرا أنه لم يُريهم فيه سوءا .. ليس عابد .. فعابد لهم السند .. رغم قوته الظاهرة .. الا أنه مشتاق للاهتمام .. للحب الذي ظل طوال عمره يعطيه .. واكتفي بوجود من يحب حوله .. عابد ظمآن للحب .. طفل هو في حضرة حبيبته الحمقاء التي تركته لسبب تافه .. عاد يبتسم عندما تلاقت الأعين .. وجه حسن اهتمامه للطبيب الذي قال ..
" سيد عابد .. حمدا لله على سلامتك .. "
حينها تحرك حسن ليقف بجوار عابد موجها نظره للطبيب وسأل ..
" كيف حاله دكتور ؟! "
ابتسم الطبيب بعملية وأجاب ..
" أصبح بخير .. وجرحه في طريقه للتعافي .. ولكن أهم شيء في الوقت الراهن عدم التوتر .. وسيبقى بالمشفى تحت الرعاية لمدة أسبوع كحد أقصى .. وبعدها يستطيع الخروج "
شكر حسن الطبيب الذي غادر .. إلتفت بعدها للراقد مغمض العينين .. البادي عليه الارهاق والشحوب .. اقترب منه أكثر ومال بجزعه هاتفا بقلق ..
" عابد .. أنت بخير ؟! أيؤلمك شيء ؟! "
فتح عابد عينيه ينظر له بضياع .. ماذا يخبره .. أيخبره بكل الألم بداخله.. أيخبره أنه يشتاق حد الجنون .. حد الغضب منها .. يعلم أنها لم تغادر ولم تنفذ أمره .. يستطيع الشعور بها قريبة .. قلبه يخبره أنها هنا .. في محيطه .. يستطيع شم رائحتها .. عبيرها الذي اشتاق له حد الهوس .. وحد اللامعقول .. مسام جلده اشتاقت تتنفس لمساتها على وجهه ... اشتاق لكل ما بها .. المجنونة التي باعته وكأنه لا شيء .. كيف غدرت به بهذا الشكل .. لا يعلم أن حسن يتابع انفعالاته الكثيرة على صفحة وجهه بشماتة .. وكأنه كان ينتظر أن يراه هكذا حتي يشفي غليله ناحيته .. هذا الغبي .. الأحمق الذي لم يعرف بعد ببراءتها .. حسنا .. ولن يعرف قبل أن يُلقنه درسا يستحقه .. اتسعت ابتسامته أكثر .. وهو يميل لأذن الناظر له ..
" لم تجبني يا رجل .. هل هناك ما يؤلمك ؟! "
نظر له عابد قليلا .. وأجابه بسؤال ..
" أين هي ؟! "
أجابه حسن ببراءة مزيفة ..
" من هي !! "
" حسسسسن "
قالها عابد بنفاذ صبر .. وصوته خرج ضعيف .. جعل حسن يعتدل في وقفته .. وملامحه يكسوها البرود .. هاتفا كأن شيئا لم يكن ..
" حمد لله على سلامتك يا أخي .. "
مال مرة أخرى مواجها له .. وهتف بتشديد على حروفه ..
" ليس لديك أي حق في السؤال عنها منذ هذا الوقت .. "
راقب حسن شحوب عابد يزداد .. وعينيه تتسع بذعر نتيجة كلماته .. وأكمل بلامبالاة مقصودة ..
" ولنا حديث آخر يا صديقي.. ولكن بعد اتمام شفاءك "
وتحرك حسن باتجاه باب الغرفة ليغادرها .. بابتسامة شيطانية تعلو ثغره .. ويصله نداء عابد الغاضب باسمه .. ولكنه لم يعيره اهتمام ..
أنت تقرأ
تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..
Romanceرواية اجتماعية.. رومانسية..