الفصل التاسع والعشرون

1.2K 54 4
                                    

الفصل التاسع والعشرون..

أنت لي
ملك حصري لا أحد يشاركني بك لا أحد يتقرب منك  لا أحد يمكنه أن يغيرك
انت لي
مذ خلقك الله وخلقني لا مسافات تفصلنا ..
ولا حدود تمنعنا .. ولا حواجز تفصلنا ..
انت لي قدري انت وقدرك أنا ..
حاولوا أن يفرقونا .. أن يشو بيننا ..
اختلقوا الاف القصص لنفترق ولن نفترق ..
أنت لي شاء من شاء .. وغضب من غضب ..
قال من قال وحزن من حزن ..
أنت لي..

******

في الواقع هو لم يندهش .. ولم يستغرب ما سمعه .. ما استغربه فقط هو التحرك السريع لكل منهما .. مالا يعرفه الجميع أن عابد أصر على عقد قرانه ليضمن وجودها معه .. خاف بل ارتعب أن يأخذها أهلها منه .. وهو ما لن يسمح به أبدااا مهما كانت الأسباب وحتى لو كانوا أهلها .. لن يأخذها منه كائنا من كان ..
استعاد رباطة جأشه وقال مستفسرا ..
" أخبرني ماذا قال لكَ ؟! "
أجابه جسن بذعر من أجل صديقه ..
" هاتفني وطلب مني عنوان بيتك .. وعندما أخبرته بسفرك ضحك وطالبني بالعنوان مرة أخرى .. وإن لم أفعل سيبلغ عنك الشرطة ويتهمك بخطف حفيدته .. "
سكت قليلا وأكمل بتوضيح ما استشعره ..
" لم أشعر تجاهه بأي ريب ..بالعكس الرجل كان هادئا .. وتهديده أعتقد كان بسبب تهربي منه .. ولكني خفت من تنفيذ تهديده بالفعل فأخبرته مطمئنا أنها بالنهاية أصبحت زوجتك .. ولن يقوى على فعل شيء "
نعم .. هذا ما فكر به حسن .. وأيضا ما كان يفكر به عابد .. هو فقط تعجب قليلا .. وعليه التحرك سريعا وتوضيح الأمر لحبيبته قبل مجيء جدها .. أجاب حسن ..
" حسنا حسن .. أغلق الآن وسأتصرف "
" آتي إليك ؟؟ "
كان سؤال من حسن .. ولكنه كان أقرب للإقرار .. فأجابه عابد ..
" ليس هناك داعي .. وسأهاتفك لأبلغك ما حدث "

******

أغلق الهاتف .. وتوجه لمكان وجودها .. وجدها كما تركها ..بالصالة .. كانت تعطيه ظهرها .. اقترب منها وأحاط خصرها واضعا ذقنه على كتفها .. هامسا مما جعل القشعريرة تسير بكل جسدها ..
" لا أصدق أنكِ هنا وأصبحتِ لي "
واقترب بشفتيه مقبلا جانب عنقها برقة .. مما جعلها تكتم أنفاسها تأثرا بما يفعله .. وحين أفرجت عنها كانت تزفر برتابة محاولةً أن تعيد تنفسها بشكل طبيعي .. ولكن كيف وهناك من يعتصرها بين ذراعيه مغيبا لها بقبلاته .. لمساته .. همساته .. متأوهٍ بإسمها بين كل فينة وأخرى وكأنه لا يصدق أنها هنا .. همست بنفس مأخوذ ..
" عابد .. أرجوك "
ابتعد عنها مدركا أن قربها أصبح كالبركان .. لم يفلتها .. أدارها بين ذراعيه .. عينيه تغيم بمشاعره .. أنفاسه لاهثة .. حارة .. ظل ينظر إليها قليلا يستوعب حقيقة ما يحدث .. ولكنه تذكر من سيأتي بعد قليل .. همس سائلا ..
" هل من الممكن التحدث قليلا ؟! .. أريد إخبارك بشيء مهم "
حمدت الله كثيرا على هذا الموضوع الذي يريد التحدث فيه .. أومأت له .. فسحبها من يدها .. أجلسها على أريكة .. وجلس بجوارها .. ممسكا بكلتا كفيها بين قبضة يديه لا يفلتها .. تنحنح ويدعو الله أن يعينه على قول ما يريد ..
" يوم الحادث .. جاءني رجل لمقر الشركة .. وسألني عنك "
" عني أنا ؟! "
همستها بعدم فهم .. فأومأ .  مكملا ..
" سأل عنك .. وكنت وقتها في ذروة انفعالي  ضدك .. "
سكت قليلا .. وهي تنظر له تراقب ملامحه تقسو ... وعينيه تظهر بريقها الغاضب .. مكملا ..
" كان قبلها بوقت قليل  .. هاتفني زين شارحا لي كيف كنت معه في فراشه .. وماذا كنتِ تفعلين لإرضائه "
شهقت والدموع تتجمع بعينيها متخيلة وقع كلام كهذا عليه همست برجاء ليصدقها ..
" كذب .. لم يحدث شيء من هذا "
ابتسم قليلا وقال مطمئنا عندما لاح له عذابها بسبب ما قال ..
" أعلم هذا .. ولكني كنت غاضب .. غاضب بشكل لا أستطيع وصفه .. "
قاطعته ..
" اسفه "
أحاط جانب وجهها ..
" وقتها جاءني الرجل .. وسألني عنك .. أخبرته أني لا أعلم مكانك .. رغم معرفتي مع من أنتِ .. وبعدها حدث ما حدث .. سامحيني لأني لم أخبره مكانك .. ولكن أقسم لكِ غضبي تجاهك أعماني .. فسامحيني حبيبتي "
قضبت بين حاجبيها بعدم فهم .. بعتذر منها وهو من سمع هذا الحديث .. ومن هذا الرجل الذي يقصده .. فسألت بإستفسار ...
" من هذا الرجل ؟! "
نظر لها قليلا .. يعتذر بعينيه ..
" جدك "
للحظة ظنت أن الخطأ في سمعها .. بالتأكيد الخطأ فيها ..
" لم أفهم "
أغمض عينيه بألم ..
" جدك لولو .. لديكِ أهل "
قرأت الجدية بصوته فما كان منها إلا أنها ضحكت بهيستريا .. ولكن ضحكاتها كان يشوبها الألم .. مختلطة بالدموع .. انتفضت واقفة .. تاركة له على جلسته .  وبدأت حديثها بألم ..
" بالتأكيد أنت تهذي .. أهل ؟!! .. وأين كان هؤلاء الأهل وأنا أعيش كل هذا المرار ؟! .. أهل ؟!! "
همست آخر كلماتها بذهول ضاحك .. هم ليتحدث .. ولكن قاطعه رنين جرس الباب .. فعلم أن المواجهة حانت .. استقام متوجها ليفتح الباب ليطل منه من كان محور حديثه منذ لحظات .. جَد لقى ..
" الحاج عبد الرحمن "
تقدم الرجل برزانته المعهودة .. وقف أمام عابد ينافسه طولا ورفعة .. وهمس معاتبا ..
" ظننت أن الثقة متبادلة بيننا "
رفع عابد ذقنه بإباء .. وتملك وحقيقة من يدافع عن ما هو ملكه من الأساس ..
" نعم سيد عبد الرحمن .. الثقة موجودة .. وأثقك بكَ كما أثقك بنفسي .. ولكن أعذرني .. أنا لا أثق بالدنيا .. فتاريخي معها لا يدعو للثقة "
الحاج عبد الرحمن ليس مستاء من فعلة عابد .. بالعكس .. فحفيدته كانت من نصيب عابد ..أبدا لن يقوى على تفريقهم .. وخاصة بعد ما عاشاه سويا .. وبعد ما فعله عابد من أجلها .. ومسألة زواجه منها خطوة محسومة .. هو فقط كان يطمح أن يسلمها لزوجها بيده .. عله يُكَفر عن ذنبه تجاهها .. وأيضا تخرج من بيته .. بيتها هي .. تحرك الحاج عبد الرحمن باتجاه من كانت تقف شاحبة .. منزوية على نفسها .. تتابع ما يحدث أمامها بتيه .. وكأنها لا تستوعب ما يحدث .. تحرك عابد تلقائيا ليقف بينه وبين حفيدته .. مما جعل الجد تعلو عينيه لحظة غضب .. هل يعتقد أنه سيؤذيها هذا الأحمق .. وما زاد غضبه قول عابد ..
" لقى أصبحت زوجتي .. ولن يقوى أحد كائن من كان أن يأخذها من هنا "
كان رد فعلها أن تشبثت بذراع حاميها .. مما فطر قلب الجد من أجل حفيدته .. وانتفخ صدر عابد بحميائية تجاهها أكثر بعد فعلتها البسيطة تلك
فقال الجد بنبرة ملأها الحنان .. والاشتياق .. والاعتذار ..
" إذا كانت زوجتك .. فهي حفيدتي .. بل روح جدها "
قال كلماته الأخيرة هامسا بها .. ناظرا لها بحنان .. وللعجب لمست كلماته داخلها .. لمست اوتار قلبها .. صلة دم من الممكن .. ولكنها صدقته .. ومن الممكن أنها أرادت ذلك .. أرادت أن تعيش هذا .. مد يده لها قائلا وعينيه اغرورقت بالدموع ..
" سامحيني يا ابنتي .. لقد كنت السبب فيما حدث لكِ .. أنا من طردت والدك من بيتي ..أنا من ظلمته وظلمت والدتك وظلمتك بجهلي وغروري .. "
أجهش الرجل ببكاء غير قادر على تحمل الذنب أكثر من هذا .. كانت تردد كلماته في سرها بدهشة ..
" والدي !! .. والدتي !! .. جدي !! .. "
وكأنها تريد تذوق وقع الكلمات وحروفها التي لم تزر شفتيها يوما .. وعندما رأت المسمى جدها بهذا الضعف .. نظرت لعابد الذي كان يراقبها بقلق لا يعلم ماذا يفعل .. ولا ماذا ستفعل هي .. رأي بنظراتها مطالبته  بالدعم .. ولم يقصر حين ابتعد عن مسار جسدها قليلا حيث كان يقف كسد منيع بينها وبين جدها .. أمسك مرفقها يرسل لها دعمه .. وقرأت هي ذلك .. فتحركت بتوتر وتردد باتجاه الجسد الباكي أمامها والذي انشرحت  ملامحه حين رأى مبادرتها .. رفعت يدها بتردد خافت .. قائلة بتلعثم .. وحروف مبعثرة .. وكأنها طفل ينطق حروفه الأولى ..
" جـ .. جـ جـدي "
" يا حبيبة قلب جدك "
قالها الرجل ساحبا لها بين أحضانه .. يحتضنها بجوع .. واعتذار ..اشتياق لابن فقده بغباء منه .. غباء وعناد دفع ثمنهما حياة ابنه وزوجته وحفيدته ..
شعورها الآن لا تستطيع وصفه .. رغم صلة الدم التي تربطهما .. ورغم شعور الاطمئنان الذي شعرته .. الا أنها كانت خائفة .. كانت مترددة .. خائفة من الانجراف بهذه المشاعر وتكتشف أن هناك خطأ ما .. كل ما تدركه أنها كانت غير مصدقة لما يحدث .. عابد هنا .. وأصبحت زوجته !! .. وفي نفس اليوم تكتشف أن لها أهل ؟!! .. هل هي مزحة ما ؟! .. أم أنها تحلم ؟!! .. لا .. هي لا تحلم .. هناك ذراعان تحيطان بها بحنان وعطف أبوي .. هناك دموع تشعر بها تتساقط على جانب وجهها .. مُقبلة من عيون ( جدها ) !! جدها !! كشرت ملامحها مرددة في سرها ..
" جدي"
ثم عادت ورددت تحرك شفاهها بدون صوت ..
" جدي "
ثم همست بخفوت لم يسمعه أحد ..
" جدي "
وعلت الهمسة قليلا .. مع ابتسامة صغيرة ..
" جــــدي "
وعلت الهمسة أكثر حتي وصلت لمسامع الواقفان ..
" جـــدي "
ابعدها الجد قليلا عن أحضانه .. يستفسر بنظراته عما سمعه .. رأي ابتسامتها تتسع أكثر وأكثر .. وشعر بأصابعها الصغيرة ترتفع تمسح دمعاته .. مصاحبة لقولها الحاني ..
" لا تبكِ يا جدي "
" اااااه .. يا لوعة قلب جدك يا حبيبتي "

تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن