الفصل الثالث
( من عابد )
رسالة فراق
اعتني بنفسك جيداً
لا تقترب من أي شخص
يكسرك أو يؤذيك
ولا تنسي أنك تعني لي الكثير،،******
يفتك التفكير برأسه فتكاً .. الصداع يلفه وكأن سكاكين تغزو دماغه ..
لا يرسى على بر .. ولا قرار .. مند غادر سليمان ..وهو يفكر .. هل يتمسك بالصدفة التي أتته .. هذه ليست صدفة .. وإنما منحة من القدر ..
مستقبلهم هنا لن يختلف عن حاضرهم أو ماضيهم .. بل بالعكس سيسوء أكثر .. هذا إن افترضنا بقائهم بداخل الملجأ ولن يتم الاستغناء عنهم بعد تعدي السن المسموح به بداخل الملجأ .. وبعدها يُخرجوهم للحياة وطواحينها .. حسناً وبعد أن يخرجوا .. بالتأكيد لن تكون الحياة ناعمة ووردية وتقابلهم بأذرع مفتوحة وإنما ستتلقفهم الحياة من سيء لأسوأ
فاق من حساباته على تربيته على كتفه .. إلتفت ليرى .. وبالتأكيد لن يكون سوى حسن .. الأخ الذي لم تلده أمه .. أمه !! كلمة لا يدرك لما هي ثقيلة على قلبه ولسانه .. وحينما يرغب بترديدها .. تقف كالغصة لا تُبتلع ..
نظر لحسن .. وابتسم نصف ابتسامه تكاد لا تُرى .. ولكن عين الصديق رأت .. ورأت أكثر بكثير من مجرد ابتسامة باهتة ..
" ما بك يا عابد ؟!! .. منذ يومين وأنت لست على ما يرام .. وبالتحديد منذ ذاك اليوم الذي طلب فيه الحارس انتظار أحدهم "
هذا بالفعل ما حدث .. منذ هذا اليوم وهو مرتبك .. والتوتر يغزوه .. ولا يعلم كيف يُدبر أمره .. لم يرد عابد على صديقه .. حتى ظن أنه لن يرد أساسا .. ولكن عابد تحدث بصوت مهزوز ..
" سأغادر من هنا "
للحظة لم يستوعب حسن ما نطقه لسان الآخر ... فابتسم .. وقال في محاولة للفهم ..
" آها بالتأكيد سنغادر .. سنجد خطة ونهرب ثلاثتنا كما أخبرتني .. "
أغمض عابد عينيه بيأس وألم .. كيف يخبره وهو نفسه لا يستوعب الفكرة أساساً
أجابه بصوت باهت .. وكأنه استسلم للفكرة وليس عن اقتناع ..
" لا يا حسن .. أنا فقط من سيغادر .. ستبقى أنت ولُقى .. وستكون أمانتك حتى أعود "
وهل سيعود .. هل يعلم ما المجهول الذي ينتظره .. سيجازف بنفسه وبحياته فقط تمسكا بأمل مزيف .. أمل زائف يتراقص بأحشائه طربا
يجعله منتشيا بأكذوبة تلفه لفاً .. بل وتسحقه بحقيقة أصبح ادراكها ليس بصعب .. أن ليس لهم أحد .. هم أبناء ملاجئ .. وانتهى ..
ولن ينالوا شيئا أكثر مما ستجود به الحياة ..
" ماذا تعني بكلامك هذا يا عابد ؟! "
" ماذا تظن يا حسن .. لقد تم بيعي وانتهينا "
" ومنذ متى ويتم فرض شيء عليك هنا "
التفت له عابد بعد أن علت نبرة صوت صديقه في الحديث ..
واستقام ليقف قبالته .. وتحدث هو الآخر بقوة منكسرة ..
" أخبرني يا حسن ... سنظل هنا الى متى .. وإن خرجنا !! .. أخبرني إن خرجنا من هنا أين سنذهب .. أنت وهى أمامكما بضع سنين أخرى هنا .. ولكن أنا .. أنا يا حسن من المحتمل طردي اليوم أو غدا .. وحينها لن أقوى على فعل شيء أو حمايتكما من شيء وأنا بالخارج .. أما في هذه الحالة .. فالرجل وعدني بالبقاء على اتصال بكم .. وبعد بعض الوقت سنعود لهنا ..والتقيكم ... ونتجمع مرة أخرى .. "
الجزء الأخير من كلام عابد لم يسمعه حسن ..لأن تركيزه كله صُب في هذا الوقت على كلمة بعينها " سنعود " !! سيعود من أين ؟! ..
وترجم لسان تفكيره لنطق ..
" ستعود من أين عابد ؟! "
نظر عابد لصديقه بألم .. ماذا بيده ليفعله ويخلصهم مما هم فيه .. في كلتا الحالات هو لن يبقى معهم هنا مدة أطول .. مجرد بلوغه السن القانوني .. يرتبون له عمل بالخارج في أي ورشة وانتهينا .. هذا ان لم يهرب قبل هذا .. أو تم بيعه وقبض الثمن مثل ما حصل ..
رد عابد بانكسار غريب عليه ... فهو مثل الجبل يتحمل ما لا يتحمله من هم في سنه .. الا التفكير برفاقه .. هنا يكمن الرجل الحنون داخل عابد .. الحنون والمضطرب تجاه أي شيء يخصهم حتى يطمئن عليهم ..
" سيسافر خارج البلاد .. وسنعود ... "
كان يريد إخباره انه سيعود بعد بضع سنين كما أخبره الرجل الذي
_ اشتراه _ ولكنه لم يقوى على ذلك .. وأكمل مطمئناً ..
" سأطلب منه إعطاءك جميع وسائل الاتصال بنا التي ستكون متاحة .. وتستطيع الاتصال بي من أي مكان كنت به .. ولو حدث شيء .. فقط تخبرني وسأطلب منه المجيء لهنا .. "
يأمل هذا .. يتمنى أن يكون الرجل الذي قابله بهذه الطيبة التي ظهرت عليه .. وترجم أمنيته لكلام ..
" الرجل يظهر عليه الطيبة يا حسن .. بالتأكيد لن يحرمني منكم " ..
سكت ينظر لصديقه بوجع وألم الفراق الذي يأتي مهرولا ..
" في حياتي لم أعرف معنى الأخوة .. أو السند سوى معكم يا حسن "
ثم وبدون سابق إنذار .. ارتمى الصديقان بأحضان بعضهما البعض .. حسن يشهق ببكاء .. وعابد الذي يتمتع بكبرياء ليس له مثيل .. لم يقوى على المقاومة .. فحرر دموعه هو الآخر .. احتياجا منه لذلك ..
أنت تقرأ
تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..
Romanceرواية اجتماعية.. رومانسية..