الفصل العشرون
" لُقى بين أحضان زين "
مع إدراكه لهذه الحقيقة كان يتهاوى مكانه ليسقط على طرف الأريكة الجلدية الموجودة بغرفة مكتبه .. توجه حسن اليه سريعا ممسكا به .. يسنده .. هاتفا بقلق..
" عابد .. ماذا بكَ ؟! "
وأكمل مستفسرا ..
" وجهك شاحب .. ماذا رأيت ؟! "
ومد يده وسحب الهاتف من يد عابد .. وكانت عينيه تتسع شيئا فشيئا مع كل صورة تمر عينه عليها .. ازدرد ريقه .. وعلم أن عايد الآن مُحطم .. ولكن لابد أن هناك خطأ ما .. فهتف يحاول تهدئة صديقه ..
" عابد .. أخي لا تتهور في حكمك على الأمور .. تحدث معها واعرف سبب لما يحدث .. "
" أتحدث ؟!!!!! "
هتفها صارخا .. منتفضا من مكانه وأكمل خاطفاً الهاتف من يد حسن .. مشيرا بسبابته لشاشة الهاتف .. وتكلم صارخا ..
" أتحدث ؟! .. مع من يا حسن .. نائمة بين أحضانه يا حسن .. انظر جيدا لترى .. بين أحضانه .. هل تتخيل ؟! "
كان يحرك ذراعيه بعشوائية غاضبة .. وأكمل يتحرك كالليث المجروح .. يصارع خروج روحه ..
" لم أصدق عودتها لي .. ظننت أن الحياة كانت تُجمع عطاياها لتهبها لي مرة واحدة .. وهي عودتها لي .. "
استقام حسن من مكانه يتوجه له ولكنه لم يتحرك حين وصله صوت عابد المنكسر .. مكملا ..
" لقد أعادت لي روحي التي تركتها بين يديها من ثلاثة عشر سنة .. وعادت لي روحي حين لَمَحتها عيني .. "
سكت يستدير عن مرمى عينين حسن المسلطة عليه .. وأكمل بصوت مرتعش باكي ..
" والآن هي بين أحضان رجل يتمنى موتي "
التفت منتفضا .. مكملا بوجع .. مشيرا لصدره ..
" كانت ببيتي يا حسن .. كانت بين جدران بيتي وحافظت عليها .. كنت أحضر لها مفاجأة .. وكنت سأعقد عليها وتصبح زوجتي التي سأنعم بدفئها أثناء وجعي "
سكت قليلا ينظر لحسن بتمعن .. وأكمل بكل وجعه وألمه ..
" والوجع لم يكن سوى منها "
ألقى كلماته وغادر بسرعة يجر أذيال جرحه .. ووجعه بمن غدر به ..******
اثناء خروجه أوقفه عامل الاستقبال يخبره برجل يصر على رؤيته ولكنه لم يكن في حال يسمح له برؤية أحد .. أو الحديث مع أحد ..
أغلق هاتفه تماما ً وتوجه لسيارته مستقلا إياها وغادر لوجهة محددة .. بيت صغير على أحد شواطئ المدن الساحلية.. بيت كان قد اشتراه رغبة منه في أخذ وقت مستقطع من الحياة بين الحين والآخر ..******
في بيت .. فيلا متوسطة المساحة .. ولكنها مهملة .. في إحدى الغرف تجلس لُقى على فراش الغرفة .. لا تعلم كيف أتت لهنا .. استيقظت منذ ساعات في هذا الفراش ولا تعلم من هو ولا كيف أتت .. بعد قليل دخل الغرفة ممسكا بيده كأس من العصير .. قائلا بود مزيف ..
" أعتذر منك .. لقد سقطتي بين ذراعيي ولم أعلم كيف أتصرف .. لذلك جئت بكِ لهنا "
حينها استدارت له وسألته بخوف ..
" أين أنا ؟! "
" ببيتي "
نطقها ببساطة سببت لها الذعر واستقامت من مكانها متجهة للباب لتخرج .. ولكنها وقفت مصدومة لم تقوى على الحراك .. حين نطق بفحيح ..
" لقد رأيتك مع عابد .. هل تعرفيه ؟! "
استدارت ببطء تنظر له بملامح شاحبة تحاكي الموتى .. وتكلمت ترد سؤاله بسؤال آخر ..
" هل تعرفه !! "
ابتسم بخبث .. يرفع كأس العصير لشفتيه يشرب منه باستمتاع مغيظ .. يضيق عينيه ناظرا لها بلؤم .. ابعد الكأس عن شفتيه وتحدث ببرود ليقتلها انتظارا .. وأخيرا قال ..
" نعم أعرفه .. أعرفه جدا "
سكت يراقب شحوبها أكثر .. يقترب منها .. لاويا شفتيه بأسف مصطنع .. هاتفا بخفوت قاتلا لها ..
" أعرفه وهاتفته لأخبره بوجودك هنا بعد إغماءك .. صرخ بي "
سكت قليلا بخبث مدروس .. وأكمل ..
" وأخبرني أنه لا يعلم أحدا بإسم لولا "
كاد شيطانه أن ينحني له احتراما وتبجيلا بعد عرضه هذا .. وخاصة بعد الألم الذي سطّر ملامحها .. كانت تنظر له بضياع .. لقد تخلى عنها وارتاح من عبئها .. وكأنه كان في انتظار هروبها منه .. وها هي أتاحت له الفرصة .. ولكن ما مصيرها هي الآن .. وأين ستذهب .. حتى المال الذي تمتلكه لن يفيدها في شيء .. وأين ستعمل .. وكيف ستبدأ .. بدونه !! .. هل انتهى عابد من حياتها بالفعل ؟! .. ستنساه ؟! .. مستحيل بالطبع .. سينساها ؟! .. بل الأكيد انه نساها بالفعل .. فكما أخبرها هذا الرجل أنه تنكّر منها ومن معرفتها .. عابد بالفعل انتهى .. هنا فقط كانت تشهق .. تتنفس .. لم تكن تدري أنها حابسة لأنفاسها في صدرها .. وكم تمنت أن تبقى داخل صدرها لا تخرج علها لا تخرج أبدا وترتاح ..
كان زين يقف يراقبها باستمتاع خبيث .. يعي لما يحدث لها .. على علم بقربها من عابد .. لا يعلم الصلة بينهما بالضبط .. ولكن من خلال مراقبتهما عَلِمَ ارتباطهما بشكل ما .. عاد لملامحها المذعورة .. ظل ينظر لها قليلا .. يدرس الوقت المناسب للتحدث .. وها هو أتى ..
" يمكنك المكوث هنا الوقت الذي تريدين .. وأستطيع تدبير عمل لكِ اذا أردتِ "
نظرت له نظرات مهزوزة .. غائبة .. ضائعة .. وكأن الدنيا جميعها تخلت عنها .. همت لتتحدث .. ولكنه قاطعها ممسكا بمرفقها يجذبها لتجلس على الفراش .. قائلا ..
" ارتاحي الآن .. وفكري قبل أن تتخذي أي قرار "
عادت من شرودها .. على هرج ومرج يصلها من نافذة الغرفة المقيمة بها .. استقامت من مكانها وتوجهت للشرفة .. وأطلت برأسها .. ورأت ما كان سبب في ذعرها .. رأت من كان يقف معها صباحا .. ويقف حولة خمسة رجال ضخام ممسكين جميعهم بأيديهم أسلحة نارية ..
ابتعدت عن الشرفة بذعر .. وهمست بخفوت متسائل ..
" يا الهي .. ما الذي أقحمت نفسك فيه يا لُقى "
أنت تقرأ
تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..
Romanceرواية اجتماعية.. رومانسية..