الفصل الثامن عشر

1.3K 57 5
                                    

الفصل الثامن عشر 

غادر الجميع كل ٌ الى وجهته .. وانتهى يومهم بسعادة لم تخلو من أحاسيس لُقى المنافية للسعادة .. ولكنها أجادت إخفاء هذه الأحاسيس جيدا .. واكتفت بوجود عابد بحياتها ويستطيع الناس ضرب رؤوسهم بالحائط اذا اعترضوا .. اقنعت نفسها بهذا الحديث وقررت أن لا تعطي أي شيء آخر أهمية ..
****
أما حسن .. فبعد يومين قرر التقدم رسميا لياسمين .. ولم يخبرها بهذا .. لقد قرر مفاجئتها في يوم عطلتها من العمل والذهاب لبيتها ..
والخامسة مساءً كانت تدق مزامنةً مع دقات حسن على باب منزلها ..
كان يقف وابتسامته مرسومة بسعادة .. حاملاً باقة من ورود الچوري .. تهادى له صوتها من الداخل ..
" لحظة .. آتية "
ابتسم أكثر ودقات قلبه قاربت الوثب وعاندها ضاغطاً بإصرار على جرس الباب ... حتى تراءى له خيالها تفتح بعصبية قائلة بغضب ..
" آتية .. آتية .. الصبر قليـ .. "
لم تكمل هتافها .. ووقفت بفم مفتوح .. وأعين متسعة بذهول .. زادت ابتسامته اتساعا حين لمح ما ترتديه .. وشعرها المرفوع بعشوائية .. وخُفيها .. استند بكتفه على جانب الباب .. وتكلم بعبث ..
" يا الهي .. أهكذا تكونين بالبيت ؟! "
لوى شفتيها .. ونظر لها من فوقها لأخمص قدميها بتقييم .. وأكمل ..
" من الواضح أني سأعيد التفكير في زواجي منك .. فما أراه مجرد طفلة شقية "
وعند ذكر الزواج وكأنها تأكدت من وجوده أمامها .. شهقت بإسمه ..
" حسن !! "
" نعم حسن الذي خُدِع .. وأحب طفلة .. تؤتؤتؤ .. يا خسارة شبابك يا حسن "
أجابها بأسف مصطنع .. لاويا شفتيه .. نظرت له بعد أن تخصرت بكلتا يديها .. ورفعت إحدى حاجبيها ..
" ما هذا الفيلم الذي تقوم به .. لماذا أتيت ؟! "
اقترب منها بعد أن خطا للداخل .. وكانت ترجع خطوته للوراء .. دخل وأغلق الباب بكل وقاحة .. وقال برفعة حاجب ..
" لم آتي لكِ .. أتيت لأني أريد والدتك في موضوع شخصي "
وتحرك لداخل الشقة المتواضعة .. وعلى أقرب كرسي جلس بأريحية .. وكانت تنظر إليه بدهشة غير مصدقة ما يفعله وهمت لتتحدث ولكنها قوطعت من قِبل والدتها حين خرجت من إحدى الغرف الجانبية .. ونظرت له باستغراب.. حين رآها حسن استقام بأدب .. ينظر للسيدة بإبتسامة ساحرة تأسر القلوب .. تحركت السيدة باتجاهه ... ومد حسن يده بتهذيب مُرحبا بالمرأة البسيطة .. التي تعدى عمرها الخامسة وأربعون تقريبا .. اقتربت وسلمت عليه بابتسامة كانت نتيجة لابتسامته .. هتف حسن ببشاشة يمد يده بباقة الأزهار..
" تشرفت بمعرفتك سيدتي ..  هذه الباقة لكِ "
مع آخر كلماته ابتسم بخبث يراقب دهشة ياسمين المرتسمة على وجهها .. جلست السيدة   وجلس حسن الذي حاول أن يكون جديا .. وتحدث عن نفسه دون التطرق للأهل _على الأقل في هذه الجلسة_ .. وقال طلبه بشئ من التوتر ..
" واليوم أنا هنا .. لطلب يد باسمين "
كان ينظر لياسمين التي كان قلبها يقفز بفرح .. لقد فاجئها حقا .. لم تكن تكذب حين قالت عنه أحمق .. وأضافت لهذه الصفة ..أخرى .. مجنون .. ابتسمت حين تشابكت الأعين .. فكان للنظرات حديث ممتع ..
أما والدتها فعندما لاحظت ما يحدث بينهم .. أدركت بوضوح حقيقة الوضع .. فابنتها عاشقة للنخاع .. نظرت لحسن بتقييم .. شاب وسيم .. وله عمله الخاص به .. وهيئته تدل على مكانته .. وهنا أدركت أم ياسمين المأزق الذي ستكون به إن قبلت بحسن .. تنحنحت لتلفت  انتباههم ..
" اسمعني بني "
بدأت حديثها الذي جذب اهتمام حسن وياسمين .. وأكملت السيدة ..
" كما ترى حالنا .. لسنا بوضع يؤهلنا الموافقة على هذا الزواج "
تكلم حسن بصوت مصدوم ..
" لماذا .. ما الذي تقصدينه "
استعادت والدتها رباطة جأشها .. وتحدثت بهدوء ..
" انا لن أقوى على تجهز ياسمين في الوقت الراهن .. لا نملك سوى معاشنا و نعيش على وظيفة ياسمين .. وأنت كما هو واضح .. "
سكتت السيدة مشيرة لوضع حسن الاجتماعي .. تحدث حسن يحاول يثنيها عن موقفها حتى وإن أخبرها عن ماضيه .. الأهم أن لا يخسر حبيبته ..
" ولكن سيدتي .. الموضوع ليس كما تريه "
هنا هتفت ياسمين باسمه .. مقاطعةً إياه ..
" حسسسن "
كانت تعلم ما قد يفعله وما سيقوله  ..
هتفت بألم .. تكمل ما بدأته أمها ..
" ليس هناك داعي مما ستقوله .."
استقامت من مكانها .. ترفع ذقنها بشموخ كاذب .. تنظر له تارة وكأنها تعتذر له .. وتترجاه أن لا يصدق ما ستتفوه به .. وتارة أخرى تنظر بألم وعينين تغشاهم سحابة من الدموع لأمها
" كما سمعت سيد حسن .. ليس لدينا فتيات للزواج "
أعادت نظراتها لحسن الذي استقام من مكانه ينظر لها بزيغ وملامح شاحبة .. ناداها بنبرة متوسلة ..
" ياسمين !! "
أشاحت ببصرها عنه حتى لا يرى دموعها .. ولكنه بالفعل رآها .. فأكمل يُسمع والدتها ..
" أنا أحبك ياسمين .. لا تفعلي هذا "
توجه لوالدتها بجسده وهتف بنبرة متوسلة ..
" لا تفعلي هذا بنا سيدتي .. أرجوكِ ..  ياسمين كل ما أتمنى من الدنيا "
ازدرد ريقه الذي جفّ خوفا من خسارته لحبيبته .. وتكلم ..
" حسنا اسمعيني .. ووقتها لكِ الحكم إن كنت أناسبكم أم لا "
أدركت ياسمين ما يود قوله .. ولكنها لا تريد هذا ليس خزيا منه وإنما حفاظا عليه .. فهو في عينيها سيد رجال الكون وسيد قلبها .. لا تريده أن يتعرى أمام والدتها بشكل يؤلمه .. كانت ستتحدث تمنعه .. ولكن عوضاً عن هذا اتجهت لباب الشقة .. وفتحته وهتفت بصوت تمنت أن يخرج قويا .. ولكن هيهات ..
"  شرفتنا بحضورك سيد حسن .. "
سكت ينظر لها بألم .. خسر حبيبته .. فرحته في دنياه المظلمة .. اعتدل في وقفته .. وتوجه لمكان وقفتها .. وهم ليتحدث .. ولكنها أكملت دورها للنهاية حين تحدثت ..
" سأقدم استقالتي غدا "
وبكلماتها هذه كانت النصل الأخير الذي غُرس بقلبه .. 
*******
غادر من أمامها يكاد يغلي غضبا منها ومن والدتها .. ومن نفسه .. ووضعه .. وزاد كرهه لمكانته الاجتماعية المزيفة أضعافا مضاعفة .. لم تجلب له سوى المتاعب .. سيخسر حبيبته وفرحته الوحيدة بسبب مكانة كرهها بقدر ألمه في هذه اللحظة .. حبيبته التي لم تُتح له الفرصة اخبارها أنه وجد شقتين بالمواصفات التي طلبها واشتراهما بالفعل بالأمس .. لم يسعفه الوقت لإخبارها عن فرحته.. وفضّل إخبارها أمام والدتها ..
وكأن جميع الظروف تحالفت ضده في هذا اليوم .. وجد سيارة تقطع الطريق عليه .. سيارة يعرفها جيدا .. أوقف سيارته بعد  أن وقفت السيارة الأمامية .. وترجلا منها رجلين كالثيران .. تابعان للقطيع التابع _ لوالده زيفا _ .. لم يتحرك من مكانه داخل سيارته .. اقترب أحد الرجلين .. ومال للشباك المجاور له .. وهتف بصوت كريه ..
" الباشا يريد رؤيتك في الشركة .. والآن "
قلّبَ حسن عينيه بملل .. وهتف بلا مبالاة ..
" وأنا ليس لديّ مزاج لرؤية أحد .. فاذهب لسيدك .. وأخبره بهذا "
وكأن الرجل لم يسمع ما قاله حسن .. اعتدل في وقفته .. وفتح الباب المجاور لحسن بعنف .. نظر له حسن بغضب .. فأوضح الرجل ..
" لديّ تعليمات أن آتي بك تحت أي ظرف "
استشاط حسن غاضبا من أفعال هذا الثور وسيده .. ومشكلتهما أنهما حضرا في التوقيت الغير مناسب .. ولكن نظرة واحدة للرجل سيرى تصميمه ... ولن يتوانى في تقيده وأخذه لمن طلبه ..
زفر أنفاسه بعنف .. ومد يده أمسك الباب الذي فُتح ... وأغلقه بعنف ماثل العنف الذي فُتِح به إن لم يكن أشد .. وقال من بين أسنانه ..
" سأذهب إليه دون كلاب تحرسني "
وبالفعل تحرك حسن بإتجاه يعلمه جيدا .. بل ويبغضه كبغضه للبيت الذي كان موطن لعذابه سنوات ..

تراتيل الماضي.. ج١ سلسلة والعمر يحكي.. بقلمي راندا عادل..   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن